• chapter 25 •
أحبَبتُكَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَ الثَّلَاثِينَ مِنْ الشَّهْرِ الثَّالِثِ عَشَر ..
_____________________________
- ماذا تعنين ؟ ما هي " بداية كل شيء " ؟
تسائلت روز في حيرة ، و قد بدأت آناستازيا بالفعل تبحث بين الأرفف المرقمة بأرقام رومانية ، وجدت في قرائتها بعضا من الصعوبة كونها ليست معتادة عليها .
- روز ، قبل كل شيء ، أود أن أعرف ما هي مدينة الملائكة ، ما هو هذا المكان الذي نحن به الآن ، لذا ، سنذهب الى أقدم الكتب التي تتحدث عن النشأة ، نشأة العوالم ، و نشأة مدينة الملائكة .
- صحيح ! نحن بحاجة لمعلومات شاملة ، و على الأقل خريطة لهذا المكان ..
أضاف جوردن متابعا كلام آناستازيا ، لتومئ روز قبل أن تقول :
- لنفترق ، حتى نستطيع تغطية أكبر قدر من المكتبة .
ثم شرعوا في البحث المكثف الذي استغرق ، حسب تقديرهم ، أكثر من عشر ساعات متواصلة ، في النهاية ، و كلما وجدت آنا معلومة مهمة نوعا ما أو غريبة ، دونتها في أحد الكتب الفارغة في ذلك المكان ، لغة الكتب كانت مفهومة للجميع ، فلم يواجهوا مشكلة من ناحية فهمها .
" أظن أن علينا التوقف لهذا اليوم .. "
صرحت روز بتعب بعدما اجتمعوا أخيرا ، ليوافق كل من جوردن و آنا ، التي أردفت بعد برهات من تحديقها بكتاب ملاحظاتها ، الذي كان و بالفعل ، قد امتلئ نصفه تقريبا :
- هناك جملة وحيدة من بين عشرات الكتب التي قرأت ، تتحدث عن مدينة الملائكة ، لكن بشكل غير مباشر ، هي للأمانة غريبة جدا..، و الأغرب أنها وضعت في غير محلها تماما فقد كان الكتاب يتحدث عن فلسفة الخير و الشر .
- ما هي ؟
تسائل جوردن بفضول ، فأرته آنا الكتاب ، ليقرأها بصوت مرتفع نوعا ما :
- انها مسألة نسبية ، فالخير و الشر وجهان لعملة واحدة ، و أقرب مثال على ذلك ، مدينة الملائكة .
- لكننا نعرف مسبقا أن مدينة الملائكة هي أنقى مكان قد يوجد في هذا الكون ! كيف يمكن أن يكون للشر وجود هنا ؟
قالت روز في تعجب بينما تعيد قراءة الجملة ، لتضيف آنا :
- بالضبط ، حتى أن الشخص الذي يحمل في قلبه ذرة شر ، لا يمكنه .. دخولها.
ثم ختمت كلامها بشيء من التردد و قد لمعت في بالها صورة جوانا ، فشعرت بنوع من الضيق لكنها واصلت قائلة :
- هل هذا يعني أن لمدينة الملائكة أيضا جانب سيء ؟ ربما هناك بوابة أو شيء كهذا ..
ليجيب جوردن محدقا في الكتب الكثيرة التي أمامهم بتعب :
- أظن علينا فقط الالتزام بمهمتنا و البحث عن بوابة عالمنا ، هل ذكر الكتاب المقدس شيئا عن جانب شرير أو شيء كهذا ؟
فكرت آنا قليلا قبل أن تجيب قائلة :
- لا ، لم تذكر الينور شيئا عن هذا ، لكني لم أكمل قراءة المذكرات ، فربما كتبتها في الجزء الذي لم أقرأه !
تنهدت روز بخفة ثم قالت قبل أن تعبر الجدار لتخرج من المكتبة :
- جوردن معه حق يا آنا ، سنبحث الآن عن بوابة عالم الثاني و نستغل الوقت لتتدربي على قوتك و تطوريها .
- حسنا..
تمتمت آناستازيا مجيبة قبل أن تلقي نظرة أخيرة على كتاب ملاحظاتها ، ثم عبرت الحائط المخفي لتلحق بروز و جوردن ، لكن فكرة الخير و الشر لم تغادر بالها قط ، فقررت سؤال فلوغا :
- فلوغا ، ما رأيك في الأمر ؟
- لا أعلم حقا ، لكني على عكسهما ، أظنه أمرا جديرا بالبحث فيه و ليست مضيعة للوقت .
أجابت الذئبة بهدوء ، لتزفر آنا مبعدة شعرها الذي أضحى طويلا عن وجهها ، قبل أن تقول :
- نعم ، اضافة الى أنني أشعر بشيء غريب حياله ، يجب علي الثقة بحدسي ، سأبحث في هذا الأمر عندما أجد وقتا لذلك..
ثم صمتت قليلا قبل أن تنتبه أن هناك شيئا ناقصا ، لتتسائل قائلة بشيء من القلق :
- أين ذهب تشيبي ؟
و قد جائتها الاجابة على شكل همهمات تشيبي الناعسة من خلفها ، لقد كان وراءها طوال الوقت ، فابتسمت بخفة ثم حملته بلطف و وضعته فوق كتفها ليكمل نومه .
- اذا ماذا نفعل بخصوص موضوع الطعام ؟
تسائل جوردن هته المرة بعد سماعه الأصوات الصادرة عن بطن روز ، فأجابت آنا مخرجة كتابا آخر من الكتب الذي ظنت أنها ستساعدهم :
- هذا الكتاب يتحدث عن النباتات ، و قد وجدت فيه صورا لبعض النباتات الموجودة هنا ، أظنه سيساعدنا في التفريق بين السامة منها و الصالحة للأكل .
- رائع ، سأذهب لجمع بعضها ، أنتما اذهبا لتفقد بعض المنازل و القصور الأخرى ، توخيا الحذر ..
أجاب جوردن متجها ناحية الباب الخارجي ، لتومئ كل منهما قبل أن تردف روز :
- هذا المكان كبير جدا ، أظننا نحتاج خريطة أو شيء كهذا ..
- معك حق ، كيف يمكننا الحصول عليها ؟
تسائلت آنا لتبتسم روز في توتر ، ثم قالت :
- سيتحول جوردن الى عملاق ، و بما أن ذاكرته قوية جدا ، كباقي العمالقة ، فهو سيقوم بحفظ المكان من فوق ، و نرسم الخريطة وفقا لذلك .
فكرت آنا للحظات قبل أن تقول :
- لا أظنها فكرة جيدة أبدا ، أتوقع أن نعثر على خريطة للمكان في وقت قريب ، على كل حال ، لنذهب الآن .
أومأت روز و انطلقت الى الخارج ، ثم خرجت آنا هي الأخرى من القصر الكبير ، لتقابلها رائحة الحديقة المنعشة ، و كالعادة ، الشمس في منتصف السماء .
- سأحتاج وقتا للاعتياد على هذا .
تمتمت ، ثم قالت مخاطبة فلوغا :
- أين سنذهب الآن ؟
لتجيبها بهدوء كالمعتاد :
- أتذكرين المنزل متوسط الحجم ذو النباتات المتسلقة ، أظننا سنجد شيئا هناك.
حاولت التذكر لكنها فشلت ، فأضافت فلوغا :
- لا بأس ، سأقودك اليه.
سلمت آنا القيادة لفلوغا ، فانطلقت هذه الأخيرة نحو المنزل المنشود ، و تشيبي برفقتها .
و في الطريق ، بينما كانت آنا تتأمل في المعمار الجميل و المناظر الخلابة ، خاصة النافورات ذات الأشكال الجميلة ، قالت فلوغا :
- آنا ، لما لا تستعلمين قدرتك على التحكم في الجاذبية لتري المكان أفضل من فوق ، لم ترق لي فكرة تحول جوردن هنا أنا أيضا .
- رغم أن الأمر خطير نوعا ما ، قد أسقط من ارتفاع عالي فلازلت لا أسيطر على قوتي جيدا ، الا أنني سأجرب .
أجابت آنا بشيء من التردد ، فالحذر واجب في النهاية، فقالت فلوغا :
- لا تقلقي ، يمكنك التحول قبل أن تسقطي و لن يصيبك أدى .
أومئت آنا ثم شرعت تحاول تذكر الطريقة الصحيحة ، التنفس بعمق ، تحرير الروح ، التركيز على الطاقة الزرقاء الناتجة عن الجاذبية الأرضية ، و أخيرا جعلها تتلاشى .
في البداية واجهت نوعا من الصعوبة كونها لم تتدرب عليها منذ مدة ، لكن و بعد عدد من المحاولات الفاشلة ، تمكنت أخيرا من الارتفاع عن الأرض .
- ما .. هذا !
تمتمت بصدمة محدقة بالمكان أسفلها ، بداية ، كانت مدينة الملائكة تبدو كمتاهة صعبة الحل ، بسبب كثرة مبانيها و حدائقها الغربية ، لكن هذا لم ينفي حقيقة أنها كانت باهرة الجمال ، لكن الأمر الذي لم تتوقعه ، هو تلك الغابة ، فقد تبين أن لمدينة الملائكة سور عالي يحيط بها ، و استطاعت لمح بوابته كذلك ، و خلف هذا السور ، امتدت غابة لا متناهية من الأشجار الملونة ، بحيث مهما ارتفعت ، لم تستطع رؤية نهاية أو حد لهذه الغابة .
- من المستحيل أن أتذكر المكان من فوق ، انه كالمتاهة !
قالت آنا بينما تحاول السيطرة على جاذبيتها مرة أخرى حتى لا تستمر في الارتفاع ، ثم أضافت بتذمر: - أين هاتفي عندما أحتاجه ..
- آنا من الأفضل أن تعيدي جاذبيتك !
قالت فلوغا في شيء من التردد بعد ابتعادهما على الأرض كثيرا ، فحاولت آنا فعل ذلك ، قبل أت تقول :
- يمكنني التحكم في قوة الجاذبية كذلك ! سأحاول زيادتها بالتدريج ..
أغلقت عيناها مرة أخرى ثم تخيلت الطاقة زرقاء اللون أسفلها و هي تتجمع ببطئ ، و بالفعل فقد توقف صعودها و بدأت تتجه ناحية الأرض.
لكن و بالرغم من أنها أوشكت على النجاح و الهبوط بسلام ، الا أنها فقدت التركيز على بعد أمتار من الأرض ، و سقطت فوق احدى الأشجار القريبة .
- كان نجاحك وشيكا ، قليل من التدريب و ستتمكنين منها.
قالت فلوغا بتشجيع بعد أن نزلتا من الشجرة ، متوجهتان نحو المنزل ذي النباتات المتسلقة .
- أين ذهب تشيبي ؟ ذلك الصغير يستمر في افزاعي.
و للمرة الثانية جاءتها الاجابة على شكل همهمات خافتة من خلفها ، و هذه المرة من قبعة سترتها ، و قد بدا مرعوبا حتى أن لونه اختلف قليلا .
- أوه أنت هنا ، لم أكن أعلم أنك تخاف المرتفعات هكذا !
أضافت آنا بابتسامة خفيفة ، قبل أن تدخل المنزل جميل الشكل ، و رغم اختلافه الخارجي ، الا أن ديكوره و ألوانه من الداخل كانا مماثلان لأي مكان آخر في مدينة الملائكة .
- أظنني بدأت أضجر ، جميع الأماكن متشابهة !
قالت آنا بتذمر بعد أن ألقت نظرة سريعة ، لتجيب فلوغا :
- من الأفضل أن تعتادي على الوضع ، لا نعلم كم سنبقى هنا..
شرعت آنا بالتجول في المنزل ، و بعد عدة غرف لم تجد بها شيئا ، اضافة الى مطبخ فارغ بأدوات غريبة الشكل ، وجدت أخيرا غرفة أثارت اهتمامها ، فرغم أن بابها كان عاديا ، الا أنها احتوت على العديد من الأشياء التي بدت مهمة ، و أهمها ، مجموعة من المخطوطات التي تتحدث عن مختلف أنواع القوى و كيفية التحكم بها ، فوضعتها آنا مباشرة في حقيبة قماشية وجدتها مرمية فوق أحد الكراسي .
- فلوغا ، انها خريطة !
هتفت آنا بعد أن لمحت فوق المكتب ، خريطة بدت كأنها رسمت باليد المجردة ، فبينت أغلب الأماكن المهمة ، كالقصر الكبير و أماكن أخرى استطاعت آنا تمييزها بعد أن قامت برحلة الطيران القصيرة تلك.
- رائع ! يبدو أن الحظ لجانبنا هذه المرة.
أجابت فلوغا قبل أن تضيف مباشرة :
- عن ماذا تعبر تلك النقط الحمراء في رأيك ؟
فكرت آنا قليلا قبل أن تجيب :
- لا أعلم تحديدا ، لكن أجزم أنها مهمة ، هناك أيضا نقاط سوداء في عدة أماكن ، يجب علينا زيارة هذه المناطق ، لعل هناك خيطا يوجهنا.
ثم أضافت بعد أن استندت على الحائط خلفها و قد بدأت تشعر بالتعب ، فهي تعمل منذ وقت طويل و لم تأخذ وقتا للراحة :
- يجب علينا العودة الى القصر الآن ، لقد مضى بالفعل وقت طويل منذ افترقنا .
لكن ما ان انهت كلامها حتى وقعت في فتحة بالحائط ، الفتحة الناتجة عن ضغطها زر مخفي يؤدي الى مكان مجهول .
- مؤخرتي تخدرت..
قالت آنا بألم بينما تحاول الوقوف ، كان الظلام دامسا و لم تسطتع رؤية شيء ، لكن هته الحالة لم تطل ، فسرعان ما بدأ تشيبي ، الذي وقع فوقها ، يشع ضوءا أبيض قويا ، أنار المكان بطريقة جيدة ، فحملته بين يديها و شرعت تتفحص ما حولها بدقة .
كانت غرفة صغيرة مربعة الشكل، بدت كأنها معمل تجارب سحري أو شيء كهذا ، و قد ذكرتها قليلا بتلك الغرفة أسفل الأرض الخاصة بالساحر روبرت ، و التي تواجد بها القزم المرعب ، على حد قولها .
على اليمين تواجدت طاولة امتدت على عرض الحائط ، احتوت على علب زجاجية بها مكونات لم تستطع آنا معرفة أي منها ، و قد كان أغلبها أعشابا اضافة الى العديد من الرفوف التي حملت أحجارا و أشياء غريبة أخرى ، أما على اليسار ، فقد كانت هناك آلة صغيرة نوعا ما ، لم تشبه أي آلة كانت آنا قد رأتها بحياتها.
أما المساحة المتبقية فقد كانت تعج بالأوراق المتناثرة المليئة بكتابات شبيهة بالخربشات ، اضافة الى العديد من الزجاجيات الشبيهة بخاصة المخابر ، و أشياء أخرى ، لكن الأمر الذي جذب انتباهها أكثر ، هو أن الغرفة تبدو كأن أحدا ما كان يعمل بها ، ثم اختفى فجأة ، و قد جذبت لها هته الفكرة تساؤلات أخرى ، و أهمها ؛ أين ذهب سكان مدينة الملائكة ؟
من هم ؟ و لماذا لا يوجد كتاب أو شخص يعلم ماذا حدث لهم ، فكل شيء في هذا المكان ، يدل على أنه كان عامرا بالسكان يوما ما.
- يبدو أن خروجنا من مدينة الملائكة لن يكون بسيطا كما توقعت ، بداية بأمر الشر الذي ذكر في الكتاب ، ثم مشكلة لماذا مدينة الملائكة فارغة.
قالت آنا مخاطبة فلوغا ، التي كانت تفكر بنفس الشيء ، فهناك شيء ليس بمنطقي يحدث هنا ، ثم أضافت :
- لا أعلم ان كانت الينور انتبهت لهذا و قررت فقط التجاهل و تنفيذ مهمتها ..
لتجيب فلوغا :
- لن أظننا سنكون قادرتان على التجاهل في كل الأحوال ، لكن آنا ، تذكري واجبك في العالم الآخر ، لدي شعور بأن الأوضاع في تدهور مستمر و اذا لم نسرع سيستمر نورثن في طغيانه و سيدمرنا جميعا.
تنهدت آنا على اثر كلمات فلوغا فقالت :
- معك حق يجب علينا اكتشاف مكان .. البوابات !
صمتت قليلا في تفكير ثم أضافت بحماس :
فلوغا أظنني عرفت الى ما تشير تلك النقاط على الخريطة ! على الأرجح أنها بوابات ، أو على الأقل بعض منها .
- صحيح ! هذا منطقي ، لكن لدينا نقاط حمراء و أخرى سوداء ..
أجابت فلوغا ، كادت آنا أن تتحدث مجددا لكنها لاحظت شيئا يلمع أسفل الطاولة على اليمين ، فاقتربت أكثر و انحنت لالتقاطه ، و قد كان مفتاحا صغير الحجم فضي اللون ، يبدو عاديا من النظرة الأولى ، لكن ان دققت أكثر به سيصدمك تعقيده الشديد و دقة صنعه اللامتناهية ، فحملته آنا و وضعته في الحقيبة مع الخريطة و المخطوطات ، ثم ألقت نظرة أخيرة لتتأكد ما اذا كان هناك شيء مهم آخر غفلت عنه ، لكنها لم تجد شيئا ، فقررت المغادرة الآن ، و العودة مرة أخرى .
رفعت آنا رأسها ليقابلها الباب المخفي الذي سقطت منه ، فما كان منها الا أن استعملت قوتها ، و هذه المرة لم تواجه مشكلة كبيرة في السيطرة عليها ، عدى أنها ضربت رأسها بقوة في سقف الغرفة.
- سنعود للقصر الآن ، أشعر أن عقلي احترق من شدة التفكير و الاعياء .
قالت آنا بتعب بينما هي في طريقها الى القصر ، و الذي من المستحيل أن تضيع طريقه ، فهو ضخم يظهر من بعيد ، كما أنه يقع في المنتصف تماما ، كأنه قلب مدينة الملائكة .
- أخيرا ! أين كنتي يا فتاة لقد أقلقتنا !
قالت روز بخوف بعد أن ولجت آنا القلعة ، ثم أضافت بسرعة :
- لن تصدقي ما وجد جوردن !
ردت آنا قائلة :
- في الواقع أنا أيضا وجدت عدة أشياء من شأنها مساعدتنا ، لكن ماذا وجد جوردن ؟
- مخزن ، مخزن كامل مليئ بمختلف أنواع الأطعمة التي قد يتصورها عقلك ، لقد كان بمثابة حلم ! و أنت يا آنا ، على ماذا تحصلتي ؟
أجاب جوردن بأعين حالمة أظهرت بوضوح مدى عمق ارتباطه الروحي بالطعام ، فأجابت آنا بسعادة :
- رائع ! لن يكون علينا أن نقلق على مصادر الطعام اذا ، أما أنا ، فأولا ، استطعت التحكم تقريبا في الجاذبية ، رأيت مدينة الملائكة من فوق ، وجدت خريطة لها ، و معملا سريا ، و أخيرا ، مفتاح يبدو مهما جدا .
- ممتاز ! نحن نتقدم اذا ، سنرتاح لهذا اليوم و نبدأ العمل الجدي غدا ، هناك بعض الطعام فوق الطاولة لمن هو جائع ، سأذهب للنوم .
قالت روز بارهاق هي الأخرى قبل أن تصعد السلالم و تلج احدى الغرف ، بينما أشار جوردن لآنا بابهامه بمعنى ' عمل جيد ' ، ثم اتجه ناحية المطبخ الذي لم يكن بعيدا ، لتلحق به ، فهي أيضا تتضور جوعا .
و كما قالت روز ، الطاولة الكبيرة الملحقة بالمطبخ ، و التي واضح أنها ليست مخصصة للأكل ، فقد لمحت آنا في طريقها الى هنا غرفة الطعام الفاخرة ، مليئة بالطعام الطازج الذي لم يتعب أحد نفسه بالتفكير في مصدره ، جلس جوردن و شرع في الأكل بشراهة ، لتقوم آنا بالمثل ، انتبهت الآن فقط ، أنها أول مرة تكون بمفردها من جوردن ، فبادرت بالسؤال كاسرة الصمت الغريب :
- جوردن ، في رأيك ، أين ذهب السكان الأصليون لمدينة الملائكة ؟
تأخر جوابه قليلا بينما كان يفكر ، ثم قال :
- من الأشياء المجهولة حول هذا المكان ، هو نوع سكانه ، و أين اختفوا ، هذا ان وجدوا اصلا ، لكن تذكري أن هذا الأمر لا يهمنا حاليا ، كل ما نحن هنا من أجله هو أن نعبر لعالمنا.
- حسنا اذا ..
تمتمت و ليس لديها أي نية في التخلي عن أسئلتها حتى تجد اجابة مقنعة ، ثم أضافت بسخرية قبل أن تخرج من المطبخ :
- ليلة سعيدة .
أثناء صعودها الدرج الكبير المؤدي الى الطابق التالي ، كانت تتأمل التماثيل و اللوحات البديعة التي زينت الجدران ، الى أن وقعت عيناها على لوحة جذبت انتباهها ، كانت عبارة عن شخص ملامحه غير واضحة ، لكن بدا من جسده أنه شاب في مقتبل العمر ، و الأمر الأغرب هو امتلاكه جناحان كبيران غطيا معظم مساحة اللوحة ، و فجأة تذكرت جملة كتبتها الينور في مذكراتها ، و غفلت هي عنها تماما ، حتى الآن ، فقد ذكرت أمر يدان قويتان أمسكتا بها أو شيء كهذا ..
- على ذكر المذكرات ..
قالت آنا مخاطبة نفسها ، ثم أضافت بسرعة :
- أنا فارسة ، و الينور فارسة كذلك ، لماذا فقدت هي ذاكرتها عند وصولها لمدينة الملائكة على عكسي ؟ كما أن هناك شخصا أنقذها عندما كانت على وشك السقوط ، و هناك أيضا أمر الرسالة التي وجدتها ، فهذا يثبت أن مدينة الملائكة ليست خالية كما نظن..
صمتت قليلا تستجمع أفكارها ، و واصلت بتذمر ناتج عن الأسئلة الكثيرة التي لم تجد لها جواب :
- لما أشعر بأن هناك عامل مشترك بين كل هته الأشياء التي تواجهني ، أظنني بحاجة لقسط من الراحة..
ولجت احدى الغرف القريبة و رمت بنفسها على السرير قبل أن تغط مباشرة في نوم عميق.
..
وجهة نظر آناستازيا :
أقف وسط حقل من زهور النرجس الجميلة ، بينما احساس غامر من الطمأنينة اللامتناهية يراودني ، لا أعلم سببه حقا لكنني متأكدة أنه مجرد حلم جميل ، صدر صوت من خلفي ، فالتفتت مباشرة ليقابلني صاحب العباءة البيضاء المطرزة ، الذي أرشدني مرة الى بيت الغابة و الذي لطالما زارني في أحلامي ..
أأكون مجنونة لو قلت أني اشتقت اليه ؟
ابتسامة عفوية صدرت عني ، اقترب أكثر مني و لازلت غير قادرة على رؤية وجهه ، الا ذقنه و فمه فقط ، بسبب قبعة عباءته التي تغطي نصف وجهه ، لكن الأمر الواضح هنا هو أنه فارع الطول .
- هل ستجيبني عن أسئلتي ؟
خرج السؤال مني دون سابق انذار ، لألمح ابتسامة صغيرة تشكلت قبل ان يمسك يدي و يسحبني خلفه، كانت يده دافئة ، و شعرت أنذاك بسعادة حقيقية .
توقف في مكان ما و أشار لي كي أجلس ، ففعلت ، ليجلس هو الآخر مقابلا لي ، ثم قال ، و قد كانت هذه اللحظة ، هي اللحظة المنتظرة بالنسبة لي :
- فقط سؤال واحد.
كان صوته جميلا ترك أثرا في أذني ، و مألوفا كذلك فحاولت التذكر أين سمعته ، لكنني لم أستطع ، بغض النضر عن صوته ، هو سيجيبني عن سؤال واحد لذا سأغتنم الفرصة ، فحاولت استحضار السؤال الذي يؤرقني أكثر ، لكنها كانت كلها مهمة ، و في تلك الأثناء ، خرج سؤالي لا اراديا و دون تخطيط :
- من أنت ؟
ابستم بخفة قبل أن يقول :
- أنت بالفعل تعلمين من أنا ، صغيرتي ..
تذكرت الآن أين سمعت الصوت ! انه الذي ساعدني على الخروج من عزلتي بعد وفاة ليندا ! ثم بدأت ذكريات مشوشة أخرى عن طفولتي تظهر لي ، لم أتذكر جيدا ، لكن أغلبها كانت برفقته ، و آخرها ، عندما عدت بالزمن أو شيء كهذا ، انه هو .. أنا واثقة ..
انه نورثن ..
ابتلعت صدمتي بسرعة و قررت التفكير في هذا لاحقا ، قبل أن أتذمر قائلة :
- لكن هذا لن يحتسب ! أنت لم تجبني حتى !
ابتسم مرة أخرى و قال بخفوت و صوت هادئ كالمعتاد :
- لنا لقاء آخر ، و تذكري ، عليك طرح الأسئلة المناسبة ، في المكان المناسب .
ما ان انهى كلماته حتى بدأ المكان حولنا يتشوش ، ثم عدت الى الواقع و وجدت نفسي في مكاني أين نمت سابقا ، بينما يدي لاتزال دافئة ..
لم أشعر الا بنفسي أنام مرة أخرى ، غير راغبة بالتفكير فيه ..
من المفترض أنه عدوي ..
لكن هذا الشخص ، هو فقط مختلف ..
____________________________
أهلا مجددا 🙈
أتمنى أن تكونوا بخير مع الحجر الصحي و ما الى ذلك 😆
أظن الكثير منكم نسي ما كتب في مذكرات الينور ، لذا يمكنكم العودة الى بداية الفصل الثالث على ما أعتقد .
أسئلة كثيرة جدا في هذا الفصل لكن تريثوا فقط ، الفصل القادم ( و الذي سيكون قريبا بالمناسبة ) سيكشف فيه كثير من الغموض هنا 😋
شكرا على تعليقاتكم الجميلة في الفصل السابق😍
استمتعوا ❤ و تأكدوا من البقاء في البيت و المحافظة على سلامتكم ❤
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro