حُبّي الأول |٨|
-
أبعدت يداه عنها وتراجعت بخوف الى الوراء ، رمش وهو مصدوم من نفسه ومن حساسيته التي لم يستطع السيطرة عليها ، فقد أبدى استيائه ضد زوجته التي لا تتذكره حتى .. وفقط لأنها انحنت اثناء حديثها معه ..
نفث هازئاً من نفسه وهو يرفع عيناه للسماء المثلجه .. اطلق زفيراً وسط تحديقها فيه مستغربه .. ومن ثم إرتدى سماعاتي الإذن خاصته وتخطّاها مما جعلها تلحق به قائله
" صباح الخير .. لقد تقابلنا مجدداً .. سيد تاي جيرالد "
توقف فجأه مما جعلها تتخطاه دون ادراك منها ، فالتفتت نحوه بتساؤل لتجده ينظر اليها بصمت ، ولا يبدو راضياً عنها بالنظر الى تعابيره ..
خلع سماعته اليمنى وقال ببرود حينما هبّت رياحٌ باردة تصفع وجهه وجعلت خصلات شعره الملتصقه بجبهته ترتفع قليلاً ، وأنفه المثالي متورّد
" لماذا تلاحقينني ؟ "
زمّت شفتيها بإنزعاج من وقاحته معها .. ويبدو انه نسي ما حصل بينهما .. وكيف انها قامت بإنقاذ حياته من الخطر حين كان متعباً ، او يبدو انه يحاول التظاهر بعدم التذكر ،قالت بجرأة تخفي خوفها منه بسبب طريقة الحديث خاصته
" نحن متجهان لنفس الطريق ، هل تظن أنك شخصاً مهم لكي ألاحقك ؟ هه "
وأدارت ظهرها له تصفع جبينها بيدها وهي تحادث نفسها
" حمقاء حمقاء.. لا تتصرفي هكذا معه "
وحين ذهبت قام بتدليك صدره الأيسر من شدة الألم الذي يكبته ويخفيه عنها وفي كل مرة يتظاهر فيها بأنهما غرباء يشعر بآلاف السكاكين تخترق قلبه ..
فتوقفت فجأه حين تذكرت امراً ما .. مما جعله يقف خلفها مستغرباً من افعالها ، التفتت نحوه مباغته ليظهر تعابير التفاجئ وهو يرمش ثلاث مرات ، لتقول مبتسمه بإرتباك وعلى عجل
" كيف حال صديقك جين ؟ اشكره بدلاً عني "
نظر لشفتيها المتورّدتين ولَم يستطع فهم كل جمله قالتها ، ولكنه أجاب بثقه متزعزعه ، وهو يدسّ يداه في جيبي بنطاله
" أنا بخير .. لماذا تسألين ؟ "
تقدمت نحوه مضيّقه عينيها وهي تقول بينما تقف امامه مباشرةً
" لم أسأل عن حالك ، بل عن حال صديقك ."
لتمدّ يدها وتخلع سماعة أذنه اليسرى قائله
" هل تستمع للموسيقى بدلاً من الإستماع إليّ ؟ "
أشاح عينيه العسليتين عنها ودفع يدها بعيداً يقول بتوتر
" لننهي هذه المحادثة السخيفه .. لا تلحقي بي فأنا لا أفضّل الفتيات قصيرات القامة "
وحين تخطّاها يزفر بأريحية ، عضّت على شفتها السفلى بغيظ طفولي وهي تفرقع أصابعها
" هذا الشاب بدأ يثير حنقي لسببٍ ما .. هل يظن انني احاول نيلَ إعجابه ؟! "
وأدارت ظهرها تلحق به .. أمسكت بمعصمه اثناء مشيه تقول بإنزعاج وهي تستوقفه
" هل هكذا تعامل مُنقِذَة حياتك ؟ "
نفض يدها عنها بإرتعاب حين التفت نحوها مُجبراً ، فهو لم يسمعها ولم يلحظ قدومها ناحيته ، وفعلتها تلك فاجئته وأرعبته .. فقالت مذهوله وهي تراقب تعابيره الشاحبه وهو ينظر اليها كما لو أنه تائه
" هل إرتعبتَ الى هذه الدرجة ؟ .. أنا أسفه "
إبتلع ريقه ومن ثم تنحنح قائلاً بعصبية مصطنعه يخفي فيها خيبته عاقد الحاجبين
" ألا تفهمين ما أقول ؟! كفي عن ملاحقتي كما لو أنكِ تعرفينني !.. وعن الحديث معي كما لو أنني سمحت لكِ!.. وعن لمسي دون إذن!.. أنا أكره الأشخاص الذين يفعلون هذه الأشياء معي "
أومئت له بصمت .. وبدى كما لو أنه قد جرح كبريائها .. هي كانت تعي أنه جار ذو شخصية صعبة المراس منذ اول مرة قابلته فيها في المطعم المقابل الذي تعمل فيه ، وَأنه لَن يتماشى مع شخصيتها العفوية المرحه ، ولكنها كانت سعيدة حقاً لرؤيته ، فقد كان اول شخص تتحدث معه الْيَوْم دون احتساب موظف المحاسبه في المطعم الخاص بها والنادله ، وظنت انه سيبادلها أطراف الحديث حتى لو كان برسمية، ظنت انه سيتحدث معها بلباقه بما انها انقذت حياته .. ولكن يبدو انه نسي حقاً كل شيء حدث ذلك الْيَوْم ..
بل انحنت برأسها بإستياء لتندثر خصلات شعرها البندقي تغطي ملامحه المستاءة امام تاي الذي شعر بالذنب بعض الشيء ، ومن ثم رفعت رأسها تعيد خصلاتها خلف اذنها بأناملها البيضاء تتحدث بعدما تذكرت انه يستاء حين يتحدث معه الأشخاص وهم منحني الرؤوس
" أنا أعتذر على وقاحتي يا تاي جيرالد.. لم تكن نيّتي إزعاجك ، لقد كنتُ أشعر بالوحدة فقط "
ثم مشت في طريقها تتنهد مطئطئة الرأس ، في حين أن تاي أدار وجهه ناحيتها يراقبها تمشي وهالة الكئابة تحيطها .. حكّ جسر أنفه يغمض عينيه محتاراً ، زفر هواءً دافئاً ومن ثم ناداها
" أيتها الآنسه ، قلتِ انكِ تشعرين بالوحدة .. ألن تتناولي معي الطعام ؟ لنعتبرها مكافئة "
إلتفت نحوه تبتسم بسعادة مفرطة .. لتركض نحوه وقدميها تطبعان على الثلج ، وكادت تتعثر وسط تعجّبه من حماسها .. وحين اصبحت واقفه امامه قالت بحماسه
" إذاً أنت لم تنسى ما حصل بيننا ذلك الْيَوْم ! "
نظر حوله بخوف ، ومن ثم أخرج يده من جيبه يدفع جبينها بسبّابته قائلاً
" من يسمعكِ سيظن أن بيننا علاقةٌ ما "
فقالت فجأه بإستياء طفولي
" ولكنني لم أُحضِر المال معي "
رفع معصمه ينظر الى الساعة ، ثم نظر اليها قائلاً بصوتٍ عميق وخشن
" لا أحتاج مالك ... هل المطعم الذي تعملين فيه مفتوح ؟ "
" نعم ، لماذا تسأل ؟ "
" أريد منكِ أن تعدّي لي الأومليت الذي تذوّقه صديقي الثري ذلك الْيَوْم "
" السيد جين ؟ هل أخبرك بأنه ليس على قائمة الطعام ؟ كما أن الْيَوْم يوم إجازتي "
رفع حاجبه وقال برسمية
" إنها الظهيرة ، وأنا جائع "
فأغلقت فمها تبتسم ، هي تعلم انه شاكرٌ لها .. ويبدو أنه مِن النوع الذي يكره التصرف مع الأمور العاطفية بشكل مباشر فهو يحاول أن يوصل لها رسالة تقول ؛ أنه سيمضي معها بعضاً من الوقت بما أنها وحيدة .. وهذه مكافئتها على انقاذه .. وهذا ما كانت بحاجته الْيَوْم . . انه تمضي الوقت مع شخص اخر بدلاً من ظلها الاسود .
دخلت المطعم ليدخل خلفها ينظر نحوه بصمت وهو يضع يداه في جيبا بنطاله .. ركضت تتوجه نحو أحد الطاولات وأزاحت لأجله الكرسي تقول له اثناء تحديقه فيها
" إجلس هنا ريثما أعود ، سوفّ أُعِدُّ لك الأومليت "
همهم برضى وبعدها قال وهو ينفض الثلج عن كتفيه
" سأنتظركِ "
استمرت بالتحديق به مذهولة من الشبه الكبير بينه وبين صديق طفولتها،ومن ثم أدار رأسه قليلاً يحدق فيها بعينيه العسليتين .. وقال بتساؤل
" يا آنسه .. لماذا تحدقين بي ؟ هل وقعتِ بغرامي ؟ "
ضحكت بعفوية على كلامه ، تقدمت نحوه ومن ثم قالت هامسه وهي تحاول كبت ضحكتها
" الجميع يحدق بِكْ ، لأن هناك كومة ثلجٍ تغطي قبعتك ، لدرجة انني استطيع بناء رجل ثلج من مجرد استخدامه "
قرّب وجهه نحوها في حين ان ظهره أنحنى بسبب قصر قامَتَها امامه ..
" وأنا أكاد لا اميّزُ لون شعركِ بسبب الثلج الذي يغطيه "
فقالت بحرج طفولي وهي تحاول نفض الثلج عن شعرها
" حقاً ؟ أين ؟ "
أمسك بكلتا معصميها يبعد يديها عن رأسها فحملقت فيه بفضول ، وبعدها نفض بأنامله فتات الثلج الكريستالي من على شعرها البندقي .. ليمرر أنامله الحنطية من خلال خصلات شعرها ، بعدها اسقط ذراعه يقول بهدوء
" لقد أزلته .. كفّي عن التصرف كما لو أن حشرةً حطّت فوق رأسك "
فهمست له بغيط طفولي
" هذا محرج بالنسبة لي أنا .. لا تسخر "
و حينما دخلت المطبخ .. جلس تاي يضع ساقاً فوق الاخرى .. بعد نصف ساعه وصلت يوري ووضعت طبق الأومليت امام طاولة تاي وبجانبها كأس ماء .. قرأ تاي المكتوب فوق الأومليت بالكاتشاب بصوت مسموع مستغرباً
" تاي تاي ؟ "
جلست أمامه على الطاولة تتكئ بذقنها فوق راحة يدها تنظر ، فنظر الى شفتيها .. بينما كانت هي تنظر لعينيه وقالت
" أليس إسمك تاي...تاي ؟ "
رفع حاجبه يقول وهو يشير بإصبعه الى اسم تاي تاي المكتوب فوق طعامه
" ولكننا لسنا مقرّبان إلى درجة أن تكتبي اسمي بهذا الشكل "
برزت شفتيها بتملل وقلّبت عينيها تقول
" من المفترض ان تشكرني ، فإسم تاي تاي غالي على قلبي .. انه لشرف ان أناديك به "
صمت غير قادر على التعبير وهو يحدق فيها ، بعدها سألها سؤالاً عشوائي
" هل تؤمنين بالفضائيين ؟ "
فقالت بحماس
" نعم ! كيف علمت ؟! "
رفع حاجبيه مدهوشاً ثم عاد الى وضعية (عدم الإكتراث حتى لو احترق المكان باكمله ) يقول
" جيد ، إذاً أنا لن اثق بك .. عموماً انا لا اثق بأي شخص يُؤْمِن بالفضائيين .. انهم طفوليين وأغلبيتهم يثيرون المشاكل ويتهوٌرون بحجة خوض المغامرات "
" انها معتقداتي الخاصة ، كل طَعَامِك ولا تتدخل فيها "
ابتسم ابتسامةً صغيره بإستمتاع ومن ثم أخذ الملعقه وقام بأكل اول لقمه وسط تحديقها فيه تنتظر ردة فعله بفارغ الصبر ..
توسعت عسليتيه لتسقط دمعه مباغته اثناء ما كان يأكل بصمت .. ارتبكت يوري وهي تميل برأسها كي ترى وجهه
" لماذا.. تبكي ؟ "
زمّت شفتيها بضيق عاقدة الحاجبين .. لم يرفع عينيه الغارقتين بالدموع نحوها .. ولكنه استمر بالأكل بهدوء وهو يبتسم بحزن .. مسح دموعه بكمّ قميصه ثم رفع رأسه نحوها يقول
" طَعَامِك يذكرني بجدتي .. لقد كانت تُعِدُّ الأومليت لي أنا وحبي الأول بنفس هذه اللذاذه حين كنّا صِغار .. لقد شعرتُ بالحنين بفضلكِ "
ولم يكن ذلك تلميحاً لها .. بل كما لو أنه تصريح .. كأنه يريد منها أن تتذكره .. وبيأسٍ كان يتأمل تفاصيل وجهها يبحث عن تعابير الدهشة..
****
موقف مفضل ؟ ، رأيكم بالفصل ؟
تم التعديل ✅
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro