مشاعر لربما موجودة
مياسة :
درب الرحلة طويل والصمت يرن بيني وبين من أحببت ، لقائنا كان أبرد من الثلج ، لم أتوقع وجود طرفين يحولان بيننا .
تخيلتُ أن لقائنا سيكون حميمياً ، سيضمني ليدفنني بين أضلعه وسأبكي هادرةً كل دموعي أحكي له ما قاسيته في غيابه . كل هذا تبخر وصدمني الواقع بلقاء عادي وكأننا لم نفترق لأربع سنوات كاملة وبتلك الطريقة .
حينما تعب من ألحاحه صمت ، حاول بشتى الطرق سؤالي ، لا أدري هل هو سعيد أم تعيس لكوني حية !لكن هذا لا يشكل فارقاً فهو تخطاني او بالأصح لم يمر بي يوماً فلم أكن بالنسبة إليه سوى مراهقة وقعت بحبه وقعة مميتة وماتت فعلياً !
والآن عادت تخبره بكونها لم تمت أصلاً ، ما حدث لي قد حدث بالماضي وكتمتهُ بقلبي ، لم أخبر ولن أخبر لا أمي ولا ساري .
خطر ببالي نوران ، مات ميتةً شنيعة على تلك الجزيرة ، لا زالت ذكراه تلازم مخيلتي ، أشتاقه وأشتاق لصوته حينما يندهني .
أفتقد لعبنا وجلوسنا معاً ، كل لحظاتنا الجميلة ، ماذا لو دفنوه حياً كما فعلوا معي ؟
خطر هذا الأحتمال كثيراً بذهني ، لكن على حسب قول ساري فقد كانت جثته مشوهة تحديداً وجهه لأن أحد القرود قام بمهاجمته !
لو كان على قيد الحياة يا ترى ماذا كان سيفعل؟
ساري لم يخبرني سوى أنه مشارك ورفاقه في الثورات ضد الملك الحالي والشعب بدأ ينتفض لأجباره على التخلي عن عرشه .
وأصريتُ على مرافقته لكوني سأقدم لهم يد العون . له تحديداً .
فأنا أخشى أن نفقد بعضنا من جديد ، ماذا لو تأذى ؟ ماذا لو لم يعد ؟ خفت كثيراً من هذه الأحتمالات فأصريتُ على مرافقته وتوديع والدتي من جديد أحدث فراغاً بداخلي .
الحرب كالنار تارة تخمد وتارةً أخرى تتقد ، ونجحت أكثر البلدان بالحصول على ولي عهد صالح او أقامة مجلس مؤلف من ممثلين عنهم ليحكموهم.
أمور سياسية لن يهضمها عقلي ، فقد يأتي زمن ويتحول هذا الأختيار لخيار خاطئ ويصبح الحاكم الجديد ظالم كسابقه .
او ربما تحصل الشعوب على نهايتها السعيدة ويعيشون بسلام .
بدأنا نقترب من ألأدخنة المتصاعدة ، المدينة شبه محطمة ، ورجال كانوا بأنتظارنا .
نزلت وساري وبقيت خلفه ، رحبوا به بحفاوة وعرفني عليهم بشكل مختصر .
قادني لحيث طاقم طبي تبرع بعلاج المصابين من الثوار ، عملي كمسعفة سيساعد بالتأكيد لذا أنخرطت وسطهم تاركة ساري عند رفاقه .
_________________
ساري:
ما حصل أشبه بالحلم لكنه بطريقةً ما واقع ملموس ، مياسة كانت حية طوال هذهِ السنين ، لا وبل غدت طبيبة أعشاب متمرسة !
عند من عاشت طوال هذه الفترة ؟ وأين كانت ؟ أسئلة ستظل بلا جواب ما لم تفصح هي عن جوابها .
بدت هادئة بشكل غريب ، أشعر بها غريبة عني ، ليست تلك الطفلة المتعلقة بي .
لربما لكونها نضجت وغدت شابة وتفكيرها تغير . لكن ما بال كل هذا الغموض ؟
ما أيقنته أنها مياسة الجديدة مختلفة عن مياسة القديمة كثيراً ، مملوءة بالغموض ، تحيط نفسها بجدار عالي البنيان لتحمي شيئاً ما بداخلها !
وضعها وما حصل جعلني مشتت ، أطمأننت على الثوار المصابين ، سلمتُ على عوائلهم . راقبتُ عمل الطاقم الطبي ومياسة أنخرطت وسطهم وأبلت حسناً بمعالجة الجرحى وخياطة جروحهم .
مكاننا هنا مكشوف لذا قررنا الذهاب لمقرنا السري ، ثكنة عسكرية مهجورة وسط الغابة .
بينما أختبئ جنودنا في منازلهم المحطمة مع عوائلهم التي لم تجد مهرباً .
توجهت مع قادة النضال راكبين العربات ومياسة رافقتنا مصرحة برغبتها بالبحث عن أعشاب مداوية داخل الغابة فوافقت على مضض .
حينما ننتهي ويمر كل شيء على ما يرام سأحصل منها على ما أوده من أجوبة .
_______________
أفترقت عنه وتوغلت داخل الغابة تحمل فانوساً ، أرتدت بنطال من الجلد كشف عن جسد ممتلئ صارخ بالأثارة جعلت عيون من مع ساري يتفحصونها بدهشة وكأنهم لم يروا يوماً أمرأة بجسد جميل كخاصتها .
وجهها مشع كما القمر على الرغم من أن شكلها عادي لكنه شديد الجاذبية للجنس الآخر . وطبعاً حتى ساري لم تقل نظراته دهشة .
كانت بنية جسمها قوية ولم تشعر بالخوف وهي تتوغل داخل الغابة .
لاحظ أحدى ساقيها التي لا تبدوا طبيعية ! مشيتها كانت غريبة ساقها تلك بدت كعصا تتكئ عليها فزادت ريبته .
تبعها بعد أن ساوره الفضول دون جعلها تشعر به يستضيء من نور فانوسها .
رآها ترقد على جذع قديم وخلعت بنطالها !
أنشده برؤية تلك الساق الخشبية ! من الفخذ قدمها مقطوعة ! تسارعت نبضات قلبه وألتمعت عينيه بلمعة خفيفة .
نزعت تلك القدم وراحت تدلك موضع القطع الذي بدا ملتهباً أحمر اللون وتكرمش ملامحها بألم .
عالجت نفسها ونظرت فوراً لمكان وقوفه وكأنها شعرت بمن يحدق إليها وسط الظلام فخافت وأخرجت خنجراً من أسفل قميصها صارخة :
-من هناك !
عقدت حاجبيها وقدحت سوداوتيها شرراً فأنسحب على الفور تاركاً إياها .
آلاف الأسئلة تتدفق لعقله . ما الذي جرى لقدمها ؟ من قطعها لها بتلك الوحشية لدرجة أن نصف فخذها غير موجود !
بالنهاية تهاوت جالسة بعد أن أتكئت على قدم واحدة بصعوبة . ستطلب من الرجال تعليمها القتال فكل ما مرت به من أحداث زرعت خوفاً وزادها حذراً .
قد يتم أسرها وسط المعركة لذا ستتعلم المبارزة بالسيف وستشتري واحداً وستحمله على خصرها أضافة للخنجر الذي تحرص على تخبئته.
أعادت لمستقره أسفل ثيابها الداخلية تحت القميص وشرعت تتأمل المكان تترك مكان الجلد المتقرح يتعرض للهواء فتشعر به يلسع بقوة .
مر عليها وقت طويل وهي تستخدم القدم الخشبية التي ينفذ خشبها لداخل جلدها فيؤذيها لذا قررت أن تذهب لحداد ليصنع لها قدماً من معدن تحوي تجويفاً كي لا تشعر بالألم عند أرتدائها .
الجو بارد نسبياً ونسيت أثر تأملها للمكان شعورها أن أحد ما كان يراقبها فلبست القدم وبنطلونها وشرعت تمشي باحثة عن أعشاب مفيدة لربما تساعدها بعلاج المرضى أضافة لعلاج تقرح قدمها .
عادت بعد مضي الوقت وهي تشك بأن أحد الرجال كان يراقبها بنية سيئة فخافت ومكثت داخل خيمتها .
ليدلف ساري وتتفاجأ من وجوده وكأنه كان ينتظر قدومها بفارغ الصبر .
جلس أمامها وبدون أي مقدمات سئلها :
-كيف فقدتي قدمكِ ؟
عاقد الحاجبين مصر على أخذ الجواب منها .
-أ كنتُ تراقبني ؟
عقدة شديدة ارتسمت بين حاجبيها ، الغضب تأجج بداخلها شعرت بالخجل كونه رآها شبه عارية لكن كان هذا آخر همه .
-مياسة أخبريني أين كنتِ وأين عشتي وما الذي حصل لكِ .
نبرته الحادة جعلت قلبها يتقافز بين أضلعها . فحولت بصرها عنه وتوترت . تخافه حينما يغضب .
أخبرته مختصرة قدر الأمكان ولا تدري لما لم تخبره من البداية .
وكأنها لم ترد مشاركة ألمها معه ، ورغبت بالخروج من حياته من جديد .
صمت ولم يجد رداً، الدماء الكثيرة التي غطت ثيابها وقتها جعلته متأكد أنها ميتة ، زرقة شفتيها وشحوب وجهها .
كانت جثة هامدة بين يديه لكن بسبب فزعه حينئذ لم يتلمس نبضها .
إذن كل ما حدث هل كان خطأه من البداية ؟ لقد دفنها حية وعافرت للخروج من قبرها .
ماذا لو لم تخرج حينها ؟ لم يرد جواباً على هذا السؤال بالذات لأنه بالفعل بات يشعر بالذنب يتآكله من الداخل .
-أريد أن أتعلم القتال بالسيف .
قاطعت حبل أفكاره بطلبها بنبرة هادئة منه وكأنها لم تُحدث بحكايتها له زوبعة بداخله .
تفهم سبب طلبها وأومأ دون جواب . خرج متمنياً لها ليلة سعيدة .
صوتها يرن داخل رأسه وحكايتها تتردد بذهنه مراراً وتكراراً .
ما قاسته كان قاسياً عليها وهو ما صنع منها أمرأة قوية تعتمد على نفسها .
راقب القمر البازغ بالسماء وتنهد . إذن مياسة فعلاً ماتت وحلت محلها مياسة جديدة .
______________
هافين تلاعب صغيرتها وأم مياسة خلدت للنوم بالفعل .
وبذكر من أسمت أبنتها على أسمها فهي لم تحبها مطلقاً .
لا تفهم سبب كره تلك المرأة لها ولأبنتها ولا تحاول حتى أن تخفي هذا الكره والأمتعاض منهما .
خشيت أن تكون واقعة بحب زوجها وهذا سبب نفورها .
لكن متى ؟ هل يعقل أنها لا زالت تحبه من أيام مراهقتها كما أخبرها ساري من قبل .
كان يتحدث عن مياسة شاعراً بالحزن عليها لكونه يعتبرها طفلة وكأبنة له .
لكنها الآن عادت من موتها ! كيف يا ترى .
تلك المرأة لا زالت تحب زوجها ، مما أثار غريزة الأنثى بداخلها . غيرتها أتقدت وأشتعلت حينما أدركت أنهما معاً الآن .
ستطلب من زوجها التخلص منها بأي ثمن وبطريقة لا تشعره بنيتها السيئة .
ستتحجج بأي حجة ، ستفعل أي شيء لطردها من حياتهما قبل أن تأخذ منها زوجها .
لكنهما معاً الآن يا ترى ما الذي ستفعله ؟ هل ستنجح بإيقاعه بشباكها ؟
خافت عند هذا الحد ولهت عن صغيرتها التي تناديها .
يتبع ..........
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro