Chào các bạn! Vì nhiều lý do từ nay Truyen2U chính thức đổi tên là Truyen247.Pro. Mong các bạn tiếp tục ủng hộ truy cập tên miền mới này nhé! Mãi yêu... ♥

١٩

رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ
‏﴿اهدِنَا الصِّراطَ المُستَقيمَ۝صِراطَ الَّذينَ أَنعَمتَ عَلَيهِم﴾
وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ
ثقيلتان في الميزان : سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم.

***
تصويت ، تعليق💞
**

كان الظلام يخيم على داخل المنزل ايضًا ، في طابقه العلوي ، فقط في اقصى الممر غرفة مفتوحةٌ يتسرب الضوء الأصفر منها ، بررت كلوديا "انهن نيام ، لا شيء يفعلنه كما يقلن فقررن النوم ، احتجاج صامت." و ابتسمت ، تنظر بفضول للفتاة الاخرى التي لم تحاول ان تخفي نعاسها حتى ، تحاول ان تتصيد الشبة بين الفتاة و معشوقها ، لكن نظرة واحدة منها اخبرتها تمامًا انها لا تشبه جون بأي شيء ، كان لآيلا سحنة جميلة ، ملامح حادة ، حاجبين يكادان يكونان مقطبين ، لكن عندما تبتسم فأنهما يرتخيان ، تبدوا ايلا كفتاةٍ رزينة حالِّمة ، لكن هنالك شيء بها يجعل كلوديا لسبب ما أكثر انتباهًا ، كأنها تهمّ بشيء للحظة و باللحظة التي تليها تفعل شيئًا معاكسًا لما همّت به ؛ مثل عمّها ، لكن آيلا أرق ، او هذا ما تبدوا عليه ، لا تستطيع كلوديا الحكم بعد

عندما دفعت باب الحجرة ، وجدت ليلي هناك على السرير توليهم ظهرها وتغط في النوم ، للحظة قصيرة ثبتت نظرها على ابنة عمها الغائبة في دنيا الأحلام ، تفكر بكلام كلٍ من اليانور و هايلي ، لكنها تراجعت في اللحظة الأخيرة واستدارت لآيلا التي تحدق بها الآن بإستغراب و قالت "جيد ، لديك رفقة هنا." ثم افسحت المجال قليلًا ، كان هنالك جسدٌ في السرير الأول يوليها ظهره ، استطاعت ان تألفة قليلًا ، لكنها لم تكن متأكدة وحين فتحت فمها لتتحدث كانت كلوديا قد اختفت فجأة و بسرعة ، تلفتت ايلا حولها بريبة وتساءلت "ما خطبُها؟" ثم دلفت الى الغرفة ، كانت انارتها الصفراء باهتةً وخافتة والتي اتضح في النهاية انه مجرد مصباح قراءة ليلي تُرك مضاءً لأي سببٍ كان ، لكن القراءة لم تكنه ، كما خمنت آيلا ، لأن الغرفة لم تكن تحتوي على كتابٍ واحد ، ومع هذه الاضاءة الخافتة ، سارت قليلًا في الغرفة تضع حقيبتها الخفيفة ارضًا ، كانت قد أعطت صورةً واضحةً لمحتوياتها ، ورق جدرانها نقشت عليه اغصان أشجار عارية ، اثاث داكن اللون ، وأرضية خشبية مغطاة بسجادٍ أخضر ، الستائر ايضًا كانت غامقة اللون ، وربما كانت خضراء ايضًا ، لكن صفارُ الاضاءة منعها من التمعن العميق ، سارت الى السرير الخاوي وجلست عليه ، تنظر للفتاة النائمة في سكون ، ثم خلعت حذاءها وتلقي به جانبًا ، فحط بلا اذى على بعد خطواتٍ منها ، نظرت لليلي النائمة نظرةً اخيرةً تتأكد منها ، ثم خلعت قميصها وارتدت بعجل أول بجامةٍ لمستها اصابعها من داخل الحقيبة ، ثم مشت ايلا بروية على رؤوس اصابعها ونظرت من النافذة كعادتها دائمًا قبيل النوم ، نظرها لم يكن بسبب عادتها نفسها فقط ، انما فضولًا لم يحجبه النعاس حتى ، لترى الجنة السوداء التي خيل لها ان اشجارها عمالقة يمدون بايديهم لحملها بعيدًا ، عدم وجود اي منزل بالجوار او مسكن جعلها تشعر بالانعزالية في هذا المكان ، و كأنه بقاطنيه يريدون ذلك ، ان يبقوا بعيدين ومعزولين ، واي شخصٍ متطفلٍ غير مرحب به

اغلقت الستائر ثم المصباح الذي بات يزعجها بعد ان اعتادت عينها الظلام  ، ودست جسدها في السرير ، النوم قد طار من عينيها بمجرد ان وضعت رأسها على الوسادة ، و من حيث هي شاهدت شاشة هاتفها تنير داخل بنطالها الذي كانت قد طوته ووضعته على حافة السرير مع الكنزة ، سحبته واخذت الهاتف منه ونظرت ، فإذا به رقمٌ غريب ينير الشاشة ، ورسالة تظهر منه يقول فيها "مرحبًا يا جميلة، مر وقت طويل بشكل غير متوقع ، أليس كذلك؟"

لم تألف الرقم ، و لم يبدوا كرقمٍ فرنسيٍّ ، ففتحت هاتفها ونقرت على الرسالة ، تتفقد أولًا الصورة الشخصية ، والتي اخبرتها بهوية ذلك الشخص بعد ثويناتٍ من محاولة عصر ذاكرتها ، لقد كان رقم ذلك المتلصص الذي تلصص عليها حافيةً في الحديقة ، الذي رقص معها ، صاحب الرفقة الجيدة ولكن الطريقة المتلاعبة و المتملكة في ابقاء جسدها ضد جسده ، اصابعه القاسية التي جعلتها تشعر بطريقة ما انها تلعب بالنار بمجرد رقصها معه ، لكن ايلا كانت حازمةً ايضًا ، أكدت له بطريقتها انها ليست بشخصٍ يخضع لأحد ، مع ذلك نقرت له بعد لحظةٍ من التردد تساءلت فيها ماذا عساها تكتب له وكيف طرأ له ان يحادثها والآن "مرحبًا."

انتظرت للحظات ، وشاهدة انه يكتب ، بقيت خلالها تحاول ان تعصر عقلها لتتذكر اسمه ، جاءها الرد سريعًا "اهذا فقط؟ 'مرحبًا؟' سيؤلم قلبي ان نسيتي اسمي فوق ذلك-وهذا ما اتوقع انه قد حدث-"

ابتسمت قليلاً "حسنًا .. هذه الحقيقة مع الأسف."

"اوه هذا مؤلم ، ولا اعتقد انني استحق هذا ، انا كريستيان."

"عذرًا كريستيان..بالي مشغول كثيرًا و لست بشخص متفرغ على الدوام."

"لا يهمني ، انا اطالب بتعويض"

"كماذا مثلًا؟"

انتظرت لثانية فقط قبل ان تجد شاشتها تُنير مجددًا برسالته الواضحة و الصريحة "اخرجي معي.." واضاف "سأحب ان اعوض عن تلصصي عليك تمشين حافية في حديقة منزلك ، قلتِ ان ذلك ازعجك؟ ليكن .. سأعوض عليك ، وانتِ ستعوضين علي نسيانك لإسمي."

"ولماذا علي ان اعوضك؟"

"لأنني رجلٌ لا يُنسى يا آيلا"

اعتدلت جالسةً و ابتسمت بتلسية ، بعد لحظة من التفكير كتبت بشكل سريع "حسنًا ، كنا بها ، بعد اسبوع حين اعود من ادنبرة موعدنا ، و يستحسن ان يكون الامر يستحق."

"سيكون ، اعدك، تصبحين على خير." اغلقت الهاتف ووضعته جانبًا ثم دفنت رأسها في الوسادة

***

قرر الزوجين ان يقطعا المسافة بين منزلهم ومنزل جيرانهم مشيًا ، البرودة كانت شيئًا جيدًا لكليهما ، وتحت ضوء القمر الأبيض الشحيح مع انارة مزرعة جيرانهم تخبو من ورائهم كان الطريق واضحًا ، يتأبط ادوارد ذراع زوجته الساكنة الغارقة في بحر افكارها و يبطء من سيره حين بزغ ضوء سيارةٍ من خلفهم حتى ابطئ صاحبها ، كان ذلك سائقهم الذي قال وهو ينزل النافذة يحادثهما "يا سيدي ، هل تريد مني ان اعود بعد ان أوصل السيدة ميلاني؟"

"لا ، سنكمل سيرًا ، ليلةً طيبةً لك."

و راقباه وهو يسير ببطءٍ مبتعدًا ، قال ادوارد "فتىً جيد."

"اجل انه كذلك."

"ما بالك ، مشغولة البال؟."

"لا شيء ، افكر فقط."

"بماذا؟."

نظرت له ، غير واثقةٍ من اعلامه ام لا ، كان زوجها قد ابدا ضائقًا من اخر مرةٍ فتحت فيها فمها عن موضوع جوليا او اي شيءٍ يخصّه ، لكنه ايضًا بعينيه الماكرتين التين تعرفانها جيدًا ، أمر بهدوء "اخبريني. ايًا كان ما يجعلك صامتةً اريد معرفته."

"انه عن ستيفان.."

قطب حاجبيه ، كانت اجابتها غير متوقعةٍ ، وسأل مجددًا "ماذا به؟."

"مؤخرًا لاحظت به شيئًا غريبًا ، انه لا يبدوا على طبيعته اطلاقًا ، يبدوا شاردًا و مكتئبًا ، هل تظن انه يلوم نفسه على ما حدث لجون؟." كان سؤالها الأخير قد طرحتهفي الفراغ تفكر فيه هي نفسها ، تنتظر إجابة ما ، غير تلك التي في رأسها

"ستيفان لم يكن موجودًا ليشعر بالذنب مما حدث لجون .. لم يعرف اصلًا الا بعد يومين ، و لقد رأيته حينها ، يشعر بالأسف على ابن أخيه ، نعم ، من منا لم يفعل؟ ، لكنه لا يحس بالذنب."

"لو تسألني أنا لفضلتُ ان يختنق بذنبه، البليد"

فتح ادوارد عينيه بوسعها مما قالته زوجته ونظر لها أخيرًا ،متوقفًا عن المشي وموقفًا إياها معه "أتسمع اذنك ما يتفوه به فمك.؟ انا لا أفهمك .. ساعة تقولين يا ويلتي ابني يشعر بالذنب و ساعة تلعنينه وتتمنين ان يحترق بذنبه."

ضيقت ميرديث عينيها "في الواقع نعم ، لو تعلم ما في رأسي لقلت ما قلته ، لو لم يسكت عن لسان زوجته الطويل منذ البداية لما دخل حفيدنا الى المستشفى و لما أصلا تشاجر مع والده ، لكن ماذا؟ انها لا تخطئ في عينك ، انت فقط من تُخطِئُ من تريد."

نظر لها ادوارد غير مصدق ان الأمر دار وعاد له "هل أصبحت انا المخطئ الآن؟"

"ليس هذا مهمًا ، انا اتحدث عن شيء وأنت انظر الى ما جعلتني اقوله.. سألتك متمنيةً ان تقول ان ما اراه ما هو الا شعور بالذنب لما حدث جون ، لكن لا ، وهذا ما اخاف منه اساسًا ، ماذا لو كان يفكر بجوليا بعد ان رأى ايلا؟ المرأتين تتشابهان ، اعرف ذلك ، استطيع ان أرى ذلك ، لا تقل لي تشبه بلايك او ما شابه .. انها ابنة امها حقًا ، لا اريد ان يتأثر بلايك من تأثر أخوه ، لا اريد ان يتشاجرا مجددًا، ولأجل ماذا؟ امرأةٌ ميتة."

"هراء .. انهما اعقل من ذلك بكثير ، ولقد تجاوزاه." ومع ذلك ، وجهه اصبح اكثر صلابةً وهو يفكر بما قالته ، غير مقتنع بإجابته

"انت لا تفهم ، انا اعرف بلايك جيدًا كما اعرف راحة يدي ، انه يستطيع ان يكون حاقدًا ، و ربما يكون كذلك اصلًا ونحن لا نعرف .. لقد أحبّها في النهاية." صوتها كان خافتًا عندما همست بجملتها الأخيرة الحزينة و المشفقة ، تفكر بذلك الأبن العاصي سيء الطباع

و التزم ادوارد الصمت ، يسيران معًا بخطاً متهادّة ، الارض تحتهما زلقةً من الهتان الذي حط عليهم من جديد ، لكنهما لم يمانِعا ، كليهما كان يغرق في همّة و بأفكاره الخاصة لدرجة انه لم يؤثر بهما ولم يلحظاه الا متأخرًا

اخيرًا نطق ادوارد "لن يحدث ذلك...سنتحدث مع ستيفان ان كان هذا يطمئنك."

"وماذا عن العاصي و ابنه؟.."

"سنحل هذا ايضًا."

"اخبرني و كيف عساك تفعل ذلك؟."

"انظري حولك ، لماذا لا يحدث ذلك؟ لا خيار اصلًا ، جون عليه ان يسمح لأبوه ان يقف امامه ويبرر له ، نعم بلايك ربما يكون مخطئًا ، انا من يشاركه الخطأ في النهاية لأنني انا من أخبرت الطفل انها ميتة ، وجون إن اراد ان يحاسب ابوه فليحاسبني معه ايضا، الفتى أصلا يقفل باب غرفته ولا يسمح لي انا بالدخول وإن دخلت ادعى النوم كي لا اتحدث معه ، حتى إليزابيث ، انها تعتبر كأمٍ له في النهاية يتجاهلها، انه منزعج ، اتفهم.."

"ماذا تتوقع اصلًا؟ لقد جرح ، نحن خنا ثقته ، ما زال صدى صوته يتردد في رأسي عندما قال لها انه يتوقع كل شيء من كل احد الا هي ،
لكنه مسالم يا ادوارد ، لحسن الحظ انه اكتفى بذلك ، تعرف انه لا يرفع اصابع الإتهام على أحد وإن فعله فإن سيخفضها في النهاية و يبقى في صمته وهذا ما يؤلم قلبي فوق كل شيء ، يا ليته يرعد يزبد كوالده الذي لا يبقي شيئًا في خاطره ، كنت لأرتاح اكثر من هذا الصمت المقيت..مع ذلك لا تجبره على شيء."

"ولذلك انا مطمئن ، ليس علينا ان نجبره على شيء ، انه ولدٌ طيبٌ في النهاية ، جيد بما فيه الكفاية ليغفر .. انه ابوه بعد كل شيء ، سيعطفان على بعضهما بطريقة ما ، سيفعلان ذلك ، اعرف بلايك واعرف جوناثان."


***

هبت النسائم الاسكوتلندية باردة ، لكن جسد الرجل الجالس على طرف السرير مقابلًا للنافذة المفتوحة على مصاريعها لم يرتجف للحظة ، زجاجة الويسكي كانت بجواره على المنضدة فارغة الا من القليل فقط ، وكان يوشك على شربها ايضًا لكنه شعر بنفسه دائخًا ، و بشعور المرارة يتفاقم في حلقه ، نهض بقدمين لا تعرفان اين تسيران في ظلام الغرفة الحالك ، و دفع باب الحمام ، سالت دموعه من عينيه لالتقاء الضوء المفاجئ بحدقتيّه التين اعتادتا على العتمة بالساعات الماضية ، و وقف مقابلًا للمرآة بعد ان اقفل الباب وراءه واوصده ، تنفس من منخاريه بقوة ، و فتح الصنبور دافعًا برأسه اسفل الماء الثلجي ، شهق عدة مرات من صدمة البرودة ، وعندما رفع رأسه تأمل نفسه كان شاحبًا ، لحيته نمت على ذقنه ووخزت اصابعه عندما لمسها يتمعن في نفسه ، اسفل عينيه كان هنالك سواد ، وعينيه نفسيهما كانتا حمراوين من السَّكر ، الذي ذهب عنه ورجع عقله بعد ان اقحمه في الماء ، سال الماء باردًا على وجهه واستعاد وعيه تمامًا شيئًا فشيئًا ثم حدق بإنعكاس عينيه المهمومتين الحمراوتين ، و التين لمعتا بالتصميم من جديد "لا شيء ، لا شيء سيحصل ، انا فعلت ما توجب علي ان افعله ، فعلت خيرًا."

فتح باب الحمام و تنقل بالغرفة بحركةٍ محمومةٍ يبحث في حقائبه عن عدّة الحلاقة ، حتى انه كاد ينزل ليسأل اخوته او ابناءهم عن واحده ، الى ان لمح الحقيبة الصغيرة ، حملها كشخصٍ يحمل أهم شيءٍ في حياته بين يديه ، ووضعه على المغسلة ينظر الى وجهه نظرةً اخيرة ، فتح الحقيبة واخرى الموسى ، بللها بالماء البارد ، دهن وجهه بكريم الحلاقة ، ثم ببطءٍ و روية ، كشخصٍ محترف و واثق ، وكأنه لم يكن سكيرًا بائسًا يغرق في ظل الذنب العظيم ، حرك الشفرة على بشرته ، استغرقه الامر خمسة دقائق لينظر الى وجهه المألوف من جديد ، غسله لمرةٍ اخيرة ، وراقب الماء يتسرب في الحوض ، ثم اعاد الموسى لمكانها في الحقيبة واغلقها ، اخذ مكانه على السرير ، واغلق الاضاءة واغمض عينه ، لحظات فقط ، قبل ان يفتح الباب ويشم الرائحة المألوفة لعطر زوجته القوي "حبيبي؟" ندهت بصوتٍ خافت ناعم تتأكد من نومه ، و لم تجد من ردٍّ مقابل ، فدلفت بدورها الى الحمام ، عندها فتح ستيفان عينيه الحمراوين محدقًا في الظلال المتحركة ، دون كلمة.

***

مستلقٍ على السرير ، خطر له في غمرة افكاره السوداء ذلك الظرف في درج سيارته بين الأوراق ، فاعتدل جالسًا ، وبجانبه ، انقلب جسد كاميلا توليه ظهرها دون ان تبدي اي حركةٍ تدل على استيقاظها ، فانتظر للحظة ، غير متأكد ، حتى سمع انتظام انفاسها .. ثم نهض و مشى في الظلام يخرج من الغرفة ، كان الرواق ساكنًا الا من جلبةٍ خفيفةٍ في احد الغرف ، و سمع صوت نايت واحدهم يتحادثان بخفة و يلقيان بعض الاشياء هنا وهناك ، تجاهلهما ومضى في سبيله ، بقية الغرف يطغى عليها الهدوء و الظلام ، و صار يمشي في طريقه واثقًا من حدسه ومعرفته نفسها.

عندما وصل الى السلالم تمسك بالدرابزين ، و اصبحت الرؤية عندها اكثر وضوحًا ، بسبب الانارة بالخارج التي اطلت من النوافذ المشرعة ، عندما خرج هبت نسمةٌ باردة جعلته يسترخي في مكانه
.
ثم تابع السير الى سيارته يدير المفتاح في يده بشرود ، ضغط الزر.
واتخذ مكانه في السيارة ، انار المصباح وبقي لثويناتٍ لتعتاد عينيه على الضوء المفاجئ ، ثم انحنى للمقعد المجاور ناحية الدرج يفتش بداخله عن الظرف الذي اقحمه فيه منذ اسابيع ، لأنه لم يعرف ماذا يفعله به ولا يزال لا يعرف ، كان الوقوف امام جون دون ان يؤذي احدهما الآخر أمنيةً تبدوا مستحيلة ، بيد انه قرر انه لن يجبر ابنه على اي شيء حتى لو عنى ذلك مصلحته الخاصة ، المهم ان يرضى عليه بطريقة ما ، او يتقبله على الأقل ، سحب المغلف الذي أعطاه له جايمس ، في ضوء السيارة الأصفر ميز انبعاجات الورق المقوى التي تضم بين ثناياها الرسالة ، حدق فيها للحظات ، يصارع نفسه و يتساءل في ذاته  ، هل من الحكمة ان يعطيها لجون؟ لا يعرف ما قد يقوله ذلك الرجل و ربما يؤثر عليه ، على نحو متزايد  ، راح بلايك يفكر في ذلك الرفض المتزايد ، الذي ربما قد يضم ايلا أيضا لو قرر جون ان يفتح فمه و يحرضها ، لكن جون لا يفعل ذلك ، يعرف ابنه جيدًا رغم البعد بينهما و رغم انه لا يراه و يكتفي بالمراقبة بعيدًا ، امسك بالقداحة و اشعلها يحدق باللهب المتراقص امام وجهه ، انه ليس منقطع الرجاء ، لكنه عالق في التردد و الخوف ، هذا الخوف الذي اخذ يمتد في جوفه يتبع ظل الشك الذي حط أيضا و بدأ يتوسع و يلتهم كل شيءٍ داخله ، بما في ذلك استقراره و ثباته ، فتش حوله حتى تذكر انه تخلص من السجائر عندما أوصل ايلا من فورِّه ، فزفر بقلة صبر ، و اخذ المجلد و خرج من السيارة ، ضاربًا بالباب خلفه

***

استفاقت ايلا من نومها المتقطع ، تشع بالكسل و لكن رغبتها بالنوم تلاشت تمامًا ، بعد لحظاتٍ من التحديق في السقف الذي ترسم بحر من ظلال اغصان الأشجار تتحرك مع النسيم الهادئ الشتوي ، واتخذ الوهم اشكالًا غريبة وأخرى مخيفة ربطها عقلها مرغمًا بالأشجار العملاقة التي مروا بها هي نعسة في المقعد الخلفي ، لذلك وجدت نفسها متيقظةً تمامًا ، ارتفعت من السرير و اشعلت المصباح الأصفر الشفيف بحذر ، ثم نظرت الى ليلي  و وجدتها تغط في نوم عميق ، ببطءٍ اقتربت من النافذة حتى ارتطمت أنفاسها الساخنة بالزجاج ، عينيها الخضراوين نظرتا في البعيد بشرود ، ثم اخفضت نظرها و استدارت ، فتحت حقيبتها التي لم تملك لا الوقت و لا الرغبة في افراغها و تناولت قميصًا قطنيًا و سروال ، غيرت ملابسها ببطء ، مشطت شعرها برؤوس أصابعها ، تناولت أيضا شالًا محبوكًا بنيًا كان لجدتها استعارته منها في وقت ما و بقي معها ، عندما ادركت انه لجدتها دفنت وجهها فيه تشم رائحتها ، رائحة باريس و رائحة البيت و رائحة كعك الليمون الشهي ..

وضعته حول كتفيها و أبقت انفها فيه ثم بحثت حولها لتفتش في حيبة يدها وتخرج المغلف المهترئ من آثار البلل ، واخرجت من الكيس البلاستيكي الالبوم الذي حصلت عليه قبل ساعات ، الذي حتى في الضوء المعتم كانت نقوشه باهرةً تحت اصابع يدها تعطيها إحساسا بالقدم نفسه ، بأمها المحبة للآنتيكات ، تنهدت وهي تحس بالشعور الحلو و المر في الآن ذاته الذي اجتاح صدرها كموجة ، و استعادة نفسها سريعًا ، ثم أغلقت النور و خرجت من الغرفة .

كانت النوافذ المفتوحة جعلت الطريق امامها اكثر وضوحًا ، و بطريقة ما كان اشد وضوحًا مما كان عليه بالأمس ، استخدمت ذاكرتها و عثرت لحسن الحظ على الدرج الذي اخذها للأسفل ، مبقيةً المغلف و الألبوم قرب صدرها وكأنها من الممكن ان تفقدهم في العتمة ، كان الأثاث رغم الظلام واضحًا لدرجة ملموسة و حية ، الهدوء يجتاح الزوايا كلها ، مشت بخطوات حذرة الى الغرفة حيث كانوا يجلسون اول الأمر عندما وصلت البارحة ، كانت الآن خاويةً تغرق في الظلام ، لكن ، في قلب هذه العتمة ، كن جمرات صغيرات ما يزلن حيات في المدفئة ، يبعثن بالحرارة و الضوء في هذا الحيز الفارغ ، مشت اليهن ، و جلست على الأريكة الجلدية المبطنة تضم ساقيها اول الأمر وتحدق بهن في شرود ، حتى غيرت وضعيتها سريعًا و قررت اذكاء النار ، رمت بحطبتين في قلب الجمرات وحركتها بصبر بالقضيب المعدني ، اضطرت لأن تحشر ورقة أقطعتها من التقويم فوق المدفئة ، ثم راقبت النيران تتنامى شيئًا فشيئًا ، حتى بدا ما حولها جليًا في الضوء البرتقالي ، عادة لتتخذ وضعيةً متكاسلةً على المقعد تغمر أنفها بالشال بسرحان في النيران المتصارعة ؛ التي للحظةٍ فكرت بأن تضع يدها داخلها كما فعلت مرةً عندما كانت بالسادسة من عمرها ، الذكرى نفسها كانت ضبابيةً للغاية ، ولا تدري لماذا فعلت ما فعلته ، لماذا سحرها منظر النيران الملتهبة تلتهم الحطب و الورق في المدفئة ، وتحت تأثيرها -العجائبي- ، وضعت يدها ، ثم صرخت بقوة دون ان تقدر على التحرك ، واندفع جسد أمها من المطبخ ، وكذلك جارهم الذي دخل من فوره لأن الباب كان مفتوحًا اثر الصرخة المتألمة المريعة وحملها بين ذراعيه بعد ان استوعب ما يحدُث ، اخذاها الى اقرب مستشفى و ليلتها نامت ايلا في حضن والدتها ، في زاويةٍ بعيدةٍ جدًا عن المدفئة التي قررن كلًا من جدتها و والدتها انهم لن يوقدوها مجددًا أبدًا حتى يفهموا سبب فعلتها لفعلتها ، كان صعبًا على آيلا ان تشرح لهما لماذا فعلت ذلك ، كان صعبًا عليها ان تشرح شيئًا لا تفهمه ، لكن أمها حملتها في حضنها و احتضنتها بقوةٍ تهمس بصوتٍ خافت "كالفراشات يا آيلا ، حلوة وجميلة ، تنجذبين الى النار، لكن من الآن يا طفلتي لا تكوني فراشة .. او كوني ، لكن تعلمي درسك ولا تقتربي من النيران."

بسرحان ابتسمت ايلا ، و مدت اصابعها الطويلة الى قلب اللّهب لتجرب عصيان وصية أمها بعد كل هذه السنين ، أحست بالحرارة تلفح جلدها بنعومة جعلتها ترغب بمد يدها أكثر ، حتى قال صوت غريب "ماذا تفعلين؟."

بفزع بقيت يدها معلقةً في الهواء ، والتفتت بحثًا عن مصدر الصوت ، كان الرجل يقف في بقعةٍ لم تطلها النيران بضيائها ، و لعله كان يراقبها حتى أحس بالخطر مما هي مقدمةٌ على فعله ، لم تفتها نبرةُ الاتهام المستنكرةِ في صوته ، ونهضت بسرعة تبرر موقفها كمذنب "معذرةً .. لم استطع النوم وظننت انه لا ضير من ايقاد المدفئة." نزل الرجل الدرجات الباقيات ، وشاهدت ملامحهُ واضحة ، كان وجهه يدل على أنه قد حلق منذ فترةٍ قريبة ، حاجبيه الغامقين مقطبين حتى يكادان يندمجان ، لسبب ما ، ذكرها تعبيرُه المقتبض بوالدها

وقطع المسافة بينهما ، يضع قدح الجين على المنضدة و يمسك بيديها بين يديه يتفقدها ، رمشت ايلا باستغراب ونظرت له ، فنظر له بدورها مبقيًا يديها بين يديه "هل يخيل لي ام انك كنتِ موشكةً على ان تقحمي يدك في النار؟."

"هذا ما تتخيله." سحبت يديها من يده واحتضنت جسدها بالشال فوق كتفيها "معذرةً مجددًا ، اتمنى انني لم اسبب اي ازعاج."

"لا مطلقًا ، لا شيء لتعتذري منه اصلًا ، انا ايضًا لم يراودني النوم في هذه الساعة.."

أخذ قدح الجين مجددًا ودفع بكل ما يحتوي في حلقه ، كان وقوفه امامها اخيرًا وهي مستيقظة وبكامل انتباهها تنظر اليه بعينيها الخضراوين المألوفتين يفقده توازنه الذي استعاده بصعوبة ، كانت ايلا تنظر له بعجب ، و علقها أخبرها في اللحظة التالية انه ربما يكون الأخ الثالث و الآخير لآل سالفاتور ، ابن ادوارد ، وأخ بلايك .. الذي عثر عليه في قلب باريس و اقنعه بالعودة الى الديار مجددًا ، تراجعت ايلا خطوتين الى الخلف ، و استعاد ستيفان هدوءه و رزانته ، نظر الى الموقد و قد حلّت عقدت حاجبيه أخيرًا ، حينها بدا وجهه المرهق مسالمًا

"اذن .. لماذا لم تنامي يا صغيرتي؟."

"لأنني نمت في الطريق ، اعتقد انني نلت كفايتي."

"هل نحتسي القهوة معًا؟."

لم تجد سببًا للرفض ، وقالت "ليكن ، سأحب ذلك."

"جيد ، لأنك ستعدِينها ، فأنا لا أعرف .. واخر مرةٍ حاولت ، زوجتي كادت أن تطلقني."

ابتسمت ايلا "حسنًا ، نحن لا نريد ذلك ، اين اعثر على المطبخ؟."

ترك قدح الجين خلفه و مشى أمامها يقود الطريق ، تبعته ايلا ، و بنظرة خاطفة الى الساعة الانتيكية الرهيبة وجدت ان عقاربها تشير الى الثالثة و العشرون دقيقة ، كان المطبخ اكثر حداثةً مما يظهره مظهر البيت نفسه ، فتش ستيفان عن القهوة ومستلزماتها بينما ايلا تنظر حولها تتفقد ارجاءه

"لا اعلم اين يضعون الاشياء ، لا اعتقد اننا سنستطيع تدبر أمرنا."

"عادةً تكون القهوة في دولاب المعيشة ، وهو ذاك الشفاف." مشت له متجاوزةً اياه الذي اخذ وقته يتلفت حوله بغير فهمٍ لما تعنيه ، و اخرجت ايلا من ذات الدولاب كيس القهوة تلوح به ، ابتسم ستيفان "ياللهذا .. انا الان اشعر بالمهانة."

"كيف تشرب قهوتك يا سيدي؟."

"ستيفان ، انا ستيفان .. اعذري لي هذا ، لم نتعرف كما يجب لكنني اعرفك يا ايلا ، طبعًا ، ولو ان بلايك لم يعرفنا ببعض كما يجب .. انا اكون عمك.."

"اذن يا عمي .. كيف تشرب قهوتك؟"

"سادة."

حسبت ايلا حساب أي احد اخر قد يداهمهما في أي لحظة ، و حسبت أيضا حساب رغبتها الفجائية باستهلاك القهوة ، و حملت الصينية بهدوء و روية في الرواق المظلم ، تفكر في انها و أخيرا قابلت طرفًا أخر من ماضي أمها و أبوها ، كان ستيفان برأيها رجل مرهق يمر بأيام صعبة كما يبدوا ، لكنه أيضا يكون الرجل الذي اقنع بلايك بأن يعود الى دياره بأمها و أخويها ، و فكرت ايلا في نفسها "أي غلط هذا الذي ارتكبته؟" لكنها أيضا في قرارة نفسها كانت تشعر أحيانا بالقنوط من بلايك نفسه ، لأنه طرد أمها أولا كما تقول جدتها ولم يستمع لأي حرفٍ قالته له ، هذا إن كان يوجد خيانةٌ أصلا ، و هي لا تعرف ماذا تصدق بعد اليوم ، اصبع الاتهام يشير على الجميع بلا استثناء ، على جدتها التي تحاول ان تشتريها بالهديا الباهظة ، على جدها الذي يراقبها بعينين عميقتين ترصدان أصغر أفعالها ، و بعمتها و حتى جايمس ليس بعيدًا عن الأمر ، والآن ينضم اليهم ستيفان المرهق ، جميعهم ، هؤلاء الأربعة بالإضافة لزوجة ابيها و ابيها نفسه ، هم متهموها ، كان يثير سخرية ايلا ان بلايك الوحيد الذي لا يهتم لأمرها كما يفعلون هم ، على الأقل ليس بالطريقة التي يبدون فيهم اهتمامهم بها ، فهو يفعل ما يلزم ثم يتراجع ، شحيح بعطفه ، غامض ، واحيانًا يثير فضولها ، لا يخفى عليها أن علاقة جون مريحةٌ مع الجميع الا معه ، بل وانه يثير شفقتها - بل يثيران كليهما شفقتها ، الطريقة التي يحاولان فيها ان يتجنبا بعضهما ، كأنهما مرغمان على العيش مقابلًا لوجه الأخر لكنهما ليس مستعدين ليجلس احدهما مع الاخر مثلًا ، لكن بلايك عكس جون اظهر اهتمامه مرةً او اثنتين على مرأً منها

قطعت حبل افكارها فور دلُفها الى الغرفة التي اصبحت اكثر حميميةً و دفئًا الآن ، كان ستيفان في الاريكة المقابلة لأريكتها يحدق في النيران بشرود ، فجلست في مكانها و وضعت الصينية في الطاولة المنخفضة الفاصلة بينهما ، عندها انتبه لوجودها ونظر لها، اصبحت نظراته الان اكثر فضولًا. و غير واعيةٍ تقريبًا لكونه يحدق بها ، بينما تجلس مقابلًا له تدعي عدم الانتباه ريثما تسكب القهوة ، و كان هو يحدق فيها وكأنه يحاول ان يحل اجحيةً صعبة ، يتفقدها جيدًا ، يحاول ان يربط بينها و بين امها ، وبينها وبين ابوها ، ان يدرك المزيج الذي خلقت منه ، و فضل كل واحد ساهم في خلقتِها هذه ، حاجبي أخيه ، النظرات الشاردة ، لكن ايضًا ، المحيا الحالم الرقيق لأمها ، كحلمٍ ربيعيًّ شفيف يصحو منه ولا يعرف ما حدث فيه ، الذي يعرفه فقط انه كان حلمًا حلوًا لكنه ايضًا لا يجروء على تذكره لأنه اقرب ما يكون لحلمٍ قدسيٍّ لنبي ،  وهو الآثم ، الآثم جدًا ، لا يجروء على المساس به لكي لا يلوثه

اخيرًا رفعت ايلا عينيها له وجفل ، و لم تلحظ هذي ذلك بينما تمد له الفنجان "تفضل."

اخذه ستيفان من يدِّها و وضعه على ساقة يستمتع بالدفء المحبب ، رشفة واحدة جعلته يرجع رأسه الى الوراء في استرخاءٍ و يغمض عينيه

اخذت ايلا رشفةً هي الاخرى ، تتأمل النيران بشرودٍ مجددًا ، ينعمان في لحظة الصمت القصيرة التي قطعها ستيفان بعد لحظة استرخاءٍ قصيرة "اذًا .. كيف وصلتِ الى هنا؟."

"قصة طويلة ، انت اول من يقابلني ويسأل."

"هل يزعجك ان تقصيها لي؟."

"ابدًا ، سأحب ذلك ، لكنني لا اريد الآن."

"ا هي حزينة؟."

"يمكن وصفها بذلك ، لكن اليست نهايتها سعيدة؟ انا هنا ، قابلت جون الذي لم اعد اعرف كيف افكر في حياتي لو لم يكن هو فيها ، و اصبح عندي عائلة."

عند ذكر امر جون اخفض ستيفان رأسه للحظة يحدق بالقهوة السوداء ، وهمس "جميل للغاية .. اعني ان يكون للمرء أخ يحبه و يخاف عليه ، اليس كذلك؟."

"بلى، أنا لأنه لم يكن لدي قبل اية اخوةٍ وعشت معظم حياتي وحيدة ، اعرف جيدًا انه النعمة الأعظم التي اعطاها الله لي."

كان محيا ستيفان هادئًا كناسك يتأمل صنيع الخالق في شرود ، وأعطى ابتسامةً صغيرةً دون ان يردف بشيء ، اخفض عينيه العميقتين الى فنجان القهوة السوداء طيبة الطعم ، ارتشف منها قليلًا و غرقوا في الصمت مجددًا ، من قلب العتمة اقترب القط الى ايلا ، مطمئنًا ، فوضعت القهوة جانبًا وحملته في حضنها هامسةً في اذنه "مرحبًا يا صاحبي."

استرخى القط الرمادي بين ذراعيها و ذيله يتحرك في استمتاع ، يغرغر ، بينما أصابع ايلا الطويلة النحيلة تداعب ما خلف اذنيه و رأسه ، وكان دورها لتحدق في ستيفان تحاول تحليل هذا الرجل الودود الشارد ، الذي ينظر لما حوله وكأنه يشاهد رؤيا من زمن أغبر ، شيء لا يراه احد سواه ، فكرت ايلا انه ربما يشبه ابنته ليلي قليلًا ، ولو ان العائلة جميعهم متشابهون مثل بعضهم البعض ، شعور سوداء فاحمة ، اعين غامقة ، و بشراتٌ فاتحة تميل الى السُمرة ، عدا اخوها الذي يبدوا دائمًا وكأنه شخص خارج الصورة بشعرها الفاتح و بشرته الشاحبة المتعبة

والتي تذكرت بدورها من يشبه ، تفقدت الآلبوم مستغلةً الصمت و انشغال ستيفان عنها ، تلمسه للمرة الآخيرة وكأنه آثر من حضارة قديمة اوقعه حسن الحظ في طريقها ، ثم احتضنت القط الذي راح ينظر الى الألبوم بفضول دون ان يتحرك من مكانه ، و أخرجت ايلا الصور من المغلف المهترئ ، سليمة وحية كما لو أنها طازجة لم يمضي على التقاطها اشهر ، وجه جايك الذي لم تقابله بعد كان أول وجهٍ رأته من بين مجموع الصور ، و اخذت ايلا الصور ترتبها الواحدة تلو الأخرى في الألبوم العتيق

صورة جدها ايمانويل الذي ينظر بعينين غائمتين أمام نهر السين ، يقحم يديه في جيبه و يحدق بملتقطها بشرود ، يشبه جون كنسخة أكبر منه عمرًا واكثر عنفوانًا ، أبقت عينيها عليه تتلمس اصابعها الشعر الأشقر الواضح في ضوء الشمس الفرنسية التي جعلته أفتح بدرجات ، و دون ان تدرك ، كانت يد ستيفان قد امتدت و اخذتها بلطفٍ من يدها ، يقلبها لينظر لها بدوره ، ممعنًا للحظة وقال وهو يرفع عينه للصورة "لو لم يكن للرجل لحية لظننت أنه جوناثان ، من هذا؟"

"جدي."

"حقًأ؟." قلب الصورة ليجد التاريخ مدونًا على قفاها بخط رشيقٍ فرنسي ، وهز رأسه معيدًا الصورة لها ، أنهى ستيفان فنجانه بسرعة وهب واقفًا "استأذن منك الآن ، ربما تأخرت ، لكن لا بأس لو اخذت غفوة لثلاث ساعات او اربع قبل ان تقرر جدتك ان تنغص علي."

ابتسمت ايلا و شيعته يبتعد ، ثم عادة لتتفقد الصور مرة أخرى تدرسها ، كلما مرّت بصورةٍ لجايك ينتابها شعورٌ سيء لأنها لم تره بعد ، رغم انه كان لديها الكثير من وقت الفراغ ، سكبت لنفسها فنجان قهوةٍ أخر و سمحت للقط بأن يفلت من يدها ليجلس عند قدميها و يلعق نفسه ، عينيه الخضراوين الأغمق لونًا من عينيها اسدلتا رموشهما فيما يبدوا كاستمتاع لدفء الذي تبثه المدفئة

"لا تُلام ، الجو قارصٌ هنا."

بقيت ايلا تنظر الى الصورة التي تجمع الأربع معًا في سهل من سهول القريبة ، الكنيسة تظهر بالخلفية قديمة و بعيدة ، بلايك ويده تحيط خصر جوليا ، وهي تسند رأسها على كتفه ، الناظر لها يعتقد بأنها ناعسة ، لكن من مظهر الصورة كان من البين ان الشمس ساطعةٌ على وجوههم ، جايك عند قدمي والديه متململٌ ، و جون يحمله ابوهم ، عينيه مغمضتين كأي صورةٍ له كعادة سيئة قهرت جوليا كثيرًا حسب ما تقوله جدتهم ، سعيدين ، هذه هي الكلمة التي يمكن ان تصفهم آيلا بها ، لكن أصابع يدها غطت وجه بلايك ثم وجه جوليا فوجه جايك ، ولم يبقى ظاهرًا فيها الى جون "ولكن لم يبقى احد منهم." اخبرت نفسها ،و أغلقت الألبوم بعنف ، ثم وضعته على الطاولة حيث صينية القهوة ونهضت واقفةً ، لم تدرك ان الوقت مر سريعًا ، الا عندما فتحت الباب لتجد ان الفجر يأخذ انفاسه الأولى ، السماء بدأت تشرق رويدًا رويدًا ، الأزرق الداكن يذوب في الأفق ليستحيل خليط ألوانٍ من البرتقالي و البنفسجي و الأزرق السماوي ، تلحفت جيدًا بالشال ومشت ، مشهد القصر الصيفي كان اكثر اشراقًا عندما أصبحت الرؤية واضحة ، لكنها مع ذلك لم تنسى كيف بدا في اول الأمر عندما وصلت ، كئيبًا و مظلمًا ، اخذت تمشي تحت أشجار القيقب الهرمة ، تسمع غناء العصافير و تستمتع بتفتح الفجر ، المشي في ساعات الفجر الأولى ، احدى عادات جدتها عندما كانت تعمل عملًا إضافيًا عند احد اصدقائها الأكاديميين ، و آيلا ، لأنها لم تكن تملك من يجالسها في ذلك الحين ، كانت تمشي معها ، تشاهد باريس تأخذ أنفاسها الأولى و تبدأ الحياة بالدب في طرقاتها ، الفرق هنا انهم في منطقة تكاد تكون معزولة ، وكانت لتكون اكثر رضىً لو انها عرفت الطريق الذي اتو منه

وراقبت بعينين غائمتين الشمس تصعد السماء ، ثم اتكئت على شجرة عجوز ، تراقب المشهد بإهتمامٍ سرعان ما تلاشى وحل محله الشرود

***

نزل السلالم مرتديًا ملابسه الرياضية ، كان السكون عائمًا في المكان ، مع ان الفجر قد حط بالفعل و الشمس قد اشرقت ، الا ان الجميع كما يظهر ما يزالون نيامًا ، استغرب هذا ، فعادةً ما يكونون الشباب مسيتقظون في هذه الساعة خاصةً ، ابطئ في سيرة للحظة وهو يشاهد قهوة على المنضدة امام المدفئة المشعلة حديثًا ، اقترب ولمس احد الفنجانين الذي وجد انه بارد ، لكن الابريق كان دافئًا ، مما يعني ان القهوة طازجة الاعداد ، زم شفتيه و استدار ، غير مكترث لمن عساه يكون واعيًا في هذه الساعة

ومشى ايفان خارج المنزل ، يمط جسده تحت الاشعة المشرقة ، ويملئ صدره بالهواء النقي الاسكوتلندي ، مع انه كان يشعر بالصداع يفتك برأسه الا انه شعر بتحسن اثر لحظاتٍ قضاها واقفًا اسفل الشمس و يملئ رئتيه بالهواء البارد الرطب

حشر سماعات هاتفه في اذنه ، ودخل قائمة الموسيقى بشكلٍ عشوائيٍّ ثم انطلق يركض

كان شعور الهواء ضد بشرته العارية يعطيه احساسًا مألوفًا بالحرية المحببة ، لا يستطيع تذكر متى اخر مرةٍ سنحت له الفرصة ان يركض في الصباح ، لأنه كان يسحق تحت ضغط العمل منذ أشهر ، وقد مضى وقت طويل منذ ان نام جيدًا و استيقظ مبكرًا هكذا ، لعل امه كانت محقةً في النهاية ، لعله من المفترض به ان يجد حلًا سريعًا لما يمر به ، ولو ان هذا صعب لأنه سيكون على جون نفسه ان يتغيب بسبب تعبه واجازته المرضية التي ربما ستطول ، استغرقه التفكير للحظة .. غارقًا في الذكريات الحلوة له في هذا المكان ، عندما كان ابوه حيًا ، عندما علّق تلك الارجوحة له ثم لنايت من قبله في احدى العطلات ، اهتزت الارجوحة تحت نسائم الصبح الهادئة ، و ابتسم ايفان .. يبطئ في سيره وهو يلهث من التعب ، انحنى قليلًا يلملم انفاسه ، و مشى متخطيًا اياه .. هناك. اما شجرةٍ عجوز ، كان الجسد المألوف لآيلا مستندًا على جذعها ، الهواء يحرك شعرها الأسود حاجبًا وجهها الأبيض الصغير ، و فجأة دون سابق انذارًا التفتت له وكأنها حست بوجوده ، ورأها تبتسم ابتسامةً بدت له تعيسة

"اذن كان انتِ من احتساء تلك القهوة."

"نعم." اشاحت وجهها بلحظةٍ عنه ، تستعيد نفسها ، ثم نظرت له من جديد "لا تقل لي انه انت فقط من استيقظ."

"مع الأسف ، سيكون عليك تحمل رفقتي حتى الثامنة او نحوها"

"رفقتك ليست سيئة لهذه الدرجة."

"انا متفاجئ انك انتِ من يقول ذلك."

"انت لا تصدقني على اية حال ، لا ضير من الكذب عليك بين فينة و أخرى."

"اجل قولي هذا من البداية." ونظر لها ، كانت تحدق امامهما في البعيد بحاجبين معقودين و شاردين ، لم يكن يعي انه كان يحدق فيها أصلا حتى نظرت له بذات الحاجبين المعقودين "ما الأمر؟"

"لا شيء."

"حقًا؟"

"بالطبع!"

"أيا يكن." و نظرت امامها من جديد ، هذه المرة ابتسمت بحماس عندما رأت الأرجوحة المعلقة و تجاوزته لها "مرحى."

"انها قديمة ، احذري الوقوع."

نظرت الى الأعلى حيث الحبل المعقود و تلمست مقعدها الخشبي تجربه ، ثم شدّت الحبل تتأكد من ثباته "لا تبدوا لي جيدة." و ركبتها تأرجح بقدميها في محاولةٍ لأن تصل بعيدًا ، اتكئ ايفان على جذع الشجرة يراقبها مبتسمًا "سيكون مشهدًا مسليًا ان اراك تسقطين."

"انت الآن تحاول افساد الهدنة ، حذاري."

"ماذا؟ ليس الأمر وكأنني دفعتك بقوة." مع ذلك مشى ببطءٍ مستغلًا توليتها ظهره ، وامسك بظهرها في اللحظة المناسبة "ايفان! ماذا تفعل؟"

"ارسلك بعيدًا." و دفعها بقوة ، اختلطت صرخات ايلا بضحكاتها ، حتى بدأت ترتعب عندما زاد الأمر عن حده وبدأت اقدامها تلمس أوراق الشجرة المجاورة "هيه ، أوقف ذلك حالًا ، احذرك."

"انتِ تهددينني كثيرًا اذا لم تكوني تلحظين."

"لا تفهم الا بالعنف ، أوقف ذلك."

قهقه ايفان من نبرتها المرتجفة وامسكها في اللحظة الأخيرة قبل ان يرتد جسدها للأعلى من جديد "هل تخافين السقوط يا آيلا؟"

"انا لا أخاف من أي شيء."

وجهيهما كانا متقاربين لدرجة كادت انوفهم ان تتلامس ، ينظران لعينيّ بعضهما ، حتى ضربة ايلا معدة ايفان بقبضتها ، لم تكن الضربة قوية كما كانت تتوقع لأنه انفجر ضاحكًا

ونظرت له بعبوس "لم يكن هذا مضحكًا." و نزلت من الأرجوحة تمشي امامه في غضب بينما هو اتكئ على الشجرة يسترجع أنفاسه ولا يستطيع إيقاف قهقهاته الساخرة التي كانت تغيضها ، ثم رفع هاتفه عندما احس بإشعار رسالةٍ يصله ، عندما فتحها تلاشت ابتسامته

***

• البارت لإرضاء تيم ايلڤان قطعًا لحبل الجفاف اللي عايشينه🥰😂❤️ ، ايلا فكل فرصة تمد يدها عليه😂 صارت ماركة مسجلة لها زي ما النوم مسجل لجون

* خمسة الالف كلمة بالضبط ، كم تقيمونها؟

•أفضل حدث في الفصل؟

•شخصيتكم المفضلة في الفصل؟

•افضل جزئية؟

•افضل نقاش؟

•كلوديا؟

•بلايك؟

•ستيفان؟

•الاخوات سالفاتور؟

•الجدين؟

•ملاحظاتكم؟

•اكثر حدث متحمسين له؟

•انتقاداتكم؟

من المهم جدًا لي الرد على الاسئلة اعلاه ، يومًا طيبًا يا حلويني❤️ ، لا تنسى التصويت

Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro