١٤
فوت، تصويت ، و تعليق ⭐️⭐️⭐️
***
يتناول جرعةً من النبيذ و يدير الشراب في فمه ، المكتب يغرق في صمتٍ و انارةٍ خافتةٍ قادمةٍ من النافذتيّن مسدلة الستائر يتسرب بلطف، لكن المنزل نفسه لا يوجد فيها مصدر ضوءٍ اساسيٍّ واحد ، وكأنه اطفى فجأةً بفرقعة اصبع من احدهم، و بدا هذا لسبب ما مريحًا لبلايك وقدره اكثر من أي شيء اخر ، كان الرواق الذي يسير فيه خارجًا من مكتب والده بعد تلك المحادثة الطويلة مع المحامي الفرنسي و الذي اخبره عن الثروة بشكل مجمل و بقصة ماريا المسكينة وابنتها ، هذه المرأة التي لطالما كانت طيبة على الدوام وحلوة ، جدة ابناءه ، والتي شعر بأسىً و حزنٍ على ما حدث لها ، لدرجة انه لو قابل الرجل كان ليخبره ان يغرب عن وجهه ، و مع معرفة برغبة العجوز زوجها بأن يرسل جون اليه ليطلب منه الغفران هو الأخر أصبح بلايك اشد عصبية ، ان يخون ماريا شيء ، وان يخونها و يسرق ثروتها و يتركها حبلى شيءٌ اخر ، و هو يعرف جيدًا أن جون لن يقبل حتى ان يرى وجهه حتى ولو كان في فراش الموت ، و من السخرية انه بالفعل كذلك ، على ذكر 'مغفرة هذا الأخير' صعبة المنال ، فكر للحظة انه حتى وانه هو الطرف الذي تمت خيانته في علاقته مع جوليا الا ان جون لا يستطيع جون ان يبقي عينه في عينيه من شدة نفوره و اشمئزازه (حتى انه مقتنع ان الخيانة منه هو، لسبب ما) لدرجة ان بلايك كف عن محاولة تغيريها منذ زمن ، فماذا عن مرتكب الخيانة نفسه؟
و تساءل في ذاته كيف غفرت ايلا شيئًا كهذا لجدها المزعوم هذا، بل انه حتى هو نفسه ، و رغم انقطاع العلاقة منذ سنين، و لتقديره الشديد لماريا ، و حتى لحبه مرةً لجوليا الذي صدم ان شيئًا كهذا حدث بمعرفتها او بدون معرفتها ، كان يعرف في قرارة نفسه انه لن يغفر له ، و سيفعل اي شيءٍ ليبقيه بعيدًا عن ابنيه ، لكنه ينتظر فقط ان يرفض جون رؤيته ليباشر في فعل ذلك
كان الرواق كحاله دائمًا لا احد يجرؤ على المشي فيه بطبيعة الحال ، لطالما كان هذا القسم محرمًا على أي احدٍ ان يتسكع فيه لذا لم يكن أي من الاطفال يألفه تمامًا ، وضل الحال هكذا حتى بعد تقاعد ابوه و تركه جميع الاعمال لجايمس شقيقة الأكبر ، وهذا حدث قبل بضع سنين ، حاول ان يتذكر متى بالضبط لكنه لم يفلح ، و بدا له كل شيء و كأنه حدث منذ الابد ، هذه الأبدية اللعينة التي لا يستطيع فيها تذكر ابسط الأشياء و لا حتى اكبرها واهمها ، كل شيء منفي في دهليز سري في عقله اضاع طريقه منذ زمن بعيد ، الا جوليا ..
نفض أفكاره غاضبًا من نفسه لأنه عاود التفكير فيها ، و تعكر مزاجه و أسوّد و أحكم قبضت يده بقوة كردة فعل لا ارادية
عندها قطع الصمت ابوه الذي لم ينتبه بلايك لوجوده من الأساس "هل انت بخير؟" وصوب نظره على اليد المحكمة ذات العروق الناشزة من فرط العصبية ، حل بلايك عقدة أصابعه واجبر نفسه على الاسترخاء ، كان متعبًا وهو يعي ذلك جيدًا ، لربما هي تزوره حتى وهو في وعيه لذلك، لكن لا ، هو ليس خائنًا ولن يفكر بها لأي سببٍ من الأسباب، انه الان متزوج ولن يخون زوجته ولو بوميض فكرة عابرة ولا حتى بالذكريات الباهتة التي لم يتبقى منها شيء سوى الذاكرة نفسها
"انا كذلك." خرج صوته حازمًا وثقيلًا يؤكد لنفسه رغبته في تحقيق قراره ، لن يفكر بتلك المرأة الخائنة كشخص أحبه اكثر من نفسه ومن كل شيء في حياته ، ولا عن كم هو يشتاق لها كثيرًا و كثيرًا جدًا ، بل كأمرأة كانت ذات مرة امًا لأولاده لفترة قصيرة وانتهى الامر بينهما و لا تستحق ادنى اهتمام، فقط ابناءه ، جون و ايلا ... و جايك
قال والده الذي يراقبه بعيون ضيقة و مترقبة "سنتحدث الى زوجتك."
لم يكن ليقبل أي تنازل او اعتراض و بلايك يعرف هذا جيدًا ، وهو من الحكمة الكافية ليبقي على ابيه بجواره ، فلا شيء يفكر به يستطيع ان يواجه كاميلا التي دائمًا ما تكون تتميز من الغيض و الغضب عندما يكون للأمر علاقة بزوجته .. السابقة ، وهو حقيقة يعترف بينه وبين نفسه بصراحة فجة انه لا ينوي ان يفعل شيئًا على الاطلاق ، بل تلك النزعة التمردية العجيبة توقدت داخله ، هذه الكينونة المعتادة فيه والتي ما تظهر و تختفي بنسب متفاوتة كانت قوية جدًا هذه المرة و احس بطعمها مألوفًا حلوًا تبعث داخله بغضب لذيذ لا يستطيع مقاومته ، لن يتصرف اطلاقًا وليحدث ما يحدث، جوليا من اخفت الأمر ، ولم يكن بيده ان يفعل شيئًا ، الواقع الوحيد ان ايلا هنا الان ، تحت يده ، ولن يستطيع أي احد ، أيًا كان ان يأخذها منه
اثناء تتبعه لوالده الذي يسير في الاروقة المظلمة بخطوات واسعة كأن له اعين خفاشٍ تستطيع الرؤية من خلال الظلام المزعج ، تحسس بلايك طاولة بجانبه منخفض كاد ان يركلها بعد ان اصطدم بها ، ووضع الكأس فوقها ، فارغة تمامًا بعد ان استقر المشروب في معدته ، الساعة تشير الى ما يقارب الرابعة فجرًا او اقل بقليل ، عيناه باردتان و حمراوان وقد ظهرت الشعيرات الدموية فيهما ، غالبًا من السهر و الشرب و حتى التفكير بشكلٍ مفرطٍ ومبالغ فيه كما فعل منذ شهر و يزيد، كما لو انه عالمٌ مجنون يحاول ان يحل خوارزميةً ليس من السهل حلها ، و لا يدري لماذا ،لماذا ليس أي شيء بالسهولة التي يتكلم عنها الجميع؟ متى افسد الامر و خرج كل شيء عن سيطرته يا ترى؟
حك رأسه و ضيق عينيه ، لقد افسد الامر حقًا، و لا يدري ان كان هناك مجال لإصلاح ما هو مكسور ، عند هذه الفكر خطر في باله جون ، اخر مرة رأه فيها كانت ايلا في يده ، قبل سويعات قلال ، لكنه يذكر انه عندما التفت مر أخرى كان قد اختفى عن ناظريه وكأن الأرض انشقت وابتلعته ، نفض رأسه ، ماذا كان يتوقع على اية حال؟ و فكر بسخرية انه لا يستطيع ان يجعل من جون ان يغفر له هو نفسه فكيف سيجعله يفعل المثل بمانويل هذا
قضم شفته و وقف للحظة ينظر الى الشارع من النافذة متخلفًا عن ابيه ، كان غافٍ تحت ضوء القمر الذي يتوسد السماء كعملة فضية ، ساعة الشروق قارب حلولها وهو الان مستيقظ ، نصف سكير ، حياته انحرفت عن مسارها بشكل لم يتوقعه حتى في أسوأ أيامه ، و الأسوأ ان لا ردة فعل يمتلكها ليعطيها حيال ذلك
تنهد بلايك ، لا يحرك ساكنًا ، ثم اجبر نفسه على المشي مجددًا يتقفى اثر الطريق الذي سار من خلاله والده ، كان باب الغرفة في الجناح الشرقي المطل على الحديقة انوارها مضاءة كلها ، واحس بعينية تؤلمانه بمجرد النظر الى الضوء المتسرِّب من الباب الموارِّب بعد دخول ابيه اليه
دفع الباب و اصدر ازيزًا مزعجًا لم يلتفت اليه احد ، كانت كاميلا هناك جالسةً على الاريكة الوثيرة ، تبدوا مجهدةً لكن ملامح وجهها كانت ساكنةً لحدٍ ما ، يستطيع من حيث يقف ان يقسم بأنها كانت قد شرِّبت كثيرًا ، و اخترقت رائحة النبيذ التي كانت تحيط بالجميع على ايةِ حالٍ انفه ، اكثر قوة ، حاسته جذبته لينظر الى طرف الغرفة الاخر ليجد بالفعل ان السجاد الغالي قد تلوث ببقعةٍ حمراء من النبيذ الايطالي القوي و الكأس واقعة على مقربةٍ من البقعة غير محطمٍ وبلا اذىً يذكر
كان ابوه و زوجته يتهامسان ، سمع ابوه يقول لها بصوته الرزين الهادئ "انها ابنته بعد كل شيء و ستعيش هنا مع جون باي حال من الأحوال، كان قد طلقها بالفعل ، هل تذكرين؟."
لا يدري لما انقبض صدره عندما قال هذا و انزعج اكثر من السابق ، و قرر ان يظهر نفسه لحظتها ، نظرت اليه كاميلا بطرف عينها دون حرفٍ نظرةٍ عابرة و عادت بانظارها الى عمها ، لا تريد ان تنفجر غاضبةً ، عليها ان تفعل ما اخبرتها اختها ان تفعل ، ان تكون امرأة قوية لا تخشى من اخرى ميتةٍ تحت التراب و لم يتبقى منها اي شيء ، الا اولادها طبعًا ، و هؤلاء .. كان من السهل ابعادهم عن حياتها بشكلٍ تام و مريح ، و ردّدت داخلها بابتسامةٍ واسعة
"هي ميتة ، لا تستطيع اخذ شيءٍ على الاطلاق منك ، لقد تخلصتي منها كما اقسمتِ انك ستفعلين ، وبلايك هذا ... سيعود لك خائبًا كما فعل من قبل ، لا ابنتها ولا اي احدٍ اخر من صلبها يستطيع ان ينتزعه."
كان وجهها على النقيض من ذلك اشبه بقطعةٍ من الجرانيت ، هادئٌ رغم حاجبيها المعقودين ، و قالت "انا اتفهم يا عمي." بدا لحظتها كلا الرجلين منصدمين تمامًا منها ، و استمتعت كاميلا بذلك و استلذت به
نظر ادوارد الى بلايك يدفعه الى التقدم بدلًا من الوقوف في بقعة بعيدة يحدق بهما وكأن الموضوع لا يخصُه ولا يهمه اطلاقًا ، بادله بلايك ذات النظرة المتمردة التي يغلفها الجمود و البرود ومع ذلك تقدم بهدوءٍ اليهما ، و حوّل ادوارد نظرة عنه الى ابنة أخيه الجامدة و المغتاضة سرًا من ردود فعل زوجها
"لا تحزني يا ابنتي ، حسنًا؟"
"بالطبع يا عمي ..أنا بخيرٍ الأن ، لا يوجد ما احزن بشأنه ، يا لها من فتاة مسكينة."
كانت رغم غضبها الخفي تستمتع بتعابير وجههم اكثر من اي شيء ، و نظرت الى زوجها وبدا لحظتها محتارًا ومترددًا و تلاشت نظرة الجمود التي كنت تعتليه في وقت لاحق
نهض ادوارد واقفًا وتمتم بكلمة ما هامسًا ، كان لا يبدوا وكأنه صدق تمثيلية كاميلا ، لكنه على الأقل بدا مرتاحًا بهذا على الا تبكي او ان تصدر ردة فعل أخرى اكثر سوءً ، و قال لهما "انا ذاهبٌ لأنام اذًا .. و بلايك ، افعل ما تراه مناسبًا بشأن الرجل ، طابت ليلتك يا بنيتي ."
"طابت ليلتك يا عمي."
بعد ان غادر ادوارد الزوجين سار مجددًا من الطريق نفسه عائدًا الى الرواق الذي يؤدي الى غرفة نومه، لا رغبة حقيقية لديه للنوم ،بل لا يشتهيه اطلاقًا وهو رغم التعب الذي يحس به الا ان هناك شعورًا سيئًا يجثم على صدره ، طفق يفكر صامتًا ، و نظر خلفه لوهلة ، كان ذلك الرواق يضم غرفة جون أيضا و التي أصرت ميرديث الا يقطن الا هي ليكون على مقربة منها بعد ان حدث ما حدث قبل سنوات ، معتمة و صامتة وكأن لا احد يشغلها ، لم يستطع تجاهل التفكير بأن مسار الأمور اخذ منعطفًا حادًا عكس ما قدّر ، او لعله قلل من تقديرها تحت وطء الغاية نفسها حتى بين جون و بلايك، لا لأنه يشجع الفكرة المكيافيلية الأنانية والمجحفة التي تنص على ان الغاية تبرر الوسيلة، وهذا ما يفعل ،
لكن هم هنا الان و لا شيء يغير ذلك ، نفض رأسه من الأفكار ومن ذلك الإحساس الثقيل الذي يضغط على صدره إزاء تحديقه بالباب الموصد القابع على بضع خطوات قلال مقابلا لباب جناحه هو ، دخل الى جناحه ، وكانت ميرديث مستيقظة كما توقع انها ستكون ، بقميص نومها الطويل تمشط شعرها امام المرآة ، و قالت فور دخوله "كيف سار الأمر؟" نظرت له بإهتمام ، شروده الصامت شد انتباهها اكثر من قصة ابنها و زوجته و سألت مجددًا بنبرة اكثر اهتمامًا وهي توليه جسدها كله "ما الأمر؟" وتركت المشط على التسرحية
تمتم "لا شيء." و قال يرد على سؤالها الأول "انهما بخير ، كاميلا تقبلت الامر تمامًا ولم يحدث أي شيء ، لا صراخ ولا دموع ولا اي شيء."
فغرت ميرديث فاهها ، واغلقته ثم فغرته مجددًا و تمتمت بغير تصديق وصدمة"تقبلت؟"
"قطعا لا ، لست ابلهًا لأصدق ذلك ، انها تلعب لعبة ما بكل تأكيد .. لكنني لا اعرف ما هي ، انتظري لنرى، الاحمق فقط من يصدق كاميلا في أي موضوع يمس بلايك ، بلايك صدق على اية حال وهذا يقول ما نعرفه من الأساس ...انه احمق ، و الأكثر حمقًا يا عزيزتي من يصدق انك لم تفعلي شيء انت الأخرى ، أي شيء"
"لا اعرف عماذا تتحدث." بادلته النظرات ببرود شديد ، لا تهتم حقًا اذا ما كان يعرف الحقيقة من عدمها ، لن يغير شيئًا على اية حال
"كاميلا بطريقة ما اختفت عندما كنت موشكًا على محادثتها ، سألتُ الجميع ولم يعرف احدهم اين هي ... يا للمصادفة التي تأخذها الى الأعلى لأكثر قسم يعطي مشهدًا ممتازًا للحديقة ، وهذا القسم الذي لا يدخله أي احد لأي سببٍ كان."
"اجل فعلتُ ذلك.. انا اخذتها الى هناك، هل كنت تحب ان ترى فضيحة علنية من زوجة ابنك لان الاحمق الاخر انجب ابنة بطوله لا يعرف أي شيء عنها؟"
"كلانا نعرف ان اجابتي بكل تأكيد هي لا ، وكلانا نعرف انك لم تفعلي ذلك لأجل كبت فضيحة محتملة ولا لأجل العائلة ، انتِ اردت ذلك لتستمتعي لا اكثر، لكن الان انتهى الأمر ، حبًا بالله ستكفين عن فعل أي شيء يستفزها.. وهي الأخرى ستكون حذرةً من فعل أي شيء يستفزني ، هذه كلمتي الأخيرة لكليكما."
"أنت تعرف رأيي جيدًا وما أنا مستعدة و قادرة على فعله." تحدت. مستعدة تمامًا لتنفيذ كلمتها
"لهذا اوقفكما عند حدكما كلتيكما ، كاميلا لن تمس أحدًا من أبناءه ، لن تجرؤ ما دمتُ حيًا."
"لكنها فعلت وأنا و أنت حيين ، و امام ناظرينا."
أرادت قول هذا ، لكنها أطبقت فمها و عوضًا عن ذلك استدارت لتقابل المرآة مرةً اخرى ، وجهها ساكن لا يشي بأيٍ مما تضمره ، و تراقب زوجها الذي بدأ يحل ربطة عنقه مشغول البال مجددًا
"وماذا قال بلايك عن ايلا، ا ستبقى هنا؟."
"لم يفتح فمه بهذا الشأن، ليكن ، ستبقى مع اخيها ، انها مجرد شهرين لتصبح في الثامنة عشرة على اية حال. و لا اظنه سيأخذها رغم ذلك. متى يكون الذهاب لأسكوتلندا مناسبًا لكم؟"
"كنت انتظر فرصة أفضل ، لكن ليكن ... ويليام يريد ارسال جون لوحده ليقضي فترة النقاهة هناك و يفكر كيفما يشاء ، لكنني عندما رأيت الطريقة التي يعيش بها هذا الأخير ادركت أن الامر لن يسير على خير هكذا ، و لا يجب عليه ان يفكر حتى بأي شيء لأنني أستطيع سماع افكاره المؤذية ، لا اريد ان ابحث عنه بعد شهر لأجد جثة متعفنة على السرير ، ثم إن ايفان هنا الآن أخيرًا ، أُمه المسكينة تموت قلقًا عليه وهي تراقبه منذ اشهر ، و إن تحدثت و عاتيته أسكتها بطريقته المتلاعبة تلك ، عليه أن يأتي ايضًا ، اجبره على ذلك ، لا اهتم كيف و إن اضطررنا ذهبنا و ليلحق بنا فور انتهاء اشغاله لكن هذا أيضًا سيبقي اليزابيث مشغولة البال و مغمومة تقضي وقتها تراقب الطريق، لربما يجب عليك أن تحادث هذا الفتى و تفرك أذنه بقوة"
"سأفعل ما يلزم."
***
كان يقف في الشرفة، نصف سكير من الغم و بوجه كالح يستقبل خيوط الصبح الأولى ، رفع يديه اللتين ما تزالان ترتجفان وحل بهما ربطة عنقه التي خيل له انها كحبل مشنقة يريد ان يقيم العدالة المفقودة عليه ، ان يقتص لتلك المسكينة الميتة
غرفة البيانو التي تشغلها عمته اجاثا النهار كله بابتداع موسيقى ناعمة و أخرى مزعجة نشازة كانت ساكنة لا يوجد فيها سوى القط المنزلي النعس و الذي يشعر ستيفان بلسع نظراته يجلد بها ظهره، لا يدري لماذا احس بهما كنظرات الاتهام التي تتبعه بين حين وحين حتى وان كان الفاصل بين هذه الأحيان طويلاً ، نظر الى القط فوجده يسير ناحيته وينضم اليه على الشرفة ، تكور عند المدخل و استلقاء بكسل يستقبل مداعبة الريح اللطيفة و يلعق يده ، فعاد بنظره مجددًا الى الحديقة النائمة في سكون
كان الهواء الذي يلفح وجهه و رقبته العارية باردًا يثير فيه رغبة ملحه بافراغ ما في معدته كله ، يحس بالمرض الشديد ينتابه ، فسحب قدميه اكثر ليرتكز على درابزين الشرفة المشتركة ويحني رأسه محاولًا مقاومة شعور الغثيان الشديد ، بعد دقائق طويلة رفع رأسه مجددًا و استدار بنية المغادرة ، لكنه توقف في مكانه عندما انتبه لباب الغرفة المجاورة مواربًا و الهواء يحرك الستائر البيضاء بنعومة ، من خلال حركت هذه الستائر يستطيع رؤية الجسد المتكور اسفل الاغطية يوليه جانب وجهه ، بقي للحيظات حاول فيها أن يألفه ، تقدم ستيفان مترددًا من ايلا النائمة ، وامعن النظر في وجهها الفاتن ، كان يتذكر وجه جوليا جيدًا فهي قد زرته في كوابيسه بضع مرات قلال منذ وقت طويل ، أطول مما يمكنه أن يتذكر لكنه ابدًا لم ينسى خلاله وجهها
لكن ايلا لم تكن تشبهها الا قليلاً ، الاسواء انها كانت تشبه بلايك ، بحاجبين اسودين معقودين حتى وهي في عمق نومها و رموش كثيفة رسمت ظلالا داكنة على وجنتيها البارزتين ، مد يده المرتجفة وحل عقدة حاجبيها بلطف ، عندها بدا وجهها الجميل اقل عدائية واكثر سلامًا
تقدم القط دانتيّ اثناء ذلك و قفز فجأة على السرير ليحط بجانبها و يتكوّر هناك ، جفل ستيفان لوهلة ، وترقب استيقاظها ومن ثم فزعها بوجوده او حتى صراخها ، لكن كان يبدوا انها متعبة حتى لتلاحظ حركة عنيفة كقفزة القط النذل المفاجئة ، فاطلاق نفسًا كان يحتبسه دون أن يعرف حتى، و انحنى بترددٍ و قبل جبينها قبلة عميقة ، ثم نظر مجددًا الى وجهها نظرةً أخيرة واستدار مغادرًا دون ان ينظر وراءه مرةً أخرى ، وهذه المرة اغلق باب الشرفة حرصًا الا يدخلها البرد و ذهب هو يشق طريقة الى جناحه
***
بعد بضع سويعات عندما انتصف النهار ، استيقظت ايلا على جلبة خفيضة كانت بجوارها و فتحت عينيها ليقابلها السقف البعيد ، و نظرت الى جانبها لتقابل عينين خضراوين كانت تنظران لها بهدوء ، همست بصوت نعس "مرحبًا يا رفيق ، صباح الخير." و جالت بأنظارها بالغرفة تتفقدها بريبة ومن ثم همست الى القط الذي اقترب اكثر منها "ولكن كيف دخلت الى هنا؟ هل كنت هنا طوال الليل أيها المشاغب الظريف؟"
قابلها صوت مواءٍ عاليٍ جعلها تكشر بتعب لأن الصداع ضرب رأسها كلسعة سوطٍ حادة ، وتنهدت وهي تحس بالكسل يغمر جسدها كله ، كان القط المستلقي على معدتها يعطيها إحساسا مريحًا و غامرًا ، ارادت ان تحتضنه بقوة وأن تنام مجددًا ، لكن اليزابيث فتحت الباب دون طرقه واطلت برأسها بحذر ، ثم تنهدت براحة "كنت متأكدة من انني سمعت صوتًا."
قالت ايلا بصوت ناعم
"هذا الظريف لم يدعني انم."
"دانتي تعال الى هنا." تأهب القط و قفز عن معدة ايلا ليندس تحت السرير عوضًا عن رد النداء ، هذا جعل ايلا تبتسم و تقهقه ، و رفعت جسدها من السرير رغم رغبتها بان تبقى هنك لاطول فترة ممكنة ،و تمتمت بصوت ما يزال النعاس يغطيه "صباح الخير."
"صباح الخير لك أيضًا حبيبتي ، هل احضر لك الفطور هنا مثلهم ام تريدين ان تتناوليه معي؟"
"بالطبع سأتناوله معك ، سأتي بعد بضع دقائق ، احتاج فقط لأن اغسل وجهي."
"سأنتظرك."
بعد ان اغلقت الباب خلفها ، نهضت ايلا من السرير الذي يسحبها اليه بيده الوهمية ، بصعوبةٍ بالغةٍ قاومته ، لأنه خيل لها أن اليزابيث كانت خائبة الظن من تناول الفطور لوحدها ، وهي لم تحب ان تترك هذه المرأة الطيبة كذلك ، بالإضافة الى انها فرصة جيدة لمقابلة الشخص جديد حتى المعتوهان ليلة البارحة الذين افسدا عليها ليلتها كلها ، فقاومت النعاس و غسلت وجهها جيدًا ، ارتدت ملابسها و رفعت شعرها كذيل حصانٍ بينما هي تسير خارجةً من الغرفة
توقفت للحظةٍ قبل ان تغلق الباب وقالت بالفرنسية التي اشتاقت للتحدث بها "اخرج ايها القط ، رافقني الى اسفل." لم تتلقى ردًا منه
فتركت الباب مفتوحًا في حال قرر ترك الغرفة و سارت الى الاسفل حيث غرفة الطعام ، كان المنزل هذه المرة مشعًا ومشرقًا ، النوافذ مشرعة مفرجةً عن الحديقة الخالية الآن من بقايا الأمس ، و بالأسفل وجدت اليزابيث هناك و شابٌ اخر لم تميزه ، كان يبدوا نعسٍ لكنه مع ذلك انضم اليهم ، و لعله هو الاخر استشعر احباط اليزابيث من تناول الافطار وحيدة و قرر القضاء عليه بمقاومة النعاس و الخروج من السرير الدافئ و الناعم
قالت ايلا فور دخولها "صباح الخير." رفع الشاب الذي كان متململًا في جلسته يراقب كوب قهوته الطازجة و جهازه اللوحي المحمول رأسه اليها باهتمام بالغ ، ورد "صباح الخير." جل انتباهه ركز عليها، ممتنًا اخيرًا لأنه استطاع رؤية الشخص الذي ظلوا ابناء عمومته طوال الليل يتهافتون عنه ، حتى ابناء بلايك انفسهم ، ديريك و جاسبر ، لم يتسنى لهم رؤيتها ولا بأي حالٍ من الأحوال ، كانت ايلا بوجنتيها المحمرتين و من بقايا الكحل منذ ليلة أمس عكس ما توقع تمامًا ، الشيء الوحيد الذي اصاب فيه انه خمن انها جميلة ، ليس ذلك القدر الذي يستهان به من الجمال و الذي ما كان ليتوقعه حتى مع التنهيدات المبالغ فيها عندما يطرأُ اسمها عند اصغرهم تيم ، بل جميلة جدًا ، وجه مسالم مليّح ، لولا انه يستطيع ان يألف وجه عمه بلايك في محياها ولم يستطع سوى تخيل وجوم وجهه فيها
قالت اليزابيث التي سكبت كوب قهوةٍ أخر "ايلا ، هذا ابن عمك جايمس .. كريستوفر ، كريستوفر .. أعتقد بأنك تعرف ايلا."
"كيف لي ألا أفعل .. أحدث فردٍ في عائلة سالفاتور."
"شيءٌ كهذا .. نعم." ابتسمت ، و تصافحا ، كوب القهوة ترك مذاقًا لاذعًا في فمها وغنيًا ، كان كل ما تحتاج اليه لتستعيد نشاطها و حيويتها و سرعان ما اندمجت مع احاديث كريستوفر المسلية عن فرنسا ،اخبرها انه طيّار وان جل وقته يقضيه خارج بريطانيا وكان سيكون كذلك الآن في الشانزليزيه لولا جده و والده الذين اصرا على طلب إجازة
فقالت بعفوية وهي تُدير شوكتها داخل صحنها "انا أيضا يخيل الي انني ارغب اكثر من شيء اخر ان اعود الى هناك ، لا اصدق انني أقول هذا عن المدينة ظننتها اكثر الأماكن مللًا في العالم لكنني اشتقت اليها كثيرًا ... حقًا ، اعتقد ان هذا محزن و مثير للسخرية في الآن ذاته"
استغربت عندما رأت ملامح وجهيهما تميل الى الأسى ، و اشاحت كريستوفر لوجهه بعيدًا عنها بحرج جعلها تستغرب اكثر و توقف حركة شوكتها بحيرة ، امتدت يد اليزابيث من فوق الطاولة تضغط فيها بحنية وحب على يد ايلا الحرة ، و قالت بصوت ناعم و بنبرة مراعية
"انت تعرفين بالطبع تستطيعين الذهاب الى هناك متى شئتِ ، حتى تستطيعين حينها زيارة قبريّ والدتك و جدتك ، ليس وكأن هناك شيء يمنعك."
"اوه." استوعبت انهما فهما كلامها بطريقة خاطئة و اخفضت رأسها تكمل التمثيلية التي وضعاها فيها دون قصد تستدرك الأمر
"انا اقدر ذلك حقًا"
سمعت صوت خطوات ثقيلة وكسولة توقفت خلفها تمامًا ، عندما التفتت وراءها التقت عينيها بعينين سوداوين قاتمتين تنظران اليها ببرود و مقت و اعتقدت انها رأت فيهما وميضًا هازئًا ، اغلق ايفان الهاتف متمتمًا دون ان يشيح بنظره للطرف الأخر "سأكون بانتظارك."
فكشرت ايلا في وجهه و التفتت الى قهوتها و فطورها
قالت اليزابيث المنتبهة الى ابنها منذ لحظة دخوله "صباح الخير حبيبي ، تعال و أجلس."
سحب مقعده مقابلًا لآيلا تمامًا و جوار كريستوفر الذي حياه بإيماءةٍ متبادلةٍ و أعاد بنظره الى جهازه اللوحي المحمول
"صباح الخير يا أمي ..كوب قهوة أرجوكِ ، عماذا كنتم تتحدثون قبل قليل؟"
كانت كلمة أمي أشبه بصفعة تتلقاها ايلا على وجهها ، حتى انها فغرت فاهها ببلاهة و رمشت عدة مرات بغير استيعاب تحدق بالأبن و أمه ، كيف لهذا المقيت أن يكون اخًا و ابنًا لكل من نايت و اليزابيث ، لكنها لحظتها خطر لها انها ابنة بلايك هي و جون ، هزت كتفيها عندها مستهزئة ، هذا الأمر في جيناتهم ، لا بد من بذرة فاسدة ، و بذرة عمتها هو ايفان
قالت اليزابيث تيقظُها من شرودها "ايلا، اخبرتك عنها ، انها تريد زيارة قبور عائلتها المتوفاة عما قريب ، و ستفعل ذلك" أكدت لها بلطف في نهاية كلامها ، في أي وقت اخر كانت ايلا ستميل لها للطافتها و رقتها ، حتى انها كانت لتعانقها و تشكرها بحرارة ، لكنها الان في هذه اللحظة بالذات امام اللعين ايفان يتبادلان حرب نظرات باردة لم ينتبه لها احد
"أ هم حقًا متوفون؟"
انصدمت اليزابيث من قلة أدبه المفاجئة و وبخته بحدة "ايفان."
كانت ايلا تشد على شوكتها بقوة و بغضب شديد بصعوبةٍ بالغة استطاعت ان تسيطر عليه، و الا تسمح له ان يخول لها ان تقحم هذه الشوكة في عينيه السوداوين التين تضحكان عليها و تستصغرانها و كأنها لا شيء أمامه
"ماذا؟ اه ، لم اقصد ان اقولها هكذا عذرًا اجل .. فليرقدوا بسلام.." من الجهة التي تستطيع رؤيتها أشار بإصبعية علامة الاقتباس مستهزئًا مجددًا بعيدًا عن ناظريّ الفردين الاخرين
"لا بأس." قالت ببرود
سأل كريستوفر الذي شتم ايفان و تبلده في سره مئة مره في محاولة لتغيير دفة الموضوع "هل انت آتٍ أيضًا إلى إدنبرة؟"
"العمل لا يعرف اللهو ، ما يزال علي أن اتمم الصفقة التي تركها جون بالمنتصف"
"سأستخدم هذه العبارة لأقنع أبي بعدم ذهابي"
اليزابيث التي قررت تجاهل حديثهما بعدان اقنعت نفسها انها غلطة غير مقصودة من ابنها وانه لاحقًا سيدفع الثمن غاليًا عليها ، و ستحرص هي على ذلك، وجهت اهتمامها لآيلا تخبرُها "نحن سنذهب الى إدنبرة في عطلة نهاية هذا الأسبوع ، لدينا مزرعة هناك ، ستحبينها كثيرًا ، لكن الإتصال فيها ليس جيدًا جدًا ، لربما من الأفضل أن تتصلي بجدك و تخبريه بذلك." واقتربت منها تهمس بصوت خفيض لا يسمعه الرجلان الاخران "سيكون ممتازًا لتتقربي من الجميع."
"سأخبر بيير عندما تحين الفُرصة ، متشوقة لذهاب كثيرًا."
لم تستطع ان تصطنع ابتسامة حتى ، و عوضًا عن ذلك هزت رأسها و ركزت انتباهها على قهوتها ، لكنها بعدها
ابتسمت في داخلها عندما استنتجت انها لن ترى وجه ايفان هذا لفترة ولو قصيرة ، على الأقل في المرة التالية سترد عليه بشيء يجعله يندم اشد الندامة ، كانت فكرتها المبدئية ان تجعله يصدق بموت جدتها ، لكنها الان ترغب بالانتقام ايضًا
تأمل هو في وجهها بلا حياءٍ متجاهلاً حديث كريستوفر و بدا وكأنه قرأ أفكارها لأنه قال فجأةً
"عند التفكير بالأمر.. العمل يستطيع ان ينتظر يا أمي ، العائلة أهم."
فكشرت ايلا أكثر و همست بالفرنسية "مقيت."
"أ قلتِ شيئًا يا ابنتي؟"
"قهوة ، قلت اريد قهوة من فضلك."
***
نظر الى اليدين التي تقبع فوق اللحاف ذات الاصابع الطويلة والعروق الناشزة بشكلٍ ملحوظ تشق طريقها لتعبر في بشرة صاحبها و فكر متأملًا : "انا من ربيت هاتين اليدين."
كان وجه جون يغشاه ذلك الشحوب المريض ، اشعة الشمس خفيفةٌ وشفيفة ترسم ظلالًا على وجنتيه و رموشه ، شعره الأشقر حط مشعثٌ يغطي جبينه
كانت هاتين اليدين تنخفضان وتعلوان تزامنًا مع صدره ازاء تنفسه
"يا فتاي الطيب .. ايها الولد الجيد على الدوام." مد يده ليمسك بأحدى يديه ، لكنه فقط لم يستطع ، بل لم يجسر لسببٍ ما ، هنالك ذلك الشعور المبهم الكاسح الذي لا يسمح له بلمسه على الاطلاق ، لكنه قاومة بضراوةٍ و انتصر عليه في النهاية انتصارًا ساحقًا. ليلمس احد الأصابع الناشزة ويتعلق به ، جر الاصبع لتقع اليد من فوق صدر صاحبها على الفراش وتميل نحوه ، فأخذها ادوارد بين كفتي يديه العجوزتين ، هاتين اليدين الفتيتين الطيبتين
اطفق يفكر بكل شيء ، بحياته منذ بدايتها هنا التي يعرفها حق المعرفة .. عندما اتى جون اول الأمر يسكن معهم في القصر كان قد انفعل مرةً لأن لا أحد رد على تساؤله بشأن امه او حتى اخيه و حبس نفسه اسفل طاولة المكتبة و صام عن الكلام والطعام ، كان ضئيل الحجم بشكلٍ عجائبي ، مع ذلك بدا متناسقًا لحدٍ ما ، يخيل للمرء انه من احدى الشخصيات الكرتونية قادمٌ مباشرةً من التلفاز ، اشبه بالأقزام النحيلين شقر الشعر وذوي الوجنات الحمراء بشدةٍ من فرط البرد لك الفرق انها محمرةً من فرط البكاء ، كان كدمية
قدميه المثاليتان ملتصقتان بصدره وتقيدهما ذراعيه وقد انزواء الى الظلام اسفل الطاولة كأنه يظن انه يقدر بطريقةٍ ما على أن يخترق الجدران كشبح ، تلك العينين الخضراوتين ظلتا مغمضتين لفترةٍ طويلة ، اليزابيث قضت اسبوعًا تحاول اخراجه ، تنده عليه لحظةً او تتوسله برقةٍ بالغة ، لكنه بقي هناك معاندًا
ميرديث اقترحت اول الامر ان يربطوا صحن سكاكر وان يدفعوه نحوه ويشدو الخيط الى ان يخرج ، لكن ذلك لم يفلح ايضًا ، حتى عندما أكدوا على احدى الخدمات ان تراقب تلك البقعة وان تبقى متيقظةً للإمساك به ، انتظر الطفل الى ان غلب النعاس الخادمة فتسلل ليذهب الى الحمام ويقضي حاجته ثم اكل شيئًا قليلًا ويسيرًا من الطعام على الارض قرب قدمها وعاد الى جحره ، هكذا ، كل شيءٍ بالتسلل وخفيةً ، وكم كان بارعًا بهذا بطريقة استثنائية مسلية
هو تقدم فقط ناحيته عندما ادرك ان المرأتين يائستين وتنويان اخيرًا تنفيذ الحل الاخير والذي عملتا جاهدتين على الا يلجأن اليه على الإطلاق : الا وهو الإتصال ببلايك..
سحب ادوارد كتابًا من الرَّف ، ا كان الكتاب لغوتن أم إدجار آلن بو؟ .. ذاكرته خانته فلم يستطع ان يعرف ايًّا منهما هو الكاتب، لكنه يعرف جيدًا انه كان لاحدى قصص الأدب القوطي ، يتذكر أنه شرع بقراءة حكاية عن قطٍ ينكب صاحبه الذي قتل زوجته و دس جثمانها في جدارٍ بناه من الجصّ ، عندما وصل الى حدٍ ما توقف عن القراءة في حركةٍ بطيئةٍ متعمدةٍ ثم نظر الى الأسفل بطرفِ عينه ، كانت تلك العينين الواسعتين البراقتين تحدقان به بفضولٍ.
وقال الفتى الصغير من أسفل الطاولة بإنجليزيته التي يخيل للمرء أنها ضعيفة بسبب طريقته في الكلام
"وماذا حدث بعد ذلك؟"
ما تزال اللكنة الفرنسية تطغى على لسانه ، شديدٌ وقعها لدرجة ان بعض الحروف قد ابتلعها واستبدالها بحرفيِّ 'غه'
فوضع الكتاب على المنضدة و ربت على ركبتيه ليشير اليه بالجلوس عليهما "لا استطيع القراءة .. ان عينيّ لا تسعفانني ، انا عجوزٌ جدًا ، هل تعرف انت؟"
"ماما علمتني ... وبابا ايضًا" ذكر الأخير بتردد ، و عبس وجهه
"خيرًا فعلا! تعال اذن و اقرأ لنا."
عندما عادت اليزابيث مجددًا بعد نصف ساعةٍ محملةً بفنجان قهوةٍ له و أملٍ يائس بأن يخرج الطفل من اسفل الطاولة قبل ان يأتي أبوه ، فغرت فاهها وسقطت الصينية على الارض مما استدعى هرولة والدتها لها بقلةِ صبرٍ تلعن لأنها ظنت ان شيئًا حصل ، وبدورها هي الاخرى فغرت فاهها بجانب ابنتها وهي ترى ذلك الطفل الاشقر قد خرج اخيرًا متعلقًا بكتابٍ ويتكئ على صفحاته العملاقه بجبينٍ متغضنٍ يحاول قراءة الاسطر بصعوبةٍ بالغه ويجلس على حضن جدهِ الذي بصبرٍ يعدل له اخطاءه و يعلمه كيف ينطق "قرمزي." دون اضافة الحرفين 'غه' اللذين يخرجان رغمًا عنه ودون درايةٍ منه في كل جملةٍ ينطقها
في ذلك اليوم كسر حجز الصمت الذي حاول الطفل بناءه بينهم جاهدًا ليجيبوا عن سؤاله الأوحد و الوحيد "اين أمي؟" كانت اليزابيث تتحاشى النظر اليه عندما يسأله وميرديث يتكهفر وجهها بشكلٍ فاضح ، اما هو فأخذ وقته في الاجابة ، داعب الشعر الاشقر المتوهج اثر انعكاس اشعة الشمس عليه و اشار بحركةٍ خاطفةٍ الى السماء ، حركته اخرجت شهقةً من اليزابيث ونظرةً صامتةً صماء من زوجته ، لكن كلتاهما عرفتا في قرارتهما ان هذا هو الحل الوحيد ، لم يكن يبدوا ان عليه الشرح اكثر ، اذ ان الفتى يعرف ما هيئة الموت كما يبدوا ، اين تذهب الارواح التي تقطن الاجساد واين تذهب الاجساد نفسها ..
ليلتها بكى الطفل كثيرًا ، لكنه على الاقل بكى..
رفع يده وتلمس الوجنتة الخشنة التي نبتت فوقها شعيراتٍ قلال ، هل بكى عندما عرف انها ماتت حقًا؟ لا يعلم فلم يسأل
كل ما يعرفه انه رباه جيدًا وجعل منه الرجل الذي هو عليه اليوم ، رجلًا صالحًا شريفًا ، ان قارن بين الاثنين .. بين جون وبلايك ، فجون حتمًا افضل من والده بمراحل وان كانت الصفات ذاتها تنطبق على بلايك لكن بتحفظٍ شديد ، اكثر نقاءً إن امكن القول ، هذه الكلمة التي من الممكن ان تعطي جون حقه
جلس على طرف السرير و احكم الامساك بتلك اليد الضعيفة الشاحبة ، كان لاصابعه شكلًا ناشزًا تناولته اصابع ادوارد بتقدير ، و اطفق يفكر بغم ، كان جون في تلك الفترة ايضًا ينبذ فكرة مقابلة بلايك اكثر من اي شيءٍ أخر ، و يلتزم الصمت في احيانٍ كثيرة كما يصوم عن الطعام و يتعب اليزابيث معه، حتى ان ايفان مرةً تجرأ و قال بصوتٍ عالٍ بعد ان انزعج من جون "لماذا لا يأتي خالي بلايك؟." و لم يخرج جون وقتها من غرفته طوال اليوم ، هذا الامر ازعج ميرديث جدًا ، و التي لم يفتها صفع مؤخرةِ رأس ايفان الذي ولى الادبار هاربًا منها
و اتصلت بلايك تخبره ان يأتي من فوره و يترك ما بيده ، بعد نصف ساعةٍ كان بلايك يفتح باب غرفة جون ، و استطاع رؤيته وهو يغمض عينيه و يدعي النوم ، فهز رأسه واقترب منه "جوني ، هل اصبحتَ فتىً سيئًا يكذب على بابا؟."
تجاهل جون ابوه ، ما يزال يتذكر ذلك جيدًا ، لأنه و زوجته كانا يسترقان النظر من طرف الباب دون ان يفقها شيئًا مما يقال ، لكنهما ارتاحا عندما استطاعا ان يريا ملامحه تلين ، كيف انحنى بلايك على سريره يوزع قبلاته و يهمس له بكلماتٍ بالفرنسيّة طمئنتهما هما لا الطفل رغم انهما لم يفهمت منها شيئًا ، كانت عاطفته صادقة لهذه الدرجة ، كيف كان نادمًا جدًا و بذل جهده في التعويض و قطع الوعود وهو على ركبتيه يحبس يدي جون نفسهما بين يديه ، ليلتها نام معه على نفس السرير حابسًا اياه بين ذراعيه دون ان يسمح له بالفرار ، الى ان استسلم الطفل في النوم معانقًا والده ، حتى ان اليزابيث و ميرديث قضتا ليلتهما تتأكدان من انه لم يخنقه او يدهس عليه دون ان يدرك ذلك ، كان هذا الاهتمام الذي جعل جون يعود الطفل نفسه لمدة قصيرة ، على ان اهتمام الاب بإبنه سرعان ما تلاشى ولم يعد يهتم حتى بدراسته ، و لم يسأل عما يفعل ابنه او ماذا حصد أو جنى، وحينما يتحدث في موضوعه فيكون ذلك من باب سد الخانة اكثر من كونه اهتمامًا حقيقيًّا ، وهذا كسر جون مجددًا
بقي ادوارد في مكانه صامتًا ، لا يوجد ما يقوله او يفعله ، لكن اليد التي تحركت في يده و ضغطت عليها بضعف ايقظته من سرحانه "جدي .. ماذا تفعل هنا؟."
"اتفقد حفيدي ، اذا ما كان حيًا ام ميتًا ، فلم استطع حتى رؤية طرف انفه بالأمس."
"انا كذلك يا جدي .. اعذرني على ذلك فأنا مرهقٌ فقط."
نظر ادوارد الى الطاولة المنخفضة الملئ بادويةٍ هو نفسه لم يأخذ قدرها طوال حياته و اشاح بوجهه ، واخذ يداعب يده في كثيرٍ من الرقة والحنان . وقال : "هيه يا بني يخيل الي انني في هذه المرة يجب ان اعتذر اليك ، ليتني اجلت هذا الحفل."
فقال جون بصوتٍ خافتٍ وهو يشد على يد العجوز "جيد انك لم تفعل يا جدي ، لم يكن هناك اي داعٍ لهذا اطلاقًا."
"هل تعرف الى أين سوف أخذك؟"
"حسنًا اعرف فقط ان عمي ويليام ينوي ارسالي الى مكانٍ ما ، لكنني لم أعلم انك آتٍ أيضًا."
"سأخذك الى ادنبرة ، الى المزرعة ، اذكر انك تحب البقاء مع حصانك او حتى السهر للفجر هناك ، حتى انني لست وحدي الآتٍ."
"آمل الا تجبر احدًا يا جدي على أي شيء ، بما في ذلك اجازةٌ لا احد يريدها."
"انا لم اجبر احدًا ...حتى الآن." نهض واقفًا ، و جال بانظاره في الغرفة بما في ذلك تلك الطاولة المنخفضة ، و نظر الى جون المستلقٍ بكسلٍ و الذي ينظر اليه بعينين نعستين لم تدخل فيهما الصحوة بعد "كن جاهزًا صباح غد."
***
اطرحوا لي اسئلتكم وارائكم بخصوص البارت :
- الحالة الكارثية للأخ بلايك؟
- ندم ستيفان؟
- ايلا وايفان؟
- جوني حبيبي ):
- ايش تتوقعون يصير؟
-تقييم البارت من خمسة نجوم؟ ⭐️
عن نفسي اعطيه نجمة و نص ، خاصةً اني توقعت اطلع بشيء اتحمس وانا اقرأه بنفسي ، بس ماش ، بالمناسبة -ما عندكم علم ، انا واخيرًا بطريقة ما تخرجت 🌚❤️ (مع الاسف من الثانوية ، لسى بقي لي مشوار ٥ سنين او اربع في كفاح الدراسة الجامعية الا ربي اخذ امانته عاد)
خاطري اسوي سكيب و القى نفسي عجوز متقاعدة همها الحلاو ما يخلص عشان احفادها ، عمومًا ، نلقاكم حين ما نلقاكم ، و رمضان كريم. 💜💜💜
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro