(20)
بقلم : نهال عبدالواحد
دخل الأربعة أولاد عند أمهم وكلٌ منهم ينظر للآخر كأنه يرى من يقترب أولًا، بعد هُنيهة تقدمت رقية أولًا والتي كانت عينيها تزرف دمعًا، واضعة يدها على فمها لألا تصدر أي صوت لبكاءها.
أمسكت بيدها، انحنت تقبلها، ظلت منحنية همست: مامي! حبيبتي! فوقي عشان خاطري أنا روكا حبيبتك، أمال مين هيكمّل فستان فرحي، و يفرش معايا شقتي، ويكمّل باقي الحاجات اللي ناقصاني، لو انتِ مش معايا هتبقى كل حاجة ناقصاني، إحنا ولا حاجة من غيرك يا مامي!
فتراجعت وتقدم يحيى، أمسك بيدها، انحنى يقبلها وهمس: ماما حبيبتي! إيه يا قمر! مش تقومي كده، محتاجك ف موضوع مهم جدًا، حاجة كان نفسك فيها تحصل ومحتاجك جنبي أوي، وعندي كلام كتير و شوية تفاصيل عايز أحكي وأقول، بس قومي وصحصحي كده!
ثم تقدم سليم والذي أمسك بيدها وانحنى هو الآخر ليقبلها ثم قال: ماما! أنا سليم ابنك، تعبتك عارف والله! بس آسف و استاهل أي حاجة تجرالي إلا بعدك عني، صعب أوي إني أشوفك نايمة كده و رافضة تقومي، للدرجة دي كرهتينا قصدي كرهتيني! أكيد من ضغطي على أعصابك، الله يجازي الشيطان اللي غواني وخلاني أتسبب ف كده، سامحيني يا أمي وقومي وارجعي نوري حياتنا.
تراجع سليم فتقدمت سلمى، انحنت تقبل أمها وهي تبكي قائلة: مامي حبيبتي! وحشتيني أوي، كان نفسي تكوني معايا كل مرة أروح فيها للدكتور أتابع، وتيجي معايا وأنا بجيب حاجات البيبي، عارفة إني أنا السبب ف الوضع ده بغبائي، بس بجد آسفة أوي، بس الدكتور فتن عليكِ وقالي إنك كنتِ دايمًا بتسأليه عاملة إيه وإيه أخباري، حتى وانتِ زعلانة مني مش ناسياني وده قاهرني أوي يا مامي، بس حقك عليّ....
بالطبع وضعية تلك الوقفة غير مناسبة تمامًا لها كإمرأة حامل فحدث تشنج فجائي في أسفل بطنها فصرخت فجأة: آااااااه! إلحقوني! حد يجي يعدلني اتشنكلت.
تابع سليم: ما دي مش واقفة واحدة حامل، هتفضلي طول عمرك غبية.
- ما تيجي تعدلني يا بايخ بدل تريقتك دي، وانتِ يا ست زفتة تعالى اسنديني من الناحية التانية.
قالت رقية: بأه أنا زفتة! طب مش جاية.
فصرخت سلمى: يووووووه! تعالي بأه، آااااااااااه!
فتحركت رقية وهي تضحك فقال يحيى: ششششش! إيه التهريج اللي انتوا فيه ده! نسيتوا نفسكم!
وبينما كان الأربعة إخوة يتشاكسون مثلما كانوا أطفالًا غير مراعيين للزمان ولا المكان.
سمعوا فجأة صوت أنين ضعيف لم يلحظوه في البداية لكنهم انتبهوا إليه أخيرًا، إنها أمهم فالتفوا حولها جميعهم ومن يمسك بيدها ومن يمسك بيدها الأخرى ومن يقبل رأسها من إحدى جانبيها وآخر يقبل الجانب الآخر وأصوات صياحهم المتداخلة: ماما! مامي!
بدأت سلمى تفتح عينها قليلًا، لمحت خيال أبناءها الأربعة فابتسمت قليلًا بتعبٍ شديد.
كان عمر يقف بالخارج جانب أخيه الجالس ممسكًا بزجاجة العطر، شاردًا، سمع فجأة أصوات صياحهم وتلك الضجة القادمة من الداخل فأسرع عمر بالدخول.
صاح عمر: إيه في إيه!
جميعهم: ماما، مامي فاقت!
فدخل عمر، فحصها ونظر نحوهم وخاصةً سليم ورقية ثم تابع فحصه وقال: يا خسارة التعليم والدراسة، ما حصلتوش حتي حلاقين صحة، مش تشوفوها بدل ما تهيصوا.
كان سليم بمجرد معرفته بخبر إستيقاظها وهو واقف عن بعد يتمنى لو سمح له عمر بالدخول لكنه قد حذره من الدخول الآن فظل متجمدًا مكانه.
تحدث عمر: حمد الله على سلامتك يا سلمى! إيه الأفلام الهندية دي! لازم حركاتك دي، عارفين يا ولاد أمكم من يوم ما عرفتها وهي لازم كل فترة تشيبنا كده.
همست سلمى بصوتٍ ضعيف: لسه هنشيب يا عمر! ما خلاص.
قالت سلمى الإبنة: خلاص إيه بس يا مامي! إنتِ بتعملي كده بس عشان تعرفي غلاوتك عندنا!
فاستدارت بعينيها عنها فوجدت سليم إبنها من الناحية الأخرى فقال: وحياة أغلى حاجة عندك يا شيخة تسامحينا، هو إحنا لينا غيرك ولا نستغنى عنك أبدًا.
تابعت سلمى: ما استغنيتوا واللي كان كان.
تابعت سلمى الإبنة ببكاء: خلاص والله يا مامي ما هزعلك تاني.. آااااااااااه!
وقد تشنجت بطنها من جديد!
أهدرت رقية: يووووووه! تاني!
فقالت سلمى بلهفة: مالك يا سلمى فيكِ إيه! ارتاحي يا قلبي!
همت بالحركة لتسندها وكأنها قد نسيت ما هي فيه فجأة لكنها تألمت فرجعت، فأسنداها رقية ويحيى وأجلساها على كرسيٍ مجاور لسرير أمها.
تنهد عمر بقلة حيلة وقال: كام مرة أقولك اتحركي بالراحة، مش عارف العيلة دي هتبقى أم إزاي؟!
اعترضت سلمى الإبنة: أنا عيلة يا أونكل!
- آه ونفسي أديكِ علقة بس لما تولدي بالسلامة.
- علقة كمان!
- آه، عايز أخبطك إنت والواد سليم ده ف بعضكم.
وظلوا يتشاكسون ثم يعاودون الإعتذار لأمهما حتى لم تجد إلا أن تسامحهما، إنه قلب الأم الصبور المتحمل، ظلت تمسك بيد إبنتها سلمى وجذبتها نحوها لتقرب و تربت على بطنها من حينٍ لآخر وتود لو تنهض من مكانها وتترك مكانها لإبنتها.
كان سليم طوال الوقت مراقبًا لها، وقف على الباب خافيًا نفسه فلم تسأل عنه ولا حتى بحثت عنه بعينيها حتى الآن، فاضطر للخروج والعودة للجلوس مكانه على باب الغرفة بقهر وغصة كبيرة تملأ قلبه.
لم يعلم أنها كانت تلمحه بطرف عينيها و تشعر بوجوده منذ أن استعادت وعيها لكنها لم تبدي ذلك حتى غادر مكانه وكأنه قد يأس منها، فأصابتها غصة بقلبها هي الأخرى لكنها قد بدت على وجهها وملامحها.
فأسرع سليم ورقية نحوها ليفحصاها ربما تعاني من مشكلة ما، لكن يحيى كان يعلم السبب فقد كان يلمح أبوه مثل أمه تمامًا.
في بيت شادي والذي كان مستعد للخروج ذاهبًا للكلية فوجد أدهم الآخر مستعد للخروج.
قال أدهم: صباح الخير.
تابع شادي: صباح النور، مبدّر يعني إنهاردة!
- إده انتم ما تعرفوش اللي حصل!
صاحت ياسمين: في إيه ما تنطق!
- يحيى كلمني و بلغني إن طنط سلمى ف المستشفى و تعبانة و البيبي اتوفي ف بطنها وعملت عملية.
صاحت ياسمين:كله من تحت راس جوزها و عيالها، استني ألبس وآجي معاك.
أومأ أدهم رافضًا: لا معلش يا أمي خليك دلوقتي لما الأوضاع تتحسن.
صاحت ياسمين: أوضاع إيه! دي صاحبة عمري وتعبانة وف المستشفى، لما أشوفهم بس هطبق ف زمارة رقبتهم واحد واحد.
ضحك شادي وقال: ماهو عشان السبب ده بالتحديد خليكِ مرتاحة اليومين دول لحد ما الدنيا تهدى شوية يا قلبي.
فنظر شادي في الساعة وقبل أن تنطق بكلمة قال وهو يقبلها: هستأذن أنا بأه يا عمري، سلام يا بونبونايتي.
فاتجه أدهم هو الآخر وقبل أمه وانصرف خلف أبيه.
في المشفى كان سليم جالسًا واجمًا حزينًا، ممسكًا بيده زجاجة العطر وينظر إليها، فجاء وليد و
الذي قد عرف من إبنته شفق.
طل وليد واقفًا يحدث سليم لكنه كان شديد الشرود ولم يجيبه.
فناداه وليد مجددًا: سليم! سلييييييييييم!
انت كويس!
قال سليم وقد انتبه لوجوده توًا: وليد!
- في إيه! مالك! سلمى مالها! حصلها حاجة!
- الحمد لله فاقت و الولاد عندها جوة.
- طب وانت قاعد كده ليه؟!
فسكت سليم ولم يرد ونظر بحزن لزجاجة العطر، فاستوعب وليد أنها ترفض لقاءه.
ربت وليد عليه وقال: معلش، فترة و هتعدي، إيه الإزازة اللي معاك دي!
ابتسم وعيناه تزرف دمعًا وتابع: ده البرفيام بتاعي اللي سلمى بتحبه، ولما كنت مسافر زمان عشر سنين وما كنتش تعرف أي حاجة عني ولا حتى إسمي، بس كانت حافظة شكلي و ريحة البرفيام دي، وأول مارجعت وكانت تعبانة في المستشفى بين الحيا و الموت فوقتها بيها من غير ما اعرف قيمة البرفيام دي......
- استهدى بالله كده وكل حاجة هترجع لأحسن ما كانت.
ورفع رأسه فلمح عن بعد مجيء محمد، إبنه يحيى خطيب رقية، محمود أخوه، أدهم فمسح دموعه بسرعة، في نفس الوقت خرج من عند سلمى سليم ويحيى ابنيه.
فنهض واقفًا بلهفة وقال: أمكم مالها حصلها إيه!
أجاب يحيى: اطمن يا بابا! مفيش حاجة.
هدأ سليم و عاود الجلوس يتلاقط أنفاسه ثم سلم على القادمين توًا.
تحدث أدهم: حمد الله على سلامة طنط سلمى، بابا هيبقى يعدي عليك بعد المحاضرات إن شاء الله، وهيعملك أجازة يا يحيى زي ما طلبت.
فربت على كتفه يحيى وقال: ما اتحرمش منك يا أدهوم.
قال سليم: مفيش أجازات و هتتفضل تروح شغلك.
أومأ يحيى: حاضر يا بابا اللي حضرتك عايزه هعمله، بس أنا بجد مش هقدر أروح إنهاردة.
- باقولكم إيه المشروع الجديد ده أنا صرفت نظر عنه من غير نقاش ولا أي حاجة.
قال أدهم: من غير نقاش، البت دي مش مندوبة م الشركة اللي قالت عليها، لو تفتكروا هي نطقت حرف غلط و هتلاقوه مكتوب ف الورق، الإسم مش هو الإسم الأصلي اللي جاية على حسه و لا حتى اللوجو.
تابع سليم: جاية تلعب عليّ يعني!
أومأ أدهم: مش عليك تحديدًا لأنها اتفاجئت بوجودك.
لكزه وليد وقال: وأنا اللي كنت فاكرك قاعد كمالة عدد!
ضحك أدهم وقال: عيب، هو أنا بلعب!
ده انا قريها من أول لحظة.
تابع وليد: أيوة بأه يا واد يا بتاع المخابرات يا مظبطنا.
فضحك وليد و أدهم ثم سكتا بسرعة مراعيان شعور سليم.
لكن سليم لم يكن معهما الآن بل في تلك النظرات المتبادلة بين سليم إبنه ومحمود والد خطيبته.
اقترب سليم ناظرًا بينهما وقال: هو في إيه بالظبط!
إيه حكايتكم انتو الإتنين!
.....................................
NoonaAbdElWahed
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro