4 - " حين أنتهى كل شيء "
في سيارة كبيرة ، جلس المقاتلين موازيين لبعضهم البعض ، منهم فيكتور ، و هو رجل في عقده الرابع من عمره ، أشقر ذو حدقتين زرقاوتان ، يمتلك ذقنًا و شاربًا كذلك ، و هو قائد هذا الفيلق
أيضًا يوجد داميان ، و هو رجل في أوائل الثلاثينيات مثل سائر المقاتلين ، يمتلك شعر أسود كالغراب كذلك بؤبؤا عينيه ، يجلس برعب شديد و يرتعش من الخوف
بالإضافة إلى جيمس ، الذي يمتلك شعرًا بندقي اللون و عينان عسليتان كالعسل ، يرتدي نظارة حوافها بلون شعره ، و يكتب شيئًا في دفتر ما
كذلك لدينا هاري ، الذي يمتلك شعرًا أحمرًا و عيون خضراء كالعشب ، و بعض النمش علي خديه ، يقرأ كتابًا ما
يوجد معنا رايلي ، يمتلك شعرًا أسودًا كالغراب و عينان بنيتان داكنتان كالقهوة ، يقلب ناظريه بين الحاضرين و يبدو أن لديه أفكاره الخاصة
أخيرًا لدينا أنا ، مارك ، و أنا أشبه جيمس نوعًا ما في الشكل ، حسنًا هذا ربما لأننا أقارب ؟!
علي العموم ، لقد كنت جالسًا بجانب رايلي و نحن ننظر لبعضنا البعض بين الفينة و الآخرى ، قررت أخيرًا أن أكسر هذا الصمت قائلًا بمزاح لجيمس : " و ما الذي تكتبه الآن يا جيمي ؟! أيعقل أنها أشعار لخطيبتك ؟! "
قلب عينيه بملل ناظرًا إلى و قد قال : " و ماذا ستفعل لو كنت كذلك ؟! نحن هالكون لا محالة "
هذا جعل داميان يرتجف أكثر ، و وضع كلتا يديه علي رأسه كأن هذا سيحميه من القصف
أجبت عليه قائلًا : " هل أنت متأكد من هذا ؟! ماذا لو عدنا أحياء ؟! ما الداعي من الخوف وقتها ؟! علي الأقل الرائد فيكتور سيخبركم بهذا ! "
أشرت إلى فيكتور الذي قال : " و مع ذلك ، يعتبر مصيرنا في أيدي الله "
أوه ، تتسائلون بالطبع ما الذي يحدث هنا ؟! في الحقيقة ، يوجد قصف في الجهة الشرقية من المدينة التي نحن ذاهبين إليها بالأضافة إلى عدة من السيارات الآخرى مثلنا و طائرات و كثير من مواصلات الجيش الآخرى ، و يوجد بعض المواطنين المدفونين تحت أعماق التراب ، و مهمتنا هي أنقاذهم
في الحقيقة ، لم تكن هذه هي المشكلة التي تجعل الآخرين خائفين ، المشكلة تكمن في كونها مهمتنا الأولى !
حسنًا ، لم أكن خائفًا ، ليس فقط لأنني أثق بالله أنه سينقذني من هذه المحنة ، لكن لأنني أيضًا أختبرته في عدة مواقف كدت أن أفقد حياتي بها ، لذا كنت واثقًا منه
و حتي و لو مت ، ليست مشكلة ! فقط أتمني أن يقبلني الله في سمائه الرحبة
لكن ، لم يكن هكذا الوضع مع الآخرين ، و أنا لا ألومهم حقًا ، الوضع مخيف فعلًا
علي العموم ، توقف السائق عن القيادة
هذا يعني بأننا وصلنا ...
_____________________
حسنًا ، المنظر مروع بالتأكيد
خرجنا جميعًا من السيارة ، و رأينا عدة سيارات للجيش متوقفة أيضًا ، و هناك طائرات تحلق فوقنا منها طائرات الجيش و منها مروحيات تبث الحدث
و أيضًا ...
يوجد العدو ...
بالتأكيد هم بعض الأرهابيين الذين فجروا الموقع و يهدفون لقتل كل من هنا
من هنا بدأ العمل
أنا و فرقتي كنا ننقذ من هم تحت الأنقاض ، ندخلهم إلى سيارات الجيش كي ينقلوهم إلى مكان آمن ، أو إلى سيارات الأسعاف كي يسعفوا المصابين ، و نردد بين الفينة و الآخرى بإبتسامة لطيفة للمواطنين : " لا تخافوا ، لقد جئنا لأنقاذكم ، كل شئ تحت السيطرة ، فقط أتبعوني إلى بر الأمان "
بالتأكيد لم يكن جميعهم علي قيد الحياة ، قد كان هناك الكثيرين مِن مَن ماتوا
و لقد كان من ضمنهم ...
رفعت أحد الصخور بحثًا عن أي شخص للأنقاذ ، و وقتها رأيته ...
جون ، و هو أخ جيمس الصغير ، البالغ من العمر تسع سنوات فقط ، و يمتلك ملامح بريئة مثل جيمس تمامًا
رأسه التي نزفت إلى الموت ، لم تؤثر علي ملامحه الهادئة ، بل بدى كالملاك الصغير النائم و لا توقظه أصوات الطلقات من حوله ، بل بدى و كأنه مستلقي علي سريره الخاص ، بإبتسامة جميلة تزين وجهه
أنا و جيمس ننظر إلى بعضنا البعض بصدمة ، من ثم حمل جيمس أخيه الصغير و سالت دموعه ، ظل يصرخ بأسم جون بصوت عالي للغاية ، و من ثم سمعت صوت صراخ شخص آخر ، أخيرًا شعرت بشئ رطب يسيل علي وجنتاي
في النهاية ، أدركت بأنني أنا ذاك الشخص الآخر من سمعت صوت صراخه و دموعه علي وجهي تسيل ...
__________________
نظر إلي جيمس بفزع لأنه أدرك شئ ما ، و صرخ : " لقد قالوا بأنهم سيأتون إلي هنا ! "
في البداية لم أفهم ما يقصده ، لكن بعد ثانية ، تذكرت ما يعنيه ذلك
لقد تحدثت إلى والدتي علي الهاتف في الصباح الباكر مع جيمس ، و تذكرت الحديث الذي دار بيننا ، فقد قالت لنا عبر المكالمة : " مرحبًا مارك ، و أهلًا جيمس ، كيف حالكما ؟! "
قلت لها : " بخير يا أماه ، و أنتِ ؟! "
قال جيمس : " بخير يا سيدتي "
قالت : " نحن بخير ، أتمنى أن تعودا قريبًا - "
لم تكمل كلامها فقد سحب جون الهاتف منها بينما ينظر لوجهيهما عبر شاشته ، و قال بحماس : " مرحبًا جيمي و مارك ! أتعلمون ؟! نحن ذاهبون إلى حوض الأسماك في الجهة الشمالية ! لقد أخبرتني كاترين بأنه يوجد الكثير من الأسماك الكبيرة هناك ! "
قال جيمس : " هذا رائع جدًا يا أخي ، و أعطي تحياتي لكاترين "
قلت له : " أنا أيضًا يا جون ، و أحذر أن تأكلك السمكة الكبيرة ! "
أجاب : " حاضر ! "
قالت أمي : " إذًا أعذراني ، سوف نذهب إلى هناك الآن "
قلت لها : " بالتأكيد ، إلى اللقاء يا أمي "
كانت تلك نهاية محادثتنا صباحًا ، و عندما تذكرنا ذلك ركضنا مثل المجانين نبحث عنهم ، في الأنقاض ، و عبر الناجيين
و كما توقعنا
لقد ماتوا جميعًا ...
كاترين أختي الصغيرة التي شابهت والدتي بأمتلاكها شعرًا أحمرًا كالغروب و عينان سماويتان كالسماء يلمعان مع أبتسامتها في كل مرة تلهو و تمرح فيها ، التي كانت دومًا ما تلعب معي في طفولتنا ، والداي الذان لطالما شجعاني في كل مرة نجحت بها في شئ ما ، فقد كانت والدتي تعد لي الكعك حينما أجلب درجات عالية ، و والدي كان يحجز تذكرة لمباريات كرة القدم في كل عام أحتفالًا بتخرجي من كل سنة ، و جون الصغير الذي دومًا ما لعب معي أنا و جيمس بكرة القدم ، و يرسل لنا بطاقات معايدة بكل عيد مكتوبة بشكل طفولي لصغر سنه ، أخيرًا عمي و زوجته والدا جيمس الذان دومًا ما أحضرا جيمس و جون إلى منزلنا و قضيا لياليٍ لا تحصى في المبيت معنا ، لن أنسى أبدًا أفلامنا الليلية التي كنا نشاهدها إلى أن يطلع الفجر ، و أيضًا غريس ، تلك الشقراء خطيبة جيمس التي دومًا ما كانت تدرس معنا في أيام الثانوية قبل أن يتقدم جيمس لخطبتها
كل هؤلاء قد ماتوا بهذه السهولة ...
و بأبشع طريقة يمكن أن نتخيلها ...
___________________________
عندما تحققنا من ذلك ، ركع جيمس علي الأرض و بدأ يضربها بقوة حتي نزفت يداه و لا يزال يصرخ و يولول
أما أنا ، فقد كنت أمشي بلا هدف أو وجهة بين الجنود و الأرهابيين ، حيث شعرت بأنني فقدت شغفي بالحياة ، لم أعد أرى في الدنيا سوى اللون الأسود
فقط بينما أنا أتقدم ، سمعت داميان يصرخ بهلع شديد و يقول : " مارك أحذر ! "
أنا لم أصغي له ، أو بالأحرى عندما ألتفت له لم أرى الرصاصة التي أخترقت قلبي
وقتها شعرت بأن كل شئ حولي مر ببطئ أثناء سقوطي علي الأرض ...
رأيت فيلقنا و هم يجرون بسرعة نحوي صارخين بأسمي ، شعرت بالرائد فيكتور و هو يضع رأسي علي قدمه ، سمعت كلمات منه تقول : " أصمد يا مارك سيأتي الأطباء حالًا ! "
و لكنني كدت أضحك بسخرية علي كلامه
لأنني علمت أنني سأموت ، أن لم أكن مت بالأصل
فأي رصاصة بالقلب هذه التي يمكن لطبيب أن يشفيها ؟!
حسنًا ، رغم أيماني بالله ، لكنني بذلك الوقت لم أرده أن ينقذني ككل مرة ، و أردت فقط أقناع نفسي بالمنطق أنني سأموت ...
لأنني لن أتحمل لحظة واحدة آخرى في الحياة بدونهم ...
و أشعر أن الله أستجاب لي فعلًا
فإن كل ما رأيته في آخر لحظات حياتي هي أوجه مشوهة
و ذكرياتي ...
_________________
تذكرت حين دخلت الأبتدائية للمرة الأولى و جلبت العلامة الكاملة في شهادتي ، و يوم أستلام النتيجة صادف يوم ميلاد أختي ، و أعتبرته يومًا مميزًا للغاية ...
تذكرت هروبنا أنا و جيمس من الحصص في الأعدادية ، و شرائنا لألاف من المثلجات ، و شجاراتنا مع أطفال الشارع ، حتي كدنا ننسجن و أخرجانا والدينا من قسم الشرطة ، ذلك حين قررنا عدم تكرار أفعالنا تلك مرة آخرى ...
تذكرت لقاءنا أنا و داميان في الأعدادية ، حين كانوا المتنمرين يتنمرون عليه و أنقذناه أنا و جيمس ، منذ ذلك الحين صرنا أصدقاء ...
تذكرت حين تعرفنا علي هاري و رايلي في الجامعة لأول مرة ، ذلك عندما كنا نفتعل معهم المقالب في أساتذة الجامعة و داميان يوبخنا ، هذا شئ بالطبع لا يعرفه سوى الرائد فيكتور الذي تستر علينا في كل مرة ...
تذكرت عيد ميلاد جون الأول ...
تذكرت يوم وفاة جدتي والدة أمي ، وقتها أخرجاني جيمس و غريس من المنزل لكي نخرج معًا ...
تذكرت كيف ساعدت جيمس ليطلب من أهل غريس يدها ...
ألاف من الذكريات تدفقت في عقلي بهذه اللحظات القصيرة ، أخرها ذكرى يومنا هذا
ذكرى اليوم الذي مت فيه ...
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro