ولاء العبد
كان العبد لا زال راكعاً وهو يتحاشى النظر للملكة ولا زالت أصابعهُ تضغط على باطن كفهُ والتوتر يشل كل حركة منه فنظم أنفاسه ببعض الثقة وحدقتيه الناريتين تدوران على العشب حوله ليتحدث بود قدر الأمكان وصوته الأجش يسبب له إحراجاً لاسيما وأن ضربات قلبها أزدادت حتى يكاد خافقها على الفرار وكم أستاء في نفسهُ ومن بشاعة شكله التي تُخيفها ، هذه المرة الأولى في حياته التي ينتبه لنفسه بها ! لم يهتم يوماً بما كان عليه بل لطالما كان فخوراً بما يمتلكه من ترويع وترهيب على الضحايا التي تقع بين يديه بأمر من السحر الذي يوكل به .
لكن اليوم بالذات أستاء مما هو عليه ، ومن خلقتهُ البشعة التي تجعل تلك الملامح التي لينت قلبهُ القاسي كالحجر ، كل هذه المشاعر تسبب له أرتباكاً وكان مشوشاً بما فيه الكفاية لينتبه أنه طال بقول ما يريده للجميلة الخائفة ، أستعاد أنتباهه ليقول :
- لقد أرسلتني الساحرة لتعقبكِ ومعرفة ما تكونينه بالضبط ولما أنتِ مهمة لملك عتيد كالملك برقان .
لم يصلهُ رداً منها فرفع عينيه ليجدها تطالعه بهدوء وسواد عينيها يغطي بياضهما فتحدث وناظريه مثبتان عليها وقد ملئ قلبه بعض الخوف مما يراه جاهلاً لتحولها بهذا الشكل :
- لقد عرفت بسركِ آنفاً وأعلم أنني أستطيع وببساطة تقديمك للساحرة على طبق من ذهب مقابل نيل حريتي .
تحفزت أكثر ونهضت واقفة ولكن سرعان ما عادت حدقتيها لطبيعتهما واتسع فاهها الجميل بأبتسامة واسعة ، للحظات لم يفهم ردة فعلها حتى أستوى أمامه جسد ضخم البنية فارع الطول والعرض متوشح بالأسود وعطر فواح يفوح منه سد عنه رؤية تلك الحسناء ، رفع نظره ببطء ليرتطم بوجه الملك الذي كان أسوداً كوجه السبع ذو أعين حمراء كالجمر بطرفة عين قبض على عنقهُ بكف أسود كالفحم ذو أصابع طويلة نهايتها مخالب معقوفة ليضغط عليه بقوة مما جعل عيني العبد تزوغان وقدميه تضربان الهواء طلباً للتنفس ليصلهُ صوت الملك الغليظ كدوي الرعد :
- لن يُقدم على طبق من ذهب لسيدتكَ الملعونة سوى رأسك موضوعاً على كومة أشلائك وسأحرص على أن تقتات من لحمكَ حتى تموت وتتعفن في زنزانتها .
صوتهُ غدا عالياً والغضب يملئهُ وزاد من ضغطهُ على عنق العبد الذي نفرت عروق وجهه وهو يصارع للأفلات من قبضة الملك حتى تدلت يديه على الجانب وأسودت الدنيا في عينيه ، وفقد وعيهُ .
**********
مرجان :
كنتُ وسط أجتماعنا الذي غلب عليه الصمت من جميع الأطراف ، لم أستطع لوم أحد فمنذ سبعة قرون لم يظهر أي زوهري من هذا النوع مما أقتضى التخلي عن ميثاق حماية أي فرد يظهر منهم والآن بظهور زوجتي أقتضى أن نعقد الميثاق من جديد وأن نكون على أهبة أستعداد في حال تزلزل السلام الذي أستمر كل تلك القرون الغابرة ! أوقن أن كل فرد في هذه القاعة تذكر تلك الحروب التي تمر مُدمرة العالمين معاً مُخلفة ضحايا وأيتام وآثار مادية ومعنوية لا تزول .
قبل أن نتحدث بأي أمر فُتح باب القاعة ودلف الحاجب ليقول مُنحنياً بأحترام :
- هناك من يطلب رؤيتك يا مولاي .
لم أهتم لذا أشرت له بيدي كي ينصرف ما أن أستدار حتى فُتح الباب وأرتطم به الحاجب وسقط أرضاً وجميعنا وقفنا من هذا الدخول الهمجي ، تملكني الغضب ولكن سرعان ما ظهر عمراج لاهثاً متحدثاً بتقطع وهو يشير بيديه :
- هناك عفريت ..من .. بني طرماح .. وهو الآن عند جلالة الملكة !
من فوري تركت قاعة الأجتماعات والخوف مزقني أشلاء ؟ أسئلة كالسيل العارم غمرت عقلي ، ما علاقة عفريت من قبيلة لا دين لها ولا مذهب سوى الدمار وأحلال الفساد أينما حلت بملكتي ؟ هل هو من أتباع الساحرة ؟
شعرتُ وكأنني أطير ببطء شديد وكأن سنوات غابرة مرت علي وأنا بين الغيوم لا أدرك الأرض مهما أسرعت ! لا أدري كيف هبطت ولكن وقوفها وحدها أمامهُ ووجها المصفر حطم لي قلبي حال وقوفي خلفهُ أستمعت لذلك التهديد الذي وجههُ نحوها :
- لقد عرفت بسركِ آنفاً وأعلم أنني أستطيع وببساطة تقديمك للساحرة على طبق من ذهب مقابل نيل حريتي .
لمست كلماتهُ قلبي وكأنها خنجر مسموم يطعنني ببطء لأقف أمامه مُطلقاً العنان لغضبي الأعمى وأنا أعتصر روحهُ بين يداي لم أكن أستمع الى صوت أميرتي وهي تشد ثيابي عقلي كان مُغيباً وأنا أراه يلفظ أنفاسه بين يداي حتى علا صوت صراخها وهي تناديني وشعرت بيدين شفافتين تمسكان بي وتفلتان ذلك العبد من قبضتي ودفعتاني للخلف !
لم أعي ماذا حدث حتى رأيتُ صغيرتي ماثلة أمامي وعينيها سوداوتين بالكامل ، هل أستعملت تواً قواها ضدي ؟
كانت الغصة قد لفت عنقي ونسيت نفسي بوجهي القبيح أمام ناظريها ، ناسياً أن قلبها مُرهف لا يمكن أن يتحمل كل هذا القبح ، حتى عانقتني وهي تنظر ألي وعادت حدقتيها لسيرتهما الأولى لتقول بصوت مرتجف :
- لا ينوي شراً لقد جاء ليصبح في صفنا .
ثم أمسكت تلابيب ثيابي وهي تصل لبطني تتحدث بصوت عالي :
- يمكننا أن نجد الساحرة بمساعدته ونحررهُ من قبضتها .
عدت لشكلي الحسن وهدأت لم أعي أن عمراج بالفعل موجود ومعه نفر من الحرس وضعت يدي حولها وهي نظرت نحو العبد ثم هربت من حضني جالسة بقربه حتى تطمئن عليه !وكم آذى هذا قلبي ؟ ألم أفعل هذا دفاعاً عنها ؟ ما بالها تصرفت وكأنني من آذيته بلا سبب ، لما كل هذا الأهتمام لعفريت كان يهددها تواً ؟
****************
مريم :
صوت مرجان بالفعل يتردد داخل عقلي وكم آلمني ما قالهُ ، نظرت اليه أراقب الدموع الواقفة على طرفي جفنيه فجلست على ركبتاي أطالعهُ والالم في داخله شاركتهُ إياه في داخلي أيضاً لأحدثهُ أرغب في رضاه :
- جاء بنية خير لم يأتي ليؤذيني كان على وشك قول ذلك .
كان لا يزال صامتاً ويديه خلف ظهرهُ فنهضت ببطء واقفة في محلي أنظر الى بهرازن الفاقد لوعيه أتحدث الى زوجي المحطم القلب في وقت غير ملائم :
- أسمع كل ...
سرعان ما سُحب بهرازن نحو الجهة الأخرى ناحية البحر ليهب الحرس محاولين الأمساك به ، وقفت غير مستوعبة لما حصل حتى أمسكوه جميعاً وهو فاقد لوعيه وتلك السلاسل حول معصميه هي من يشده !
ماذا يحدث ؟ تملكني الرعب وأنا أرى بذهني وجه الساحرة لوهلة مر هذا المشهد وهي تشد السلاسل نحوها بجانبها الشيطان الذي رأيتهُ سابقاً وهو يتكئ بأرهاق وجسدهُ مليء بالحروق .
تجمد جسدي ورحتُ أرتجف بوهن ،شكلها أثار الفزع بداخلي وكأنها تعلم أنني أراها فقالت وشعرت للحظات أننا معاً بذات المكان ولا يفصل بيننا سوى إنشات حتى خُيل لي أن أنفاسها الكريهة تلفح وجهي :
-سوف أمسك بكِ يا كنزي الثمين وأن أشعلت حرباً في سبيل ذلك لن يغمض جفني حتى تغدوا جثتكِ بين يداي .
لم اشعر بدموعي وهي تتساقط تباعاً كغيث لا ينقطع ، نظرت نحو بهرازن الذي كان جسدهُ كالدمية يجره مرجان من جهة وتلك القيود من جهة أخرى .
فأستجمعت طاقتي ورفعت يدي نحو تلك القيود ، أنا أرتجف وجسدي واهن ، العرق يتصبب مني والبرد يلسع جلدي ، لكن الطاقة الكامنة في جسدي فجأة جعلتني أشعر بحر شديد وكأنني وسط صحراء ، حلقي جاف ، ويدي تستقيم بصعوبة .
ركزت على تلك السلاسل وما أن أفلتوا النفر بهرازن حتى تعلق في الهواء .
أشعر بأيدي شفافة تخرج مني وتمسك به ، كان فوق البحر ببضعة إنشات فرفعتهُ حتى بات مُعلقاً في الهواء ، ثم غدى الهواء وكأنهُ سيوف قاطعة فقمت بقطع تلك السلاسل حتى أختفت بعمق البحر وحملتُ بهرازن حتى بات على اليابسة .
تكاد روحي على مفارقة جسدي ، الجو شديد الحرارة والأختناق يطوق لي رقبتي كقبضة من حديد ، كلمات الساحرة تتردد في عقلي ، وفجأة شعرتُ برأسي ثقيل كما لو كنتُ أحمل حجراً فوقهُ .
نمت على جانبي على الأرض وجسدي مخدر لا أقدر على الحراك وبقيت هكذا كما لو أصابني الشلل ، وبمجرد أن طرأ هذا الأمر على بالي حتى عاد قلبي للتراكض في ماراثون مجهول النهاية من شدة الخوف ليمر شريط ذكرياتي الأسود حينما توافد على عقلي ذكرياتي مع الشلل .
*********************
أمسك الحراس بالعبد بهرازن الفاقد لوعيه وتوجه مرجان نحو حبيبته الراقدة أرضاً وحملها بين ذراعيه ووجه أصفر خوفاً عليها فراح ينده عليها ويضرب وجنتها يطالع حدقتيها المتسمرتين في الفراغ .
واجه صعوبة في حملها فقامت قرينتها بالدخول الى جسدها والنهوض بأعتيادية والتحرك ولكن بصعوبة فجسد صاحبتها كان متخشباً .
*********************
تم أخذ بهرازن الى زنزانة في قصر الملك وتم تقييده ومكث حتى عاد من غيبوبته غير عالم بما حدث .
فراح ينظر الى المكان حوله والتساؤلات تنبثق في ذهنه حتى ضربه صداع قوي ، أخذ يسعل بقوة ويشعر بألم عظيم في عنقه ليتذكر آخر ما مر به على يدي الملك !
شعر بمن يراقبه من خلف باب الزنزانة والذي علته فتحة مستطيلة تسمح بظهور العيون فقط ، بعد لحظات فُتح الباب ودلف الذي كاد يتسبب بهلاكه فتحفز بخوف وهو يدرك مدى قوة الملك في وضعه الحالي لو كان بحال أفضل لتمكن من مقاتلته .
ثم مرت تلك اللؤلؤتين السوداوتين في ذهنه ليخفق قلبه بأضطراب متسائلاً عما حل بها .
وقف الملك أمامه متحفزاً بأقبح هيئة بطول فارع وجلد مائل بين اللونين الأحمر والأسود ، جسده ضخم وطوله فارع ووجهه كوجه الأسد بعيون حمراء داكنة تبرق بغضب وأنيابه بارزة من بين شفتيه .
فتحدث بصوت يدوي كالرعد تردد صداه في الزنزانة والغضب يظهر على جسده المتصلب وعروقه النافرة :
- عندك خمس ثواني لا أكثر ولا أقل لتقول كل ما عندك ثم سأقرر مصيرك .
صمت يناظره بتحدي ليستقبل لكمة قوية من الملك على حين غرة والذي قال بذات الغضب :
- وهذه لأجل ما سببته لزوجتي من خوف .
ثم أستوى واقفاً يلهث مضيفاً :
-لو لاها لكنتَ شلواً متناثراً بين عباب البحر .
ثم عقد يديه على صدره وبهرازن يطالعه بعين متورمة وأنف وفم نازفين ليرص على أسنانه بقوة ملتاذاً بالصمت .
وقف الأثنين مُقابلين لبعض والملك يطرق بأصابعهُ فوق جلدهُ رافعاً لأحد حاجبيه وهو الآخر يرص على أسنانه وبالكاد يقف بأستقامة متحكماً بنفسه كي لا يتسبب بمقتل هذا العفريت .
والذي تحدث بعد دهر بدى لبرقان الغاضب :
- أريد أعلان ولائي للملكة لم يكن بنيتي أي أذى من ناحيتها .
أقترب منه ليظهر فارق بسيط في الطول بينهما ليتحدث مرجان راصاً على أسنانه :
- وما الذي سيضمن لي أخلاصك ؟ وما هي دوافعكَ لعرض هذا الولاء أصلاً .
تردد في الجواب ثم أبتلع ريقهُ متجنباً النظر الى عيني الملك وكأنه يخشى أنكشاف سره ! سر حُبه لزوجة الواقف أمامه !
************************
في مكان آخر جلست مريم في غرفتها تنظر الى حقيبتها التي مُلئت بثيابها ثم أقفلتها وأرتدت قلنسوة سترتها السوداء كحال بقية ثيابها ولبست كمامة ونظارة بذات السواد ثم حملت حقيبتها وخرجت وهي تنظر الى كل زاوية من زوايا البيت .
خرجت أخيراً متوجهة نحو منزل الخالة نجلاء المقابل للعمارة التي تحوي شقتها ووكرها الدافئ لتقف عند الباب تطرقه بقوة .
فتحت الخالة الباب لتحدق الى الهيئة الغريبة أمامها جاهلة بهوية الواقف .
لتتحدث ببعض التوتر وهي تعدل حجابها فوق رأسها :
- من تكون ؟
أقترب الغريب من الباب لتختبئ خلف الباب بخوف ليخاطبها صوت أنثوي عرفت صاحبته على الفور :
- أنا مريم يا خالتي وجئتكِ أنوي طلب حاجة واتمنى أن لا ترديني .
تحدثت الخالة بأستنكار :
- مريم ! ماذا حدث يا أبنتي لماذا تلبسين هكذا ؟
لكنها تحدثت ويبدوا أنها تبكي من نبرة صوتها المرتجفة وتلك القطرات تزين ما يظهر من وجنتيها :
- أمي عندكِ أمانة يا خالة ، أعرف أننا أشقيناكِ كثيراً ولكن لا تملك أمي غيركِ في هذا البلد الغريب ارجوكِ أعتني بها في غيابي .
ثم رحلت ولم تترك مجالاً للسيدة كي تعلم ما الذي يحدث !
يتبع ......
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro