الفصل الأول
مساء الخير على كل قرائي و متابعي الرواية
هذه المرة عدت مع عمل رمنسي نفسي
استمتعوا بأول فصل
تشانيول
" صائد الكمال لا يرضى بالنقص "، انها جملة تتردد كثيرا في خلدي ولا أرى نفسي سوى كاملا و بالتالي لن أرضى بالنقص أبدا ، ربما سيعتقد الكثيرون أنه تغطرس و تكبر مني و لكنني أدرك جيدا مكانتي ، أنا استطعت تحقيق النجاح و جعلت حياتي مثالية ، انها كاملة و لكن بنقطة ما أشعر بعدم الرضى كليا ...... هناك شيء يحفر النقص بداخلي ولا أستطيع ادراكه و لا التعرف عليه .
أنا بارك تشانيول ، بعمر السادسة و الثلاثين سنة ، كوري الجنسية و لكنني ولدت و ترعرعت في لندن ، مدينة الضباب التي أعشق أجواءها و شتاءها ، فكوب قهوة أمام نافذة غرفة معيشة منزلي يمنحني شعورا بالرضى و يجعلني أفكر بعمق .
أنا دكتور محاضر في الجامعة العريقة " جامعة لندن " متخصص في الأدب الانجليزي و مؤخرا أدرج الأدب الكوري ضمن القائمة فهو وجد لنفسه مكانا كونه غنيا بالقصص و الروايات و الأشعار المختلفة و النادرة ، و كوني مهتم بالبحث في هذا المجال كذلك و متقن للغتي الأم فقد أسندت لي هذه المهمة أيضا ، أي أن أكون محاضرا في الأدب الكوري و قد لاقى هذا الأدب اقبالا كبيرا عليه .
أما فيما يخص حياتي الشخصية فهي كاملة بعيني و أشعر بالرضى لما أعيشه ، لدي خطيبة كانت هي المرأة التي أحببتها منذ أن كنا طالبين في المرحلة الثانوية تصغرني بسنتين ، مارغريت جونسون بالنسبة لي هي التاج الذي يوضع على عرش كمالي
إنها امرأة ذكية جميلة بعينين خضراء كمرج مبسوط ، خصلات ذهبية و بشرة قمحية تجعلها كاملة بالنسبة لي ، مستقلة عندما قررت أن تؤسس لنفسها شركة بعد الجهود الحثيثة التي بذلتها في الدراسة بالمجال الذي اختارته فأصبحت لا تضاهيها أنثى بعنيّ ، إنها اقتصادية بارعة و لا يمكن هزيمتها و هاهي شركتها التي كانت مجرد شركة نقل للأدوية محلية في لندن فقط ، قد أوجدت لنفسها مكانا و نطاقها بدأ يتوسع ، حتى أنها تعمل من أجل فتح سلسلة مكاتب نقل في عدة مدن هنا في بريطانيا و لاحقا تصبو أن تكون هذه المكاتب دولية .
في هذه اللحظة أنا أقف أمام المرآة و أعدل من ياقة قميصي الأبيض تحت كنزتي الخيطية ذات اللون الأسود ، شعرت بالرضى على مظهري فأخذت ساعتي الجلدية السوداء و وضعتها على معصمي الأيسر ثم التفت و سرت ناحية سريري لآخذ سترة البذلة و عندما ارتديتها أصبحت جاهزا لبدئ يوم عمل جديد
عدت أقف أمام المرآة و تفقدت مظهري لتكون آخر لمسة هي عطري ، إنه من ماركة ليست معروفة و تكاد لا تكون منتشرة بل هي كذلك فعلا ، إلا أنه يجعلني متميزا كوني الوحيد الذي أستخدمه ، أنا أقطع مسافة كبيرة لكي أذهب و أحضره من ضواحي لندن من متجر السيد هنري الكائن ببلدة كاسل كوب بمقاطعة ويلتشير .
وضعته على الطاولة و دار شيء برأسي ، يجب أن أذهب و أحضر قنينة أخرى منه قبل أن ينفذ ، اذن تنتظرني رحلة ممتعة في نهاية الأسبوع
عدت أقترب من خزانتي و فتحتها لآخذ معطفي الثقيل البني و معه وشاحي البني الذي يحمل مربعات لنفس اللون إلا أنها متدرجة ، حملت حقيبة أوراقي و بعدها غادرت غرفتي ، سرت في الرواق و بعدها نزلت الدرج ، منزلي هادئ و مرتب للغاية ، منذ فترة طويلة أنا استقليت عن والديّ ، أصرت أمي أن أبقى معهما و لكنني آثرت أن أكون وحدي .....
حياتهم لا تستهويني و أنا بطبعي أكره التدخلات التي يفرضانها علي ..... الجميع أضعهم في أماكنهم الصحيحة ، أبي و أمي أحترمهما ، أحبهما و أكن لهما تقديرا و امتنانا كبير و لكن هناك حد يجب عليهما أن يقفا عنده ، أنا شاكر لأبي لأنه يدرك ذلك الحد و لكن أمي ، تبقى امرأة تحاول احكام سيطرتها على كل ما يدور حولها
وصلت لنهاية الدرج ثم سرت ناحية الباب أعبر غرفة المعيشة ، أين أضع مفاتيح سيارتي و ارتديت حذائي أولا ، استقمت و حدقت به و لم أشعر بالرضى لذا أخذت من على الطاولة فرشاة المسح و حاولت تلميعه و في النهاية ابتسمت برضى بينما أعيد الخف لمكانه المعهود
وضعت فرشاة المسح على الطاولة و أخذت معطفي لأرتديه ثم الوشاح و وضعته حول رقبتي ، أخذت مفاتيح السيارة ثم حملت حقيبة أوراقي من جديد و هكذا أصبحت جاهزا لمغادرة المنزل ، فتحت الباب و خرجت لأسير ناحية سيارتي المتوقفة أمام منزلي
فتحت الباب الخلفي و وضعت الحقيبة هناك و ما إن هممت بفتح الباب الأمامي حتى تذكرت بريدي الذي تأخر فتركت الباب و تقدمت ناحيته ، كان صندوق بريد تقليدي بلون أحمر عليه كتابة بيضاء ، فتحته و وجدت رسالة واحدة فأخذتها و هممت بالعودة للسيارة إلاّ أن جاري السيد دادلي لوح لي و تحدث بابتسامة
" صباح الخير سيد بارك "
بادلته الابتسامة أومئ برأسي
" صباح الخير سيد دادلي "
أكثر ما يعجبني في هذا الحي فوق رقيه و مثاليته ، أنه هادئ و كل مهتم بأموره الشخصية ، إنهم أناس معضمهم ينحدرون من طبقات نبيلة، المنازل هنا راقية و تتميز بالفخامة البسيطة ، الاقامة في هذا الحي تكلف الكثير و لكنها تستحق ما يتم دفعه مقابل الراحة و الهدوء المؤمنين .
فتحت الباب الأمامي لسيارتي و صعدت ، أقفلت الباب و قلبت الرسالة بين كفي و عندما قرأت الجهة المرسلة أنا ابتسمت و فتحتها ، كل سنة أشارك في مسابقة تصوير فوتوغرافي محلية و بدون مبالغة حقا ، كل سنة أتوج بلقب الفائز و يتم ارسال شيك بقيمة الجائزة و بعد عدة أيام يقام حفل تسليم الجائزة الفخرية
فتحت الظرف و أخرجت ما يوجد داخله لأجد الشيك الذي يحمل مبلغا ليس بالقليل من المال و أنا أعدته للظرف ثم وضعته بجيب سترتي الداخلي و مثل كل سنة سوف أتبرع بالمبلغ لأحد دور الأيتام ، فهدفي من المشاركة ليس الفائدة الربحية و انما حصد اللقب و الشعور بالرضى عن ذاتي و عن كمالي .
وضعت حزام الأمان و شغلت المحرك لأنطلق إلى الجامعة و في طريقي أنا وصلت الهاتف مع سماعات السيارة و اتصلت بمارغريت ، كنت أحرك أناملي على المقود بينما أدندن لحن كلاسيكي محبب لي إلى أن وصلني ردها
" مرحبا تشانيول "
ارتسمت على شفتي ابتسامة و أجبتها
" صباح الخير ماغي "
" هل اشتقت الي حتى تتصل منذ الصباح ؟ "
عكرت حاجبي بعبوس ثم سرعان ما تحول لابتسامة واسعة متحدثا من بعدها
" تعلمين أنني أشتاق لك كثيرا فما الذي تعنينه ؟ "
" حبيبي أعلم أنني أهملتك في اليومين الفارطين و لكن تحمل قليلا حتى أنتهي من عقد الصفقة و سأكون لك وحدك بقدر ما تشاء "
اتسعت ابتسامتي لأجيبها
" تعلمين أن ضريبة الاهمال تكون مكلفة "
عندها خفت صوتها و بطريقة ساحرة هي تحدثت
" و تعلم أنني أدفع بسخاء "
" اذا جهزي نفسك لرحلة قصيرة نهاية الأسبوع "
" سوف أكون جاهزة ..... فقط لا تنسى النبيذ "
" تعلمين أنني لا أنساه "
" حبيبي يجب أن أغادر طائرتي بعد ساعة "
" لا تنسي أن تراسلني عندما تصلين "
" حسنا .... أحبك اهتم بنفسك "
" و أنا أحبك ماغي "
أقفلت الاتصال و واصلت طريقي فهي لديها رحلة عمل إلى مدينة منشستر ثم ستعود الليلة ، أنا أحترم اصرارها على اثبات ذاتها و عملها الجاد ، و رغم كل انشغالاتها فهي دائما تجعلني راضي ، أحيانا تحدث بعض الشجارات بيننا و أكون متطلب أكثر مما يمكنها أن تمنحني إلا أنها تبذل كل جهدها لتجعلني راضي ....... هذا ما يجعلني أحبها أكثر و هذا ما جعل الحب بيننا يخرج من مرحلته البريئة و يسير نحو مرحلة جديدة مليئة بارضاء الرغبات و صنع للكمال .
توقفت بسيارتي أمام الاشارة الحمراء عندها بدأت قطرات من المطر بزيارة زجاج سيارتي فأملت نفسي قليلا على عجلة القيادة بينما أحدق في السماء الرمادية و ابتسمت لأنه أكثر جو أحبه ، لبثت قليلا حتى أصبحت الاشارة خضراء و واصلت طريقي و بعد مدة ليست بالقصيرة و بسبب الازدحام الذي تشهده المدينة كل صباح وصلت أخيرا للجامعة .
دخلت عبر البوابة الكبيرة ثم توقفت بموقف السيارات ، أبعدت حزام الأمان ثم نزلت و فتحت الباب الخلفي لأخرج حقيبة أوراقي ، أقفلته و سرت ناحية المدخل ، مبنى الجامعة عريق جدا فقد كان في السابق قصر و حُول لجامعة منذ عدة قرون ، و كل سنة نحن نستقبل عدة طلبة متفوقين استحقوا المنحة و الدراسة في هذا المكان .
كنت أسير في الرواق و العديد من طلبتي يحيونني و أنا أبادلهم بابتسامة مجاملة حتى وصلت لمكتبي عندها فتحته و دخلت لأقفله خلفي و لدي اتصال يجب أن أجريه مع القائمة على دار الأيتام حتى أخبرها أنني سوف أمر مساء .
*
سكارليت
أنا سكارلت كروي ، طالبة بقسم الأدب الانجليزي و الكوري بجامعة لندن ، أنا بعمر الواحدة و العشرون ، من عائلة متوسطة و لكن مفككة ، لا أشعر أبدا بدفء العائلة و لا الأسرة ، والديّ منذ الأزل متشاجرين و أختي الكبيرة أخذت أغراضها و غادت المنزل بعد أن أصبح أمرهما يرهقها كثيرا لذا استقرت في باريس للدراسة و العمل ، علاقتي معها ليست علاقة متينة جدا ، نحن نراسل بعضنا كل شهر أو شهرين مرة و هذا حتى أعلم إن كانت حية أو لا .
دخولي لتلك الجامعة العريقة منذ سنتين ليس بسبب مكانة عائلتي و لكن بسبب المنح التي تخصصها للطبلة المتفوقين كل سنة و أنا اجتهدت حتى أغير من وضعي و لكن مشاكل أبي و أمي لا تزال ترهقني و تؤثر عليّ في كثير من الأحيان بالرغم من محاولاتي في التفكير أنني أصبحت ناضجة و يجب أن أستقل عنهما و لكن في النهاية لا أجدني سوى ملتصقة بهما ، للآن أتمنى أن يتبدل الوضع و لو ليوم واحد و أشعر بالدفء الذي أبحث عنه .
خرجت من الحمام هذا الصباح و ارتديت ثيابي ، بنطال جينز أسود ، قميص قطني أبيض و حذاء رياضي ثم سترة سوداء تبدو كلاسيكية بعض الشيء ، جففت شعري الأسود الطويل و وقفت أمام المرآة لأبتسم برضى ، أنا جميلة فلدي عينان زرقاوان و بشرتي ناصعة البياض ، جسدي مثالي جدا و هذا ليس غرور و انما ثقة فقط .
تركت شعري حرا ثم وضعت من عطري ، هو ليس غالي الثمن و لكن كون عطره نادر بين طلاب الطبقة الغنية يجعل منه مميزا ، أخذت قلادة اكسسوار طويلة و وضعتها حول عنقي لأرتب شعري ثم ابتسمت و حملت حقيبتي و معطفي الثقيل لأن الجو في لندن بارد جدا .
خرجت من غرفتي و بينما أنا في طريقي أنزل الدرج سمعت جدال آخر يدور بين أبي و أمي فتنهدت بتعب و بؤس و فضلت أن أسلك طريق الباب مباشرة ، لا أريد أن أكون جزء من هذا النقاش ففي النهاية سينتهي الأمر بأن تفرغي أمي بي كل غيظها و غضبها و إلا فسيفعل أبي بتذمره حول عملي الجزئي الذي تركته مؤخرا
وصلت بقرب الباب فسمعت صراخ أمي ارتفع و بعدها شيء تحطم عندما اصطدم بالأرض ، نفيت بحزن بينما ألبس معطفي ثم فتحت الباب و خرجت لأقفله خلفي ، ضممت نفسي و أنا أحمل حقيبتي على كتفي و سرت بالشارع ....... حياتي ترهقني و رغباتي لا تتحقق
وصلت بعد مدة بقرب موقف الحافلة و لم أنتظر كثيرا حتى وصلت و استقليتها و بعد فترة توقفت في الموقف القريب من الجامعة ، نزلت و اتخذت خطواتي مسارها ناحية الجامعة ، هذا المكان يجعلني أتخلى عن كل حزني و همومي ، عن شعوري بالنقص و هذا بسبب شخص واحد
إنه الدكتور بارك ، منذ عامين كان دائما محاضرا لعدة مواد أدرسها و منها الأدب الانجليزي و الأدب الكوري ، أنا ممتنة للجامعة لأنها جعلته يحاضرنا في أكثر من مادة و هكذا سيتسنى لي رؤيته أكثر
كنت أسير بعد أن عبرت البوابة و لم تهمني قطرات المطر و لا الجو البارد حتى تدفعني لأسرع إلى أن مرت بجانبي سيارته السوداء و أنا وقفت مكاني أحدق به من بعيد ، نزل و نظراتي لاحقته ، أنا منذ سنتين أقف في مكاني هذا و أراقبه ، هو رجل مثالي ، رجل كامل مليئ بالأسرار المغرية تحلم به أي امرأة و أنا لست أي امرأة ، أنا أريد أن أحصل عليه و أرضي غروري بكماله .
مرات كثيرة أفكر بتهور، و أخبر نفسي أنه علي و بأي طريقة أن أحاول التقرب منه و لكن في النهاية لا أجدني سوى ناقصة أمام كماله ، أجدني بدون أي شيء مما يمتلكه ، أنا فقط بائسة و أرجو أن أتمكن من دفعه في يوم أن يلتفت لي و يجعلني أشعر بدفئه .
دخل ليختفي عن عينيّ و أنا وجدتني أتنهد ، أريد أن أكسب قلبه لي و أنا سأفعل ذلك مهما كلفني الثمن ، لا يوجد لدي ما أخسره لذا لن أوفر طاقة و جهد حتى أحضى بقلبه لي ..... لا تهمني مكانته ولا ممتلكاته ، أنا فقط يهمني كماله و أريد أن أحضى بحنانه ، هو رجل صارم و لكن حنون و هذا كل ما أحتاجه
تقدمت أدخل و بعدها اتجهت نحو قاعة محاضراتي و الآن الحصة الأولى ستكون مع الدكتور بارك ، حبيبي السري الذي أعيش معه في خيالي حبا ملحميا ، كلما حمل كتابا و شرع بشرح واحدة من روائع شكسبير يأخذني الخيال و أشعر أنني بطلة تلك الرائعة و لا يقف أمامي غيره بطل .
اقتربت من مقعدي و أبعدت معطفي لأضعه على مسنده ثم جلست و أخرجت دفتري و رواية أخبرنا أن نجلبها معنا لكي نشرع بدراستها ، مرّ الوقت و بدأ الطلبة يتوافدون على القاعة إلى أن اكتمل عددنا و بعدها أطل الدكتور بارك و أنا ابتسمت و حدقت به منذ دخوله إلى أن وضع حقيبة أوراقه على مكتبه و حدق بنا يبتسم
" مرحبا "
أجبناه و هو بدأ بفتح حقيبته ليتحدث و الابتسامة لم تبتعد عن شفتيه
" هل أحضرتم الرواية التي أخبرتكم عنها ؟ "
عندها أخذتها و رفعتها لأتحدث ببهجة و ثقة
" بالتأكيد دكتور ... حتى أنني قرأت بعض الصفحات منها "
خصني بابتسامة ألهبت قلبي فرحة ليجيبني
" كالعادة سكارلت هي طالبتي المفضلة ..... هل لديكم مانع ؟ "
رفع نظراته اليهم يمازحهم و هم أجابوه بنفي ليسود الجو بعض المرح ، دائما ما يجعل الوضع مريحا و محاضراته تكون سلسلة رغم صعوبة ما ندرسه
اقترب و أخذ مني الرواية ليرفعها أمام الطلبة و تحدث
" هذه طبعة حديثة و هي متوفرة بجميع المكتبات و يمكنكم الحصول عليها مقابل مبلغ زهيد لذا أرجو أن تكونوا جادين "
أعادها لي ثم عاد لحقيبته ليخرج نسخته و التي بدت قديمة و من الطبعات النادرة ثم شرع بالمحاضرة و دخلت أنا بأجواء الرواية متفاعلة معه و كلما خصني بابتسامة أو حديث جانبي أشعر أنني اقتربت منه خطوة أكثر
انتهت محاضرته ليغادر القاعة تاركا خلفه فراغا كبيرا و أنا من بعده كنت مضطرة للتركيز و الاجتهاد حتى أكون مناسبة لرجل مثله ، كامل
مر اليوم بتعب و في نهايته أنا حملت حقيبتي و هاتفي ألج لتطبيق خاص يساعدك في البحث عن عمل يناسب متطلباتك ، هو يلعب دور الوسيط بن الموظف بدوام جزئي و مكان الوظيفة فيقرب أصحاب الشروط المتشابهة
تنهدت فكل ما وصلني لا يناسب متطلباتي لأنني أريد توفير بعض الوقت ، خرجت و كان المطر غزيرا عكس ما كان عليه في الصباح و أنا لم أحضر مظلتي ، ضممت معطفي على جسدي و تنهدت بينما أقف بقرب الباب و أحتمي من المطر أنتظره أن يتوقف أو يهدأ قليلا
طال وقوفي و هو لم يتوقف بل غزارته زادت عندها قررت أن أواجه مصيري و أسير تحته إلى أن أصل لموقف الحافلة و لكن قبل أن أخطو خطواتي سمعت صوت الدكتور خلفي
" سكارلت ... "
التفت له و ابتسامتي توسعت و هو سار ليقف بقربي و مقابلا لي
" هل هناك شيء ؟ "
و أنا نفيت
" أبدا دكتور ... فقط المطر لم يتوقف "
حدق بي تهاجمني نظراته الواثقة و اللامبالية و أنا شعرت بالضعف و لكن يجب أن أكون قوية
" ألا تحملين معك مظلة ؟ "
" للأسف نسيت احضارها "
عندها أمال رأسه قليلا و حدق خارجا
" لا أعتقد أن المطر سيتوقف قريبا "
" أجل لهذا سوف أغادر بدون أن أنتظر مزيدا من الوقت "
أعاد نظراته لي و رفع كفه التي شكلها على شكل قبضة يسند به فكه و يبدو أنه يفكر ليتحدث بعد أن أبعدها
" يمكنني أن أقلك "
توسعت عيني و لم أعتقد أن يوما كهذا سيأتي قريبا إلا أنني حاولت الحفاظ على صورتي أمامه
" لا يوجد داعي دكتور يمكنني تدبر أمري فالموقف ليس بعيدا "
" لا بأس سكارلت أنت طالبتي المجتهدة و لا ظير أن أقلك .... على الأقل لموقف الحافلة "
عندها رقصت أساريري بهجة و أومأت ليسحبني من ذراعي و ركضنا نحو سيارته ، وقفنا هناك و فتح السيارة لنصعد ، أقفلت الباب و هو كذلك أقفله ليضع حقيبة أوراقه ذات الجلد البني في الخلف ثم حدق خارجا و أنا كنت فقط أحدق به
" المطر يجعلني أشعر بالحرية "
قالها ثم التفت لي و ابتسامته أصبحت خافتة و لكن مثالية و أنا أخيرا استيقظت من شرودي به و بحركاته ثم بدون تحكم مني رفعت كفي نحو خصلاته و نفظتها من بعض قطرات المطر
" و لكنه عبث بخصلاتك المثالية دكتور "
عكر حاجبيه و انزعجت نظراته ليمسك بكفي التي كانت لا تزال على خصلاته و أبعدها ، وضعها لي بحضني و نبرته فجأة تغيرت ليتحدث
" آنسة سكارلت أين وجهتك ؟ "
شعرت أنني تجاوزت حدودي فأمسكت كفي أشد عليه بقوة
" أعتذر دكتور "
التفت يحدق أمامه و وضع حزم الأمان ليتحدث
" لا بأس .... لم تخبريني إلى أين وجهتك ؟ "
و بنبرة بائسة أجبته
" موقف الحافلات القريب دكتور "
وضعت حزام الأمان و هو انطلق فكنت من جديد أراقب حركاته ، ذراعه التي يسندها على الباب قريبا من النافذة المقفلة و التي تسقط عليها قطرات المطر فتعبث أنامله بشفتيه و كفه الثانية تدير المقود باحترافية ، حتى طريقة جلوسه تجعله مثالي جدا و أنا بهذه اللحظة أدركت أنني فقط أقع له لحظة بعد لحظة و لم يوقظني من لحظة وقوعي تلك سوى صوت هاتفه الذي رن فأجاب بعد أن وصله بمكبرات الصوت الخاصة بالسيارة
" أعتذر سيدتي على تأخري و لكن طرأ أمر و أنا في طريقي اليك "
" أنا آسفة و لكن الأطفال متحمسون لزيارتك لذا أخبروني أن أتصل حتى يتأكدوا من قدومك "
حدق أمامه لتتسع ابتسامته أكثر و أجابها
" أخبريهم أنني قادم و ليجهزوا لي تقاريرهم عن آخر ما قرؤوه "
" أنا ممتنة لك دكتور بارك لأنك تخصص كل هذا الاهتمام لأطفال ميتمنا "
" أرجوك سيدة سام أنا أيضا أستمتع معهم .... يجب أن أقفل فأنا أقود و سوف أصل قريبا "
" حسنا ..... إلى اللقاء دكتور "
أقفل الخط و أنا تنهدت و ابتسمت لأتحدث
" هل تخصص وقتا للتطوع ؟ "
التفت لي و يبدو أن بعض انزعاجه مني قد زال لذا أجابني مع تحفظه
" أجل آنسة سكارلت ...... على الانسان أن يغذي جانبه الانساني لنساهم في تجهيز أفراد كاملين بدون أي نقص في الروح حتى يكون المجتمع في حال جيدة "
أومأت باعجاب أكثر و حدقت بالنافذة بقربي ثم تحدثت عندما أدركت أننا أصبحنا بقرب الموقف
" يمكنك أن تتوقف هنا دكتور "
أمال رأسه يحدق بالشارع من جانبي ليومئ ، توقف ثم حدق بي و أنا ابتسمت بامتنان
" شكرا لك دكتور و آسفة اذا أزعجتك "
ابتسم بمجاملة ليومئ
" لا بأس "
أبعدت حزام الأمان و فتحت الباب لأنزل ثم أقفلته و دنوت قليلا ألوح له و هو حرك رأسه ثم انطلق فوقفت هناك أحتمي بالموقف و حدقت بالسيارة التي ابتعدت بينما تنفخ دخانها الدافء في هذا الجو البارد ....
*
مارغريت
إن كان للطموح اسم يجب أن يتسمى باسمي و إن كان للكمال اسم يجب أن يتسمى باسم حبيبي و رجلي بارك تشانيول ، أنا مارغريت جونسون ، بعمر الرابعة و الثلاثين ، امرأة ناجحة على الصعيدين المهني و العاطفي ، أعمالي في توسع دائم و خطيبي يزداد حبه لي مرة بعد مرة .
انتيهت من مكالمتي معه و حملت معطفي و حقيبتي لأخرج من غرفتي فقابلت والدتي التي ابتسمت و تحدثت
" ماغي والدك ينتظرك حتى نتناول الفطور معا "
إلا أنني ابتسمت بأسف
" أمي طائرتي بعد ساعة و أنا يجب أن أغادر للمطار الآن "
شعرت أنها انزعجت و التفتت لتسير بينما ترد علي
" اذن تحدثِ مع والدك بنفسك و أخبريه "
حركت كتفي بقلة حيلة و تبعتها لندخل لقاعة الطعام بعد أن نزلنا الدرج ، طاولة كبيرة لا تحمل عليها سوى بضعة صحون موضوعة في جهة واحدة بينما ثلاثة صحون فارغة موضوعة بقرب كل مقعد ، جلست هي على يمين والدي الذي كان يحمل جريدته و أنا اقتربت و دنوت أقبل وجنته و هو ابتسم و طوى الجردية ليضعها بقربه و رفع نظراته لي
" صغيرتي هيا لنأكل معا "
" آسفة أبي و لكن يجب أن أغادر "
تنهد و أومأ ليتمسك بكفي
" حسنا لا بأس ماغي "
عندها أمي تحدثت بغضب
" ما فائدة مكوثك معنا بنفس المنزل اذا كنا لا نتناول حتى الوجبات معا "
ابتسمت ثم دنوت و قبلت وجنتها لأسحب كفي من كف أبي و ضممتها
" لا تغضبِ ....... غدا سوف أدعو تشانيول و نخرج للعشاء معا "
التفتت لي بجانبية
" إنه أفضل منك بكثير فهو يتصل بي دائما و يدعوني للخروج رغم مشاغله الكثيرة "
و أبي تحدث بمزاح
" إنه يحاول شراء حبك و راحته لاحقا لكي لا تنغصِ عليه حياته "
ابتعدت عنها و قهقهنا معا أنا و أبي و هي عبست أكثر و حملت فنجان الشاي خاصتها
" أنت لست مضحك أبدا "
ودعتهما و خرجت و أبي كان صوت ضحكه مستمرا و أمي بالتأكد انزعاجها مستمر ، خرجت لباحة البيت و سيارتي كانت متوقفة فسرت ناحيتها و بعدها استقليتها و انطلقت لتفتح أمامي أبواب منزلنا ، خرجت و اتخذت طريقي و أنا أشعر بالغبطة فها أنا في طريقي لتحقيق أحلامي
مرت مدة وصلت فيها للمطار ، أوقفت سيارتي في الموقف الخاص ثم أخذت حقيبتي و التي كانت تحمل بطاقة الطيران داخلها و لم أحتج لجواز سفر بما أنني سوف أذهب فقط لمدينة مانشستر داخل بريطانيا
سويت أوراقي ثم اتجهت نحو البوابة الخامسة و بعدها كنت بمقعدي في الطائرة ، أخرجت هاتفي حتى أقفله عندها وجدت رسالة وردتني من تشانيول ففتحتها
توسعت ابتسامتي و أنا أقرا محتواها ثم تجاهلت ما كان يلمح له ، فهو بعد كل رحلة و انشغال يجعلني أقاسمه الحب كما يحب هو و لن أكون كاذبة ..... طريقته ترضيني و تجعلني أشعر أنني أنثى ، أنثى وجدت رجلها الذي يجعلها تشعر بالكمال و الرضى في جميع جوانب حياتها
حلقت الطائرة لنصل بعد ساعة و باشرت بأعمالي بعد أن راسلت تشانيول أخبره أنني وصلت بسلام ، كان الأمر شاقا و الوقت كان يمضي بدون أن أتوصل إلى أي اتفاق مع شريكي السيد سميث
أسندت ظهري على المقعد و أنا أشعر بالاعياء و الضجر فهذا العجوز عنيد ولا يريد أن يتنازل عن أي شيء و هكذا الأعمال لا تسير و إن كان هو بمركز القوة فأنا لا يجب أن أسمح له باستضعافي
" أرجوك سيد سميث كن منطقيا "
" اسمعي آنسة جونسون أنا قدمت عرضي و أخبرتك ما الذي لا أستطيع الاستغناء عنه و ما لا يمكنني أن أتنازل عنه "
قالها و استقام ليعدل من ربطة عنقه و تحدث مواصلا كلامه
" سوف أمنحك ساعتين لتفكري و نواصل اجتماعنا "
أومأت بقلة حيلة و هو غادر قاعة الاجتماعات و أنا حدقت بحاسوبي ثم بهاتفي ، اقتربت آخذه عن الطاولة والساعة الآن تجاوزت الثامنة مساء ، تشانيول سوف يستاء بالتأكيد ، استقمت و سرت نحو النافذة الزجاجية المطلة على هذه المدينة الكبيرة ، كانت الأنوار متلئلة في الظلام و تجعل المنظر ساحرا و أنا كنت أنتظر رد ساحري بعدما اتصلت و وضعت الهاتف على أذني
و ماهي سوى ثواني حتى وصلني رده
" ماغي حبيبتي هل وصلت ؟ "
تنهدت باستياء أجيبه
" أنا آسفة "
ساد بعض الصمت ليجيبني بعد أن فهم ما أقصده
" لا بأس ماغي علينا أن نتنازل عن بعض الأمور في سبيل الأحلام "
" لست مستاء مني ؟ "
" أبدا حبيبتي .... لا يجب أن أستاء لأنك تسعين جاهدة أن توازني بين حلمك و بيني و هذا بحد ذاته يجعلني أشعر بالرضا "
ابتسمت ببهجة لأواصل حديثي
" حبيبي ما الذي يجب أن أفعله مع عجوز متغطرس لا يتنازل بسهولة ؟ "
" تنازلي هذه المرة لتحسب لك نقطة و أخرى عليه و في المرة القادمة عندما يكون حجم الصفقة أكبر سوف تقلب الأمور و يكون مرغما على التنازل أمامكِ "
" بالمناسبة أنت تضيع مواهبك في الأدب "
" لا يستهويني الاقتصاد ولا أطمح أن أكون اقتصادي ..... ربما تأسيس دار نشر كبيرة و عريقة هو هدفي الكبير "
" و أنا متأكدة من أنك ستفعلها "
" و أنا كذلك متأكد "
و لا شيء يعجبني به كثقته بنفسه فابتسمت و حركت اصبعي على الزجاج أرسم حروف اسمه
" غدا أخبريني بموعد وصولك حتى آتي و أقلك "
" هل ستسرقني من نفسي ؟ "
" بالتأكيد ماغي فمخططاتي للليلة فشلت و أنت تعلمين أنني لا أصاحب الفشل طويلا "
ابتسمت بخجل و أجبته
" حسنا و أنا لن أرتبط بأي موعد "
" أحبكِ "
" و أنا كذلك "
" سوف أقفل الآن فكوني حريصة على نفسك ماغي "
" حسنا "
أقفلت الهاتف و التفت حتى أسير ناحية الطاولة و عدت مكاني ، أخذت العقود و عدت لمراجعتها من جديد و تماما كما أخبرني هو أنا سوف أربح نقطة لي ضد هذا العجوز و أرغمه على الانحناء في المرة القادمة ....... لأنني الملكة .
نهاية الفصل الأول من
" صائد الكمال "
أتمنى أنه كفصل أول قد نال اعجابكم و حملكم ليضعكم بلندن و اجواء الرواية
إلى أن نلتقي مجددا كونوا بخير
سلام
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro