عنكبوت البورنيو (الفصل الواحد والثلاثون)
السلام عليكم
كيفكم احوالكم الوانكم وحشتوني خالص مالص فالص
ربي اغفر لي ولوالديّ وللمؤمنين يوم يقوم الحساب
-مساحة لذكر الله-
ويلا نبدأ
••••••••••••••••••
كانت البشرية رودينا تجلس بصمت على مقعدها الجلدي أمام الطاولة الخشبية الطويلة، وقد توزع على سطحها أغذية بسيطة للإفطار، وبجانبها جلس فولكان عند رأس الطاولة وأمامها لانسولت وبجانبه جلست واتريندا المُبتسمة.
كانت هذهِ المرة الاولى التي تعرف فيها رودينا أن هنالك خدم في القلعة، يقومون بمهمة التنظيف والطبخ أثناء وجود فولكان فقط، وعندما يخرج من القلعة تتوارى أجسادهم بلمح البصر وكأنهم أشباح.
ولم تهتم حقاً بالأمر فرأسها يكاد ينفجر من شدة الصداع، والغضب يتدفق بداخلها كحممِ البركان الخامد، ولم تقل حتى تحية الصباح عندما دخلت متأخرة لغرفة الطعام، واكتفت بتوزيع الأنظار على طبق حساء الفطر الدافئ.
وعلى الرغم من غضبها فمظهرها من الخارج هادئ مثل موجة بحر صيفية ساكنة، متجمدة كقمة ثلجية، صامتة كأبي الهول، وجلست بفتور وكأنها لا تعي كل هذا الذي يدور حولها. وطرف شفتيها انخفض بانزعاج وقطبت حاجبيها.
وفجاة أثناء السلام والهدوء العارم في الغرفة، انفجرت كقنبلة موقوتة وضربت الطاولة بعصبية لتهتز الأطباق فوق سطحها بخفة.
كل الأنظار توجهت نحوها ولكن عينيها الغاضبة ثُبتت على هيئة فولكان الذي رفع حاجبيه بتملل. وقد اعتاد على تصرفاتها الغريبة، ولكن هذهِ المرة قد صُدم من كلامها أكثر من ردة فعلها العجيبة
- يالك من مُزعج! امضغ بصمت!
- ماذا؟
سأل بأنزعاج وعدم فهم، فهو لم يأكل اي شيء بعد.
- هل أنتَ أصم؟ لقد قلت أنكَ مُزعج!
- مالهراء الذي تتفوهين بهِ مُنذُ الصباح؟ الهذهِ الدرجة ترغبين بأن تطردي من القلعة؟
- ليس لديك أي حق في طردي من هُنا!
ضغط فولكان بغضب على الطاولة وأرادَ الرد بجوابٍ ساحق لكن لانسولت تدخل بأبتسامة متوترة وحاول منع قيام أي شجار منذ الصباح الباكر حتى تسير مهمة اليوم على خير.
- لا داعيَ للغضب، يجب أن تتعاونوا فيما بينكم--
قاطعته رودينا بعصبية وهي تستقيم من مكانها ثم وجهت سبابتها نحوه بتهديد:
- اصمت! لقد نفضتُ يدي منكَ أنتَ خصيصاً.
ثم خرجت من غرفة الطعام بسرعة قبل أن يستوعب الجميع وكانها لا تطيقهم، وخرج فولكان بعدها وقد فقد شهيته بسببها:
-اعذروني.
- يالهم من أطفال!
نبس لانسولت بعدم تصديق وهو يفكر بمستقبل هذا الفريق الغريب. ولكن واتريندا ربتت على كتفه بلطف وقالت بأعتيادية أم تربي اطفالها وقد تعودت على الوضع سريعاً:
- لا تقلق، أنهم ثنائي غريب ومُميز، يتشاجرانِ فجأة على سببٍ سخيف ثم يتصالحانِ تلقائياً، لم يسبق لي رؤية مخلوقينِ يتفاعلان سوياً بهذهِ الطريقة. فقد دع الأمور تمر بسلاسة.
تكلمت بنبرتها الهادئة وأبتسامتها البسيطة وركزت على تناول الحساء بأسلوب أنيق يناسب صاحبتهِ.
هز لانسولت رأسه بيأس ولم يعرف ماذا يقول في هذهِ اللحظة...
أما رودينا فهي خرجت للحديقة لعل غضبها الغير مبرر يختفي فجأة، تعلم ان ما قالته في غرفة الطعام شيء غير منطقي وطفولي ووقح خاصة مع لانسولت ولكنها حقاً لا تسطير على تصرفاتها عندما تنصدم من شيء ما، فأثره يبقى واضحاً على تصرفاتها لعدة ايام ونادراً. ما يختفي من اليوم الأول.
هي لم تتفاجئ من ما قاله لانسولت البارحة مثل تفاجئها عندما سألته عن السائل الذهبي
" - ولكن...من كلامك هذا..أكتشف أن السائل قد دخل إلى جسدي سابقاً، حتى أستطيع استعمال القوة دون أي مشاكل ومهارة وخبرة بسبب مكوناته التي صنعتها أمي. ولكن كيف حقنته في جسدي فأنا لا أتذكر أي شيء؟
لاحظت توتر لانسولت المُفاجئ بعد ثقته وجديته في الكلام
- حسناً....كُنتِ نائمة بعمق في الليلة الأولى وكُنتُ متعجباً من هذا، ولم أنوي كشف الامر لكِ مُبكراً فكانت هذه فرصة جيدة. ولكنني اتساءل حقاً كيف لم تتوقعي هذا الأمر سابقاً؛ الم تلاحظي التورم الخفيف في ذراعكِ اليمنى؟
نظرت إلى ذراعها ثم تأوهت بفهم والتزمت الصمت لعدة دقائق شعر فيها لانسولت بالقلق وأراد الأعتذار والتبرير ولكنها نبست ببساطة:
- اوه...أعتقدتُ أن البعوض هُنا وحشي بعض الشيء..ولكنها كانت حقنة فقط..ياله من أمرٍ جميل..
ثم طردته من الغرفة دون أن تنبس كلمة اخرى"
تنهدت بأنزعاج وأغمضت عينيها عندما بدأ الهدوء والاسترخاء يحتل جسدها، وفكرت بعدم الخصوصية التي تعيشها، فلانسولت لا يمتلك أي حق في حقنها دون أن تدري بمادة غير موثوقة، حتى لو أن والدتها التي لم تقابلها قبلاً قد اوصته على ذلك، ولكن سيكون من الأفضل لو أنه اخبرها بهذا الأمر سابقاً، الا يثقُ بها؟
وبعد ذلك مر الوقت سريعاً حتى حان وقت المغادرة ليجتمعوا عند الأسطبل حيث الأحصنة مُجهزة لهم ولم ينطق فولكان وردينا بأي كلمة واستمعوا إلى كلمات لانسولت بعدم أهتمام
- صاحب القوة الرابعة، الرياح، موجود في منطقة معزولة نوعاً ما في جبال استرو الشمالية، لكن كونوا حذرين رجاء، فهو ينتمي إلى قبيلة تعيش في منطقة تسمى " المملكة الطائرة" فيستعملون الرياح لخدمتهم في كل شيء تقريباً، حتى جعلوا منطقتهم تطوف في الهواء، واشتهروا بتربية كائنات غريبة وسحرية، وهنالك شائعات تقول أنهم قبيلة قاتلة وهمجية.
وبنهاية كلامه نظر إلى رودينا بقلق ولكنها لم تبالي وأهتمت بتعديل السرج
- صاحب القوة الأساسية يُدعى إيڤروس، والآن إلى اللقاء، حظاً موفقاً.
ابتسم بنهاية كلامه ولم يرد عليه سوى واتريندا، وابصر هيئتهم وهم يبتعدون ببطئ وحافظ على أبتسامته حتى اختفوا من مجال نظره بين أشجار الغابة، ليزم شفتيه بقلق ثم تنهد
- اتمنى أن لا يرسل آزوت قاتلاً أخر.
ثم دخل إلى القلعة ليصلح المركبة البالية بعد أن أحضرها من مخبئه بصعوبة.
كانت رحلتهم هادئة في البداية ولكن فيما بعد بدأت واتريندا بمناقشة عدة مواضيع متنوعة مع رودينا التي لم تستجب لها في بداية الأمر، ولكنه امر مستحيل فواتريندا تجيد الحديث بطريقة تجذب الأخرين، فأندمجت البشرية معها فيما بعد.
ولكن كلامهم أخذ يميل إلى أمور لا تطقيها رودينا، الأمور العاطفية وما شابه
- قرأتُ البارحة إحدى الروايات العاطفية اللطيفة، لا زلتُ أشعرُ بدفئها حتى الآن،
تأسرني مواضيع الحب كثيراً لأنه يتلاعب بالمشاعر بشكل مُختلف، ويجعل القلب رقيقاً يذوب حباً كما تذوب الزبدةُ في الشمس، ويغمره بالدفئ كحرارة الربيع، وتحلق روحك بعيداً بين الغيوم القطنية وفوق المياه الصافية ثم تعود إلى جسدك، فقط بنظرة عاطفية مليئة بالمشاعر تُقرأُ في عينين من تُحب.
ثم أبتسمت إلى رودينا وتكلمت بصوت مُنخفض لم يسمعه فولكان لأنه يسير بعيداً عنهم حتى لا يختلط مع أحاديث النساء التافهة بنظره.
- أغمركِ الشعور هذا مع أحدٍ من قبل؟
وأرسلت نظرة خاطفة إلى فولكان لتفهم رودينا ما تود الوصول إليه، فتقرن حاجبيها بتقزز وتتكلم بنبرة مُنزعجة:
- لا، ولا أريد الشعور به في الوقت الحالي أو إلى الأبد، لا أنوي أن يكون لي أي تجارب في الحب، أنا حقاً أستمتع بمراقبة الناس وهم يقعون في الحب، غير أنني لا أظنني بتلك الحماقة حيث أفعل أنا نفسي ذلك.
كانت رودينا تستخف بالمشاعر الرومانسية العاطفية، ماعدا تلك التي في الأفلام التي كانت تشاهدها نادراً
ثم أكملت بنبرة جدية نادراً ما تخرج منها:
- لقد جئتُ إلى الأرض المجوفة حتى أقوم بمهمة إنقاذ، وسوف أرجع إلى موطني ما أن أنتهي منها، ولم ائتِ إلى هُنا حتى أعبث مع هذهِ المشاعر السخيفة التي ستختفي بعد مدة.
قهقهت واتريندا بخفة عندما توقعت ما ستقوله رودينا
- كلا يا عزيزتي هنالك مشاعر صادقة حقيقية وهنالك كاذبة، وأنا واثقة من أنك تحبينَ أحدهم، لا أعني الحب العاطفي مع شخص من جنس آخر، ولكنني أقصد حب العائلة او حب الصداقة وما شابه، فهي مشاعر حقيقية لن تختفي بسهولة.
ولكن رودينا رفعت كتفيها بعدم اقتناع وغيرت الموضوع سريعاً حتى لا يتأثر عقلها بهذهِ التُراهات:
- لا يُهم، والآن أخبريني، الا تُلاحظين رشاقتي؟ لقد أصبحتُ رشيقة وجميلة عن اخر مرة جئتُ بها إلى الأرض المجوفة.
ثم حركت جسدها بأستمتاع وكأنها تعرض لواتريندا الفرق الشديد، حتى أنها أصبحت مرنة وتتحرك برشاقة وخفة. لتوافقها واتريندا عن ذلك ولكن البشرية شعرت بأنظار أخرى موجهة اليها لتدير رأسها تلقائياً نحو فولكان.
الذي كان ينظر اليها بتمعن، وعندما لاحظ أنظارها أفصح عن تفكيره بأعتيادية دون أن يبالي بمشاعر البشرية:
- فقط من رؤية خديكِ المُنتفخين اكاد أجزم أن وزنكِ في السبعين، عن أي رشاقة تتكلمين؟
ولكنها لم تجبه وأشاحت بوجهها بأنزعاج وتجاهلته ببساطة، فهي تعلم أن خديها منتفخين كالأطفال، ولكنها لا تمانع ذلك فهي تظن انه شيء لطيف، وبقت صامتة طول الطريق الطويل ولم تتكلم حتى رأت من بعيد بعض العنب المتسلق الذي شكل سقفاً جميلا وقد أنبسط فوق أغصان الأشجار المتشابكة وكانها سحابة تدلى منها العنب كقطرات المطر الطيبة.
- أنا لم أكل منذُ الصباح، لحسن الحظ وجدتُ شيئاً قابلاً للأكل!
بنبرة سعيدة قد تكلمت،ومدت يديها حتى تحصل على بعض العنب القريب منها، ولكن صوت فولكان صدح فجأة ليمنعها سريعاً:
- لا تلمسيه! فهو عنب سام وقاتل!
تراجعت رودينا بأنزعاج وحزن فمعدتها استمرت بالغناء طوال الطريق بأناشيد محرجة، وازدادت انزعاجاً عندما نظرت لها واتريندا وأبتسمت أبتسامة شبه خبيثة
- لقد قلق عليكِ.
تجاهلتها رودينا مرة أخرى وهي تفكر بكمية مكر واتريندا الذي لم تتوقعه، وكأنها تحاول أغراق رودينا بهذهِ المعتقدات السخيفة رغماً عنها. وذُهلت من أن واتريندا أخذت تشارك فولكان الحديث وقد أندمج معها ببساطة
- أنا مُتفاجئة حقاً، لم أظن انكَ ستأتي.
- هذا صحيح، كنت أريد أخذ استراحة لهذا اليوم، ولكنني أعتقد أنه من الأفضل أن اغامر حتى اكتسب خبرة مُختلفة وأبيدُ الملل.
وفجأة هبت رياح قوية وكأنها أعصار وأغمضت البشرية عينيها بقلق من قوته ولكنها فتحتها سريعاً بشكل لا أرادي عندما شعرت بهجمة رياح قوية وكأن شيء ما قد مر من فوقها
وكما ظنت تماماً، فهنالك كائن ضخم البنية قد طار فوقها وعلى قرب منها حتى كاد يلمس رأسها بأجنحته الطويلة الحرشفية، وقد دفع الأشجار من كل صوب ثم دار حول نفسه في السماء وكأنه يستعرض قوته أمامهم، والضوء ينعكس على حراشفه القرمزية الغامقة، ثم حرك ذيله الحاد في كل الأتجاهات وأرسلَ وابلاً من الحراشف الحادة التي كانت بطول الثلاث أنشات وقد اخترقت الأرض وكأنها سهام، وبعمله هذا كانت رودينا واثقة من أنه يهاجمهم ويحاول طردهم من منطقته.
ولم تنصدم إلا من العدد الكثير الذي تلاه وأخذ يحلق فوقهم في كل الأتجاهات وبأشكالهم المتباينة والوانهم المشرقة، ثم داروا جميعهم حول جبل عالي القمة كطيور مُهاجرة .
- لقد وصلنا!
هتف فولكان فجأة لتشهق رودينا بذهول، فهي لم تظن أنهم سيصلون إلى هُنا ببساطة دون أن يعيقهم شيء ككل مرة، وأمامها ظهر الجبل الأبيض وقد غطاه الثلج في بعض أجزائه، ولم يكُن عالياً حقاً ولكن الغيوم قد غلفته من كل صوب وكأنها حرس للجبل.
وأضطروا إلى ترك الاحصنة والصعود مشياً على الأقدام عابرين الأشجار الكثيفة حتى أصبحوا على مقربة من الجبل.
- كيف سنصعد بجدية!
نبست رودينا بأستغراب وهي تنظر في كل أتجاه لعلها تجد طريقاً يساعدهم على الوصول إلى الأعلى
- بواسطة التنانين.
التفت كل من فولكان ورودينا إلى السمراء التي أشارت إلى مجموعة التنانين الصغيرة وقد جلسوا على الأرض على بعد منهم وكأنهم ينتظرون من يصعد عليهم.
وأثناء صدمة رودينا ذهب كل من فولكان و واتريندا حتى يجربوا الأمر، وحقاً كانت تنانين تصعدهم إلى قمة الجبل
- يا إلهي! هل سأصعد تنين!
هتفت رودينا بتفاجئ وعدم تصديق ولكن واتريندا سحبتها دون أن تستوعب الأخرى لتشاركها الجلوس فوق ظهر التنين الأصفر الذي جلس بطاعة، وكانَ صغير الحجم ولكنه يسعهم، وتمسكت رودينا بخوف بحراشفه حتى لا تسقط، اما واتريندا فهي تبدو معتادة على الأمر ولم تقلق.
اما فولكان جلس على تنينٍ أخر أزرق اللون ولا يوجد على وجهه أي امارات تشير إلى اهتمامه بالأمر.
وفجأة أنطلق التنين دون أن تستعد رودينا ليحلق بشكل عامودي موازياً للجبل، ولم تقصر رودينا بالصراخ العالي الذي صم أذانهم فهي تشعر بالا شيء خلفها فإذا تركت ما تمسكه لسقطت مباشرة إلى الخلف.
وأخترقوا السحاب بسرعة البرق حتى هبطوا على قمة الجبل المُسطحة والكبيرة، وعلى الرغم من رحلتهم السريعة إلا أن رودينا أستمرت بالصراخ وأغماض عينيها حتى حصلت على ضربة خفيفة فوق رأسها من قبل فولكان، لترد اليه الضربة بركلة قوية دون أن تهتم به، ثم أنطلقت خلف واتريندا التي بدأت بالسير حول المكان.
- يا إلهي! انا أتجمد من البرد!
بدأت رودينا ترتجف من شدة البرد في قمة الجبل الواسعة حتى شعرت بأنها مدينة فوق السحاب او كما سماها لانسولت المملكة الطائرة، وكانت مليئة بالأشجار العريقة ذات الأوراق البيضاء الريشية، وحولهم شُيدت بيوت صغيرة وبسيطة من الآجر، تجثو فوق الأرض الصخرية كبقرة نائمة، وكانت مداخلهم مُزكرشة باللبلاب. وعمَّ المكان روح من السكينة والهدوء.
وفوقهم حلقت كائنات غريبة وعجيبة وكأن هذا المكان عشهم، فهنالك فراشة بطول القدمين أخذت تطير حولهم تاركة أثراً جميلاً يتساقط كالذرات فوق الأرض بلونه الذهبي، وهنالك طائر يشبه البطريق يطير بأجنحة يعسوب، وغيرها من الكائنات.
وفجأة تلقت رودينا ضربة قوية من الخلف شعرت بأن رأسها قد طار هو ايضا بسببها، وأنتبهت للكرة التي كانت مسؤولة عن ذلك ولكنها لم تكن كرة عادية بل كان كائناً يشبه القنفذ متكوراً حول نفسه
- ياللهول!
صاح مجموعة من الأطفال وهم يتجهون للكرة الواقعة فوق الأرض ويلمسوا الكائن بحذر
- هل تأذى؟
سأل أحدهم بقلق وكأن هذا الكائن قطعة من الألماس، ولكنه كان لعبتهم الوحيدة والشبيهة بكرة الطائرة التي تحلق عشوائياً بسبب تحكمهم بالرياح دون أن يلمسوها بيديهم. وأطلق عليها الأطفال أسم " الكرة البلهاء" لأن الكائن ابله ولا يستطيع تخليص نفسه من بين ايديهم.
وبسبب ذلك أنفجرت رودينا بالغضب فهم لم يعتذروا اليها
- يالها من وقاحة! اعتذروا لي حالاً!
نظروا اليها وكانوا حوالي خمسة عشر طفلاً، ليتقدم احدهم وكان مظهره غريب ومميز، فهو يمتلك شعراً مُجعداً ذو لون شبيه بالمشمش الفاتح يكاد يكون أبيض، وعينيه واسعة وذهبية كالبومة.ويبدو انه أكبرهم بعمر الثانية عشرة تقريباً
- تستحقين هذا لأنك بشرية.
أنقضت عليه رودينا تنوي خنقه ولكنه فرّ سريعاً وقهقاته تصدح في الأرجاء.
- ولكن يا أخي، لا يبدو أن الذين معها من البشر، فأجسادهم تشع بقوة كبيرة.
قال أحد الأطفال الصغار وكان يمتلك شعراً أسود وبشرة شديدة البياض
- لنخبر الحكيم بمجيء بعض الضيوف.
وذهب الأطفال إلى أكبر بيت وكان يبدو عريقاً جداً، فالحكيم وهو أكبر فرد في هذهِ القبيلة، يمتلك مرتبة مُشابهة لمرتبة القائد، فهو يصدر الأوامر والقوانين ومسؤول عن الأدارة، ثم تبعهم الثلاثة دون أن ينتظروا أي موافقة.
وفي طريقهم رأوا مجموعة من السكان يقومون يهتمون ببيضة ضخمة بطول قدمين، لم يكن شكلها واضحاً ولكن من الواضح إنها على وشك أن تفقس، وضعوها في اناء كبير مزخرف وانيق. وبداخل البيضة العملاقة إحدى الكائنات السحرية التي يقوم بتربيتها سكان هذهِ القبيلة، حيث كان بعض الأشخاص ينشدون أغاني وتهويدات لطيفة كلما مروا من عند البيضة.
ثم أستقبلهم الحكيم برحابة صدر داخل بيته المتواضع، فمن الداخل يشبه البيوت اليابانية المتكونة من طابق واحد من الخشب القوي، وكان الحكيم عجوزاً كبيراً في السن، احتل الشيب لحيته البيضاء الطويلة وترك رأسه ليكون اصلعاً، ويلبس ملابس تقليدية طويلة وواسعة، ويضع يديه خلف ظهره المُنحني ويمتلك نبرة هادئة مُهتزة بفعل كبر سنه.
- لقد مرت فترة طويلة منذُ أن زارني بعض الضيوف، تفضلوا رجاء.
وأجلسهم في منتصف البيت حول النار المُشتعلة على الأرض، التي أرسلت لأطرافهم بعض الدفئ، وأحضر الخدم زجاجات غريبة الشكل مُغلقة بأحكام.
- شُكراً على الضيافة، ولكن ألا يجب أن تعاملوننا بحذر أكبر؟
نطقت رودينا دون أي تردد فهي تعجبت من لطفهم في المعاملة_ بأستثناء الأطفال_ فهي لم تتوقع ذلك على أي حال بسبب الشائعات التي قالها لانسولت.
- لا نحتاج للحذر، فمن الواضح أنكم أشخاص طيبوا القلب لا تمتلكوا أي نية سيئة، فالتنانين أسفل الجبل تستشعر نيتكم قبل أن تصعدوا، وستتخلص منكم مباشرة إذا أحست بأي خطر.
وأبتسم بنهاية كلامه وهو يأخذ إحدى الزجاجات المليئة بمشروب أزرق غامق، ثم سكب القليل منه في كؤوس صغيرة بطول إصبع السبابة.
- في المملكة الطائرة، اعتدنا على شرب مشروب البايبو حتى نشعر بالدفئ، فرجاء أقبلوا ضيافتنا المتواضعة.
ما أن قال هذا حتى شهقت واتريندا بخفة وتعجب، فتنظر اليها رودينا التي تجلس في منتصفهم بملل وتتساءل عن ذلك:
- أنه مشروب البايبو! أتعلمين كم هو نادر! فهو نوع من الشراب ويُستخرج من لحاء الأشجار الجليدية، ويعطي طاقة ودفئ للجسد حتى يشعر الشارب بنشاط غير طبيعي. ولكنه ذو مفعول عكسي احيانا فيصاب الشارب بالخمول بعد ساعات. وكنتُ أرغب بتذوقه منذ مدة ولكنني لم أستطع.
أصغت رودينا بصمت إلى كلماتها. وشعرت بعدم الرغبة في شربه على الرغم من لونه الجميل. فبجدية لا ينقصها المزيد من الخمول في هذا الجو البارد.
- كيف أستطيع المساعدة؟
سألهم العجوز بأهتمام وهو يتربع بجلسته وكأنه في جلسة تأمل
- نحن نبحث عن إيڤروس، نحتاجه من أجل قوته حتى نستطيع إرجاع سطح الأرض إلى أصلها القديم.
أجابت رويدنا بهدوء ليومئ العجوز بأبتسامة وهو يستقيم من مكانه
- إن إيفروس شخص قوي جداً، فهو تربى مع الرياح مُنذُ إن كانَ رضيعاً، وسأكون سعيداً إن كانُ ذو عون لكم.
ثم توجه إلى الخارج لتتبعه رودينا فقط، لأن واتريندا قد احبت الشراب كثيراً، وفولكان لا يود الخروج لأن المكان بارد، فهو شخص يحب الدفئ ويكره الجو مُنخفض الحرارة.
وعندما خرجت رودينا إلى الخارج رأت السكان متجمعين حول منزل الحكيم بأهتمام وكأن زيارة ضيف ما شيء نادر لديهم، فلا أحد يجرؤ على زيارتهم بسبب الشائعات إضافة إلى تربيتهن للكائنات السحرية الخطرة.
- أين إيڤروس؟
نبس العجوز بهدوء لكن سمعه الجميع، فأخذت رودينا تبحث بعينيها بتلهف حتى ترى صاحب القوة الرابعة، ولكنه لم يخرج
- ها أنتَ ذا، يالكَ من طفل شقي أمازلت تلعب الكرة البلهاء مع هذا الكائن المسكين؟
حسناً لقد خرج صاحب القوة الرابعة لكن رودينا تجاهلته وأستمرت بالبحث فعينيها تكاد لا تصدق ما تراه، فإيفروس كما هو واضح...هو ذلك الطفل المشاغب ذو الشعر المشمشي الفاتح.
انه طفل...صاحب القوة الرابعة طفل بعمر الثانية عشرة! بجدية!
- هل هذا صاحب القوة الرابعة؟ حقاً؟
نطقت رودينا بأستخفاف جعلت الطفل ينزعج
- نعم، لا تهتمي بعمره فهو شخص قوي حقاً.
نظرت رودينا اليه مرة أخرى بعدم أقتناع ولا مهرب من تصديق ذلك، أن صاحب القوة الرابعة هو طفل للأسف، بجدية كيف سيتحمل مسؤولية أنقاذ الأرض معها؟ أنه طفل مزعج ومشاغب. ولكن على أي حال تقدمت اليه رودينا وتكلمت بلطف مُصطنع وهي تبتسم أبتسامة كبيرة:
- إيفروس، هل تقبل الأنضمام في فريقي؟
نفى الطفل برأسه وقال بعناد وهو يستدير ليجري بعيداً عنها
- مستحيل! في أحلامك ايتها البشرية!
طرفت المقصودة بعينيها بتفاجئ قبل أن تضحك بغضب وتجري خلفه وهي تصرخ
- أيها الطفل الكريه! ستنضم في فريقي رغماً عنك حتى لو لم ترغب بذلك، تعال إلى هُنا!
حاولت ايقافه بأخراج مجسمات صخرية من الأرض ولكنه تخلص منها ببساطة بأستعمال قوته فقط، وعندما حاولت حفر حفرة تحته، تفاداها بقفزة عالية.
ثم أستدار اليها ليخرج لسانه حتى يغيظها وأستمر بالقهقهة والهروب منها
- ياله من طفل مزعج، لم ينقصني إلا طفل حتى تكتمل المُعاناة!
كانت رودينا تكره الأطفال بشدة ولا تطيقهم، فهم يستمرون بالعناد والقيام بمقالب حمقاء ويبكون بقهر عندما لا يحصلوا على ما يريدون.
ماذا ستفعل بطفل غير ناضج في التصرفات والتفكير!
- الا تستطيعين لحاقي؟ هه لن أنضم إلى بشرية ضعيفة.
ثم تسلق شجرة عالية وضخمة إلى أخر غصن، وأخذ يلهث هناك ويرتاح بعد أن جرى كل هذهِ المسافة
- لسوء حظك يا عزيزي أنا أستطيع تسلق الاشجار.
قهقهت رودينا بسخرية وهي تتسلق بسرعة ومهارة حتى أن الطفل قد شهق بقلق ولم يجد مفراً أخر منها فهي قد وصلت اليه، وعندما مسكت الغصن الذي يقف عليه حتى ترفع نفسها وتصعد، قال بكل بساطة وهو يضع يديه فوق فمه بقلق بعد ان سحقت رودينا شيء بيديها فوق الغصن دون أن تراه
- يا إلهي! يالك من عديمة الرحمة! سحقتي حشرة بكل بساطة!
شهقت رودينا بصدمة وتركت الغصن فجأة لتصرخ مرة أخرى عندما سقطت للأسفل من هذا الأرتفاع
- ياللهول! هذا خطِر!
ولكن وبسرعة مُفاجئة مسك الطفل بيديها ليرفعها بسرعة فوق الغصن الذي يقف عليه بمساعدة الرياح
- لقد كنتُ أمزح، كنت قد وضعت فاكهة صغيرة، كم أنتِ جبانة! ولكن بجدية كم أنتِ ثقيلة! هل البشر جميعهم هكذا؟
نظرت اليه بغضب بعد أن أخذت أنفاسها
- أخرس، عليك أن تحترم الكبار، طفل مشاغب!
ثم أكملت وهي تحاول أن تجعل نبرتها لطيفة
- أنضم إلى فريقي أيها الطفل اللطيف.
- لا.
- رجاء.
- لا
- ايها الطفل الكريه! لقد رجوتك!
مسكت ياقته بعصبية، وكان الطفل يلبس ملابس بسيطة لا تتناسب مع الجو، بنطال قصير أسود يصل إلى ركبتيه وقد اتصل بخيط واسع وضع فوق كتفه، وقميص حليبي من الصوف تحته.
وبدأ إيڤروس بالقهقهة بمرح وهو يبعد يديها عن ياقته
- يالكِ من بشرية ممتعة، كنتُ أعتقد أن البشر حمقى مزعجون.
ارادت رودينا الرد عليه ولكن فجأة صمتت عندما سمعت طلقة قوية صدحت في الأرجاء، وظهرت امامهم قرب بيت الحكيم بدخانٍ أحمر تبخر في الهواء
لم تهتم حقاً للأمر ولكن إيڤروس أستقام فجأة بخوف وهو يقول:
- يا إلهي إنها إشارة خطر! مالذي جرى!
ثم هبط فجأة على الأرض ليجري إلى ذلك المكان وتبعته رودينا دون أن تعلم ما يجري، ولكن عندما وصلوا كان الجميع متجمع حول مكان محدد، حتى واتريندا وفولكان.
- ماذا هُناك؟
سأل إيڤروس بقلق أحد السكان المتجمعين ليجيبه الأخر بينما يبتلع ريقه
- أن بيضة الإيجوري النادرة قد سُرقت.
تفاجئ إيفروس قبل أن يندفع قائلاً
- من سرقها؟ من يجرؤ على فعل ذلك!
- العنكبوت بورنيو ومن غيره.
تركه إيڤروس وتراجع لتفهم رودينا أن البيضة التي يقيمون حولها الطقوس الغريبة قد سُرقت من قبل عنكبوت يُدعى بورنيو، ولا تعرف حقاً ما هو وأول مرة تسمع به، لتسأل إيڤروس المصدوم عنه.
- هنالك بيضة نادرة لا تظهر إلا كل مئة عام، نقوم بتربيتها لأن الكائن الذي بداخلها مُفيد وقوي جداً، والجميع يرغب به خاصة الوحوش، ولا يوجد أي طائر حي من هذا النوع سوى أثنين، والان قد تم سرقة بيضته من قبل العنكبوت بورنيو، وهو عنكبوت عملاق طول القدم الواحدة منه خمسة عشر قدماً، لا يموت ببساطة ، ويعيش في البركان الخامد داخل هذا الجبل. وبالتأكيد قد أخذ البيضة حتى يأكلها ويصبح أكبر حجماً.
ثم صمت ليتنفس أخيراً بعد أن تكلم سريعاً دون اخذ نفس
- وتم تصنيفه كوحش أكثر من كونه مخلوق بسبب طبيعته العدوانية، وفوق ذلك يمتلك لدغة سامة والشبكة التي يصنعها لا يمكن فكها ابداً ببساطة.
ثم دار حول نفسه بقلق وكأنه قد تحمل المسؤولية فجأة أكثر من أي شخص أخر
- ياللأسف.
لم تجد رودينا كلمة غير هذهِ لتقولها ولكن فجأة نظر اليها الطفل برجاء وقال وهو يمسك يديها بقوة
- إن أستطعتِ إحضار البيضة سأنضم اليكِ، أنا أعدك.
•
•
•
stoop
هنا نهاية الفصل اتمنى عجبكم وتحمستوا
رأيكم؟ اي انتقاد او اراء؟
منو انصدم من صاحب القوة الرابعة؟ هيهيهيه
هذا اني الي تعلقت فيه من شخصياتي، حسنا ليس تماما ولكنني افضله عن باقي الشخصيات، راح يعطي جو خاص للرواية.
طبعا قوته مطلعت بس شوية
رأيكم بالمملكة الطائرة؟
تصرفات رودينا بالبداية؟
رأيكم بالكحول؟ طبعا مفيش نوع كذا انا اخترعته
شنو تعتقدون راح يصير بالبارت الجاي؟
قود باي لوف يو💛
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro