(3)
بقلم نهال عبد الواحد
وجاء اليوم الموعود ، يوم الرحلة آخر يوم في العام .
كان كل فرد قد أعد حقيبته وأعدت سلمى حقيبة الأطعمة وصار الجميع على أتم إستعداد ، ركبوا سيارة أبيهم وانطلق بهم جميعاً ، ولازالوا يتسآلون لأين سيذهبون.
كانت السيارة تتخذ مسار الإتجاه الغربي بمحاذاة القرى السياحية الموجودة على طول الطريق مع مشهد شروق الشمس الرائع التي ترتفع تدريجياً في كبد السماء ويتسلل نورها رويداً ليعم أرجاء المكان ، حتى وصلوا بالفعل لبوابة إحدى القرى وقدّم سليم لعامل الأمن بطاقة مرور فأدخل السيارة.
ظلت السيارة تسير وسط شوارع متشابهة عبارة عن عدد من ( الفيلات) المحيطة بحدائق صغيرة ، منها ما يطل مباشرةً على شاطيء البحر ومنها ما يوجد في الصف التالي لكنه يتمكن من رؤية البحر أيضاً.
لكن يسود الهدوء على المكان ؛ ففصل الشتاء وأيضاً بعيداً عن أي مناطق عامة تحتفل ويلتف حولها الجموع.
وصلت السيارة أمام إحدى ( الفيلات ) فترجل الجميع يلتفتون حولهم بينما كانت سلمى تتفحص تلك ( الفيلا ).
فصدع صوت سليم الإبن : جاين الساحل في عز الشتا ، ده مفيش بشر هنا !
فأجاب يحيى : ما بابا قايل مش هنروح مكان فيه أي احتفالات.
- بس مش في الصحرا كده !
هكذا بدى سليم الإبن معترضاً !
فأردفت رقية : مش مهم على فكرة يا سليم ، المهم إننا في أجازة ومع بعض ، وبابي معانا وهنقضي أحلى وقت ، صح يابابي ؟!
فإلتفت لها سليم مبتسماً فاتحاً ذراعه لتدخل بداخل حضن أبيها قائلاً : صح يا عيون بابي.
فسارعت سلمى الإبنة للجانب الآخر من ذراع أبيها متسآلة : هنلعب مع بعض ؟!
فتابع سليم بمرح: هنلعب مع بعض.
فقال يحيى: أنا جايب الكورة وعايزين ماتش جامد....
فقاطعته سلمى : لا بابي هيلعب طايرة معانا ، وجبت الكورة...
فتابع سليم الإبن : لا يا ماما ، إنتو تروحوا تشووا مع ماما وإحنا هنلعب مع الحاج أحلى ماتش.
فضحك الأب وقال : عمرك شوفت ماتش بتلات لاعيبة يا تحفة ؟!
أولاً كله هيشتغل زي ما كله هيلعب ، مش بقول مجهز بروجرام هايل .
فصاح الأبناء : يعيش بابا يعيش بابا.
فنادت عليهم سلمى : طب تعالوا كل واحد يشيل شنطته ، الأكل ده لازم يخلص مش هنرجع بيه.
فتابع سليم بمزاح : استر يارب !
فضحك الأبناء وحمل كل واحد حقيبته ودخلوا بداخل ( الفيلا ) ، مروا على حديقة صغيرة تبدو إنها ستتسع من الجهة الأخرى ، ثم صعدوا بضع درجات ودلفوا للداخل ، كانت ردهة متسعة لأكثر من أنتريه مع شاشة تلفاز كبيرة و منضدة سفرة على أحد الجوانب تقابل مدخل المطبخ الذي أسرعت سلمى بالدلوف إليه وتفقده وتفقد خزاناته والأجهزة الموجودة لتبدأ بتفريغ محتويات حقيبة الأطعمة وتلك الثلاجة المحمولة.
وعلى الجانب الآخر غرفتان و حمام ، بكل غرفة سريران و خزانة ملابس صغيرة و مرآة وبالطبع هما مكان مبيت الأبناء الأربعة ، وهناك سُلّم موصل للطابق الثاني وبه غرفتان أخرتان ، بأحدهما سرير كبير و خزانة ملابس كبيرة وحمام داخلي وقد وقع عليها إختيار سليم لتكون مكان مبيته وزوجته ، أما الغرفة الأخرى فتشبه مثيلتيها بالأسفل مع وجرد حمام .
كما توجد شرفتان كبيرتان كل واحدة في طابق ، وإن كانت الشرفة العلوية تظهر جمال البحر و تداخل ألوان زرقته المختلفة التي تشاكسها حركة الأمواج مع تدرجات ألوان السماء يعانقها أشكال متباينة من السحب ، لوحة فنية رائعة من إبداع الخالق !
لكن بالطبع لن ينصح بالمكوث في تلك الشرفة العلوية عقب بضع ساعات ، فحتماً سيشتد بها الهواء.
وضع كل شخص أشياءه بغرفته و تأكد سليم من عمل جميع المرافق من كهرباء وماء وغاز ، وأعدوا وجبة إفطار سريعة وتناولوها وسط ضحكاتهم و مزحاتهم.
ثم خرجوا من الشرفة السفلية والتي تطل على الحديقة وبها حمام للسباحة وبوابة قريبة من شاطيء البحر ، فقط يفصلهما طريق .
بدأ سليم بمساعدة إبنيه بإعداد شواية الفحم و تنظيفها فقد فرض سليم العمل على الجميع .
أما سلمى و إبنتيها فكن في إعداد الخضروات التي سيقومون بشويها مع اللحم والكفتة التي سبق إعدادهما في البيت وعلى أتم إستعداد للشوي ، بالإضافة لصنع السلطة.
بدأ سليم يوقد الفحم ويضعه بالشواية ، ثم بدأ الشواء وصارت رائحة المشويات الشهية تعبق الهواء ، وأخيراً بعد عدة ساعات إنتهوا و وضعوا الطعام وتناولوه أيضاً في جو من البهجة.
ثم صدع سليم قائلاً : اللي ناوي ينزل البول شوية يجهز نفسه عشان آخركم ف المية قبل خمسة.
فصاحت سلمى الإبنة : ساعتين بس يا بابي !
فأجابت الأم : أحسن من قلتهم ، بعد كده الشمس هتكون راحت خالص و الجو هيبرّد ، خليكي ضيعي ف وقتك.
فنهض الجميع ليستغلوا الوقت وارتدوا الملابس المخصصة للسباحة وقفزوا في الماء ، بينما وقفت سلمى تنظر إليهم من أعلى في تردد وتتسآل : المية ساقعة!
فصاحت رقية : المية دافية وحلوة يا مامي.
فبينما تقف مترددة تنظر لهم وأبناءها الأربعة تتعالى أصوات ضحكاتهم وهي تظنهم يضحكون عليها ، لكنهم يضحكون لما قرؤه في أعين أبيهم ينتوي فعله وهو واقف خلفها.
وعلى غفلة حملها سليم مسرعاً وقفز بها في الماء فإزداد ضحكاتهم جميعاً ، فلكزته سلمي في كتفه وهي تنفس الماء في وجهه و تقول : مفيش فايدة فيك ، على طول تخضني !
فضحك سليم قائلاً : أديكي قولتي على طول ، يبقى إزاي لسه بتتخضي ؟!
فضحك الجميع ، مر الوقت وهم يلعبون ويمرحون ويتقاذفون الماء ببعض الرشاشات والألعاب المائية ، وحانت اللحظة الحاسمة ! لحظة الخروج !حيث يلفح الهواء البارد أجسادهم المبتلة في آخر لحظات من شهر ديسمبر !
بالطبع كان السبق لسليم الذي خرج مرتجفاً وبسرعة ارتدى ( البرنس) الشتوي خاصته وهو ( عبارة عن سترة من الخارج ومبطنة بالداخل بقماش المناشف) .
ثم وقف ينتظر كل واحد يناوله رداءه عقب خروجه مباشرةً من الماء ثم يسرع للداخل مرتجفاً ليتحمم ويرتدي ملابسه ، وكانت آخرهم سلمى التي لازالت مترددة في الخروج كعادتها ، فأمسك بيدها سليم ضاحكاً عليها لتخرج وهي ترتعش برداً فألبسها سترتها بسرعة وضمها إليه ، فسارت بداخل حضنه حتى دلفا وصعدا لغرفتهما فأسرعت سلمى لحمامٍ دافيء وخرجت مرتدية بنطال رياضي ثقيل وعليه سترة ثقيلة ولازالت ترتجف.
خرج سليم بعدها وهو أيضاً يرتدي بنطال وسترة ثقيلتين و وقف يصفف شعره ولحيته ويضحك على هيئتها ، ثم إقترب منها وأمسك بيدها يفركهما بين يديه ليدفئها.
ثم جذبها من يديها لتنهض معه وضمها إليه وهبطا معاً لأسفل ، وبعد أن تحمم الجميع وتخلصوا من إرتعاشتهم خرجوا مرة أخرى للحديقة بعد شرب بعض المشروبات ؛ فهناك موعد منتظر لمبارتين كما وعدهم الأب.
وبالفعل لعبوا جميعاً مباراة لكرة القدم و أخرى للكرة الطائرة ولازالت أصوات ضحكاتهم تشق ذلك الصمت المحيط.
ثم مكثوا بالداخل يتناولون المشروبات الساخنة وبعض المقرمشات والحلوى التي بالطبع من صنع سلمى وسط المزحات و الضحكات التي يتفننون فيها ، ومر الوقت ونظر سليم في ساعة يده وكانت تقارب الثانية عشر ثم قال : يلا كله يجهز نفسه ويقوم يتوضأ عشان نبدأ السنة الجديدة زي مااتعودنا بركعتين لله نشكره على نعمه عشان يبارك فيها ويزيدها وندعيه بكل اللي نفسنا فيه إنه يتحقق.
فتحرك الجميع بالفعل عدا سلمى التي لازالت في مكانها جالسة مبتسمة ، فجلس جوارها على ذراع الكرسي قائلاً : إيه النظام يا ست الكل ؟!
فضحكت بشدة ثم قالت : أنا متوضية والحمد لله.
ثم إقتربت منه تعبث في لحيته قائلة : عارف يا سليم ، مع إنك مش متواجد دايماً مع الولاد لكن بتحرص إن وجودك القليل ده يكون مثمر و مؤثر لأقصي درجة.
فإبتسم بفخر قائلاً : طبعاً ، هو أنا أي أي ؟!
فأجابت وهي تزداد إقتراباً : ولا زي زي !
فسُمع أصوات الأبناء يتنحنحون ، فإبتسم سليم قائلاً وهو ينهض : جهزوا نفسكم ، هتوضا وآجي.
وقف الجميع في صفوفٍ منتظمة ، الأب ثم الأبناء الذكور وخلفهم الأم وبناتها ، صلوا جميعاً ركعتين خلف سليم وهو يقرأ ما تيسر له من آيات القرآن بنطقٍ سليم.
وبعد الصلاة قال لهم : تقدروا تناموا دلوقتي لأننا هنقوم الصبح إن شاء الله نفطر ونروح قبل الساعة إتناشر ، فلو حد رامي حاجة كده ولا كده يلحق يلمها.
فأجابوا جميعاً بالموافقة ثم قبلوا والديهم واتجهوا لغرفهم ، وصعد سليم وسلمى لغرفتهم وخلعت سلمى إسدال صلاتها لتتجه إلى الفراش وهي تشعر بالإرهاق ، فصدع هاتف سليم فأجاب بغموض ثم أغلق بسرعة.
فنظرت إليه سلمى بدهشة تتسآل : في إيه ؟!
فإبتسم لها قائلاً : إلبسي الجاكت والكوفية واتدفي كويس وتعالي.
- إنت بتقول إيه ؟! لييييه ؟!!
- ششششششششششش ! رجاءً الطاعة ثم الطاعة ثم الطاعة.
فنظرت إليه دون فهم ثم إرتدت فوق ملابسها سترة ثقيلة طويلة بعد حجابها ثم أخذت الكوفية وأحاطت بها عنقها ، ثم خرجت بصحبته دون أن تفهم.
هبطوا الدرج وخرجوا من باب الفيلا الخلفي القريب من شاطيء البحر ، كان الظلام يحيط بالمكان بإستثناء عدة مصابيح قليلة ذات إضاءة خافتة فشددت مسكة يدها بيده المتشابكة أصلاً وشبثت يدها الأخرى بساعده.
فهمس لها : إطمني أنا معاكي ، وبعدين المكان متأمن أنا متفق مع سكيورتي يفضل هنا من ساعة ما جينا الصبح ويفضلوا معانا لحد ما نمشي.
ثم وضع يده الممسكة بيدها بداخل جيبه ، لكنها لازالت متشبثة بذراعه.
ساروا بضع خطوات ثم عبروا الطريق الساكن متجهين لشاطيء البحر ، فتسآلت سلمى من جديد : لازمته إيه البحر الساعة دي في التلج ده ؟!
كان يكتم ضحكاته بالكاد من تصرفاتها الطفولية لكنه اكتفى : ششششششششششش !
فاضطرت للسكوت ولمجارته ، دخلا سيراً في ممر خرساني وسط الرمال على الشاطيء عمودياً على البحر مباشرةً ، ثم توقف فجأة ، فتسآلت بخوف : في إيه ؟ مالك ؟!
ولازال يجاهد نفسه لألا ينفجر ضاحكاً منها ، لكن أتتها الإجابة بسرعة ليست كلاماً إنما خيمة مكعبة على مرمى بصرها مضاءة ومزينة بزينة مضيئة ، وضعت يدها على فمها من المفاجأة وثبتت على وضعيتها بعض الوقت كأنما تستوعب ما يجري وكان سليم يراقبها.
وفجأة تعلقت بعنقه وانهالت عليه بالقبلات فضمها هو الآخر إليه هامساً لها : كل سنة وإنت طيبة ، كل سنة وإنتِ معايا.
ثم حملها على غفلة ، فلمحت شخصان بجوار تلك الخيمة فهمست سلمى : سليم نزلني ما يصحش كده ، في ناس هناك.
- شششششششششش !
واستمر حاملها بضع خطوات حتى وصلا وسمح لها بالهبوط فدلفت مسرعة للداخل ، فقال سليم للرجلين : تسلم إيديكم يا رجالة .
فأجاب أحدهما : تحت أمرك يا باشا ، هنفضل قريبين من جنابك لو احتاجتم حاجة.
فأومأ سليم برأسه أن نعم ثم أشار لهما لينصرفا ثم دلف خلف زوجته ، كان المكان بالداخل بسيط مجرد وسادات على الأرض مع باقة من الزهور وشعلة نار متوقدة للتدفئة.
أحاطها سليم بذراعيه هامساً لها : إيه رأيك ؟! أنفع ولا بتوع المسلسلات التركي أحسن مني ؟!!
فإلتفتت إليه ولازالت بين ذراعيه وهي تعلق ذراعيها وتحيطهما بعنقه : فشر ! ربنا يخليك لقلبي !
فحملها ودار بها في نصف دائرة ثم أهبطها لكن لازالت ملاصقة له ، فأسند جبهته على جبهتها هامساً : تبقي طول العمر جنبي.
- كل مااسمع حاجة عنك بعرف إني اخترت صح.
- كان لقانا أحلى صدفة....
- يااللي جنبك ببقى عارفة إنك إنت جيت حياااااتي تملى كل سنيني فرح...
ثم جذبها إليه وأجلسها بجواره محاوطها بذراعه ويمسك بيده الأخرى كفها ويقبل باطنه من حينٍ لآخر ، يسترجعان معاً كل لحظات عشقهما وميلاد نبتة حبهما حتى ترعرعت وأثمرت كل أعوام العِشرة والود كما أثمرت أربعة أبناء بارك الله فيهم.
بالطبع كان يشك الأبناء بنية والدهم وأنه لابد من جزء خفي وخاص بهما فقط ، فبمجرد شعورهما بصوت أقدام والديهم انتبهوا وترجّلوا وخرجوا للشرفة العلوية يتابعون الموقف عن بعد ، بالطبع هيئة الخيمة المضاءة واضحة وسط ذلك الظلام.
ليعلّق سليم الإبن : والله بابا ده طول عمره برنس بجد !
ليجيب يحيى : معاه حق ، عنده واحدة زي ماما لازم يعمل معاها كده وأكتر.
فتكمل سلمى الإبنة : بصراحة هم الإتنين دايماً بينافسوا بعض مين يسعد التاني أكتر بدون حسابات ولا إنتظار لرد الفعل ، مع إن كل واحد بيكون متأكد دايماً إن رد الفعل هيكون قوي جداً وفوق كل وصف.
فتتابع رقية : تفتكري اللي زي مامي وبابي دول ممكن يتكرروا تاني ، يعني أنا مثلاً ممكن يجي عليّ يوم ألاقي راجل يحبني وأحبه للدرجة دي ؟!
سؤال صعب الإجابة في الواقع ، لكن لا شيء مستحيل على أية حال....
مكثا العاشقان بعض الوقت ثم انسحبا عائدين للفيلا وهما متأكدين تمام التأكد من عدم نوم الأبناء وأنهم كانوا مراقبين جيدين لهما عن بعد ، فنظر الأبوان لبعضهما سلمى تحتضن باقة الورد و سليم يحتضنها وكانا أمام غرفتي الأبناء ثم ضحكا بقوة ، فأجاب الأبناء بصوت ضحكاتهم من الداخل ، فصاح سليم : ناموا يا كلاب.... تصبحوا على خير !
..................
تمت ❤
عام جديد سعيد إن شاء الله 2020 🌷
Noonazad 💕❤💕
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro