(2)
(بقلم : نهال عبدالواحد)
وذات يوم أرسلتها أمها بطبق كبير من الأرز بلبن إلى جارتهم زينب فأخذته وذهبت، كانت في حالة من الإرتباك الشديد ففتحت لها زينب بوجهها الذي لا تفارقه الإبتسامة وكانت ندى تتلفت بعينيها تبحث عنه بالداخل.
تحدثت زينب: ندوش حبيبتي، إزيك؟
- الحمد لله يا طنط، ماما باعتة لحضرة ده.
- تسلم إيديها تعالي خشي مفيش حد.
- شكرًا يا طنط....
ثم تسآلت بتردد: اممممممممم، بـ... بس أنا كنت بـ... بشوف ولد بيقف عندكم ف البلاكونة.
-آااااه ده سيف ابني، آخر سنة ف كلية الشرطة، بس هو مش موجود، حتى لما بينزل أجازة برضو مش بيبقى موجود، مموت روحه ف التمارين والتدريب وبياخد كورسات وحاجات مش عارفة إيه بيقول نفسه يبقى ظابط مميز.
- آااه ربنا يوفقه بعد إذن حضرتك.
بعد عدة أيام و صارت بالفعل لاتراه أبدًا، تأكدت أنه قد سافر للكلية، لكنها لا تعرف موعد مجيئه فزينب لا تتحدث عنه مطلقًا وندى تتحرج أن تسألها عنه فلتنتظر ولا تدري لماذا تنتظر! وتمر الأيام و الأسابيع ولم يظهر أو يجييء.
وذات يوم كانت في طريقها للمنزل، كانت ترتدي ملابس ضيقة بعض الشئ وإذا بمجموعة من الشباب يضايقونها وكاد الموقف يتطور لولا تدخل شخص ما هجم عليهم وضربهم بشدة فهربوا جميعًا فنظرت نحوه فوجدته هو، إنه سيف فسعدت بشدة وفرحت كثيرًا.
اقتربت منه بمزيج من السعادة، الإمتنان والإعجاب قائلة: متشكرة أوووي.
صاح سيف غاضبًا: متشكرة إيه وهباب إيه! إيه الزفت اللي لبساه ونازلة بيه ده؟!
تفاجأت ندى وأجابت بغيظ: إنت... إنت إزاي تتكلم معايا كده؟!
- وانتِ إزاي تنزلي كده؟!
همت لتجيبه لكنها نظرت له ثم انصرفت غاضبة، دخلت البيت، وقفت أمام المصعد تنتظره ثم دخلت فيه فوجدته خلفها دخل معها، طلبت رقم الدور وأدارت وجهها وما أن وصل المصعد حتى ضغط سيف على رقم آخر فصعد المصعد.
التفتت إليه وصاحت بغضب: مش تستنى لما أنزل الأول!
فلم ينظر نحوها ولم يعقب بلا مبالاة، فأكملت غاضبة: إنت فاكر نفسك إيه! ده إيه الرخامة دي!
التفت إليها ونبس مهددًا: غلط ما بحبش.
توقف المصعد ففتح سيف الباب وكان آخر دور في سطح البيت، أشار لها سيف لتخرج من المصعد واستطرد: اتفضلي، مش هاكلك يعني.
رمقته بغضبٍ شديد، خرجت من المصعد ثم وقفت في حالة غيظ شديدة، كان الهواء يطير شعرها الطويل الحريري بشكل زاد من جمالها رغم عصبيتها نظر سيف نحوها وابتسم بإعجاب.
فقالت وهي تواليه ظهرها و لازالت غاضبة: يا ريت تنجز وتقول عايزني ف إيه!
- إنتِ عصبية كده ليه؟!
فاستدارت له وصاحت: وانت بأي حق تتكلم معايا كده؟ أعرفك منين أنا؟!
ابتسم سيف وكأنها لم تلتفت قبل الآن لوسامته وجاذبيته الطاغية، فارتبكت بشكل واضح، أجاب بنبرة متهكمة: أنا اللي بقف ف البلاكونة اللي جنبك ماشوفتنيش قبل كده يعني!
قالها واضعًا يديه في جيبيه، فازدادت جاذبيته، استعادت نفسها وتابعت: إيه الثقة والجراءة اللي بتتكلم بيها دي!
رفع سبابته وأهدر مهددًا: ممنوع تمامًا تنزلي من بيتكم بأي لبس ضيق أو غير لائق، أظن الكلام واضح، مفهوم!
رمقته بغضب و غيظ شديدين ثم انصرفت تجري بينما هو ظل يضحك بمليء صوته، ازدادت طبول قلبها، شعرت أنه لو ضحك مجددًا ستنهار أو سيتوقف على الفور، انسحبت مسرعة، وصلت لشقتها، دخلت بغضب شديد من تصرفاته وجرأته لماذا لم توقفه عند حده ذلك المغرور؟
وإن كان يعرف أنها تراه طوال تلك الفترة لماذا تجاهلها؟!
ولماذا أصلًا تعطي لذلك الموضوع ولهذا السيف أكبر من حجمه؟!
لا لن أنتبه إليك بعد ذلك ولن أعطيك أكبر من حجمك ولن اسمع ما قلت ولتريني ماذا تفعل!
هكذا تحدث نفسها.
وفي اليوم التالي ارتدت كنزة ضيقة بدون أكمام و بنطال ضيق، ضبطت نفسها أمام المرآة ثم قالت بتوعد: قال ممنوع قال! وريني هتقدر تعمل إيه ياسي سيف! إيه افتكرت نفسك سي السيد!
فتحت الباب، خرجت، وقفت أمام المصعد تنتظره بعد أن ضغطت عليه تطلبه حتى وصل المصعد وما أن فتح الباب حتى وجدته بداخله فنظر إليها من فوقها لقدمها ثم أهدر بهدوء: هو انتِ ليه مش بتسمعي الكلام؟!
نبست ندى بغيظ: هو انت ليه بتدخل ف اللي ما يخصكش و بأي حق بتأمر وتنهي؟!
- بحق إنتِ ادتيهولي.
- هو أنا عمري كلمتك يا جدع انت؟!
-تسمحي...
وأشار بيده أن تدخل المصعد فدخلته متأففة حتى صعد مرة أخرى لأعلى إلى سطح البيت ثم وصلا.
التفتت إليه تسآلت بغيظ: خير! عايز مني إيه؟!
- إنتِ زعلانة كده ليه؟! كل ده عشان خايف عليكِ!
- وده من إيه!
- طب المرة اللي فاتت كان من حسن حظك إني كنت موجود واتدخلت طب لو مش موجود كان إيه اللي حصل! انت ما شوفتيش أشكالهم عاملة إزاي؟ دي عيال مبرشمة!
- وقولتلك شكرًا تزعألي ليه؟ فاكرني مخبر شغال عندك!
- هو ما ينفعش تتكلمي بأسلوب ألطف شوية!
فتأففت واستدارت بوجهها عنه فتحرك هو حتى وقف أمامها، وأكمل: لبس زي اللي انت لابساه ده يخلي اللي يسوى واللي ما يسواش يتطاول عليكِ وياريت تبطلي عِند.
رمقته بغضب ثم سكتت، أكمل متلطفًا: تعرفي إنك جميلة أوي وانتِ متنرفزة.
فنظرت له وكادت أن تضحك لكنها كتمتها على الفور، فأكمل بمكر: هه مش هتقولي بأه كنتِ بتبصي عليّ ليه م البلاكونة؟!
رمقته بغيظ مجددًا، همت أن تنصرف فأمسك ساعدها لتقف ثم تركه، وأهدر: ممكن تبطلي عصبية، كل الحكاية إنك كتيرة أوي علي وأنا ماانفعكيش.
نظرت إليه مستفهمة، فأكمل: لما دخلت الشرطة كان حلمي مش إني أبقى مجرد ظابط عادي لكن اتمنيت إني أكون مميز وفعلًا اشتغلت على نفسي كتير من يوم ما دخلت الكلية و إن شاء الله أحقق حلمي، ومعني ده إن وقتي مش ملكي، معنى إني أبقى مميز يعني هتصدى لأي خطر أكتر م العادي يعني شايل روحي على إيدي يعني ما يكونش لي نقطة ضعف حد يلوي دراعي بيها.
- عايز تقول إن كل الظباط عايشين للشغل وبس؟
-لا طبعًا، أنا بتكلم عن حلمي أنا، ظابط مش عادي رجل المهام الصعبة يعني اللي هتتلطش ف عقلها و ترضي بي تبقى عارفة إن حياتنا مش عادية، لازم تتفهم طببعة عملي كويس تكون بتثق فيّ تمامًا و مهما حصل ما تصدقش، مهما شافت برضو ما تصدقش غير لما تسمع مني وبس، لازم تسمع كلامي زي ما بيتقال عشان مش دايمًا هيبقي مسموحلي بإجابات أو شرح، لازم تعرف تصبر وتتحمل كتير.
- مافهمتش برضو انت عايز إيه دلوقتي؟
-عارفة لما شوفتك أول مرة أول ما سكنتم وشدتيني أوي، بس انتِ ما شوفتيش لحد يوم المحطة لما شوفتيني و إزاي كنتِ متبعاني أوي ساعتها وبعد كده حاولت كتير أبعد عنك واتجاهلك...
- تتجاهلني!
- عشان ما أظلمكيش معايا، صعب تتحملي طبيعة الحياة دي، أكتر الوقت مش موجود، الأخبار مقطوعة، كل مرة هخرج ف مهمة يا عالم هرجع ولا إيه، عشان كده باقولك ما ينفعش، اتشديتلك ودخلتي قلبي فماحاولتش واكتفيت بده، لكن لما شوفت إصرارك وضيقتك إني مش شايفك زي ماانتِ فاهمة يعني، قولت لنفسي إزاي أضايقك أوي كده وانتِ عمالة تضربي أخماس ف أسداس، إيه اللي مش عاجبه فيّ، وما ينفعش تفكري كده.
اتسعت عيناها بصدمة وتحدثت بتيه: إنت! إنت إزاي كده؟! إنت عمرك مارفعت عينك فيّ! عمري ما حسيت إنك شايفني أصلًا! وبعدين إنت بتحكم عليّ بمناسبة إيه؟!
- لأنك مع الوقت هتزهقي وتملي، هتشوفي غيرك بيعيشوا حياتهم وانتِ لأ، بيخرجوا ويتفسحوا ومع بعض على طول وانتِ قعدة مستنية وبس.
- ولو قلتلك إن رأيك ده غلط.
-هقولك فكري تاني وتالت و ألف .
-فكرت واختارت، اختارتك انت.
-هسيبك وأبعد كتير.
- ماشي.
-مش هتعرفي عني حاجة لا ف وجودي ولا ف غيابي، حتى مفيش إتصالات إلا نادرًا، مفيش حاجة إسمها أجازات وف أي لحظة هطلع مهمات .
- ماشي.
- لازم تسمعي كلامي زي ماهو من غير نقاش ولا شرح عشان مش دايمًا هينفع أجاوب تساؤلاتك.
- ماشي.
-هتملي وتزهقي.
- لأ.
سيف:لازم تثقي في ثقة عمياء ومهما وقعوا بينا...
-واثقة فيك.
-ممكن أخرج لمهمك وماارجعش تاني.
-لا هترجع ان شاء الله، هفضل أدعيلك إن ربنا ينجيك و ترجع بالسلامة.
فصاح فيها: إنتِ إيه؟!
أهدرت بجراءة: بحبك وعايزة أفضل معاك.
ولم تدري كيف خرجت منها تلك الكلمة بهذه السهولة والتلقائية!
فهي منذ وقت قريب لم تكن تدري سر إهتمامها به أو سبب غيظها من تجاهله لها...
متى أحبته؟
متى تغلغل الإحساس بداخلها؟
كيف تجرأت وهو لازال يبعدها عنه بالذوق؟!
اتسعت عينا سيف بسعادة شديدة وتابع بعشق فاجأها: ده انا اللي بحبك، وبحبك أوي كمان، وحبك تعبني اوي، حاسس إني بظلمك معايا كده، شايفك كتيرة عليّ.
أومأت برأسها نافية، فأكمل: أنا لسه أدامي وقت لحد ما آجي واتقدم، لازم أكبر واجتهد، لازم أبقى قاعد مالي مكاني أدام أهلك.
-وانا هستناك.
فابتسم وأمسك يدها وقبلهما.........................
NoonaAbdElWahed
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro