الفصل| 20
ضرَب نفسي زِلزالُ إخفاقاتٍ مريرَة، فزعزع قاراتي وما عادَت الخرائط التي رسمتها لطُرقي الشخصيَّة، ومضايِقي العاطِفيَّة، تقودني إليّ، تغيَّر كُلُّ شيءٍ فيّ، عدا عُنواني، ككوكبٍ أنثويّ، انتهت عصورُ ظلامِه، واحتَضر.
بالكادِ أعرِفُني، كُلَّما نظرتُ إلى انعِكاسي على المِرآة، وما لمحتُ وجهي، بل لوحةً شاحِبة رسمتها الحياة، لا أرى تقاسيمي الفِطريَّة الجيَّاشة بالأمل، بل قاعٌ مُسجَّى باليأس. لقد انطفأ وهجُ سمائي، وبعدَ أن كُنت نجمًا أنيقًا، بتُّ مجرَد حجرٍ سقَط على أرضِ الإحباط، جنبًا إلى جنبٍ معَ عدّة مِن أشباهِه، جميعُهم أنا. جسدي عُلبةُ كبريت، ومُهجتي أعوادُ ثقاب محسوبة؛ يُمكِن تسميتُها فُرص، أو حيوات، أشعلتُها لأتوقَّى زمهريرَ الكون، حاولتُ النَّجاة مِرارًا وتكرارًا، فكُلَّما داهمَني الخباء استَهلكتُ أحدَها حتَّى انتَهت مدَّة صلاحِيَّتي، وفرغت.
بالكادِ أميِّزُني بينَ أفكارٍ لا تمتُّ لي بصلَّة، نشأت في رأسي مِن أوهام عجيبة، مِثل غمامةٍ سوداء، مهمَّتُها الوحيدَة حجبُ نورِ اليقين عنِّي، ويا ليتَها تحمِل لي في رحِمها غيثًا حميدًا، ما سبق وأن اجتاحَني مِثل هذا الضّعف!
شعرتُ بالسَّلام بعدَ أمدٍ بعيد، حينَما طوَّق الظَّلامُ مُهجَتي، يعدُ بنقلي إلى برِّ الأمان، ما إن أنفضَ أنفاسي الأخيرة. حينذاك عاضَدتني الجُرأة؛ انفصلتُ عن الماضي، ورميتُ في وجهِه ما بعَثه لي مِن هدايا مقيتَة، تتشفَّت بانكِساراتي. شيَّعتُ ضحايا مُقلتيّ، الَّذين لقوا حتفهم على خديّ في كُلِّ خلواتي، ونثرت أهدابي على أضرحتهم ربتات بيضاء، أن شهادتَكم ما ذهبت هباءً. جميعُ الوجائِع تبدَّدت، كسُحبٍ أدركها الفِطام، فكفَّت عن صبِّ الموتِ على ترائِبي، وببسمةٍ أخيرة ودَّعتُ الدُّنيا على أملِ ألَّا نلتقِي مُجدَّدًا.
ظننتُ أنِّي انتَزعتُ النِّهايةَ المأساوِيَّة الَّتي أستحقُّها مِن بينِ براثِن القدَر، بفخرٍ قرَّرتُ مصيري دونَ أيِّ تدخلٍ مِن كاتِب رِوايَتي، وببسالةٍ غرزتُ سكِّينَ الموتَ في عُمري وقطعته، قبل أن يقطعه، فيأسِي مِن حصولي على فصلٍ حُلو، تُخيِّم فيه السَّعادة على مُحيَّاي القاحِل، تقرُّ فيه أحداقي لدفء الحبّ، وتبرقَ أساريري لسخائِه، ما عادَ يُطاق. لم أتخيَّل ولو لثَانيةٍ واحِدة أنَّ تضحِيتي هذِه، مُجرَّد عُقدةٍ مِن عُقدِ الحبكَة، مطبٌّ انخفضت عِندَه سُرعةُ اندِفاعي نحوَ المَجهول دونَما شعور، رغمَ أنَّ البعض يراه ذروة أحداث، احتَدمت فيها المشاعِر، ومُنعطفٌ آخر ليسَ بمقدوري تخمينُ ما يتوارى على ضِفافِه!
بخورٍ فرَّقتُ بينَ جفنيّ، على أملِ أن يستقبلني منظرٌ باهِر، يُبشِّرني بأنِّي في الجنَّة، لا بأسَ حتَّى بالجحيم. نقَرت سبَّابَتي الفِراشَ الوثير الَّذي أستَلقي عليه بحركةٍ بطيئَة، بينَما أقاوِم الشَّلل المتوطِّن بأوصالي كشباكِ العنكَبوت، وبدَل أن أرى ألسنة اللَّهب الشَّاهِقة تتراقَص على أنغامِ الحناجِر المُعذَّبة، وأستنشق كير الرَّماد، أو أرى الجنيَّات الحسناوات يُرفرفن بتباهٍ، وأتزكَّى برائِحَة الخُلود، عبرني نورٌ اصطِناعيّ أبيض، قبل أن تخترِق المُعقِّمات أنفي، ويُلوِّث هواء الدُّنيا أحشائِي مُجدَّدًا... ما أزالُ على قيدِ الحياة.
رفعتُ ذِراعيّ ما إن أعالَتني قوايَ على ذلِك، أتحرَّى ما إذا كانَت مُحاولتي للرَّحيل حقيقيَّة، أم سرابًا مِن وحي تعطُّشي للخلاص. أثبَتت لي الضّمادتان اللَّتين تحجبان جرحيهما الدَّامغين، أنَّ كُلّ ما عايشتُه ليسَ مزوَّرًا بل واقِعًا.
انزلقت دمعةُ إيمانٍ حارِقة على وجنتيّ، ورفرفت شهقةُ قهرٍ خانقة خارِج فمي، بعدَما تشرنقت في صدري كالغصَّة لبُرهة. هززتُ رأسِي على الوِسادَة بهياج، عسى أن أبرح هذا الكابوس كما اشتهيت، عبثًا، إذ لم يُغيِّر المُحيطُ مِن حولي أثاثَه؛ وما أفتأ أسيرَة غُرفَة باذِخة في المُستشفى، تعاضَدت الكهرباءُ والشَّمسُ على إبرازِ ثناياها.
لم أدرِ أنِّي لستُ بمفردِي، إلَّا عِندما أصدَر الكُرسيّ على يميني أزيزًا، أوحى لي أنَّ أحدهم قاعدٌ عليه؛ زوجِي جينوو. رغمَ الطُّوفانِ الَّذي غمَّ عدستيّ وأعدَم وضوحَهما، استَطعمت الخوفَ في صوتِه، وفي أنامِله العشر حينَما تمسَّكت بيدي.
«سايا، عزيزتي.»
حدَّقت بالسَّقفِ النَّاصِع لعُمرٍ طويلٍ مِن الزَّمن، والعبراتُ المحتجَّة بينَ جفنيّ تتهاوى الواحِدة تِلوى الأخرى دمعًا مِن حافَّتيّ مقلتيّ؛ المهربُ السَّانِح الوحيدُ أمامَها.
«لقد سلبت مِنِّي تذكرة الخلاص وأنا على بُعد خُطوةٍ مِنه، أتدري ما مِقدار الوقت الَّذي تطلَّبه مِنِّي استجماع شجاعَتي، وكَم كلَّفني مِن آهاتٍ صامتة؟»
ترفَّع عن الكُرسيّ، واضطَجع على السَّرير بجوارِي، وفي فمِه دواوين مواساةٍ منمَّقة، أعدَّها وهُو بانتِظاري لأستفيق. ما أبصرَت النُّور قطّ، إذ تأجَّجت اللَّوعَة في صدري، كأنَّها محصورةٌ هُناك، وقذفت بظهري بعيدًا عن السَّرير. حاولَ منعي مِن الجُلوس باعتِدال، لكنَّه فشل، ربَّما لم يُهدر الكثيرَ مِن الطَّاقَة على أمرٍ محسوم سلفًا!
سحبتُ يديَّ مِن قبضتيه، ولكمتُه بوهنٍ على صدرِه، بنيَّة أن أعكِس لهُ شيئًا مِن الوجيعَة المتَّقِدة فيّ.
«لماذا أخرَجتني مِن الحمَّام، لماذا؟ «
ظلَ بصرُه شاخِصًا إليّ، وذراعاه مُكبَّلتان بالدَّهشة، ربَّما يتساءَل مِن أينَ نفَذ إليَّ كُلّ هذا الوصب، ومَتى ابتُليت بِه؛ فلم يسبِق لي وأن تنهَّدتُ بإرهاقٍ على مقربةٍ مِنه، ولم يسبِق لي وأن احتججت أو تذمَّرت بخُصوص حياتِنا.
اعتَصرت أنامِلي ياقَة قميصي الشتويّ، واحتقنت عينايَ بدموعُ الأسى، بينَما أُفرِج عن يأسي المكظوم، مِن أعماقِ قلبي المكدوم.
«صارَت الدُّنيا بوسعها مِثل جُدران ضيَّقة عازمة على سحق روحي، وتثبيطي في مكانِي، كأنَّها تُعاقِبني لأنِّي حفرتُ فيها منجمًا بحثًا عن ذهب الأمل، بهدمِه فوقي. لا يهمُّ أينَ أنا، فالاختِناق لا يُعتقني، التنفُّس يُؤلِمني...»
ما يزالُ بخُلدِي الكثير مِن الشَّكاوي، تتحيَّن دورَها للخُروج، غيرَ أنَّ جينوو تشبَّث بحافتيّ كتِفيّ، وصرخ مُلجِمًا لِسانِي لهُنيهَة.
«وهل تظنِّينَ أنَّ الموت سيمنحُك ما لم تمنَحه لكِ الحياة؟»
بحَّ صوتِي، كأنَّ حِباله تمزَّقت.
«لم أعُد أستَطيع الاستِمرار في العيش، ألا تفهَم؟»
انبرت النَّظرةُ الخشِنة الَّتي بسطَت نفوذَها على مُقلتيه، إلى أُخرى ليِّنة توشِك أن تنكسر شفقةً على حالِي، قلَّب صفحات الشّجن المطويّة إلى أرففي، قبل أن يجرِفني إلى حُضنه. شدَّد وثاقَه حولي، وبصوتٍ رخيمٍ يتأرجح ما بينَ الأسف والمُواساة هدهد عليّ.
«سامِحيني، لقد كُنت رجُلًا حقيرًا، وزوجًا فاسِدًا، توجَّب عليَّ أن أحسَّ بآلامِك، ورغمَ أنِّي لاحظتُ اختِلافَك عن سابق عهدِك، مضيتُ بصمت. ظننتُ أنَّك تمرِّين بعُقدةٍ مزاجِيَّة بسيطَة لا غير، وسوفَ تُحلّ دونَ حاجةٍ إلى تدخُّلي.»
تخلَّل الذّنبُ السَّلامَ الَّذي غمرَني وأنا عالقةٌ بينَ ذِراعيه، وعقِب هُدنةٍ وجيزةٍ، ثارَ الأسفُ بداخِلي على شاكلةِ دموعٍ أشبَه بالحِمم. ظلَّ جينوو يُطبطِب على ظهري بحنانٍ تُقت له مُنذ أن قطَع عنِّي إمداداته، حتَّى وأنا أفقِد إيجابيَّتي. لو رصَد الكارِثَة وهي تزحفُ نحوَ آفاقي رويدًا رويدا، لصدَّها عنِّي، بربتة، أو بكلمةٍ حُلوة تقرُّ لها عيني!
توالى هُطول لمساتِه الغزير عليَّ، لم تغسِل عنِّي إخفاقاتِي، ولم تُرمِّم تصدُّعاتِي، ولكنَّها ملأت فجواتِي مؤقَّتًا. بعفويَّة سمحتُ لنفسِي الآثِمة أن تستنِد على الرَّجُل الَّذي نقضت جميعَ وعودِها معَه. صار قمَّة أهاب صعودَها، فالماضي سيدفُعني مِن حافَّتِها مُجدّدًا. ما توقَّعتُ قطّ أنَّه يُمهِّد لرِسالتِه السَّوداء، بألاعيب عاطِفيَّة بيضاء.
«لا أدري كيفَ غفلت عن أنَّك بأمسِّ الحاجةِ إليّ، وأهملتُك، أكرهُ نفسي، كُلَّما تذكَّرت أنِّي قد انسقتُ خلفَ رغباتي، بحثًا عن الدَّلال بينَ جُدران امرأةٍ أُخرى، لا أدري كيفَ طاوعني حبِّي لك على خِيانتِك، ليتَني اعتَرفت، وطلبتُ مِنك الغُفران، قبل أن تكتشفي الحقيقة بطريقة أُخرى.»
وفجأةً سكَن كُلُّ شيءٍ مِن حولي، حتَّى لهيبُ الجوى في صدري خَمد، كأنَّ غيثًا ربَّانيًا غير مرئيّ هطَل عليه، وانفَجرت الحُروف بفمِي مشدوهَة.
«ماذا؟»
تناءَيتُ عنه، ورتَّبت زيارةً عاجِلةً لمُقلتيه، مُستفسرةً عمَّا تلفَّظ بِه للتوّ. قرأتُ على مُحيَّاه ثُلَّة مِن أبياتِ الخَجل، تحزِم أنَّه لصادِق، قبل يُطأطِئ رأسَه، ويمحُوني مِن بصرِه بغمضة، مُتهرِّبًا مِن مُواجَهتي، ظنًّا أنَّه فقدَ الحقَّ في ذلِك.
«لاشكَّ وأنَّك تألَّمتِ كثيرًا حينَما اكتشفتِ أمري، لترغبي في الموت.»
لطمت رموشي سفوحَ جفنيّ بلا هوادَة، بينَما أقسِّم ما قالَه إلى شرائِح، عسى أن أستَطيعَ بلعَه، دونَ أن أغصّ بالتَّساؤُلات. خِلتُ لوهلةٍ أنَّ بأذنيّ خللًا ما حرَّف كلِماتِه، وصاغَها في قالبِ وهمٍ قادرٍ على تبرير خِيانتي له.
«سامِحيني.»
ها هُو ذا يُغرِّد موَّالَ توبَة مألوفًا لحواسي، مُذ أنِّي شخصٌ مُغتربٌ بين أناسِها، مُطَّلع على ثقافتِها. حاورتُ عدستيه حينَما حرَّرهُما، بحثًا عن الكذِب في تصريحِه، لكنِّي ما عثرتُ على أثرٍ له، فبين شفتيه المبرومتين ندم، وفي انحِناءَة أهدابِه تضرُّع.
«ألن تقولي شيئًا؟»
لا أصدِّق أنِّي تعرَّضتُ للخِيانَة!
أفكاري مبعثرة، وذِهني غير قادرٍ على فرزِها وتحديدِ الخُطوة التَّاليَة. كِلانا ارتَكب بحقِّ الآخر جريمةً لا تُغتَفر، ولكنَّ حجمَها مُرتبطٌ بالأسبقيَّة، أوَّلُنا هُو المُجرِم الأعظَم، الثَّاني مُنتقمٌ ربَّما. لسببٍ ما، وددتُ تصديق أنَّه مال عنِّي بعدما اختَطفتُني مِن حُضنِه، أنَّه كانَ بحاجةٍ إلى بئرٍ يرتَوي مِنه بعدما حرمتُه مِن حقوقِه!
«وما الحقّ الَّذي أمتلِكه للاعتراض؟»
اغتَرفت كفَّاه المُرتعِشتان وجنتيّ، تُفشِيان مدى رهبتِه.
«بلا، أنتِ تمتَلكين كامِل الحقّ في الاعتراض؛ فلتصرُخي عليّ، فلتلكمي صدري، فلتثوري كأيِّ أنثى تعرَّضت للغدرِ مِن قِبل أكثر شخصٍ وثقت به، أشعريني أنَّك ما تزالين تكترثينَ لأمري، ولستِ باردةً ناحِيتي كما توهَّمت.»
لا أدري ما الَّذي حفَّزني على الاعتِراف بأكثرِ نبرةٍ جافية أمتلِكها، أهي رغبَتي في الانتِقام، أم حاجتي إلى السَّلام خارِج نِطاق الكذِب!
«لقد خُنتُك أيضًا.»
سقَطت يدَاه على الفِراش خاويتين مِن الطَّاقَة، وأمالَ رأسَه بشيء مِن التوسُّل، يرجوني بصمتٍ أن أنفي. لم أحسِب حِسابًا لتبِعات بوحي، إذ ضربَ الجُنون عقلي، رغمَ صفاءِ مُحيَّاي كأنَّ جميعَ شوائِبه غارت إلى أعماقِي.
«في قلبي رجلٌ غيرُك، سلَّمته جسدي ذاتَ ليلَة، ومُنذ ذلِك الحين أحاطني ألمٌ مسلَّح، كُلَّما فكَّرت به أطلق عليَّ رصاصَة، كُلِّي ندوب بسببِه هُو.»
توسَّع جفناه، حتَّى أوشَكا على التمزُّق، لطالَما رآني امرأةٍ عفيفة، يستَحيل أن تحيدَ عن حُدودِ الاحتِشام، لن يتقبَّل بسهولةٍ حقيقة أنِّي استضفتُ رجُلًا غيره. هُو يظنُّ أنِّي حاولت الانتِحار بسبب خيانتِه، وذلِك مبرِّر كافٍ بنظرِه لأختلِق الأكاذيبَ وأشوّه إخلاصي له، أعرفُ طريقَة تفكيرِه، لكنَّه فاجأني مِثلنا فاجأتُه تمامًا!
أشحتُ وجهي عنه، وفككتُ عُقد أسراري، فكأنَّ الجِبالُ الَّتي في صدري فُجِّرت، وتناثَرت على أرضي كمساحيقَ لا تزن ولو مِثقال ذرَّة.
«عذَّبتُ نفسي كُلَّما تذكَّرت أنَّك بالمنزِل تنتظِر التِفاتَة حبٍّ مِنِّي، كُلَما نظرتَ إليّ وعلى أساريرك ابتِسامةٌ مُشرقة مِلؤها العاطِفَة، حتَّى أنِّي فكَّرتُ في قصِّ وجودي مِن حياتِك لعلَّك تحظى ببعض السَّعادَة، لكنَّك حظيت بِها على أيَّة حال.»
«أنتِ تُمازِحينني، أليسَ كذلِك؟»
على غِراري أنَا الَّتي عاقرتُ كأسًا دهّاقًا مِن السَّكينَة، بعدَ أن خفَّفت عنِّي أعباءً حملتُها لأشهر مديدة، انتفَض مِن مجلِسه بسُخط، وراحَ يصوِّبُني بنظراتٍ ثاقبة كالرَّصاص.
«كانَ عليَّ أن أشكَّ بأمرِك مُذ صِرت تتهرَّبينَ مِن محافِل الحُبّ كلَّما دعوتُك إليها.»
طرقَت الحسرةُ رأسِي فارتمت نظراتِي على يديَّ المُتشابِكتان فوقَ فخذيّ، في حينِ لمحتُ طيفَه يجوب الغُرفَة ذهابًا وإيابًا بذهنٍ مشتَّت. اعتقَد في البِدايَة أنِّي ادَّعيتُ الخِيانَة حتَّى أنتقِم مِنه كما توقّعت، كان بحاجةٍ إلى مجالٍ واسعٍ مِن الزَّمن ليجترِع كُلّ ما سكبتُه في صواعِه. حينَما انتَهى مِن مشورةِ نفسِه، ثنَى إحدى قدميه على السَّرير بحيثُ غارت ركبتُه فيه، ثُمَّ انحنى نحوي، وانقضَّت أصابِعه على كتِفيَّ بخشونَة.
«متَى دنَّستِ جسدِك بالإثم؟ بل مُنذ متَى وأنتِ تُدنِّسينَه؟ ومَن العاهِر الَّذي فضَّلتِه عليّ وهجرتني مِن أجلِه؟ هل أردتِ أن تُخلِصي له الحُبّ لذلِك كُنت ترفُضينني؟»
نفضتُ غُبارَ المذلَّة عن مُحيَّاي، واكتسيتُ العتَب، رغمَ أنِّي عاهدتُ نفسي مُنذ طور ألَّا أتذمَّر، يُفترض بي أن أسَرّ، لأنَّه عاقَبني.
«وهل مِن حقِّك مُحاسَبتي، في حينِ أنَّك طعنتني مِن وراءِ ظهري كذلِك؟ أما نحنُ بمُتعادِلين؟ أم لمُجرَّد أنِّي امرأةٌ فذنبي أعظَم؟»
طفَّت أوزانُ سُخطِه، وتراخت أنامله المعقودَة حولَ عِظامي، كأنِّي للتوِّ سكبتُ على وجهِه ماءَ الواقِع. حينَما رفَع حِصاره عنِّي ووقفَ بثبات قُلت:
«نحنُ بحاجةٍ إلى إعادَة النَّظر في علاقتِنا.»
أشارَ إليَّ بسبَّابتِه، والغضبُ يقدَح بينَ جفنيه، مِثل حممٍ بُركانيَّة.
«لا تضيفي حرفًا واحِدًا.»
انصَرف مِن هذِه الغُرفَة الرَّاقيَة على عجل، وتركني فريسةً سانِحة للفَراغ، أنستني الصَّدمة أن أسأله كيفَ استطاع تغطية ثمنِها. ألقيتُ ظهري على السَّرير بقلَّة حيلة؛ ارتَجفت شفتاي مُتعاطِفتين مع مغص قلبي الأنانيّ، وأثقَلت الحسرة أساريري، ما يزال الشُّعور بالظُّلم يعوم وسط شِغافي، لظنِّي بأنِّي الأكثر عذابًا بيننا، طريقَ النَّدم أوصَلني إلى حافَّة الهاوِية، وحينَما التفتُّ بُغيَة الرُّجوع تداعَى، أمَّا هُو فصامِد كالجُلمود!
اختَمر فيّ مزيجٌ مِن الرَّاحَة، والخذلان، ارتَحتُ لأنَّ الأوراقَ باتَت مكشوفة، لن أحتاجَ إلى بترِ أطرافٍ مِن روحي لإطعامِ ضميري الثَّائِر ضدَّ جميعِ أكاذيبي، ارتَحتُ لأنِّي لستُ الوحيدَة الَّتي بغَت، ولطَّخت حبًّا كان ذات يومٍ طاهِرًا كينبوع ينضحُ بالنِّعم. ورغمَ أنَّ يدايَ مُتَّسِختان بوحلِ الفاحِشَة، ما استَطعتُ إمساكهما عن مسحِه بظهره، ومُعانقَة الخذلان مِن دُبر.
لم أتقبَّل نيلي لذات الصَّاع الَّذي وزنتُه له عن غيرِ قصد، كأنَّه انتقامٌ مِن الحياة؛ فدونَ أن يدري حرَّضته على الانقِلاب ضدِّي، وطعن علاقتِنا. ربَّما لأنَّنا نحنُ النِّساء ننظُر إلى الخِيانَة مِن زاويةٍ وجدانيّة، لا جسديّة، يستحيلُ لامرأةٍ أن تُخبِر رجلًا مال إلى غيرها أنَّه دنَّس جسَده، تِلك المقولة حكرٌ على الرِّجال، كامرأة جُلُّ ما راوَدني حينَما علمت أنَّه قد دنَّس حُبَّه، بل واغتالَه ما إن غفيَ للحظَة، ما عُدت متينة ليعتصِم بي مِن الغوايَة، وما عادَ مُتيّمًا بي. أجهلُ هويَّة الجوهرةِ الَّتي خاطَر بنا في سبيلِ السَّطوِ عليها، لكن لابدَّ وأنَّها تستحقُّ المُخاطرة، وربَّما لستُ غاليةً كِفايةً ليتفادَى التَّضحيَة بي من أجل اللَّهو!
بعدَ حلقةِ الاعتِرافات المشحونَة، لم نتداوَل المزيدَ مِن الأحاديث، عدا توضيحه لي عن سبب تواجُدي في غُرفَة الشخصيَّاتِ الخاصَّة، بينَما نحنُ عائِدين إلى المنزِل؛ استَجوبتُه بدافع الفُضول، وما مانَع تبديد شكِّي في أنَّه قد أنفق كُلّ هذِه الأموال عليّ، أخبرني أنَّ مينهيوك شقيق الكولونيل أصرَّ على استِئجارِها. عمَّت الدَّهشةُ صدري، ورغمَ جميعِ التَّساؤُلات المُحتشدة وراءَ شفتيّ، حبَّذت الصَّمت. لم أرِد أن أفتح أيّ حديث معه، عتبًا عليه، وحياءً مِنه. مصيرُ علاقتِنا بين يديّ، ومِفتاحُ الحريَّة بحوزَتي أخيرًا، لكنِّي مُتردِّدةٌ في استِخدامِه، إلى أينَ سأذهب لو انفصلتُ عن الرَّجُل الَّذي قضيتُ برفقتِه سنواتٍ طويلة؟ وما محلِّي مِن المُجتَمع؟
اضطَجعتُ على سريرٍ فقدتُ حقِّي فيه، مُنذ أن تلوَّث فُؤادِي بعاطفةٍ موبوءة، قضت على الهناءِ الزَّائِف الَّذي أثمره زاوجُنا. اعتَكفتُ في مِحرابِ الذِّكريات، حائرة القَرار، أجهل ما الَّذي ينبغي عليَّ فعلُه، هل أُعدِمنا، أم أهبُنا فرصةً أُخرى؛ الأصحّ حُكمًا بالسّجن إلى أمدٍ غير محدَّد، معَ حُفنةٍ مِن الأعمالِ الشَّاقَة، في مُقاومةِ انتِهائِنا!
كانت السَّاعَة الحائِطيَّة تُشير إلى السَّادِسة مساءً حينَما تقهقر البابُ إلى الوراء مُفرجًا عن طلعةٍ ما ظننتُ أنَّها ستزورُ مهجَعي مرَّة أُخرى. سومين صديقتي الوحيدَة، والمرأةُ الَّتي دُستُها بأمرٍ مِن طمعي، طمعٌ آثم في رجلٍ ليسَ لي، تقفُ على مسافةِ فُراقٍ مِنِّي. ما لبِثت وأن لأمت جُرح البُعد، إذ اقتَربت مِنِّي بخطواتٍ مُتخاذِلة، كأنَّها ما تفتأ مُتردِّدة، رغمَ أنِّي قبضتُ عليها مُتلبِّسة بالاهتِمام؛ كان مُحيَّاها مليئًا بالقلق.
«أتيتُ للاطمِئنان عليكِ.»
صاحَ ضميري ينعتُني بالحَقارَة، فيومَ أجهضت ما فكَّرت ولو للحظةِ في إعارتِها ظهرِي كصديقَتها للاتِّكاء عليّ، بل سلَّحتُ نفسي بالغيرة، واغتبتُها بينِي وبين نفسي، لم يرُقني أنَّها ما تزالُ محطَّة مِن محطَّاتِه، حتَّى بعدَ أن نقَّب فيّ!
كُنت قد اعتَدلتُ بالجُلوس على السَّرير، اللِّحاف يستُر ساقيّ، وأنامِلي مُتشاحِنة عِند فخذيّ، قبل أن تحطّ رِحالَها على المِساحةِ الفارِغة بجانِبي. حبست عِصابةً من شعرِها خلفَ أُذنِها بتوتُّرٍ ملحوظ، ورمقتني بصدقٍ رقراق.
«لم أنقطِع عن التَّفكير بكِ مُنذ أن أخبرَنا جينوو عمَّا حدَث معك بالأمس، الأصحّ ما فعلتِه، حتَّى أنَّ النَّوم جافاني.»
غزلَ العُبوس شِباكَه حولَ ثغرِها الَّذي لطالَما عهِدته مُفترًّا.
«لماذا أردتِ إنهاءَ حياتِك؟»
جلدَ السُّوء بصري، فارتدَّ إلى الجِهة المُعاكِسَة لها. لقد أخطأتُ بحقِّها كثيرًا، والاهتِمام النقيّ الَّذي تُحيطُني بِه الآن أرقى مِن منزِلتي الوضيعَة.
«واقِعي لم يُشجِّعني على البقاء.»
تنهَّدت بعُمق، ثُمَّ دفنت نظراتِها النَّادِمة في الفِراش.
«لم أستطِع رؤيَة معاناتك، انشَغلتُ بمشاكِلي الخاصَّة، وعصبتُ عينيّ بالغضب، برّأتُ ذمَّتي مِن الجريمَة رغمَ أنِّي مَن خطَّطتُ لها، وألقيتُ عليكِ العبء كُلَّه، حتَّى أنِّي حاولتُ التملُّص مِنها أمامَ زوجي، والتَّظاهر بمُساعدته.»
بكُلِّ تفهُّم قُلت:
«أنتِ لم تُخطِئي، فعلتِ ما ظننتِه صائِبًا لحِمايَة زواجِك ونفسِك.»
عانقت كفُّها يدِي عِناقَ صُلح، انتَهكتُه بلا تردُّد، موقنةً أنَّ علاقتَنا لن تستوِي ما دامَ زوجها متربِّعًا على عرشِ فُؤادِي دون عِلمها.
«وجودُك يعزِّز ماضٍ يحتلُّ حاضِرني، يذكِّرني كيفَ سوَّلت لي نفسي خِيانَة الجميع، لستِ تخفِّفين عنِّي بل تزيدينني مقتًا لي، ورغبةً في إعدامِي. فلتُغادِري رجاءً.»
امتثلت لي، حيثُ بسطَت قامَتها بتلكُّؤ، نظَرت إليّ مِن قمَّتها لآونةٍ قصيرة، كأنَّها تتمنَّى لو أتراجع عن قراري، وكم تألَّمت حينَما رأيتُ الخيبَة تجري في خنادِقها. أنا مجرَّد امرأة أنانيَّة، لا أصلُح للعلاقاتِ الَّتي تتطلَّب الإيثار، سواء الصَّداقة، أو الزَّواج. أعي جيِّدًا أنَّ استِمرارنا لن يقودَنا إلَّا إلى ذاتِ النّهاية البائِسة.
أحتاجُ إلى مساحةٍ رحبة، والكثير مِن الوقت للتَّفكير، حتَّى أختار بينَ البقاء، أو ابتِياع تذكرة الرَّحيل، بين التَّكفير عن خطاياي، وبين ردمِها برمالِ النِّسيان مؤقَّتًا، رغم أنَّ أمواجَ الذَّاكِرة ستمسحُها عنها عاجِلًا أم آجِلًا.
-
لقد ترعرعتُ في وسطٍ قاسٍ، يستَحيلُ للعواطِف أن تتجذَّر في ثراه، فما أنبتُّ مِنها أيَّة فصائِل. حملتُ السِّلاح في سنٍّ صغيرة، واقتَطفتُ من الكون روحًا مُلوَّثةً بالعَداء، قبل أن أتخطَّى عتَبتي العاشِرة، ارتَشفت مِن صُواع الإثم الَّذي يختزِن مُتعةً لحظيَّة لا تُضاهيها مُتعَة، والفَخر الَّذي ارتَقى ملامِح والِدي حينَذاك، لا يقُدَّر بثمَن.
لقنتُ مِنه أنَّ البشرَ لا يُتقِنون الوَلاء، ولو امتَلكوا كيلًا مِنه، لن يُعادِل وزنُه الثِّقَة المُطلَقة، خِلته يُغالي في تفصيل طِباعِهم، ما لبِثت الحياة وأن وضَعتني في امتِحاناتٍ عمليَّة أثبتت صحَّتها، اضطررتُ لاستِئصال حُثالةٍ مِن الأعشابِ الضّارَّة، تربَّصوا ببلَدي، مكانَتي، وبي، جميعُ علاقاتِي بُنيت على المصلحة، لا على التعلُّق، ذلِك مِن شِيم القِردَة ولستُ مِن داعِمي نظريَّة التطوُّر. ما إن تنتَهي حتَّى أحلَّ جُسورَها دون أدنَى تردُّد.
مهما بَلغت الحقيقةُ مِن قُبح فهِي أصدق مِن الأمل، الأملُ هُو الأفعى الحقيقيَّة الَّتي تنتقِي طلائِعها بعِنايَة، لتفتن أولئِك المُتلهِّفينَ للجَمال، ولو نافَى المنطِق، لأنَّ الجمالَ مِن جُندِ الموت، هُو سرطانٌ حميد، يُجيد لُعبةَ الاختِباء، لكنَّ إيماني بالمَلموس هداني إليه فاستَأصلتُه. كُنت موقِنًا أنَّ الورودُ لا تشتَري السَّلام، بل الحُروب رغمَ أنَّها عاجزة عن التَّفاوُض وكسب ما تنشُده بأقلِّ سومَة مُمكنة، وكُلَّما عاداني أحدُهم بأنانيَّة أشعلتُ حربًا عصبيَّة ضاريَة، غيرَ مُكترثٍ لما قد أخسرَه مِنِّي ومِن أحبَّتي في خضَّمِها.
الضّعف والقوّة مِثل الفِطرة، تولَد فينا، ثُمَّ توجِّهنا إلى ذاتِنا، لذلِك تختلِفُ ردود أفعالِنا حِيال الأزمات، هُناك من تُشيده، وهُناك مَن تهدُّه، وقد وُلِدت صلبًا مُنذ البِدايَة، لذلِك صقَلني الزَّمنُ بدَل أن يكسِرني، كما كسَر الكثيرين بفأسِه، رغمَ أنِّي أدفعُ ضريبَة الصُّمود بأُنفة اكتِئابًا، وآلَت شخصيَّتي إلى ما هِي عليه الآن!
أنا رجلٌ نجَا مِن مكائِد الماضي مِرارًا، وها أنا ذا أسيرُ في حاضرٍ ماكِر، محفوف بالألَم، أتلقَّى مِن الخيباتِ ما قد يثني جبلًا. ما طويتُه بينَ أدراجِي مِن ذِكرياتٍ مشوّهة سلفًا ليسَ ندًّا له أبدًا، كأنِّي ما نجوتُ إلَّا لأهلِك بطريقةٍ أبشَع. ربَّما أذِنت لي الحياةُ بالمُرور عبرَ مضايق الفَراغ، لأنَّ في جُعبتِها لي خطط موتٍ ما خطَرت على بالي يومًا، كأن تُفجِّر في دواخِلي قنبلةَ شجن، لأحضُرَ مأتَم روحي واعِيًا كُلّ الوعي.
ما ظننتُ يومًا أنَّها ستزرعُ فيَّ نُقطَة ضعف، حينَما عجزت جميعُ التَّجارب المريرة الَّتي خُضتُها عن بعث إحداها. لطالَما كُنت رجُلًا مشلولَ العواطِف، فُؤاده لا يُؤدِّي سوى وظيفَته الربَّانِيَّة، بدَل العمليَّات الانتحاريَّة الَّتي تُحرِّضُه عليها المَشاعِر، وها أنا ذا أشهَد أتعسَ انكِساراتي، وأكثَرها مأساوِيَّة، شطري السَّليم يضمُر رويدًا رويدا.
أعماني الغضب، فاتَّبعت إرشاداتِه إلى المنزِل بهُدوء يُنافي العواصِف بينَ أضلُعي، بعدَما عرجتُ على مكانٍ ما. خدعتُها تمامًا كما خدَعتني، مُستغلًّا هوايتَها الوحيدَة؛ حبّ السَّهر. أخبرتُها أنِّي أدعوها إلى جولةٍ ليليَّة. لولا عبثيَّة الرِّياح لما ثارَ البَحر، وعتا على البريء والآثِم، لكِنَّ الخِداع ارتَبط باسمِه، هُو من لُقِّب المُتقلِّب. أنا هادئٌ بطبعي، قليل الكَلام، ما أنطق إلّا تلبيةً لنِداءِ الضَّرورة المُلِحَة، ومُعجمِي خالٍ مِن الغُفران!
انتَهى بِنا المطافُ على الضفَّة اليُمنى لمُلتَقى السِّكك الحديديَّة، تحتَ سماءٍ سوداء، كأنَّها تفحَّمت عقِب اشتِعالٍ مُضنٍ لشمسِها، ونالت قِسطًا مِن الرَّاحَة. بعضُ أصقاعِها مُكفهرَّة، تُحذِّر مِن نوبةِ بكاء أُخرى. خلفَنا أشجار شاهِقة، راسيةٌ بشموخ، كلَّما هبَّت الرِّياحُ الجنوبيَّة رقّصت أوراقُها فهلَّلت بحفيفٍ مهيب. كان بصرُ سومين شاخصًا إلى النَّافِذَة، يُعايِن الأرجاءَ حولَنا، إذ أنَّها بعيدةٌ كُلَّ البُعد عن سهرةِ أحلامِها، في حينِ أنَّ عدستايَ الفارِغتانِ مِن كُلِّ متاعِ العاطِفة مُسلَّطتان على الواجِهة الأماميَّة. لفرطِ ما احتَرقتُ بداخِلي، غطَّى الدُّخان المُنبعثُ مِنِّي عليّ، لذلِك لم تعِي عن الخطرِ المُحدِق بها، حتَّى وهِي تُحدِّق بي.
«ظننتُ أنَّنا سنذهبُ في جولةٍ رومانسيَّة، لماذا أتينا إلى هُنا؟»
«لنلعب قليلًا.»
استطَعتُ الاشتِباهَ في الرُّكن القذِر الَّذي قصدَه عقلُها الصَّغير، حينما لكمَت ذِراعي المُجاوِر لها، وعلى ثغرِها ابتِسامةٌ شقيَّة... ستبكي دمًا.
«المكانُ ليسَ مُناسِبًا لمشاريع عاطفيَّة على الإطلاق، إنَّه مخيف بحقّ.»
«ليسَ أكثَر مِنِّي.»
تمتمت بخفوت، قبل أن أترجَّل، مُحافِظًا على توازُن أعصابي، ما يزالُ الوقت مبكِّرًا على السَّماح لها بالانفِلات. مِن صُندوق السيَّارَة أعتقتُ حبلًا مفتولًا، طويلَ القامَة، علَّقتُه على كتِفي، ثُمَّ اتَّجهتُ نحوَها، هِي الَّتي كانت واقفةً إلى شفا السِّكَة، حيثُ انصبَّت أضواءُ السيَّارة السَّاطِعة، لقد اختَصرت عليَّ الوقت والعناء. لا يُمكِنها تصوُّر ما سأفعلُه بِها هذِه اللَّيلَة، تعي جيِّدًا أنِّي أجنُّ حينَما أغضب، لكنَّها تجهلُ إلى أيِّ مدًى قد يصِل جنوني.
رسوتُ خلفَها مُباشَرة، أزحتُ خصلاتِها عن مرفئها الأيمَن، وجمعتُها في جانبٍ واحِد. جابَت أنفاسِي الشَّهباء عُنقها، دونَ أن تنزِل شفتايَ بِها، تُروِّج لأمانٍ كاذِب، ما لبِث لِساني وأن أماتَه، حينَما طعن أذنَها بفحيحِه.
«إذًا فقد قتلتِ ابني مِلء إرادتِك، ثُمَّ حمَّلتني اللَّوم بثقله، ورُحت تُمثِّلين دورَ الأمِّ الثَّكلى أمامنا ببراعَة.»
شهِدتُ على الزِّلزالِ الَّذي جلجلَ أوصالَها، نظرًا لقُربي مِنها. ما كادَت تلتفِت إليّ، حتَّى طرحتُ كفيّ على ظهرها ودفعتُها قُدمًا.
«كيفَ تجرَّأتِ؟»
صاحَت بوجلٍ حينَما تعثَّرت برصيف السِّكَّة، اختلَّ توازُنها، ومُذ أنَّ حركتي جاءَتها مُباغِتة عجزت عن تمالُك نفسِها، واصطَدمت بالخَشب المصفوفِ بدقَّة، يحدُّه مِن الجانِبين شريطين حديديَّين مستَقيمَين. اقتَحمتُ الميدان، ثُمَّ جثوتُ بجوارِها، مُسندًا مرفقيّ إلى فخِذيّ بغطرسَة، ويداي منسدِلتان في فجوةِ ساقيّ.
«كَم مِن كذبةٍ دسستها لي في كلِماتِك المعسولة؟ وكَم حيلةٍ حفرتِها في طريقِنا مُنذ البِدايَة وحتَّى هذِه اللَّحظَة؟»
تناوشت شفَتاها بصمت، كأنّهُما في صراعٍ ما بينَ البوح والكِتمان. في الأخير فضَّت بينَهُما، وصارَ السَّبيلُ خالِيًا أمام كلِماتها العرجاء.
«دعني أشرَح لك.»
صرخت بوصب، وأغلالُ الغلِّ تُكبِّل صدري.
«لقد استَمعتُ إلى ترّهاتك بما فيه الكِفايَة.»
سُرعان ما لقفتُ يديها المُرتجفتين برفق. كان بصرُها مُسلَّطًا عليّ، لاشكّ في أنَّها تتساءَل عن خُطوتي القادِمة، وما بخلتُ في أدائِها؛ حيثُ برحتُ مرتَعي، جثوتُ وراءَ ظهرِها دونَ أن تُعتِق أنامِلي معصميها، وأخذتُ أصفِّدُهما بحبلٍ قصير القدّ، كان كافيًا لشلِّهما كُليًّا.
«أُصبتُ بالتُّخمة مِن أكاذيبِك، وحانَ الوقتُ لبعض الإحماءات.»
عندما أدركت أنَّها تتعرَّضُ للتَّقييد مِن قِبلي أطلَقت نِداءَ استِغاثَة، تظنُّ أنِّي قد أتعاطَف معَها، تغفلُ في كثيرٍ مِن الأحيان عن طينَتي!
«لم أكُن مُستعدَّة لتحمُّل عبء الأمومَة بعد، وأنتَ أكثَر مَن يعلمُ أنِّي امرأةٌ غيرُ ناضِجة، بحاجةٍ إلى الرَّقابَة، بالكادِ أُعيلُ زواجَنا على الاستِمرار، خشيتُ كثيرًا أن تفرِض عليَّ الاحتِفاظَ بِه، دونَ الإصغاءِ إليّ، لذلِك تخلَّيتُ عنه.»
هي تُراوِغ السُّقوط في هاويةِ الحقيقَة، ذلِك مصيرُها في جميعِ الأحوال، ولو سقَطت، فسيتعذَّر عليها تسلُّقها إلى برِّ الأمان، قد يُغمى عليها خوفًا قبل أن أنفِّذَ خطَّتي.
همَّت بالنُّهوض، مُعتقِدةً أنَّها استَطاعت رشوة مشاعِري بحُفنةِ مِن الكلِمات المحبوكَة، لا تعلمُ أنَّها راحت ضحيَّة لقنابِل موقوتَة زرعتها تحتَ سرير الماضي، وتشظَّت كلّها دونَما استِثناء. ضغطت على كتِفيها، وطرحتُها أرضًا مرَّة أُخرى، أحطتُ خصريها بذراعيّ، وسحبتُ جُزءًا مِنها خارِجَ السكَّة الحديديَّة، فيما أمطَرتني بوابِل مِن الأسئِلة، دُستُها بالتَّجاهُل. عُدت أدراجي، وقبضتُ على قدميها، ثُمَّ تواطَأت يدي سويًّا والحبل المكين على تقييدِهما إلى إحدى الأخشاب، هُناك فراغٌ تحتها يسمَح بنفادِ الحبل مِنه، أنا خبيرٌ بالمَنطِقة!
«هُناك احتِمالان لا ثالِث لهما، إمَّا أنَّك انتهزتِه لانتِشال نفسِك مِن الورطَة السَّابقة، وإمَّا أنَّه ليس ابني!»
أجابت بلكنةٍ توحي أنَّ صوتَها قادمٌ مِن مدينَة الازدِراء.
«بما أنَّك وظَّفت مُحقِّقًا ليتحرّى عنِّي، فأنتَ تعلمُ جيِّدًا أنِّي لم أخُنك.»
رفعتُ رأسي عن الحبل أرجمها بنظرات حارِقة، ثُمَّ استأنفتُ ربطَها بالخشبة في صمت. لم يمضِ وقتٌ طويل حتَّى سألت برجفةٍ ملحوظ:
«ما الَّذي أنتَ مُقدمٌ عليه بيكهيون؟»
حينَما أدركت خطورةَ الموقِف، وتذكَّرت أنِّي رجلٌ مِثل صندوق باندورا حُبِست فيه كُلّ الشُّرور، متَّى ما تحرَّر غضبي دمِّر، أجفلت.
«ما الَّذي سيحدُث لو لاحَ في الأفق قطار؟ ستُحرِّرني أليسَ كذلِك؟»
شددتُ طرفيّ الحبل اللَّذين خسِرا غالبية طولهما بعدَ بضعَة لفَّات، لآخر مرَّة، ما جعَل عُروق يديّ تنتفِض وتبان أمامَ العيان.
«قدماك هُما سببُ جميعِ المشاكِل، سأتخلّص مِنهما لأجلِك، دونَ استِشارتِك، كما تخلّصت مِن الطِّفل رغمَ أنَّه ليسَ ملكك وحدَك.»
خصصتُها بانتِباهي، وتحلَّى ثغري بابتِسامةٍ مُرَّة، سمَّمتني قبل أن أُسمِّمها!
«الموت أناني، لكن رحيم، أنا أشبِه بالعذاب، والألمُ ذخيرَتي، لن أقتُلَك، ولن أجعلِك تتمنَّين الموت، لكنِّي سأُريكِ لمحةً عنه، حُلوَتي.»
كُلَّما غلَت روح عدوِّي وتعسَّر عليَّ إرسالُه إلى العالَم السفليّ، قتلتُه خوفًا على قيدِ الحياة. لطالما أعدمتُ كُلَّ نفسٍ استَباحَت عِصياني دون أن أسلُبَها النَّفَس، حينها لا يتبقَّى لها خيارٌ سِوى الخُضوع لي، أعلم أنَّ كُلفة الحِياد خارجةٌ عن رصيدِها الفقير، أمَّا من طاوعَه غرورُه على خِداعي فويلٌ له. التَّعذيب النفسيّ هُو أكثَر ما أُجيدُه.
مكثتُ راكِعًا بسكون، أعايِن هيئتَها المذعورَة، والثَّورة الَّتي أنشبَتها ضدَّ الحِبال المُحكمَة حولَ يديها. عندما لاكَها اليأس صاحَت بي:
«أنتَ لا تستحقُّ أن تكونَ أبًا، ما دُمتَ مصرًّا على التصرُّف بوحشيَة، كُلَّما حادَ أحدهم عن توقُّعاتِك. ألم تفهَم بعد؟ لقد أنقذتُه مِنك!»
استقرَّت سهامُها بلبِّي، نزفتُ قنوطًا، ودونَ أيِّ تخطيط، لطَم كفِّي خدَّها بقوَّة.
تركتُها غارقةً في هواجسِها، وفي ذكرياتِ صفعَتي، إذ حزمتُ وجودِي وارتَحلت إلى بُقعةٍ بعيدةٍ عنها. ما انفكَّت تُنادِيني بنغماتٍ يائِسَة، تتوفَّى قبل أن تبلُغَ موطِني. توقَّفتُ أمامَ ذراعٍ حديديَّة، كانت متَّكئةً على الفراغِ وراءَها، وتفرّجتُ عليها بجمود. كادَت أوتارُها تتقرّح لعلوِّ صيحاتِها، لاسيما حينَما ذاعَ صفيرُ القِطار!
ما لبِث وأن مرّ بجواري، مُولِّدًا تيَّارًا هوائِيًا، هزهز خصلات شعري. سبقَ وأن أحصيتُ الوقتَ الَّذي يستغرِقُه لقطعِ المسافةِ بينَ الرُّقعةِ الَّتي اصطَفيتُها موقفًا لي، وبينَ الرُّقعة الَّتي قيَّدتُها فيها، وهُو عشرُ ثوانٍ، أنا مُعتادٌ على استِخدام هذِه الطَّريقَة لاشتِقاق الحقيقةِ مِن الثُّغور، والسَّائِق متوفِّر لخدمتي دومًا. طوَّقتُ الذِّراع، واجتَررتُها قدُمًا، فانفصلت إحدى السِّكك عن استِقامتِها، واتَّصلت بالسِّكةِ المُحاذِيَة لها، وتغيَّر مسارُ القِطار. أبصرتُ الشَّرارات الَّتي أحدثَها احتِكاكُه بالحديد مِن هُنا، كذلِك سومين وهِي تفقِد الوعي.
اعتَقدت أنَّ الاستِعاذَة بجبروتي ستُعفي كبريائِي مِن الضَّرائب الَّتي تراكَمت عليه، لأنِّي لم أكسِر ساقيها مُنذ البِدايَة، ولأنِّي واصلتُ إمدادَها بالمغفرة، لكنِّي ما أحسستُ بشيء؛ مشاعِري مشلولة، وربَّما مُتحجِّرة في قاعِ بئرٍ لا قاعَ له، فما تفرَّقت على قنواتِي في هذِه اللَّحظاتِ البائِسَة. كنت محبوسًا في حلبة الحاضِر، أتصارع ونفسي، نُمزِّق بعضنا البعض، ثُمَّ نرتَمي على الثَّرى بتعب، وعواطِفي كالجماهير على المُدرَّجات، تهتِف بمُتعة، ممتنعةً عن المُشارَكة، في نقطةٍ ما توقَّفت حتَّى عن القِتال، واستَسلمت للهيبِ السُّكوت!
كُنت فارغًا مِثل الزُّقاق الَّذي يُحذِّر الآباء أبناءَهم مِنه، ووحيدًا كأيِّ رجلٍ واقفٍ على قِمَّة الهَرم، لا يرَى مِن المُجتمعِ سوى أسقفًا أدنى مِنه، مِثل طاغيةٍ انفضَّ الجميعُ مِن حولِه بعدَ انتِهاءِ المأدُبة، وما تبقَّى له سوى ذاتُه المسودَّة.
فككتُ الحِبال عن جسدِ سومين الَّذي يطفو في اللَّاوعي، اصطَحبتُها إلى القصر على مضض، ثمَّ التَجأتُ إلى مكتبي الوحيد، واستغللتُ الصَّمت لتنظيمِ أفكاري، ووضع خطَّة تليقُ بغدٍ مُعاق. أجفاني ما رفَّت، أحداقي ما غفيت، ومآقيّ ما ابتَلّت؛ تسامَرتُ والماضي، بينَما أُعاقِر أحزاني اللَّاذِعة سويًّا والسَّجائِر، حتَّى طلوع الفجر.
اختَرت الاختِباء في منزِل الشَّاطئ، ريثَما أبني ما تحطَّم مِنِّي، وأقرِّر أيّ قطار عليَّ ركوبه. في الصَّباح وضّبت حقيبَة سفَري، دسستُ فيها بعضًا مِن ملابِسي الرسميَّة، تفي بالغرضِ لغيابٍ ما كتبتُ عُمرَه بعد، كذلِك قارورة عِطري، وقبل أن تدبَّ الحركَة في أرجاءِ البيت، رحلتُ في سيّارتي السَّوداء الَّتي قادَها سائِقي.
ظلَّت طلقاتُ السَّماءِ ذاتُ العيار الخفيف، تنحاز نحوَ زُجاج النِّافِذَة، وتقرعه برفق، طوال المساء. لقد أضعتُ يومًا آخر في العمل، ظننتُ أنَّ إجهادَ جسدي سيصرِفني عن مسائِلي الشخصيَّة، وبالفعل نجحتُ في التَّناسي، لكنّي ما أزالُ خاوِيًا على عُروشي، غيرَ قابلٍ للاشتِعال، مِثل عقب سيجارة نزفت بما فيه الكِفايَة.
حملتُ حقيبَتي مِن مقبضِها الجِلديّ، ومشيتُ الهوينى بينَ الأروِقَة، وصولًا إلى نِهايةِ هذا النَّفق، حيثُ ينتَهي السَّقف. القذائِف السَّماويَّة تُلثِّم الثَّرى بشغف، مصدرةً صوتًا مِثل أجيج أحطابٍ تحترِق. ذررتُ خطوةً فاثنتين، فعدَّة، حتَّى غدوت فريسةً للوَبل، عرضةً للبلل. عمدتُ على ترهيب الجميعِ مِن حولي، ومُذ أنَّ المَطر لا يذكُر، أذِنت له بالطَّبطبة على رأسي، وكفكفَة الحريقِ المُندلِع فيه. جرَت النُّهُر على مُحيّاي، وتفرَّقت خصلات شعري إلى طوائِف، بعضُها اجتاحَ ناصِيتي، وغشيَ جفناي، مشوِّشًا نظري، رغم ذلك استَطعتُ أن أبصرَ يدان، انبَسطتا أعلاي، قبل أن يتخلَّل صوتُها عزفَ المَطر.
«لماذا أنتَ واقفٌ تحتَ المَطر دونَ مظلَّة؟ ماذا لو أصابتك نزلةُ برد؟»
رمقتها بحيرة، كيفَ أغدَقت عليَّ بزخمٍ مِن اللَّهفة، وكيفَ تردُّ عنِّي بطشَ السَّماء بكفَّيها الضَّئيلتين، رغمَ ماضينا المُفعمِ بالمقت، مِن جِهتي. ما سلِمت مِن ثورتِي العصبيَّة سلفًا، ثورةٌ مشروعة، وعوضَ أن تُواجِهني ببشاعَتي ومساوِئي كسومين، جاهرت بحبِّها لي، لابدّ وأنَّ عقلَها طرح احتِمالًا بأنِّي لن أصدِّقها، لكنَّها اعترفت لي على أيَّة حال!
لاشكّ وأنَّ نظراتي المُجوَّفة الَّتي تاهَت على صفحتِها، تنقشُ علامات الاستِفهام أربَكتها، إذ أطرقت برأسِها، دونَ ذراعيها. سوَّرت مِعصميها بكفيّ، وضعتُهما في مُتناول بصري، وطالعتُ الشَّاش الَّذي يتستَّر على بشاعةِ ما اقتَرفته بنفسِها.
«أعجبُ كيفَ استَبحت التخلِّي عن كبريائِك مِن أجلِ المجيءِ إليّ هكذا، دونَما تردُّد، أتحبِّينني إلى ذلِك الحدّ؟»
لم تأخُذ كلامي على محملِ الإهانَة وتنسحب، ربَّما أدركت أنِّي ما أضمَرت لها أيًّا مِنها!
«أنتَ لستَ بخير، أرى الخرابَ في عينيك، وروحَك تحتضِر.»
أطلقتُ سراحَ مِعصميها ونفثتُ ضحكةَ استِهجان كاذِبة. كُنت على وشكِ تضليلِها عن مُلاحظتِها الغير موثَّقة، لكنَّ كفّها الدَّافئة هوت على قفا عُنقي بدماثَة، وخفّضَت رأسِي عن منزِلة الكِبر الَّتي ارتَقاها، حتَّى لامَست ناصِيتي كتِفها!
«ليت بمقدوري السَّطو على آلامك والفِرار مِن أمامك!»
للوهلةِ الأولى وددتُ لو أنهرها، حتَّى وإن كان الشَّطرُ الأعظمُ مِن الذَّنبِ مِن نصيبِ زوجَتي. لم أفعل، لأنِّي استطيبتُ الرَّخاءَ الَّذي لقَّمته لي لمستُها، كأنَّها رسولٌ مِن الجنَّة، هبَط ليُخفِّف عنِّي. أوصدت نافِذتيّ، وبإرهاقٍ أفصَحت.
«أنا فارِغ.»
تمايلت أنامِلها على رقبَتي، تُدندِن قصائِد ساحِرة.
«مشاعِرك في مكانٍ ما بِك، ربَّما لم تضع مِنك إلى الأبد، بل أضاعَت طريقَها إليكَ فحسب. ستعثُر عليها حينَما ينقشِع ضبابُك.»
كلِماتُها السَّاخِنة أرخَت أعصابِي، أدهشني استِسلامِي لها!
«أتعتقِدين أنِّي لا أصلُح أن أكون أبًا؟»
-
هلاوز خفافيشي 👈👉
كامي اشتاق لكم 😭😭
دار النشر رسلولي النسخة النهائية حتى دققها وظلتني معها لاسبوع كامل متخيلين!! 😳 تقريبا مش حاسة بكتافي من الوجع 😂
المهم رجعت بفصل طويل 😢
بهالروايه ما في حدا بيرفكت او مظلوم، كلهم مذنبين بطريقة او باخرى، اتس لايف💔
بالعادة اكتب عن بطل محطم من البداية وبتجي البطلة تصلحو، طبعا مع بعض التحطيم بالحبكة 😂بس هي اول مرة بحطم البطل الى درجة انو يصير فتات بالحاضر 😂😂😂 سومين تعتبر اعظم خيبات بيكهيون بجسد 😢💔
شو رايكم بالفصل!
اكثر جزء عجبكم وما عجبكم!
بيكهيون!
سايا!
جينوو!
سومين!
بخصوص انو جينوو ما بيتغير 😂😂
شو رح تقرر سايا بخصوص علاقتها مع جينوو!
كيف بتكون علاقة سومين وبيكهيون بعد يلي عملو فيها!
بيظلو مع بعض او يتركو!
بخصوص سايا وبيكهيون شو تتوقعو يصير لما يتمالك نفسو!
بتستسلم عنو او لا!
احنا ختمنا العصور المظلمة 😢
اتحمسو للجاي 💃
دمتم في رعاية الله وحفظه 🍀
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro