Chào các bạn! Vì nhiều lý do từ nay Truyen2U chính thức đổi tên là Truyen247.Pro. Mong các bạn tiếp tục ủng hộ truy cập tên miền mới này nhé! Mãi yêu... ♥

الفصل | 12

ليل الخير خفافيشي الأعزّاء 😂😂😂

كامي ايز هير بالموعد *اطلقو المفرقعات* 🎊

شو اشتقتو للجنرال المتخرفن وطفلتُه!

حاسة اني متعلقة فيهم جدا😭، اوبس اي ديد ات أڨان  *بصوت بريتني سبيرز*🎤

الحين حلمي الوحيد انو بيكهيون يطلع شي يوم بشعر طويل مثل دونغهي او جونغكوك متخيلين شكد رح يطلع فاتن وقتها! 😭😭

قلتها بالمقدمه واكرر الناس يلي متوقعة نحر ودق أعناق انتو بالمكان الغلط حكيت انو القصة عاطفية بحتة، ع ا ط ف ي ة🐸

لا تتوقعو امور عظيمَة حتى ما تدخلو بحيط الخيبة اوكاي! 😂

Enjoy 💕

-

ومُذ خلَعني لحظُك وارتداها، وعيتُ أنِّي بِك قد فُتِنت.

أدركتُ-متأخِّرةً- أنّي ربّيتُ مِنك في قلبي مشاعِر عاقَّة، وما شعرتُ بالجُذور الّتي امتدَّت مِنّي إليكَ إلّا يومَ اقتُلِعَت مِن كنفِك قسرًا، وتألَّمتُ حينَ انقَطعت آصِرتُنا، فلاكتني الغيرةُ بينَ ضُروسِها الشَّهباء، حتَّى غدوتُ في فمِها هشيمًا، ذَرته في العَدم.

وكجنينٍ وافاهُ المِيلاد بغتَةً وامتلَأت رِئتاه بأولى دُفعاتِ الكون، بكيتُ في سريرَتي بكوةَ قهرٍ مريرةٍ لنتانةِ هواءِ الحقيقةِ الّذي استنشقتُه دونَ سابِق إنذار.

لوهلةٍ واسِنة احتالَت عليّ العاطِفة الّتي تبادَلناها في مضايِق غير مأهولة، والدِّفء الَّذي عمَّر في حُجراتِ قلبِي البارِدة وافِدًا مِن كفِّك، فخِلتُك رجُلًا مُباحًا كدولةٍ ما وطأتها قدم، مِن حقّي احتِكارُها وسُكناها بِلا مُحاسَبة، لكِنّي سِقت إلى الواقِع قهرًا، لأذكُر أنّي أحتَل وطَن امرأةٍ أُخرى، هِي حاكِمتُه الشّرعِيّة للعيانِ، وربَّما لقومِه!.

بعدَ مِشوارٍ مُترفٍ في وهمٍ آثِم، أقعَدتني الحياةُ إلى طاوِلة الواقِع المُسجّاةِ بالخيبة، وصبَّت لي قدحًا مُترعًا بالشَّجَن، وليتَه درأ فيَّ ما عِشناه وباعَني النِّسيان، بل أنعَش عقلي، وبثَّ فيه ما كُنت قد لفظتُه خارِجه مُؤمِنة أنَّك مآلي ومنالي.

لا ريبَ في أنّ الحياة تُغيِّر جُلودَها كالحيَّة، ما إن نعتادَ على حالٍ حتَّى تأتينا بغيرِه كتعجيز؛ تدري أنَّ مخزونَ الصّبرِ نافذٌ، وأنَّ ميقاتَ الاستِسلام قائمٌ لا محالة، ما إن نهيمَ في حُلمٍ مُثمرٍ حتّى تُناهينا إلى واقعٍ أجرد، مهما بذرناه لا يُؤتي أُكلَه وما إن نتعلَّم التأقلُم حتَّى تُمسِك القَلم وتخطُّ لنا مسارًا محفوفًا بالويلات، ومصيرًا ما افترضناه، رغم أنَّا مَن اختَرناه. وبجورٍ تُوكِّلُنا لقتلِ النَّجوى، فنُحيي الأُخرى بيأس، لكِنَّها لا تُلبِّي.

كذلِك وعيتُ على نفسي في قلبِ واقعٍ أجوف كالهاوية بل وكالحُطَمة، ساخِنة مُدمّرة، توجًّعت بشِدّةٍ لحظةَ طرقتُ قاعه، وطقطقت أضلعُ آمالي بينَما تتكسَّر. أدركتُ أنِّي قد سِرتُ في طريقِ الذَّنب إلى الهوى، ورغم أنَّ لا حقّ لقلبي في أن ينوحَ ولا للغَضب في أن يلوح، تذمَّرتُ بداخِلي، ورجمتُها بوابِل مِن اللّعنات... تِلك المرأة

الآن وهِي تُحاذي ساعِده الأيمَن، حيثُ اشتهيتُ التَّخييم بقعودي اللّيلة ومُؤبَّدًا، بينَما تمسَحُ السيِّدة آهن عن فُؤادِي لُعابَ الأملِ، باستيرادِها لجنبِه الأيسَر، وأنا بقُربَها لا يفصِلُني عنه سِوى مقعد، ما عادَت المائِدةُ مُزدانةً بالألوان، ولا عبقُها جذّابًا كما كان، كأنَّ الخيبةَ امتَّصت أصباغَها، وما أبقت لها إلّا على الأبيضِ والأسود.

الخيبةُ مِثل الرّطوبَة، تأكُل جُدرانَ الهناء، وربَّما هِي وجهُ الحياة مِن عدَسةِ الغيرةِ، الّتي لاشكّ وأنَّها تُشبِه العمى إلى حدٍّ كبير.

بدوتُ وكأنِّي محصورةٌ في غارٍ ضيّقٍ لا يصبوهُ الهواء، أتقوَّت على ما اقتطفتُه قُبيل السّقطةِ الأخيرة، أنامِلي مُتراصّةٌ حولَ المِلعقة الّتي لم تغترِف مِن الحساء شيئًا، رغم أنَّها تشرَّدت في صحنِه لوقتٍ طويل، كأنَّ صوتَها ألجَم شهِيَّتي.

ولعلَّ معرِفتي باعتِلالِ علاقتِهما هِي ما جَعلني ألمَح الرَّجاء جاثِمًا في عينيها.

" كَم أنتَ أنانِيّ يا بيكهيون، لقد طلبتُ مِنك كثيرًا أن تجلِبَني إلى هُنا، لكِنَّك كُنتَ تأبى وتتَجاهلُني، وها أنتَ الآن تدعو غيري إليها بدوني. "

مُنذ أن تقاطَعت نظراتُنا لأوّلِ مرّةِ بعدَ أن انفَصلت لوقتٍ طويل، هربتُ مِنه، وواظبتُ على الإصغاءِ كالأبكَم؛ لم أُكلِّف عينيّ مشقّةَ الترحال هُنا وهُناك، خشيةَ أن أصطدِم بما لا يسُرُّني.

سمِعتُ أحدَ الصِّبيان يسأل:

" هل تشعُرين بالغيرة مِنّا؟. "

بلهجةٍ مُبالغةً في التّنميق قالت:

" كثيرًا فقد سرقتُم زوجي. "

سُرعان ما اصطخبت ضحكاتُها.

" لا تأخذوا كلامي على محمَل الجِدّ، فهو لا يعدو كونَه مُزاحًا. "

اكتَشفتُ للتوِّ أنَّ إتقانَ الادِّعاء قاسمٌ مُشتَركٌ بينَ هذين الزَّوجين، إذ اقتَدرت على استِمالةِ الحُضورِ بيُسر.

" أُراهِن أنَّكم قد عمِلتُم بجدٍّ اليوم كما لم تفعَلوا مِن قبل، لذلِك تناوَلوا الكثير مِن الطّعام، وعوّضوا ما استطعتُم فالغدُ سيُماثِله. "

تمخَّضت عدستاي برحِم جفنيّ لفرطِ الاستِياء، وحينَما والَتها مَن يُفتَرض أنَّها نزيلةُ حُجرتي، ومُرافِقتي، رِدتُ لو أصفعُها.

" لقد وافانا السيِّد بيون إلى البُستانِ بعدَ الغداء مُباشرة، وعمِل بجِدّ أيضًا. "

رمَقتني رينَا بحماس.

" أليسَ كذلِك مينِّي؟. "

ذررتُ ابتِسامَةً مُتكلّفةً سُرعانَ ما ذوت.

" أحسدكم على وقتِه الثَّمين، فقد مَضى الكثيرُ مُنذ أن أولاني نِصفَه ليُدلِّل اشتِياقي، العَملُ مستحوذٌ عليه كلَّه. "

ربَّما تجهَلُ أنَّ النِّساءَ قد ورثن نِصفَه!.

لم أستسِغ الإزعاجِ النّابِع عن كُلِّ كلمةٍ تذرِفها، بلغَت الغيرةُ فيَّ سقفِي، وفاضَت على فُؤادي، حتّى تخبَّط يستغيثُ بالرّحيل.

" بالهناء والشِّفاء. "

صمَت الجميعُ وما اعتَرض أحد، لكنَّها تكلَّفت تسعيرةَ تزويرِ الاهتِمام.

" لكِنَّك لم تلمَسي طبَقك حتّى!."

خبّأتُ صدوعي بكفيِّ برودي، وحينَما تواريتُ عن أنظارِهم، سمحتُ لها بالانجِلاء كما هدَّدت، دون أن أهُدهِد عليها، ثُمّ تهاديتُ بتخاذُل إلى غُرفتي المُشتركةِ ورينا، والَّتي استَقبلتني بطلعةٍ كئيبةٍ لم أعهَدها عنها.

في لجة هذه الليلة الهاجدة، افتَرشتُ شكوكًا يابِسة كُلَّما ألمَّت بجنبٍ انقلبتُ على الآخر، وتدثَّرتُ بهواجِس حارِقة كوَت جِلدي كويًا حتّى كِدتُ أتعرَّى مِنه، وما طفِقت أتساءَل عن أيَّ الطَّريقين قد اقتَرفا وهُما في الخلوة طرفين ثالِثُهما إبليس، بالأصحِّ غريزةٌ بشريّةٌ تنتهِز الظّلامَ لتسرَح وتمرَح، دونَ حاجةٍ إلى تصريح.

أخبَرني يومَ لسعَتنا الرَّغبةُ وتداوينا بأحدِنا الآخر أنَّ علاقتَهما مُتوفَّاة، ولعلَّ أكثَر ما أخشاهُ أن تَكونَ مدفونةً على عتبةِ فُؤادِه في مُتناوَل الشّوق، شوقٌ قد تُواتيه القُوّةُ على كسرِ شِغافِه المُتحجِّر، ومُبارَحةِ نِطاقه حيثُما لا أبتَغي.

عجزتُ عن إفراغي مِنه، وتخبَّطتُ في وغَى الأرقِ الحامِي، غيرَ قادِرةٍ على طيِّ جفنٍ مَهما بذلتُ مِن تنهيدات، وأنّى قَد أغفى والأصواتُ بداخِلي تزدادُ عُلوًّا، كأنَّها موقِدٌ تُغذّيه أحطابُ الّزَمن الّتي لن ينفكَّ تهافُتها عليه ما دامت الحياة سارِية؟. لكَم هُو عسيرٌ تسلُّق جبل النَّوم، ومِن حولِك ألفُ ريحٍ تُحيلُكَ إلى السَّفحِ كُلَّما ارتَجَّ لكَ جفن!.

لم أُنفِق على راحَتي سِوى بضع سويعات، بالأصحّ راحَة جسدي، فروحِي ما غفيت وبتيهٍ جابَت بَراريَ موبوءَة يغشاها الألَم، حيثُ طعنَت فِيَّ أضغاثُ رُؤًى، لم أفقَه فيها شيئًا، وها أنا ذا أستيقِظ تزامُنًا مع أولى اشتِباكات النُّور والظّلام، في حربٍ اعتِيادِيّة، هَجَّرتني مِن دِياري بعدَ زيارةٍ غيرِ حميمة، إنَّما عدائيّةً شهِدتُ فيها الويلات، حتَّى اشتهيتُ الرّحيل وما نِلتُه، والشُّكر في نزوحِي خارَجها لصياحِ الدِّيك الصَّاخِب.

كانت رينَا تنعَمُ بنومٍ مُسالِم لطالَما تبرَّأ مِنِّي، فما هبّ عليّ إلّا وبينَ أنامِله كوابيسُ مُريعة تسعى لإيلامي، كأنَّه مُرتزقٌ تحتَ إمرةِ الحياة.

اكتفيتُ بتبديلِ ملابِسي إلى أخرى انتقيتُها بعشوائِيّة، مُؤمِنَة أنّي حتّى ولو تبرَّجتُ كأميرةٍ فلن يسَعني التّطاوُل على جمالِها، وجعلِه ينحازُ إليّ ظِلِّ في وجودِها. ولا أزالُ أتساءَل عمَّا أغرتهُما وسوساتُ العُزلة لفِعله!.

سُرعان ما طرحتُ رمادَ الغيرَة الَّتي أشعَلتها أفكاري السّوداء في زفرةٍ مغمومة، ثُمّ غادرتُ الغُرفة لأتنشّق الهواء بالخارِج، لعلَّه يروي عطشَي، ويُطفئ مشاعِلَ الأمسِ في نفسي قبل أن تنسكِب على قاعي المُتقِّدة فتشتعل مِن جديد. تجوَّلتُ وبصري يرقى السّماء بانتِعاشٍ تارةً، وتارةً أخرى ينحطُّ زاحِفًا على الأرضيّةِ بخيبة... كُنت أمرُّ بجوارِ ساحةِ الأحصِنة المحصّنة، حينَما أدرَكني صوتُ وويونغ مِن دُبر.

" ما الّذي جعلكِ تستيقظين في مِثل هذا الوقتِ المُبكِّر، وأنتِ لم تكسَبي مفقوداتِ الأمس بعد؟. "

ورغمَ أنَّ لا نِيّةِ لديّ في تِجارةِ الأحاديثِ وإيّاهُ نبّشتُ عنه، فإذا بِه قائمٌ وبجوارِه فرسٌ سوداء، تُشبِه إلى حدِّ بعيدٍ خليلةَ بيكهيون. بمُجرَّد ما سقفتُ عينيه، كأرضٍ وسماء، تقهقرت قدماه بخُطوةٍ وهميّةٍ إلى الوراء، ووشى لِسانُه لي هيئَتي.

" يا إلَــهي، كأنَّ رياحًا عاتيةً عصفت بي للتوّ، وكادَت تذروني بعيدًا. ما الخطبُ مع مِزاجِك اليوم؟ لقدِ كُنت تُبلينَ بلاءً حسنًا البارِحة حتّى ظننتُ أنّكِ لن تنتكِسي مُجدّدًا، لا يُعقل أن تنقَلِبي إلى ابتِلاءٍ بينَ عشيةٍ وضُحاها؟. "

أمهلتُ مُقلتيّ قليلًا مِن الظَّلامِ ريثَما أُواري تبرُّمي، ثُمّ أنكَرت.

" أنا بخير، على الأقلِّ لستُ متضوّرةً للوحدة، حدَّ التِهامي لكُلِّ آدميّ قد يقربُني. "

أذاع ضِحكةً هازِئةً، على أعقابِها انطَلق ناحِية السِّياج، حيثُ لفلف لِجامَ الفرسِ لئلَّا تُفلِح في الفِرار متى ما خطَّطت له، وما أهمَلني.

" لاشكَّ وأنَّكِ لم تسألي المِرآةَ عن حالِك قبل انصِرافِك مِن المنزل، لو سألتِها لأرتكِ مدَى استِبداد الهالات السّوداء سُفلى عينيكِ..."

تزامُنًا وارتِكانِه إلى رصيفِ الصّمتِ أطرفَ إليّ ثانِيةً، ثُمَّ ما لبِث وأن قال:

" تبدينَ وكأنَّكِ مُصابةٌ بنوباتٍ عاطِفيّة، لطيفةٌ تارة، وعنيفة تارة أُخرى. "

وككُلٍّ آنٍ أوشِك فيه على الوقوع في شِراك الغير إذ تحبِكُه كلِماتُهم هزءًا، لُذت بوجهي إلى السَّماء، وشيَّدتُ الصّمت للحظات، لكِنِّي في غورِ الشُّرودِ هدمتُه

" الحياةُ مُشبعةٌ بالجراثيم، فكيف لن يمُسَّني السَّقم؟. "

استقطعتُ تأمُّلي للسَّماء بتنهيدة، وهبطتُ على أرضِه بعدَما سكَبتُ الحُسنَ على حالِي، والَّذي كان ينفذ في أترِبتي المُتشقِّقة سريعًا، بينَ شفةٍ تأبَى الالتِواء، وجفنٍ عاجِز عن إدراكِ قِمّتِه لتُشرِق مُقلتُه، كأنَّ أعمِدتَه قد تراخَت، وتداعت!.

" على أيّةِ حال، أليسَت هذِه فَرسَ بيكهيون؟. "

ردَمتُ الثَّغرةَ الّتي نشبَت في سطري بغتةً باعتِيادِيّة.

" أقصِد المالِك. "

رسَم ابتِسامةً عريضةً بينَما يحطّ كفَّه على ظهرِها.

" إنَّها كذلِك. "

اطّلَع على الساحَةِ المُكتظّةِ بالأحصِنة مُحتبرًا.

" أحدُ واجِباتي في هذِه المزرعة خِدمةُ الخُيول كُلّ صبيحة، وأظُنّه أكثَرها مُتعة. "

" أمَا قُلت أنَّها جامِحةٌ لا تنصاعُ إلّا لمالِكها؟. "

ورغمَ أنَّه التَمس التّشكيكَ في نسماتي الشفّافَة، تيسَّر عليه التِقاطُ عصابتِها وتنويرِها بحقيقةِ ما جرى، دونَ أن تتوعَّك ملامِحهُ لفظاظَتي.

" عانيتُ مع ' سكاي ' كثيرًا، لكِنَّها وبمُرور الوقتِ اعتادت على لمسَتي وما عادَت تهيجُ إذا ما اختلطتُ بِها، رغم ذلِك لا تزالُ مُشاكِسةً قليلًا، وكثيرةَ التذمُّر. "

وجَّه لها نظرةً مُعاتِبةً فتَّقت ذِهني، فانبعثت فيه التَّساؤُلات، وما بخلتُ في إحياءِ أحدِها.

" تتحدَّث وكأنَّها خليلتُك!. "

مالَ برأسِه شمالًا، وغرِقت ابتِسامتُه إلى أقاصيه.

" مُصاحَبة الحيوانات أكثَر نفعًا مِن مُصاحَبة البَشر، فلا كلِم بجيوبِهم ليُنفقوه ضِدّك يومَ تسنَحُ لهُم الفُرصة. "

انحنى صوبَ الدَّلو الذي ما لحظتُه ساكنًا على مسافةٍ هزيلةٍ مِن موطِئ قدميّ، والتَقط مِنه مِشطًا بُنيَّ اللَّون، لاحظتُ أنَّه ينضوي على أصنافٍ عِدّة، مُتباينةٌ أحجامُها، ولاشكَّ في أنَّها تخصُّ الخيول، فها هُو ذا يُداعِب رأسَ سكاي.

اعتقدتُ أنَّ الأمرَ مُمتع وغير شاقٍّ على قليلةِ خبرةٍ مِثلي، لذلِك اعتَزمتُ الانضِمام مهما كلَّفني الثَّمن، وما توانيتُ في طلبِه بكِبرياء.

" هل تحتاجُ إلى بعضِ المُساعَدة؟ لا شاغِل ليشغلني، الكُلّ نِيام."

أومَض بعينيه إلى الدَّلو مُرحِّبًا.

" يُمكِنُكِ تمشيط ظهرِها. "

غمستُ نظراتي بين الأغراضِ المُتراكِمةِ في الحاوِية، ثُمَّ انتقيتُ مِشطًا عريضًا بباطِنه وابلٌ مِن الشّفرات، وعلى سطحِه قنطرةٌ يثِبُ ساقاها على حافَّتيه، هُناك حيثُ اختبأت يدي، قبل أن أُداهِم جلدِ الفَرسِ الهانِئة برهبة.

في غضونِ ثوانٍ معدودة، انقشعت المَخاوِف الّتي كادَت تطفحُ على مُحيّاي لولا أنَّه امتَهنَ الإسرار، واستلطفتُ التَّجوالَ بينَ أصقاعِها السَّوداء الّتي سَطعت بشكلٍ مُضرٍّ للأعيُن، ما إن أصابَتها أشِعّةُ الشّمسِ.

انتَشَلني وويونغ مِن تركيزي حينَما خاطَبني بوديّة.

" تقومين بعملٍ جيِّد. "

بصعوبةٍ كمّدتُ جُرحَ الفخرِ الّذي صنَعه مديحُه في شفتيّ، مُقنِعةً نفسي أنَّه لا يستحِقّ الردَّ، فمعناهُ في قاموسِ روحي معدوم، وارتَحلتُ إلى الضفّةِ الأخرى للفرس، حتَّى يسعَ المِشط ما لم تبلغه يدي وأنا في بِقاعي السّابِقة.

في ظِلِّ صمتٍ حارِقٍ وبينَما أنا أترصَّد أن يُمطِر عليَّ كلمًا، مُذ أنَّه شخصٌ مُجازفٌ لا يهابُ الرَّفض؛ تمامًا كتشان زميلي في الثَّانوِيّة، افتَرستني ذِكرياتٌ حاربتُها حين شارَفت أن تقع كواقعٍ ملموسٍ بتجاهُلِه، اتّقاءَ شرّ يومٍ ينغزُني فيه الغياب، لأنّي أخشى التعلُّق؛ لقد تسرَّبت علاقتُنا بمجرَّد ما ثقَبت الحقيقةُ سدَّها الواهِن!.

وجدتُني ساهيةً أُفكِّر في مُستقبلِنا، أنا الّتي لطالَما تنصَّلتُ مِن 'نحنُ' كُلَّما لمَّنا بها سويًّا، أتساءَل عمّا إذا سيدوم صومُه عنِّي مُؤبّدًا، أم أنَّ مغرِب الشّوقِ سيحلُّ ذاتَ أمسيَة ويرغِمه على الإفطار، ومُحادَثتي... أحتاجُ إلى صديقٍ يُعبِّئ فراغي.

لم ترُقني الأفكار الّتي انبلجت بعقلي مُتغذّيةً على السُّكوت، سكوتٌ رطَّبته أناشيد الطُّيورِ أعلانا، وما مانعتُ صدَّها باللّجوءِ إلى وويونغ، إذ سألت:

"مُنذ متى وأنتَ تقطُن هذه المزَرعة؟."

بكُلِّ إسهابٍ روَى لي تاريخَه، وما تكاسَلت يدهُ في أدائِها.

" لقد وُلِدت وترعرعتُ هُنا؛ والِدتي اعتادَت على العَمل في المَطبخ، بعدَ وفاتِها كفَلتني جدَّتي، وهِي ذاتُها السيِّدة آهن، في قلبِها معزَّةٌ راسِخة للمزرَعة، وربَّما لصاحِبها المُتواري عن الأنظار معظم الوقت، لذلِك أبت الانتِقال. "

بيَن الحين والآخر كانَ يُقرِضُني مبلغًا مِن نظراتِه. حالَ احتِكاكِ لِسانِه بسيرةِ الجِنرال أصابَني الانقِباض، كاللّحظةِ الّتِي تسبِق الهُمود.

" هذا المكَان يكاد يُعَدّ منزِلي كما هُو منزلٌ لعديد مِن الخَدم، فالسيِّد لم يعُد يتردَّدُ عليه كثيرًا، حتَّى أنَّ الجميعَ تفاجأ لحظَة سمِع عن زِيارةٍ قريبةٍ له، إن لم أقُل ابتَهج، لأنَّ الروتين قد ابتَلعنا..."

على مرمًى مِن النّهاية هتَف بدراميّة.

" تخيّلي أن تتقاضي أجركِ على اللّاشيء!."

أعرضتُ عنه مدفوعةً بسُخفه، وأفرغتُ حُفنة أنفاسٍ فاضَت عن حِمل صدري، ثُمّ بينَ شفتيّ أعدمتُ كلِماتي فما صبا إليه سِوى أنينُها على شاكِلةِ وشوشة.

" ليسَ أمرًا يستَدعي الانزِعاجَ بالطَّبع، ليتَني كُنت مِن الطّاقَم!. "

حينَما ارتددتُ إليه على أُهبةٍ لتلقِّي المزيدِ مِنه، ناءَ ببصرِه إلى خصلاتِ سكاي الدّهماء، حيثُ جدَّفت يدُه، بدا مُفعمًا بالهمّ آنذاك.

" لقد تغيَّر كثيرًا بعدَما اهتزَّت علاقتُه بزوجتِه."

وهُنا ما اقتَدرتُ إلَّا أن أشقَّ جفنيّ على وسعِهما كأنّها مسألة حياةٍ أو موت، انتهزتُ الثَّغرة بينَ التِحامِ كلِماتِه لأصنَع إليه نفقًا، وزوَّرتُ الجَهل رغمَ أنَّ بعضَه مِن صلب الحقيقة، وما افتَضح اهتِمامِي هُو ميلانُ جسدِي إلى الأمامِ قليلًا.

" ما الّذي تقصِدُه؟. "

أخذَ نفسًا عميقًا، كأنَّه يحزمُ مُؤنَه للخوضِ في طريقٍ طويل.

" لقد كانا في الماضي زوجان يشعّان بالبهجة، ورغمَ صِغر سِنّي آنذاك، إلَّا أنّي لا أزالُ أذكُر ما اعترى عينيهما مِن سعادَة. بعدَ الحادِثة الّتي نهشت مِنه ذِراعه انقَطعا عن المجيء، سمِعت جدَّتي تقول أنَّ زوجَته واجَهت صعوبةً في تقبُّل ما حَلّ بِه، خالَ الجميعُ أنَّها ستهجُره، لكِن تبيَّن أنَّ المصلحة أوطَد مِن العلاقَة. "

طرَح ذراعاه على ظهرِ الحِصانِ وأمعَن النَّظر إليّ.

" أَخبرتني أنَّه لم يُسرَّ بوفودِها ليلةَ الأمس. "

في نُقطةِ النِّهاية دفَن علامَة استِفهام، راغبًا في أن أوفيه حقَّها، مُذ أنِّي شاهِدُ عيان، لكِنِّي تبرّأتُ مِن المعرِفة واستأنفتُ تمشيطَ ظهر الفَرس.

" لم يفتَح فمَه ببنتِ شفَة. "

كانَت سكاي النِّهايَة، إذ أنجَز كُلَّ العمَل قُبيلَ استيقاظي، وبعدَ أن ردَّ الدَّلوَ إلى مسقطِ رأسِه بالإسطبل اتَّجهنا إلى المنزِل سويًّا، بينَما يقصُّ عليَّ مُغامراتِه وهُو عامِلٌ هُنا، ويقُصُّ صبري الّذي خالَ أنَّه ثخينٌ بسببِ كثرةِ أسئِلتي سابِقًا.

اضطرِرنا إلى الانفِصال حيثُ زاغَ نحوَ البابِ الثَّاني للمطبَخ، مُتذرِّعًا بتَناوُله الإفطار مع بقيّةِ الخَدَم، في حينِ دببتُ أنا إلى غُرفة المعيشة الَّتي تحلَّت مائِدتُها بوجباتٍ لذيذَة، زاهيةِ الألوان، فسلّةُ الفاكِهة مُتمَركِزةٌ بالصَّدر، وحولَها الأطباق منضَّدةٌ على مدًى مِن كُلِّ كُرسيِّ مُنحازٍ إليها، ترسو عليها قِطعٌ مِن الخُبز المُحمَّص.

وها هي ذا السيِّدةُ آهِن تُقبلُ وبينَ يديها صينيّةٌ تحتلُّها كؤوس العصير القانِية، خمّنتُ أنَّه عصيرُ الفراوِلة مُذ أنَّها مُتوفِّرةٌ بكثرةٍ هُنا.

النَّفسُ الّذِي نِلتُه بالخارِج فرَّج عنِّي شيئًا مِن ضيقي، فانسلَّت كلِماتِي بطلاقة.

" صباحُ الخير."

ما إن رأتني حتَّى علا الاستِغراب تقاسيمِها الصّامِدة بوجهِ العُمر، كأنَّها أخذَت عنِّي انطِباعًا ما وقد محوتُه توًّا... لم تتردَّد في ردِّ التحِيَّة.

" صباحُ الخيرِ صغيرَتي. "

سحبتُ ذاتَ الكُرسيِّ الّذي احتضن آهاتي الصّامِتة بالأمسِ وربّتَ على ظهري، ثُمّ راقبتُها وهِي تُفرِغ حُمولَتها في محلَّاتِها بمُرونَة.

" أنتِ نشيطة اليوم، ظنَّنتُ أنَّ فتياتِ المدينة يُسرِفن في النَّوم أيّامَ العُطل. "

" لا أزالُ متمسِّكةً ببرنامَجِ نومي القديم، فالفاصِل بيني وبينَ المدرسةِ ينبري كُل يوم."

رَفعت رأسَها ليتسنَّى لها إحاطَتي بنظرِها.

" هذا ذكاءٌ مِنكِ. "

بعدَما أوثَبت كُلّ كأسٍ بجوارِ الصحون المُتفرِّقةِ كالحَرس، ذهَبت في رحلةٍ أخرى إلى المطبَخ لتَجلب المزيد، لأنَّ عَددها لم يكُن كافِيًا.

بينَما أنا جالِسةٌ وبصري مُستقلٌّ عنِّي، لمحتُ كائِنًا بحجمِ عُقلةِ الإصبع يتسلَّلُ على الحائِط قُبالَتي، حينئذٍ نغزني شيطانِي بشوكتِه الأسطوريَّة، وما امتَنعت بل واليتُ فكرتَه الجهنَّمية لعلِّي أشفي غليلي، فتُفتَح شهيَّتي الَّتي سدَّتها المدعُوَّة إن ها بالأمس.

لقفتُ المِمسحة الورقِيَّة المُستلقيةَ بمُحاذاةِ صحني، وهرعَتُ إلى موقِع الصّرصار، قبل أن يلوذَ بالفِرار، قبضتُ عليه وكفَّنته بداخِلها.

" مرحبًا يا صغيري، هُناك مهمَّة ترهيبٍ لا أحسَن مِنك في إنجازِها، لن تضيعَ حياتُك هباءً صدّقنني. "

دَنوتُ مِن المِنضدةِ بحذر، كهِرّةٍ تضعُ نُصبَ عينيها وليمةً محظورة، تلفَّت ذاتَ اليمين وذاتَ الشّمال أتحقّقُ أنَّ لا لحظَ قد يُمسِكُني بالجُرمِ المشهودِ ثُمَّ أفلتُّ الصّرصار بداخِل كأسِها؛ المرأةُ الَّتي لوَّثت وجدانَ الجِنرال وشوَّهت خلائِقها.

" فلتقُم بعملٍ جيِّد أيُّها الجُنديّ. "

حينَما نبَّأتني فوضى الخطواتِ عن مجيء زُملائِي، سِرتُ نحوَ مكانِي بتلكُّؤ. بحُلولِهم امتلأت ضِفافُ المائِدة وأهِلت، وهجَّرت جلــَبتُهم الصَّمتُ إلى أجلٍ غيرِ مُسَمَّى، لِكّني تمسَّكتُ بظِلِّه، في عِزّ هذا الانتِظار الحارّ.

بعدَ لحظاتٍ ثقيلة شارَفت إن ها على غُرفةِ المعيشة، حيثُ تثنَّت ساقاَها الرّشيقتان قُدمًا دافِعتان خصريها لأن يميلا بزُهوّ، تجهل أنِّي قد زرعتُ في كوبِها لُغمًا سينسف بشهيَّتها كما نسَف وجودُها بشهِيَّتي. راقبتُها بحِقد تخفَّى خلفَ ابتِسامة بريئة، أتمَنّى لو يُصيبُها ما أرمِي إليه، ولا يطرأ شيءٌ يُعيقُ حدوثَه، ليتَ الحظّ لا يدرِكُها!.

انثَنت في مقعِدها وراحَت تتظارَفُ مع الأطفال. عِندَما بلَغ الجِنرالُ مجمَعنا شرعَنا في تناوُل الطَّعام، ورغمَ انشِغالي بمُداواة سغبي الّذي تفاقَم لأنّي أهملتُه بالأمس، كُنت أتفقَّدُها مِن حينٍ إلى آخر بعينين مُكتحِلتين بالخُبث، تنُمَّان عن نواياي، حتَّى أنَّ بيكهيون قطَّب حاجبيه حينَما رصَدني أحدِّق بِها كالجوارِح، لكِنِّي تجاوزته.

ما كادَت أيدينا تحبر نِهايةً لهذه الوجبة، حتَّى دوى صُراخُ زوجتِه المذعورة، والَّتي أحسَّت بكُتلة تتخلّلُ شرابَها، فانتَشلتها طمعًا في معرِفةِ ماهيتِها، ليتَبيَّن لها بأنَّها صِرصار قذِر... أدَّى انتِفاضُها بهستيريّة إلى سقوطِ كُرسيِّها، وبالطّبعِ لم تتوانى في رميِه بعشوائيَّة.

" ما الخطبُ معكِ ابنَتي؟. "

سألت السيِّدة آهن بقلق، قبل أن تقَع نظراتُها على ألقت بِه للتوّ.

" يا إلــهي إنَّه صِرصار، كيفَ وصَل إلى هُنا؟. "

تزعزع تركيزَ الجميع، الجميعُ ما عداي، واكتفيتُ بنفثِ بسمةٍ شقيّةٍ استَثقلتُ حِملها، وتابَعتُ الأكل كأنَّ لا حادِث قد حدث. أدركتُ لاحِقًا أنّي لم أكُ الوحيدَة الّتي لم تُبالي؛ فحَتَّى بيكهيون ما حرَّك ساكِنًا طوالَ تذمُّرِها، في المُقابِل خصَّني بنظراتٍ مُشكِّكة، ربَّما لأنِّي وقعتُ في شِراكِ مُقلتيه قُبيلَ الحادِث بلحظات وبدوتُ كمَن يُضمِر سِرًّا عظيمًا، اكتفيتُ بهزِّ كتِفيّ مُتبرِّئة مِمَّا يقذِفُني به، ودهنتُ الخُبزَ بالمربَّى معصوبةً بالذِّكريات.

لم يُدم بقاؤُها طويلًا، إذ توارَت عن الأنظار ركضًا، لاشكّ وأنّها قصدَت الحَمَّام لتُنظِّف معِدتَها مِن القذارة الّتي احتَستها مُنذ هُنيهَة، واقتفت السيِّدةُ آهن آثارَها. صار الجوُّ خالِيًا مِن ذَوي العُقول الفقيهة، فإذا ببيكهيون يفاجِئني وهُو يطرُق على كتِفي بخفَّة، حينَما أقمتُ بصري عن طبَقي وأقعدتُه على مُحيَّاه الكتوم، أومأ لي أن أتبَعه.

شاهدتُه بسكونٍ وهُو يُناهزُ الدَّرج لئلَّا أُثير الشُّكوكَ، انعطَف شمالًا، ثُمّ توغَّل في الرِّواقِ المُعاكِس للرِّواق الّذي ينضَوي على حُجرته. سُرعان ما هذَّبتُ شفتَيّ بالمِمسحة وانتَهجتُ ذاتَ سبيلِه دونَ أن أومِض ورائِي؛ كانَ المضيقُ قصيرًا يُختَتَمُ ببابٍ خشبيِّ أصهب، اختَصرَ عليَّ البحث، حيثُ واربتُه وعبرتُ إلى جانِبه الآخر بتوجُّس.

تجسَّد في مجالِي مُحاصرًا برُفوف النّبيذ، ساعِداهُ معقودان إلى صدرِه، نظراتُه قد برَدَها البُرود، وفوهُ مُكتظٌّ بالتَّساؤُلات، تساؤُلاتٌ تأجَّلت جميعَ رحلاتِها إذ هببتُ عليه بحُضنٍ حميمٍ كمُهلِ الشّوقِ في جَحيمي، واعتِراف.

" اشتقتُ إليكَ، أشعُر وكأنَّ الزَّمن قد توعَّك ونهَش مِن عُمري سنينًا، مُتَداوِيًا بقهري. "

ظلَّ صامِتًا لكِنَّ ذراعاه تحدَّثتا بسخاءٍ حينَما تغمَّدتاني، واشتَكت زفرتُه المُتباطِئة كأنَّ على ظهرِها وطأةً مرارةَ الفُراقِ الّذي سُنَّ بحقِّنا، ما إن أبرمنا مِيثاقَ الوفاق.

حملتُ رأسي عن دِفء صدرِه لأحظى بنُزهةٍ في سماويه المُبهمتين، حينئذٍ تنامى إليَّ صوتُه ناعِسًا كالمساء، ناعِمًا كنسائِمه المُنعِشة.

" أيَّتُها الشَّيطان الصّغير، ألن تكُفّي عَن المُشاغَبة؟ ماذا لو افتضِح أمرُك؟. "

" سأخبِرهم أنِّي ولفرطِ ما أحببتُها، وددتُ لو أنسُج وإيّاها صداقةً وطيدة، وصبَّحتُ عليها بمقلب لا يطرأ إلّا بينَ المُقرّبين... أنا ماهِرةٌ في سترِ مشاعِري ورسمِ العكسِ على مُحيَّاي. "

شدَّ أنفِي بإبهامِه وسبّابتِه الآدميَّتين.

" لكِنَّ غيرتَكِ كانت واضحةً للغاية. "

تمَدَّدت المسافَةُ بينَ حاجبيَّ إذ باعدَ الاستِغرابُ بينَهُما.

" ولِم عليَّ طَمسُها؟ إنَّها الحقيقة. "

تعاضَدت أنامِلي وراءَ عُنقه، تصونُه في كنَفي، وما صدَّقتُ أنَّه تواطأ وإيَّاي ضِده، حيثُ انحازَت ذراعاه إلى وسَطي، ولمتّا شملَنا ببعضِنا، وبعدَ أن كفلتُ لَنا في الاختِناق نفسًا، وارَب الكلِم شفتيّ بأريحِيَّة.

" لقد شبَّت فيّ حرائقٌ نهِمة بالأمس نِتاجَ أُمِيَّتي فيك، كُلّ فِكرةٍ تخُطر لي تمضي مِن جوارِ صدري وبيدِها مِشعلٌ ما بخلت في رجمِي بِه دونَ رأفَة... عليكَ أن تكونَ مُخلِصًا لي لو أردتَ الحُصول عليّ، فأنا لا أُحبُّ المُشارَكة. "

ولأوَّل مرَّة تُزهِر ابتِسامةٌ صريحةٌ في شفتيه أمامي، رؤيتُها فجَّرت البَهجة بدواخِلي، لكِنِّي أديتُ العُبوس، بينَما أُعاتِبه.

" هل أعجَبك ما جعلتني أفعَله؟. "

تجلَّت بوادِر السَّهو على سحنتِه قبل أن يهذيَ بخيبة.

" أخِفتِ أن تُحيِيَ ليلةٌ بينَ جُدرانٍ ضيّقة حُبَّنا الميِّت؟ لو أنَّ الخلوة كانت مُقتدرةٌ لأتمَّت المهمَّة مُنذ سنين مُنصرمة، لكِنّ الرَّغبة لا تبعثُ الحبّ. "

أفرَغ صدرهٌ مِن زفرةٍ مسموعةٍ وحيدة، كفلت لهُ الاستِمرار في الإبحار بلا ندوب.

" سأُغادِر إلى سول بعدَ قليل. "

همَّ بالافتِراقِ عنِّي، وربَتت يداهُ على ساعِديّ ربتةَ وداعٍ أخيرة، غير أنِّي أُبتُ إلى ترائِبه أشتهي لو أندفِن بأعماقِه وأحيى في قرارِه المكين. لعلِّي ضممتُه إليَّ سلفًا كمُواساة له، لكِنِّي الآن أضُمّه لأجلي فقط، هِي بِضعةُ أيَّامٍ أمضيتُها فيهِ مرَّت كالومضةِ، تحزِمُ عُمرًا، فها أنا ذا أألفه رغمَ جهلي المُستمِرّ بمُنعَرجاتِه.

لم أشأ ربطَه بالبَقاء، إذ غدا نصلًا قادِرًا على إزهاقِ راحةِ كلينا، فأنا سألتقِطُ الغيرَة وأُعاني ضيقَها، وهُو سيرهقُه الغَضب.

" لن تختَفي كما تفعَلُ كُلَّما اجتبيتَ الغياب، أليسَ كذلِك؟. "

سرقتُ رأسي مِن حُضنه وجاهَرتُ بالنَّظر إليه.

" لأنَّكَ ورغمَ خسارتِك أمامي، تنهضُ مِن جديد عازِمًا أكثَر مِن ذي قبل على الثّأر، وتُقاتِل القُربَ بعيدًا عنِّي. "

" لا تقلَقي، سأقُاتِل هذه المرَّة فيكِ. "

لدمت أنفاسُه الآفلة وجهي، فأراقَت قواي وبتَرَت آخر أوتارِ وعيي، وفي هاوِيتيه غارَت حُروفي، وما أسعَفني النُّطق... لم يلزَم الحُدودَ حينَما رأى الشّوق وهُو موشكٌ على صرعِي، بل هدهدَ بإبهامِه على شفتي السُفلى هامِسًا.

" لقد مزّقت الحياةُ حِلفنا السّريريّ قبل أن يُعقَد، ولكِن لا تظُنِّي أنِّي قد نسيتُ عرضَك إلى عرضِك، الأيَّامُ بينَنا... صغيرَتي. "

اختَطف مِن عُقرِ شفتيّ إحدى بناتِهما خِلسة، دونَ أن يستأذِن، ودونَ أن يأذَن لي بردِّ الصّاع، دونَ أن ينذِرني لأُطارِحه النِّزاع، وأنصاع. كانَت لُثمتُه المُختَصرةُ مِثالًا حيًّا لقطرةٍ أفاضَت الكأس أو قشّةً قصمت ظهر البعير، إذ أفاضَت كأسَ رغبَتي حَدّ نضوبِ رمَقي وقصمت ظهرَ شوقي؛ لا أدرِي ما إذ كُنت الخائِرة، أم أنَّها الجبَّارة.

ثُمَّ انصَرم كالزَّمنِ وأبقاني على شفا حُفرةٍ مِن انتِظار، كالنَّار!.

-

يحدُث أن نشتعِل على إثرِ شرارةٍ غضضنا عنها الطَّرف، يومَ لمَحناها تومِض بوهنٍ عاجِزةً عن إصابةِ الثّبات، ظنَّا أنَّ لا حيلة لها أمامَنا، ولو بلَغت في الاستِطاعةِ نِصابَها وثارَت.

ويحدثُ أن تتمَرَّد علينَا دواخِلُنا، ويلتهِم بعضُنا بعضَه بقيادةِ دخيل لطالَما استخففنا بوجودِه، وعززنا عليهِ أخفضَ المنازِل، فيخلعُنا عن عرشِ التَّفكير ويستَولِيَ عليه بلا أدنى مُعاناة، ذلِك لأنَّا مَن مهَّدنا لهُ الطَّريقَ سهوًا، وعِوض أن نتكاثَف على قهرِه قهرنا أنفُسها لأجلِه، وربَّما هُو الّذي أتانا مِن دُبُر وفي آنِ ضعفٍ مُبينٍ ضرب، وغَلب!.

أدركتُ حينَما غابَ عن أُفقُي في مرأًى مِن الشَّمس، حازِمًا وإيَّاه أشتاتي السَّليمةِ، تارِكًا بصُحبَتي جوارِح سقيمة، أنِّي اشتعلتُ حدَّ التَّلاشي وأوليتُه أكثَر مِمَّا قسمتُه لهُ يومَ قرّرتُ احتِضانَه بسريرَتي، أدركتُ أنَّه خوَّض فُؤادي وتسرَّبَ في جسَدي.

ثُمّ خلَّفنِي كاليتِيمةِ الَّتي أنا عليها، توّاقة لفُتاتِ الاهتِمام الّذي يتدفَّق مِن عينيه كُلَّما ثقبتهُما الغفلة، جائِعةً إلى الدِّفء الَّذي ينتفِض مِن ثيابِه كُلَّما احتَرق صدرُه بي، تَركني للضَّجر الكامِن في دسائِس الزَّمن الأجوَف، ترَكني مُقيَّدةً فيه.

وما أنا آهِلةٌ مُهِلَّةٌ إلّا بِه!.

بإدبارِه ولَّيتُ الى أيام الخواء، وربَّما الخواءُ هُو الّذي ولَّى إلى أيَّامي وملأَها، فلا شيءَ مِمَّا فعلته بدونه قد يضاهي ما فعلتُه وأنا معَه، حتَّى قطاف الفَراوِلة الَّذي ما تبرَّأ مِن الصَّخب خابَ في إشعالِ حماسَتي، كذلِك مُحاولاتِ وويونغ في إدماجِي بالمرحِ باءَت بالفَشل، لم أكُ مُختلفةً عنِّي، بل كُنت ذاتي الكئيبة مِن قبلِه.

لكِنَّ فيناتِ اللّيل مرَّت بهُدوء، على غِرار ليلةِ الأمس الَّتي ما انفكَّك فيناتُها تَصليني بفحيحِها، كأنثى تمتهِن النّميمة، لأنِّه نوَّرَ رُكنَ مشاعِره المُبهمة لي، فرأيتُ وراءَ بابِ الاستِحالةِ الّذي خِلته لوهلةٍ مُمكنًا، جُثمانَ خيبةٍ يتنفَّس.

في مساء اليومِ السَّادِس لنَا هُنا، حزمنا حقائِبنا الَّتي ازدادَت وزنًا، إذ أهدت السيِّدةُ آهِن لكُلّ مِنّا عُلبةً مُتخمةً بالفراوِلة، وكُنَّا ممتنِّين لها.

لفرطِ الإنهاكِ غفِيَ مُعظمُنا في الحافِلة، وأنا مِن بينِهم. لم ينفلِق جفنيّ إلّا وصوتُ جيسي يُعلنُ عن وصولِنا إلى أرضِ الميتَم القِفار، حينَها لقفتُ حقيبَتي مِن الرفِّ الكامِن أعلى المقعد، ثُمّ شرعتُ في النُّزول، وفي آنٍ انزلقت خِلالهُ عدستيّ صوبَها أبصرتُها ترمُقني بازدِراءٍ شديد، قبل أن تفقأ فقّاعَة الصَّمت بجهامَة.

" فلتتَّجهي إلى مكتبِ المُدير، ثمَة مسألةٌ عاجِلة علينا مُناقشتُها. "

" عاجِلةٌ إلى أيّ بُعد؟ لقد وصلنا للتوّ، أنا مُرهقة ولن يسعَني احتِمال الاشتِباك وإيَّاه، أمِن غير الممكن تأجيلُها إلى الغد؟. "

بجفاءٍ ردَّت.

" حالًا!. "

تفادِيًا لتسطِير نِهايَة هذا اليومِ بمُشكلة انصعتُ لأمرِها، واتَّجهتُ إلى مكتبِ المُدير مع رِحالي، حيثُ وجدتُه ماثِلًا قُبالةَ النّافذة المُشرِفة على موقِف الحافِلة، كما لو أنَّه مُتطلّعٌ لعودتِنا مُنذ الأزل، جسدُه ساكِن، ويداهُ متّصِلتان مِن وراءِ ظهره.

ما إن نعت لهُ وشوشة خُطاي نبأ حُلول زائِر، حتَّى تلفَّت إليّ وبينَ أخاديدِ وجهِه المقيتة يختبِئ الاحتِقار مدجّجًا بابتِسامةٍ ماكِرة.

" إذًا فأنتِ تبيعين الهوى للجِنرال بيون بيكهيون، لهذا السَّبب نبتَ للسانِك أنيابٌ بالآوِنة الأخيرة، والعجيبُ أنَّكِ قد منَحتني أدلّةً حيَّة لكِنّي لم أهتدِ!. "

كان حاجِباي في نزاعٍ لاسِلكيّ، طوالَ خِطابِه المَحفوفِ بالمعانِي المُريبةِ، أتساءَل عمَّا ملأ رأسَه بسيرةِ بيكهيون ليقتادَني إليه بمُجرَّد نشوبِ وجودِي في المبنى، ويُفيضَها عليّ مرّةً أُخرى كأنَّه يشتهي إطفائِي في ميعادٍ يحتمِل التّأجيل.

تحرَّك قُدمًا بخُطواتٍ مُتَخاذِلة، كأنَّ الكلِم في جُعبتِه يُثقِله.

" لقد خِلتُ في بادِئ الأمرِ أنَّك تُحاولين إغاظَتي، كُلَّما استدرجتِه إليكِ وجاهَرتِ بقُربِكُما، أو ربَّما تنسُجين حُجّةً ثخينةً لعلَّها تحمِيكِ مِنّي. "

حينَما صبا قُربًا يستحيلُ اختِزالُه سكَن واسترسَل.

" الفتاةُ الّتي لطالما تبجَّحت بالعِفَّة والتَّحليّ بمكارِم الأخلاق أمام الجميع، والَّتي لطالَما نبذَتني لأنِّي أُهدِّد عرضها، تنازَلت عنه لرجلٍ بعُمرِ والِدها!. "

أشاحَ بوجهِه عنِّي لوهلة، ثُمَّ ردَّه إليَّ مشحونًا بالغَضب..

" لا أصدِّق أنَّ الحقيقةَ كانت نُصبَ عينيّ لكنّي غضضتُهما عنها، لقد كِدتُ أنخدِع بمسرحيَّة العذراءِ الَّتي برعتِ في أدائِها."

لا أزالُ مُشتَّتة الفِكر، عاجِزةً عن التِقاطِ مرامِه مِن هذا المحضَر، لذلِك قرّرتُ مُجاراتَه ريثَما يفتضِح ورمه، أو يُفصِح عن أمرِه.

" وما العاجِل بهذا الخُصوص إلى الحد الَّذي لا يحتمِل التَّأجيل؟ ليسَ ذنبي أنَّك رأيتَ ما اشتهيتَ رؤيتَك وجثمت على تشبُّثِك بخيطِ الوهم!. "

تضاربت سُيوفُ الغِلِّ في سمائِه، واحتَدم تشادُّ طواحِنه.

" لقد رأتكُما جيسي وأنتُما تتبادَلان القُبل كالعُشّاق في المزرَعة، أو كما قالت تلتَهِمان بعضكُما بينَما الجميعُ بانتِظاركما لأجلِ العشاء. "

وها هُو ذا يردِم نوافِذ الكذِب مِن حولي برَمادِ اليقين العامِي، أكاذيبُ نخرتُها في جدرانِي لعلِّي أتنفّسُ مِن خِلالِها بعضَ السّلام.

أودَعتُ حقيبَةَ سفري الأرضيَّة، وابتسمت بامتِعاض شفّاف.

" هذا فقط؟ بالنَّظرِ إلى ملامِحك العكِرة وعيناكَ العدائيّتان، ظننتُ أنَّك قد شهِدت على إحدى جرائِمِنا السَّريريّة، أو أحد بوادِرها!. "

هِي جريمةٌ لن يسمَح أيٌّ مِنّا بأن تكون وحيدة!.

لم ينبِس إلّا بكلمةٍ تغشاها الدَّهشة.

" ماذا؟. "

تعانقَ ساعِدايَ بحميميَّة، بينَما يسطو الجُمود على أطرافِه، غير آذنٍ لها بالرَّقص على أنغامِ السُّخط، وفرشت وجهي باللّامُبالاة.

" دعني أصحِّح لك، لستُ أبيعُه الهوى، بل أمنحُه إيّاه مجّانًا. "

نظَّفتُ حُنجُرتِي مِن غُصّةٍ هازِئةٍ تولَّدت بصدري، ثُمَّ ألبستُها كلِمًا.

" على الأقلّ ليسَ لديه كرش، أو خُصلاتٌ قد أحرقَها الشّيب، ولا أنفاسٌ كريهَة. "

لم يكُن الوقتُ مُلائِمًا لتصهَرني ذِكرى أنفاسِه وما عكسته مُقلتاه مِن وهنٍ آنذاكَ، لذلِك ردمتُها بطائلٍ مِن الاستِياءِ الزّائِف، بعضُه حقيقيّ.

" ثُمَّ ما همُّكَ أنت لتُجادِلني في شُؤونيَ الخاصَّة ؟ وما الّذي ترمِي إليهِ باستِدعائكَ لي ووضعِي أمامَ الحقيقة؟. "

لم يُفلِح في إخفاء الضّغينةِ الّتي طفحت على معالمِه، لاسيمَا فكّاه المُتنازِعان، كما لو أنَّه يعجِز عن الفضّ بينهُما. ليسَت قضيّةَ حُبّ، بل قضيَّة رجولة راحَت ضحِيّةَ غُروري، قضيّةٌ لا حقَّ لهُ فيها لأنَّه الَّذي تحدَّى المُستحيل، وما هُو بندٍّ له.

نزَح إلى الوراءِ بإنشٍ ولازَم جانِب الصّمتِ لوهلةٍ، ثُمّ ارتدَّ إليّ بضِعفه وخانَه قائِلًا:

" لأعلِمكِ أنَّ عصرَ مجدِك قد ولَّى وبليَت أعمِدتُه، لن يقوى على الصُّمود أكثَر بعدَ الآن، فمصيرُه بينَ يديَّ الآن. "

قادَني قُربُه مِنِّي إلى بسطِ كفِّي بوسعه على صدرِه والتّنفيسِ عنه.

" هُو أعلى مِن أن تمسَّه، فأنّى قد تُزعزِعُه؟. "

" وهل تخالينَ أنَّه سيظلُّ مُحافِظًا على مكانتِه لو شاعَت علاقتُكما، وزيَّن اسمُه الصَّفحات الأولى للجرائِد؟ بأحسنِ الأحوالِ سيُفجِّر حماه رأسَه!. "

حادَ شدقي عن مخدعِه مُمتلئًا بالسُّخرية.

" ألا يملأ فوكَ الواسِع بقدرٍ كافٍ مِن المال؟. "

وسَّع الزّاوِية بينَ ذقنِه وعُنقِه بغُرور.

" وما الضَّيرُ في الطَّمع إن كُنت سأكسِب المزيدَ مِن بيعي لقضيَّتِك؟ "

حينَما التمستُ مدى جِديّتِه، انقرضت السُّخرية مِن مُحيَّاي، كأنَّها حضارةٌ غارت في العدَم نِتيجَة سفاهَة أهلِها، ولا أنكِر أنِّي خشيتُ على بيكهيون رغمَ كُلّ جاهِه.

" أنصحُكَ ألَّا تعبَث معَه، فهُو بعيدٌ كلّ البُعد عن اللُّطف. "

أومَض إلى حقيبَتي والمكرُ يتلاطَم في فوهتيه.

" أمتِعتُك محزومةٌ بالفِعل، فلتُغادِري. "

" بكُلِّ سُرور. "

لم أتردَّد ولو لثانيةٍ في حسمِ موقِفي بالرَّحيل، فقد تعدّيتُ مُهلتي على أيَّة حال، وما كُنت لأحلُم بالتَّمديد لولا الجِنرال. بمُجرَّدِ ما شققتُ البابَ قابَلتني جيسي بنظراتٍ مُستغربة، فمُستنكِرة؛ لقد بدَت على أُهبةٍ للمُشارَكة في النِّقاش حينَما نبّأتني، مُذ أنَّها قرنت نفسَها بالمُدير، ولكِنَّه جرى بما لم تشتَه... وربَّما هِي المُتأخِّرة.

تخطّيتُها دونَ أن أنُفِق عليها كلِمة واحِدة، كانَ بإمكانِها التستُّر عليّ لعلمِها أنّ لا ملجأ لي، ولا حِجرٌ قد يستضيفُ رأسِي التّائِهة.

مِن المكتبِ التَهمَ البابُ هيئتِي وهضمَتها المسافة، مشيتُ بينَ الطُّرقاتِ الآهلة مُناورةً هدَفي، مخافةَ أن يُخيِّب آمالي؛ ففي أشدِّ المواقِف ضيقًا ما خَطر لي سِواه كمُنجد، رغم أنّي لا أمتلِكه ولو حِصّةً ضئيلةً مِنه، لأنِّي مُجرّدُ عابِر سبيلٍ تطفَّل على خيمتِه في يومٍ مُخضَّبٍ بالانكِسارات، وما مضى، ويومَ تندمِل سأفِلّ.

عابِرة السَّبيل هذِه تتمنَّى لو أنَّ بوِسعها استيطانَه، حتَّى تُفارِقها الحياة، أو أن يطول سبيلِها، فينتهِ تزامُنًا وعُبور الحياة لجسدِها!.

سيُدير لي بيكهيون ظهرهُ في طورٍ مِن الأطوار لا محالة، ولكِن ما دامَ في صُلِبه جذورٌ تربِطُني به فلَن يُفرِّط بي، يكفي أنَّه قد أصلَح شؤوني دون إنذارٍ سلفًا، أو ذلِك ما أملتُه حينَ سُقت خطواتِي إلى منزِله المُستقلّ!.

بسبّابةٍ مُتصلِّبةٍ قرعتُ الجَرس، وكِدتُ أتلاشَى عن الأنظار، لكِنِّي عِندما حسمتُ قراري بالرَّحيل مُشكّكةً في خَياري الأوَّل الَّذي اعتنقتُه على عجلٍ، طلَع لي مِن وراءِ الباب، مُسبَل الشَعر، مُنقبِض الحاجِبين، غائِم السَّحنة.

" لِم أنتِ هُنا؟. "

بتوجُّسٍ فركتُ أصابِعي المُلتوية حولَ مِقبض الحقيبة.

" لقد تركتُ الميتَم، هل يُمكنني البقاءُ معَك؟. "

ظلَّ بصرُه مُتشبِّثًا بجفنيَّ، لا يستبيحُ الحِياد عن محارِمهما، ما بثَّ الارتِباكَ بينَ قومِ فُؤادي، حتَّى آمنتُ أنَّه غيرُ مُرحِّب بهذِه الزِّيارة. في آنٍ محمومٍ بالشُّكوك تبنّيتُ الانسِحابَ بكرامةٍ على أن ينهَرَ مسألَتي، وتقهقرتُ إلى الوراءِ.

" لا عليكَ، سأُفتِّش عن نُزلٍ آخر ريثَما أستقِرّ، بإعادةِ النَّظر فإنِّ لديَّ بعضَ المعارِف مِمَّن سيحتفونَ بي لأمد."

قبل أن أنبس بخطوةٍ عضَّت أنامِله على مِعصمي، وجاشَ السًّخط في مُقلتيه.

" نُزلٌ مِن أيِّ نوع؟ ملهًى؟. "

دقَّت ذِكرى أوَّل اصطِدام حميم لنا عُنقي فانحطَّ وجهي بالأرض، وما قويتُ على الإدلاءِ بأيِّ ردٍّ يقهره، رغم أنِّي لم أُفكِّر قطُّ في الملهى.

سُرعان ما ساقَني إلى جوفِ منزِله، بِلا أن يُخبِرني أو يُنذِرني، فلا الإخبار ولا الإنذار مِن سِماتِ شخصِه الغامِض مِثل كانون، لأنَّه كالقَدر ليسَ لأحدٍ القُدرةُ على التنبُّؤ بمساراتِه أو مُنعرجاتِه، وكُلَّما خِلنا أنَّه استوى التوى.

حطَّت قدماي بصمتاهما على الأرض بتلكُّؤ، خوفًا مِن الآتي. لا يزالُ المكانُ مُرتّبًا وأنيقًا كمظهرِه، ينُمُّ عن عِدّة تفاصيل قد تُغفِلُها العينُ مِنه، عدا أنَّ بارَ المطبخ يستضيفُ صحنًا بِه أنقاضُ عشائِه الذَّي قاطعتُه. دون أن يُدلِيَ بكلمة توغَّل بداخِله، استلَّ مِن الرفِّ صحنًا، وملأه بالطعَّام، كأنَّه واثقٌ أنِّي قد جِئت خاوِية البَطن.

سفَكت في مُحيَّاه نظرةً أسقَمها الفُضول، لعلِّي أستطلِع ما يجولُ في خاطِره ولكِن عبثًا، إذ ولَّيت كما ذهبت. صمتُه أروَعُ مِن غضبِه، كضبابٍ ثخينٍ لا يُمكِن لأحدٍ معرِفةُ ما يثِب وراءَه، يَفرِض الحَذر، مُواجَهة المَعلومِ أيسَر مِن الالتِفاف حول نُقطةِ الوقوف، وترصُّد المجهول بلا أيِّ عتاد يدويّ، ولا ذخيرَة شفويَّة.

لقفتُ عيدانَ الطَّعام مُرتابةً مِن انعِدام أسئِلته رغمَ أنَّ الوضع يدعمُ العكس، ورُحت أتناولُه ببطء. في حين لاَزم هُو مكانِه مُحدِقًا بي... كان لنظري كالعقَبة، فكُلَّما خطوتُ بينَ معالِمه كِدت أغصّ باللّقم الَّتي تحشو فمي.

عِندما شارفتُ على تفريغِ طبقي تزحزح مِن مقامِه، وأقبَل عليّ بسحنةٍ كتومةٍ كسابِق عهدِها، غائِمةً كيومٍ خريفيّ، قد يُوافِق الأرصاد ويُمطِر، وقد يُخالِفها ويصبِر.

اتَّكأ على ظهرِ البار، وقرَن ساعِديه في مذبَحِ صدرِه على نغمِ خفقِه.

" والآن أخبِريني ما سببُ تركِك للميتَم فجأة؟. "

حبستُ نظراتي بالصَّحن، ولعِبتُ ببقاياه أُلهيني عنه، بينما أتقَن صوتي تزوير الصِّدق، بحيثُ شابَهه تمامًا، لعلَّه يقتنِع بما لفَّقته.

" لقد سئِمتُه وسئِمتُ آله اللَّذين لا شاغِل لمُدرّجات وقتهم سِواي، فالحياةُ واسِعة، مِن الإهدار سفكُها في رُقعةٍ خانِقة الحجم، مجرَّدةٍ مِن العاطِفة مِثل الميتَم. "

بزوالِ الحاجةِ إلى الاختِباء، اجترأتُ على مُواجَهته.

" لذلِك تركتُه. "

" في مِثل هذا الوقت!. "

أتمَّ جُملتي، كأنَّه يَدلُّني على الثَّغرةِ الَّتي لم آخذها بعينِ الاعتِبار حينَما مضيت، لم أعثُر على حيلةٍ تقيني مِن الفضيحة، وما تركَ لي مُتَّسعًا لأفعل.

" لأنَّك لازِلتِ مُبتدئةً في معرِفتي، سأعفو عنكِ مُحاولةَ استِغفالي لمرّةٍ أخيرة، فلا تُقدِمي على نسجِ الأكاذيب والتَّرويج لها أمامي. "

راوغتُ بيأس.

" لكِنَّ حياتَك كِذبة. "

غارَت عدستاه سُفلى جفنيه، قبل أن تتدافَع طواحِنه بعُنف.

" لسنا نُناقِش حياتي، بل حياتكِ المُثيرة للشّفقة. "

انساقتَ عينايَ والغُرور إلى يدِه المُغطَّاة بقفَّاز.

" ألا تظُنّ أنَّك المُثير للشّفقةِ هُنا، مُذ أنَّك تخشى حتَّى الخُروج بدونِ قفّازٍ يستُر ندبك، كأنَّكَ ستنتهي لو رآه أحدُهم؟ على الأقلِّ أنا لا أخجلُ بكوني يتيمة. "

أعرضتُ عنه بوجهي، ليس لأنِّي غيرُ راغبةٍ في رُؤيتِه خوفًا مِنه، أو لأنَّ لِسانَه قد خدَش شِغافي، بل لأنِّي أريد تغيير الموضوع.

سُرعان ما انحنى صوبي، مصطادًا ذقني بين سبّابتِه وإبهامِه... كانت الشّياطين ترقُص في سعيرِه الأزرق رقصةَ الهلاكِ الأخيرة.

" مينّي لا تمتحِني صبري، لنطوي صفحَة هذا اليومِ على وِفاق. "

شعرتُ بالعبراتِ تفتك بمآقيّ، حتَّى بعدما انحلَّت عُقدة لِساني.

" لقد اكتشف المُدير علاقتَنا وطرَدني، قال أنَّه سيفضحُ أمرَك لذلِك لم أتوانى عن الرَّحيل، ليسَ معقلًا يستحِقُّ المُحاربة لأجلِه على أيّةِ حال."

تطاحن فكَّاه، وامتلأت أوداجُه بالدِّماءِ إلى حدٍّ يُحابي الانفِجار، وتعثَّرت كلِماتُه بأنفاسِه المُتهدِّجة.

" العاهِر يُعلِن الحربَ عليّ؟ سأُريه. "

نهضتُ مِن الكُرسيِّ بهلع، ولطَمت ظهرَه بنظراتي.

" ما الَّذي تنويه فِعل؟. "

اقتفيتُه إلى غُرفة نومِه، هُناك حيثُ أفرَج عن أوّلِ دُرجٍ مِن أدراجِ مِنضدتِه، وأخرَج مِنه مُسدّسًا فضيَّ اللّون دسَّه بجيبِ سِروالِه اللّيليّ.

" كيفَ يجرُؤ على مُعارضَة أوامِري، والتَّفكير في تهديدي؟. "

" أجاشِّي. "

حاولتُ القبضَ على ذِراعه لكنَّه هرَّبها مِن موضِعها، ثُمَّ تمتَم وقد بلَغ فيه السُّخط أشُدَّه.

" إن لم أفجِّر رأسَه اللّيلة فلن يكون اسمي بيون بيكهيون. "

قُلت بنبرةٍ مُتباكِيَة خائِفةً مِمَّا ستؤول إليهِ الأمور.

" لهذا السَّبب أبيتُ إخبارَك عمَّا جرى، لا تُشعِرني بالنَّدم."

كادَ يُدرِك الرِّواق، ولو حدثَ أن عتَب الباب فإنَّ الأوان سيفوتُ على ردعِه.

و بينَما أنا مصلوبةٌ بينَ ندمٍ آنف وبينَ حيرةٍ موبوءَة، أنجبَ بالي خِطّة ربَّما تكونُ باليَة، لكِن لأنَّ البدائِل معدومة نفَّذتُها، حيثُ اعترضتُ طريقهُ وكمَّمتُ ثغرهُ بثغري، عسى أن يكونَ الثَّغرة الَّتي ستقودُني إليه، وتُمكِّنُني عليه.

انزلقت يداي على ضفَّتيّ عُنقِه، كانزِلاقِ الحريرِ على جسدِ حسناء، تحترِف الإغواء، ثُمّ توسَّدتا منكبيه، وهدهدتُ على المُنزوي في مهدِي خلفَ قُضبانِ قواطِعي بصمت، راجِيةً أن يغفوَ غضبُه، فيستيقِظَ مُستكينًا، ويحِلَّ عليّ كما أهوى.

استَدرجتُه إليَّ بلمساتٍ جريئة، حتَّى ابتَلع الطُّعم ووقَع في شِراكِي، مُتخبّطًا بينَ شفتيّ كأنَّه ينبشُ عن الهواءِ في الدُّخان بحُمق. لطالَما كانَ فيَّ الأرعَن الَّذي ينزِفُ كِبرياءَه لأجلِ وردَة، وها هُو ذا يحبسُني بينَ ذِراعيه الشَّديدتين بشغف، رغمَ أنَّ أشواكَي تُكلِّفه آهاتٍ خفيَّة، لأنِّي كالحياة، فحتَّى لو كسبَها، يظلُّ خاسِرًا في النِّهايَة.

سُرعان ما انفصَل عنِّي، وضغطَ فوهةَ المُسدَّس بقاعِ ذقنِي مُغمغِمًا.

" أنتِ... "

عندَما التًمستُ وهنَه الشَّديد أنزلتُ يدَه عن مُستواها، دون أدنى مُقاومةٍ مِنه، إذ سلسلته الرَّغبة فانهمَك في إغاثةِ نفسِه قبلَ أن تفترِسَها الحاجة المُدقِعة للوِصال، وها هِي ذا صورتي الغارِقة في مُحيطيه الفتَّانين تنصلي!.

تشاحَنت نظراتُنا الَّتي شحنَها القُرب بالوَلع، ولعٌ ذو عيارٍ قاتِل كفيل باختِراقِ فُؤادِه الصوّانِيّ وتهريبي إلى أعماقِه، ولم أكُ مُستعدّةً حينَما شفَه فمي بقُبلة مكينة، لذلِك تقهقرتُ إلى الخلفِ بخُطوة هزيلة، نزفت عِدّةً أخَرًا مِن أمثالِها.

أفلتَت يدُه المُسدَّسَ بُغيَة احتِضانِي نيابةً عنه، حيثُ عصبَت بالتَّعاوُن مع نظيرتِها خصريّ، كما عصبَ جفناي عينيّ، فاصطدمتُ بِترائِبه، كالكفيف الجاهِل بموضِع قدميه، وما يُبقِّع الأرضَيَّة مِن روادِع. تشبَّثت بقميصِه، عسى أن أحفظُ قامَتي مِن الانطِواء، لم أدرِ أنَّه قد ذراني نحوَ الحائِط إلّا حينَما سكَنتُ بلا حراك.

أردتُه بقدرِ ما يُريدُني، فباللَّيلةِ الَّتي عرَج عليَّ فيها ألِفتُه، وحينَ غادَرني كأنَّما أخلاني مِن نفسي، أو أنَّ أنفاسُه الضّائِعة اختطَفتها مِن فمِي!.

في زفيرهِ المبتُور الَّذي جرى مِن المنافِذ بينَ ثغرينا، كُلَّما حرَف الزّاوِية فِرارًا مِن صهدِ دواخِله وعيتُ أنِّي فيه حربٌ غاشِمة.

وفي غورِه استطعمتُ ثِمار اللّهفة الَّتي أثَقلت روحَه، فغدت كالعناقيد المُتدلِّية مِن العُرُش، كوردةٍ مُترعةٍ بالنَّدى انحنى عودُها وأقبَل على الأرضِ ليُقبِّلها، وكالهُمومِ إذ تدقُّ الكواهِل وتُحدِّبُ الظهران، مِثلي حينَما أمتلِئ به.

لطالَما تسارَع الزَّمنُ في كونِنا المُتوحِّد، حيثُ نتَّحد، فإذا بِه عجوزٌ يستثقِل حِمل عُمرِه!.

هُو الَّذي أخضَع الصَّمت ليُعبِّر وروَّض الكلِم ليضطجِع على وصيدِه طيّعًا مُطيعًا، ما عازَ خِطابًا لأفهَم، يكفيني أنَّ البريقَ الهادِيَ في مُقلتيه كالنُّجومِ الَّتي تدلُّ الرَّحالةَ إلى السَّبيل، حتَّى أنفاسُه المُتلعثِمَة لمسامِعي طليقة.

تغيَّظ توّاقًا للمزيد، كسعيرٍ جشعٍ لا يقنَع، مهما طعِم مِن أحطابٍ لا يشبَع. لم أعجَب حينَما حبَر لصدرِ البيتِ عجُزًا ما أتمَّ القصيد، بل ابتدأه، وكأنَّ نِصابَ الشَّغف فيه قد ثلَم سقفَه لثَّمَ فمِي باندفاع، وسقانِي كأسًا دِهاقًا بالعاطِفة.

اختطفت لمساتُه الواهِية مِنِّي آهات ثقيلة، وبثَّتني قُبلاتُه المسعورةُ في الجُنون أنثى لا تقومُ إلا بِه، لو أفلتَها لهوت كورقةِ الخريفِ الجافَّة على قارِعةِ الحِرمان، هُو العجول الَّذي لا يسوِّف، والدجَّالُ الَّذي لا يُخفِق في فتنِ عيني مهما بلغتُ مِن الإفلاس، الملاحُ الَّذي يمتهِن اصطِياد المنطِق في حوضي، والرَّجُل الَّذي لطالَما خدَش فُؤادي، كُلَّما طارَحني الرَّغبة ببطشِ الجبابِرة؛ أو بالأصحّ طيشِهم، سواء على ملاءةٍ ملموسة، أو في الخَواء حينَ تسكُنه نظراتُنا السّاخِنة، وأنا كشطٍّ كُتِب عليهِ الجُمود مهما عتا الموج!.

بدا وأنَّ هجيرَ الالتِحام قد رعَن وعيَه، حيثُ اندسَّ في مُنحدرِ عنقي مُنجِّمًا عن الاكتِفاء، لكِنَّه لم يُدرِكه. ما لبِث وأن حمَلني بذراعيه، وما تَرك لي حيلةً إلّا أن أُعيلَه عليّ، فعقدتُ قدميَّ حولَه، مُنصِتةً لفُتاتِ أنفاسِه المهضومة وآهاتِه المكظومَة، كان بينَ القُبلةِ والأخرى يجمِّع مِن الفلك ما يُبقيه على قيدِ الحياة في مضايِقي المُجرَّدةِ مِن الهواء.

تنهَّد، كلحظةٍ مُحاطةٍ بالويلات، لاستِجماعِ الشَّتات، كفاصِلٍ عقِب فقرةٍ بلا وقفات، وبينَما شفتاه تترنَّحانِ على وجهي بثمالةٍ تمتم:

" أُريدُك. "

حرّرتُ أزرارَه مِن أصفادِها، فجسدَه مِن زِنزانتِها، وتحسَّستُ ذراعَه الحالِكة بأريحِيَّة.

" كشفت لي يومَ أرهقك الصُّمود ورِدت الاستِظلال بي أنَّك تتداوى بالألم. "

مالَ عليَّ كما لو أنَّه مغيّب، فحُلت بينَه وبينَ نيلِ مُبتغاه بسبّابَتي.

" أرِني حقيقَتك. "

تشبَّثت أنامِله بمعصميّ، حيثُّ طرحتهُما فوقَ رأسي قائِلًا:

" سيِّدي. "

ردَّدت خلَفَه بانصياع.

" سيِّدي. "

-

شو رأيكم بالفصل!

اكثر جزء عجبكم وما عجبكم!

ميني!

بيكهيون!

وويونغ!

إن ها!

المدير!

لحتى ما تنصدمو بعدين ميني وبيكهيون مجانين اكثر من بعض اوكي؟ 😂

هل سيقبل بيكهيون ان تعيش ميني معه في الشقّة!

ما الذي سيحدث بينهما!

ما مصير مدير الميتم، وهل سيعفو عنه بيكهيون!

توقعاتكم للفصل القادم 😂👑

دمتم في رعاية اللّه وحفظه 🍀

Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro