بقلم نهال عبد الواحد

مرّت عليّ الخمسُ سنوات السّابقة كالدّهر من قسوتها بعد فقد أمّي؛ فلم تكن أمّي مجرد أمّ، لكنّها كانت لي كلّ شيءٍ ورغم صغر سنّي وقتئذ إلّا أنّي لا زلتُ أتذكّر كيف كانت تعاني مع مرضها العضال خاصةً عقب تلك الجلسات المسمومة المسماة بالعلاج الكيميائي، أتذكّر كيف كرهت الطّعام والشّراب، حتى الماء، تتألّم من كلّ شيءٍ وأي شيءٍ حتى ذبذبات الصّوت العالي، كانت تؤلمها حدّ البكاء!

لكن في الأخير قضت نحبها وغادرتنا إلى حياةٍ أفضل؛ فحتمًا مقدّرًا لها الخير الوفير الّذي لا تتحمّل الدّنيا سعته، فانقلبت حياتي رأسًا على عقب، ليس فقط بسبب ألم فراقها فحسب، بل توابعه أيضًا، عقب وفاتها مكثت معنا جدتي لأبي وكانت شديدة، حادّة
الطّباع عكس أمّي تمامًا، قمّة اللّطف والحنان.

فاجتمع عليّ وجع فراق أمّي وضيق العيش مع تحكّمات جدتي فكدتُ أُهلك قهرًا، لكن بعدها دفعت أبي ليتزوّج بأرملة عمّي الأكبر؛ فهو بحاجة إلى وجود  زوجة جواره وأمًّا بديلةً لي، وإن كان لا توجد أي امرأة في هذه الحياة تستطيع أن تحتلّ مكانها لديّ.

إضافةً إلى تربية أبناء عمّي بدلًا أن تتزوّج من رجلٍ غريب -حسب رؤيتها- كنتُ في المرحلة الثّانوية وحكمتني مشاعري أكثر، فلم أنكر استيائي من الأمر؛ كيف يتزوّج بأخرى بعد أمّي؟ أين ذهب كلّ هذا الحبّ بهذه السّهولة؟! أم هناك حسابات لا أعلمها؟!

لكن على أية حال فامرأة عمّي أفضل من جدتي في المعاملة، لكن اضطرّ أبي وقتئذ إلى ترك بيتنا لنحصل على بيتٍ أكبر، تراني حتى حُرمت من عيشي تحتضنُني ذكريات أمّي وطفولتي، وبعدها عادت امرأة أبي إلى عملها وأصبح وجودي بالبيت محرّمًا طوال اليوم لوجود ابنة عمّي، وهي في مثل سنّي، فاضطررتُ للعمل في محلٍ للبقالة جوار البيت بدلًا من التّسكّع في الطّرقات، لكن بمرور الوقت أُعطي لأبناء عمّي كلّ المميّزات حتى في اختيار الطّعام.

تألّمتُ أيّامًا وليالي ولا أجد مَن يسمعنّي أو يأبه لوجودي من الأساس حتى تفاجأتُ بأبي ذات يومٍ يخبرني أنّه اشترى لي الشّقّة المجاورة كي أبيت فيها وأمكث فيها معظم وقتي كما أشاء دون قيود أو اضطرار للتّسكّع حتى عودة أبي وامرأته من عملهما.

ورغم الوحدة الّتي أحياها إلّا أنّ وضعي أفضل من ذي قبل، فأخيرًا صرتُ حرًّا! لكن الغريب ما حدث على طول الأسابيع الماضية!

تُتبع...

Noonazad 💕💖💕