الفصل التاسع و الثلاثون
مساء الخير على قراء " الكسير " و محبي وسامي
استمتعوا بالفصل فالحروف ستنفذ قريبا
*
ندعي القوة
إلا أن القدر دائما له قوة و سلطة على ما سنقوم به و ما الذي ستؤول اليه نتائج أفعالنا
*
فيريا قررت و تمسكت بقرارها و في المقابل الدون بروفانزانو نفذ ما قاله
مرت ثلاثة أسابيع منذ غادرت المستشفى ، ثلاثة أسابيع لم يحاول رؤيتها أو حتى السؤال عنها
أصابتها تعاسة كبيرة و تدهورت صحتها النفسية كثيرا
و اليوم هاهي تتسلل خارج المنزل منذ الصباح الباكر
فقط حملت سترتها السوداء ، ارتدتها فوق كنزتها الصوفية مع بنطال جينز أزرق ضيق و حذاء رياضي و خصلات شعر مهملة
ضمت نفسها و سارت في الطريق ، ربما كان طويلا و لكنها فكرت طواله
فلم تشعر بنفسها إلا و هي تقف على بوابة قصر بروفانزانو المهجور
على العتبات تماما توقفت و لم تتمكن من مد مزيد من الخطوات حينها فقط وضعت كفيها داخل جيوب سترتها و تسللت دموعها من عينيها لتهمس بحرقة
" ملئني الوهم فبات وقتها كل شيء ممكن ، نسيت أن في القلب نار ما إن تشتعل لا يمكن اطفاءها و أنا الآن بت كسيرة مثله تماما فلا أستطيع التخلي عنه و عن حبه ولا التخلي عن ذكرى أبي "
وقتها توقفت سيارته بعيدا عندما لمحها على باب قصره المتهالك
لا يمكنه أن يقترب ، صحيح أن كل خطر و كل تهديد بات بعيدا كليا عنها و هي تحت جناح حمايته و لكن هي اختارت ما إن خيرها
مقهور قلبه منها ، اختار الحياة بحضنها عندما ناده الموت لينام أخيرا قرير العين و لكن هي سحبت أمانها و رمته مجددا وسط الدوامات الكبيرة
جعلته يفتح عينيه و يدرك أن رجلا مثله لن تليق به امرأة يضع قلبه بحضنها
شد على المقود مطولا ثم قرر المواجهة فليس هو من يهرب ، ليس هو من سيستسلم هذه المرة مع أن مفاتيح الانتصار في جيبه لوحده و لكنه لن يتوانى عن تنفيد الأمور بطريقته
نزل من السيارة ليقفل الباب ، وقف هناك ليشعل سجارة عندما أخرجها من العلبة التي أخرجها هي كذلك من جيب سترته ، ضمها بين أنامله نافثا دخناها و الأخرى سمعت الصوت و لكن لم تتجرأ على الالتفات فلعله وهم أتى به خيالها و شوقها له
و ذلك لم يكن خيالا و لا حتى شوقا فهاهو يقف بقربها محدقا بماضيه الذي أحرق
قرب السجارة منه و هي التفتت بجانبية فتلاعبت نسمات الهواء بخصلاتها عندها تكاثفت الدموع أكثر بعينيها و هو لم ينظر أبدا نحوها
رفعت كفها المرتجفة نحوه و قبل أن تلمسه هو التفت نحوها ، أبعد سجارته ثم نفخ دخانها بوجهها و هي سعلت جراء فعلته التي استفزتها و لوحت بكفها
" ما الذي تحاول فعله ؟ "
و هو لم يجب ، فقط رسم ابتسامة مستفزة على شفتيه ليرد
" أرى أنك عدت إلى هنا من جديد و نسيتي تعهدك حضرة المحامية و هذا سوف يوقعك في المشاكل "
عندها مسحت دموعها بقوة و دفعت صدره بكفها
" أنت حقير "
تراجع خطوة جراء دفعها له ليرد
" أدري "
" لئيم و رجل بائس "
هذه المرة صرخت ببكاء لتضرب من جديد صدره و هو فقط رمى سجارته ثم أمسك معصميها بقوة و جعلها خلف ظهرها مسيطرا عليها بتلك الحركة
حدق بعينيها و أنفاسها التي تحرك صدرها و كم اشتهى النوم بين أحضانها في هذه اللحظة و لكنه قرر و هو رجل عرف عنه ثبات قراراته و إن تراجع في بعضها ، و إن ضعف من قبل فهذه المرة لن يستسلم بسهولة
" جيد أنك تعرفين ما أنا عليه .... و الآن بامكانك حمل نفسك و المغادرة ، لن أمنحك مزيدا من الوقت فأنا لا أريد رؤيتك في صقلية كلها فيريا "
توسعت عينيها وشعرت أن قدميها أصابهما العجز جراء كلماته القوية و القاسية
توقعت كل شيء إلا أن يطردها من قلبه و من أمام ناظريه
تعتقد أنه قوي قاسي و لكن هو ليس سوى هش ، رجل فقد قوته أمام دقاتها الرقيقة فلا يريد أن تكون أمام ناظريه تسلب منه قرارته و قوته
تركها فكادت تقع أرضا لولا الجدار الذي كان خلفها فأسندت نفسها عليه ، نفت و الدموع نزلت و هو فقط رفع نظارته السوداء ، وضعها على عينيه حتى يتمكن أخيرا من اظهار حزنه و قهره
لقد أقسم الألم ألا يترك قلبه و هو تقبل قدره
يعتقد أن ألم الحب ليس مثل الآلام التي عانى منها سابقا
يعتقد أنه سيتمكن من العيش بدونها و طردها بعيدا عنه
مسيطر هو ولن يقبل أحدا أن يشاركه سيطرته و فيريا عكس جيمه
فجيمه كانت تلبي ما يُقال و ما لا يقال
أما فيريا فكل ما أرادته شيء واحد و هو قال لا
رفع كفه و رسم ابتسامة تزيد من ضعفها و قهرها ، تزيد من دموعها و عمق جرحها
" وداعا فيريا "
قالها ليلفتت و سار عائدا نحو سيارته حينها صرخت بقوة من خلفه
" لا يمكنك ..... "
توقف مكانه ، ليس بسبب صوتها و لكن بسبب رنة الألم الموجودة به
حسرة سكنت صدره و لكنه أبى السماح لها بعبور عتباته و هي سارت بتعثر و ضعف لتعود و تقف أمامه ، رفعت نظراتها نحو نظراته المختبئة لترد
" لا يمكنك قول الوداع بهذه البساطة "
" يمكنني لأنني لا أريدك .... "
فأجابته بتحدي
" و لكنك تحبني "
حينها عاد و رسم نفس البسمة ، عاد و طعن قلبها
" أن أحبك شيء و أن أريدك بحياتي شيء آخر "
حينها اقتربت أكثر لتحاول امساك سترته صارخة بقهر
" لا .... أن تحبني يعني أنك تريدني ، أن تهمس في أذني بكلمات الحب و الغزل يعني أنني تمكنت أخيرا الحصول على ما تبقى من حياتك "
" حياتي لم يبقى فيها الكثير "
حينها حدقت بعينيها الدامعة لتنفي لتهمس بضعف
" ماذا إن منحتك ما يربطك بالحياة ؟ "
" لا أريد .... فما ربطني بالحياة سابقا بات أهم نقاط ضعفي و موتي "
أبعد كفيها بقوة و قسوة و هي تهاوت ركبتيها لتسندهما على الأرض ، حدق بها من فوق ثم عاد لحمل خطواته و غادر نحو سيارته و قبل أن يصعد حدق بها و نفى ما كادت تقوله شفتيها
صعد ليقفل الباب بقوة ثم غادر مخلفا وراءه الغبار و هي أغمضت عينيها و خرجت دمعاتها لتضع كفها المرتجفة من جديد هذه المرة على بطنها و نفت
" يجب أن أعيد لك ما منحتني اياه "
*
الملك عندما يعود يرصف أمامه أحجار رقعته و يستمتع باسقاطها واحدا تلوى الآخر و هو دخل للمزرعة و بالتحديد بالخزنة التي جمع هو و أسلافه بها البيتسو لسنوات طويلة
جلس على المقعد ليرفع نظراته نحو من يعلق من ذراعيه و أثار العذاب بادية على وجهه و جسده كله ، أخذ وقتا طويلا و هو يحدق به ثم .......
أبعد سجارته ليرميها أرضا ، وقف ليدوس عليها و يقترب ممن يغمض عينيه تعبا مما فعل به و الآن حان الوقت ليأخذ منه عمره و بأبشع الطرق لربما النار التي بقلبه تخمد
سحب سلسلة ثقيلة و صوتها جعل من فاليريو المعلق يستيقظ من نومه المعذب و ما إن رأى السلسلة تثبت بقدمه حتى نفى مترجايا
" توقف ..... "
" اخرس "
بدون حتى أن يلتفت له قالها ثم سحب الثانية ليقيد بها قدمه من الجهة الثانية ثم عاد ليجلس في مقعده و ضغط على زر تحكم لآلة تسحب السلسلة ببطء مما يسبب حربا نفسية لمن يربط بها
زاد من سرعة السحب و ما إن انتهت السلسلة حتى سمع صراخ فاليريو و الدون أغمض عينيه ليميل رأسه ، وقتها عاد و تذكر صراخ جيمه عبر الهاتف فضغط أكثر على الزر و فاليريو زاد صراخه ليفتح الآخر عينيه التي باتت مليئة بالحقد و الشر
رفع رأسه و تحدث بهدوء عكس فاليريو
" هل اعتقدت أنني سأنسى صرخات جيمه ؟ ترجيات أبي و أمي ، دموع ابني و خوفه أو حتى دمائه ؟ .... أختي و ابنتها البريأتين ؟ "
" أتركني بروفانزانو .... فك قيدي "
حينها رمى جهاز التحكم و استقام ليسحبه حتى نزل عنده ليمسك فكّه بشدة و غضب محدقا بعينيه
" تعتدي على زوجتي و تقتلها ، تقتل كل عائلتي ثم تأتي بكل وقاحة و تقول صديقي .... أخبرني فقط هل أنت ساذج أو واثق حد الغرور ؟ هل تراني غبي لهذه الدرجة ألا تعرف من أكون ؟ "
وقتها أطراف فاليريو كانت تتمزق عظلاتها ، حدق الدون حوله و بكل تلك النقود التي لا تزال مرصوفة على الرفوف حوله ثم بسخرية ابتسم ليكمل و الغضب يؤجج داخله
" أم تراه البيتسو الذي لم تهتدي اليه ؟ "
" أقتلني بروفانزانو "
قالها فاليريو بينما يحدق بعينيه و الآخر ابتسم و نفى
" الموت رحمة لك الآن "
شد أكثر على فكه ثم تركه ، أخذ جهاز التحكم مرة أخرى و ضغط فاشتدت السلاسل أكثر و تعالى صراخ فاليريو من جديد و هو غادر الغرفة ليشير نحو أحد رجاله
" أدخل الكلب الآن "
نفذ الآخر بسرعة و سيلفانو الذي كان يقف بعيدا استمر بتحديقاته ، مرّ من جانبه الدون بدون أن يحدثه عندها نفى سيلفانو و تبعه ثم قبل أن يفتح باب السيارة تحدث من خلفه
" هل صحيح أنك طردت فيريا من صقلية ؟ "
حينها فقط شد على مقبض الباب ثم التفت له ليميل رأسه
" لا تتدخل أنت "
" سوف أتدخل "
قالها سيلفانو بينما يقترب منه ليقف أمامه
" حياة الفتاة ليست لعبة تشانيول "
" خيرتها و هي اختارت "
" و لكن هناك ما سيجعلها تتراجع ..... أنت نفسك قضيت على أي فرصة لتنفذ قرارها و خيارها فلما تعنتك هذا ؟ "
حينها ابتسم بسخرية و اقترب ليضرب صدره بظهر كفه
" خطأها أنها اختارت ما يقف ندا لي و الغفران ممنوع "
تركه خلفه ثم فتح الباب ليصعد و لكن قبل أن يقفل الباب سيلفانو أمسك به ليلقي بحضنه ما حاول كبته
" فيريا حامل "
سكنت حركات الآخر كما سكنت دقاته و شعر بالدموع تملأ عينيه ، أغمضهما بسرعة يخفي ضعفه حينها سمع صوت فاني الضاحك و رأى صورته بينما يركض الى حضنه و لكنه فقط عاد يفتح عينيه و أقفل الباب بقوة ثم شغل المحرك و غادر يقود بطريقة جنونية مخلفا فقط الغبار خلفه
فتراجع سيلفانو خطوتين و همس بقهر
" الحياة تريدك يا صاحبي "
*
في منزل والدة فيريا و في غرفتها تحديدا جلست على الأريكة و مقابلا لها على السرير حقيبتها كانت مفتوحة و عليها جواز سفرها و بطاقة الطائرة و لكن أمامها على الطاولة كانت تضع اختبار الحمل ، تضم كفيها و تحدق فيه بتوهان
لقد طردها و لكن إن أخبرته هل سيتقبل وجوده ؟
حينها امتلأت عينيها بالدموع لتخفظ كفها و تضعها على بطنها لتهمس بقهر و ألم
" و لكنه لا يريدنا معا "
لم تكد تخرج باقي أناتها و آهاتها حتى فتح باب الغرفة بقوة و هي استقامت بتفاجأ لتجده أمامها عينيه تستعر غضبا و والدتها من خلفه وصلت تتنفس بتعب و كم كانت تبدو غاضبة من الاثنين
ترك مقبض الباب ما إن رأى ذلك الجهاز الصغير على الطاولة أمامها ليهمس
" ما الذي تحاولين فعله ؟ "
و لكنها حدقت بوالدتها خلفها لتطلب منها المغادرة
" أمي هلا تركتنا لوحدنا ؟ "
حينها على مضض تراجعت والدتها لتقفل الباب و هو تقدم بخطوات غاضبة ثم حمل الاختبار و رفعه بوجهها ليصرخ بغضب بدأ يتحرر رويدا رويدا
" قلت ما الذي تحاولين فعله ؟ "
حينها بكل هدوء ردت
" لا أحاول فعل شيء .... إنه قدرنا "
" لن أسمح للقدر أن يسير بي بطرق تأدي للضعف بعد الآن "
حينها بشك و ألم تساءلت
" ما الذي يعنيه كلامك ؟ "
" إن كنت حاملا سوف تجهضين "
فنفت هي راسمة بسمة شقاء و ألم بعينين زادت بهما الدموع
" أنت تمزح .... "
" لن يتكرر ما حدث في الماضي "
" و أنا لن أسمح لك أن تقتل ابني "
حينها سحبها اليه بقوة ليمسك بفكها بقسوة ، أحرقتها نظراته الغاضبة ثم أجابها بتحدي
" أنا من منحته الحياة و أنا من سأجنبه ألمها "
ربما كلماته قاسية و لكن إن تبحرت في معانيها سوف تدرك أن ما يقوم به هو محاولة لحمايته
و هي رغم الألم الذي تسببه لها كفه إلا أنها وضعت كفها برقة على وجنته و همست
" أنا أفهمك ..... أقسم أنني أفهمك "
لكن نظرة الحزن و الضعف سيطرت عليه لينفي
" أنت لم تفهميني يوما كما فعلتْ جيمه "
قالها و دفعها بغلظة عنه و هي تمسكت بكفه لثبت وقفتها و أبت بعدها تركه
" لقد قررت أن أترك انتقامي "
و هو نفى
" قراركِ كان متأخرا .... "
فتمسكت به أكثر ، خاطبت عينيه فعلا و نبست
" أرجوك .... سوف أرحل و لكن لا تأخذه مني "
و هو لحظتها شعر بعجز كبير شعر أنه بين مطرقة الحياة و سندان القدر فأبعد كفها عنه و التفت يوليها ظهره حينها سمح لدمعته بالنزول ، لم يبكه شيء فكان يبكي دموع بصمت عندما يتخذن ركن الحياة الهادئ و لكن الآن ، هو تحررت جميع مشاعره لأنه في النهاية انسان و عليه أن يشكي ضعفه و قهره
" فاني سرق مني .... قتل في لحظة غباء مني ، صرخ و بكى هو و والدته و أنا رغم قوتي و جبروتي وقتها لم أستطع فعل شيء لهما ، لقد قتلتُ بموتهما و موت جميع عائلتي و أنت الآن تريدين قتلي من جديد ، أنت تريدين تعذيبه و جلبه لهذه الحياة اللعينة "
صراخ الغضب كان جليا في آخر كلامه و هي أدركت أن من أمامها ليس سوى رجل أنهكته الحياة بخططها و لعبها القذرة ، أدركت أنه ليس وقت العناد بقدر ما هو وقت فتح الأحضان ، إنه يحتاج لحضن و كف تربت على ظهره ، إنه يحتاج للأمان الذي وجده في صدر جيمه وحدها
اقتربت منه من الخلف و بحذر و خوف من صدها هي ضمته و لكنه كان ضعيفا في تلك اللحظة
تمسكت به لتسند رأسها على ظهره ثم همست له
" لنتخلى عن الماضي ..... لنترك كل شيء وراءنا سيدي الدون "
و هو فتح عينيه لينفي ، لا يمكنه ترك الماضي يذهب في حال سبيله ، لا قوانينه و مبادئه تسمح له و لحتى شرفه و كبرياءه يسمح له
" لا يمكنني "
قالها ليبعد كفيها عنه ثم غادر بعدها بدون أن يقول ما يريح قلبها و هي فقط وقفت بضعف ، وقفت و شدت على كفها لتهمس ببكاء
" في النهاية اختار الماضي يا جيمه ، الماضي الذي سرق حياتك و لا زال يفعل ذلك معي "
*
ربما لم يختر الماضي كما اعتقدت لأن هناك حسابات تعلقنا بالماضي و اذا لم نصفيها امتد سواد الماضي للحاضر و خربه
قد يكون الدون تغير منذ دبت فيريا خطواتها بقلبه و لكن هو لن يشرح كل ما سيقوم به
وقف بعد أن توسط القمر على طرف التلة محدقا بالصخور الموجودة تحتها و التي حفرت عليها أمواج البحر الكثير من الأسرار ، كان يضع كفيه بجيوب سترته السوداء بينما يحدق أمامه و من خلفه توقفت سيارة ليسلط ضوءها عليه و لكنه لم يكلف عناء الالتفات فهو يعلم من سيأتي اليه
نزل جامبينو ، أو ابن المدعي جينوفيسي الذي عاش متخفي وراء اسم جامبينو هربا من أفعال والده ثم هربا من انتقام و غدر فاليريو به و لكن الدون بروفانزانو وجده و جعله بين يديه
أقفل الباب و تقدم ليقف خلفه بينما يحمل مغلفا أصفر كبير الحجم و تحدث
" دون بروفانزانو "
حينها التفت له تشانيول الذي رمقه بنظرات باردة و الآخر قرب منه الظرف
" لقد تمت الصفقة بين الكوزا نوسترا و الحكومة الايطالية "
رسم ابتسامة سخرية جانبية ليأخذ الظرف منه ثم حدق به
" اذا كل شيء أصبح بيدي الآن ؟ "
حينها الآخر تنهد
" للأسف ...... كل شيء بات بيدك من جديد "
حرك رأسه بايماءة ثم شد على المغلف و سار ليتجاوز جامبينو و الآخر حدق به ثم التفت يحدق نحو البحر واضعا كفيه بجيوب بنطاله غير راض على ما تم إلا أن الدون توقف ملتفتا للآخر
" بالمناسبة جينوفيسي "
التفت هذا الأخير منزعجا بسبب الاسم الذي ناداه به و لكن بسرعة عينيه توسعت عندما رأى المسدس موجه نحوه
" كنتَ محق فأنا لا أنسى كما لا أعاقب من ليس لهم ذنب و لكن من أذنب سوف ينال جزاءه و لو طال الانتظار "
نفى الآخر متراجعا نحو الخلف و لكن أين المهرب ؟
" انتظرني في الجحيم "
قالها و أطلق رصاصة التي استقرت بقلب جينوفيسي و الذي تراجع للخلف أكثر ليسقط و الدون بروفانزانو التفت و بكل برود سار نحو سيارته التي كان يوقفها بعيدا قليلا
هناك حسابات لا يجب تصفيتها إلا في الدقائق الأخيرة ، إنه يأكل انتقامه باردا للغاية و لكن هناك طعم به يجعله غير مستساغ ، طعم الحياة التي تفتح له ذراعيها من جديد و هو من فقد كل ثقته بها
غادر الدون بروفانزانو ذلك المكان ذاهبا نحو المكان التالي و عندما وصل ركض اليه أحد رجاله الذي تحدث بسرعة
" سيدي الدون سيلفاتوري يحتضر "
حينها ترك الباب مفتوحا و ركض نحو غرفة البيتسو ليدفع الباب و لكنه نفى و ركض اليه هو من كان ملقى على الأرض ، دنى ليمسك بثيابه و نفى
" لم أنتهي منك يا حقير ..... "
إلا أن الآخر ابتسم ليرد بثقل
" سأنتظرك في ..... الجحيم حتى ..... نصفي ما بيننا "
" و الجحيم درجات سيلفاتوري ..... "
قالها ليستقيم ثم أخرج مسدسه ، وجهه نحو رأسه و الآخر أغمض عينيه منتظرا رصاصة الرحمة و لكنه في آخر لحظة نبس
" خطأك أنك لم تقتلني و سجنتني فقط "
" نفس خطأك "
قالها و غير وجهة المسدس لتكون نحو المكان بين فخذيه ثم أطلق بدون أن يتوقف حتى نفذت جميع الرصاصت التي كانت بمشط المسدس حينها ترك المسدس ليقع بقرب جثة سيلفاتوري
تنفس بقوة محدقا به مطولا ، تراجعت خطوته للخلف وغادر المكان و عندما وصل بقرب السيارة توقف محدقا بالمكان ثم نفى و صعد ليمسك بالمقود و يهمس
" كم تمنيت أن أسكن رصاصة رحمة برأسي و آتيك يا جيمه "
*
أحيانا حتى الوداع يكون كثيرا على أرواحنا
ربما كلمات غير مقصودة و رد فعل متسرع يرسم مستقبلا بائسا
سحبت حقيبتها بعدما نزلت من السيارة و والدتها وقفت مختلطة المشاعر
غاضبة منها لأنها رمت بعاداتهم و تقاليدهم عرض الحائط فقد حملت من دون زواج ، و بسبب رجل تتركها وحيدة و تغادر ، تهرب منه و تهرب من الكل
أما سيلفانو فقد نفى و اقترب فاتحا ذراعيه لها و هي تركت ذراع حقيبها ، لجأت لحضنه مغمضة عينيها متمسكة بسترته لتهمس بنبرة البكاء
" أخبره ألا يبحث عنا لاحقا "
" فيريا "
" هو من عملني مبدأ الفرصة الواحدة "
قالتها لتبتعد و هو حدق بها بينما يشعر بالمرارة من أجل صديق عمره و هذه الفتاة التي يرى بتصرفاتها و حركاتها زوجته التي تسكن أيامه و قلبه
تركته ملتفتة لوالدتها التي ما وجدت سوى أن تفتح لها حضنها و تضمها ، أغمضت فيريا عينيها مستشعرة آخر لمسة حنان منها
" فيريا "
" أنا آسفة يا أمي "
" يجب أن تكوني كذلك ..... "
ابتسمت لتفتح عينيها و تسللت دموعها لتبتعد عنها لكن بقت متمسكة بكفيها ، شدت بقوة عليهما و أمها بعد تنهد و دموع هربت من عينيها نبست
" كوني بخير مع جنينيك فيريا ، احمي نفسك و احميه جيدا يا ابنتي فنحن لا ندري إن كان لدينا مزيدا من الأعداء "
أومأت ثم عادت لتضمها من جديد و سيلفانو تحدث بعد أن أخرج ضيقه على شكل تنهيدة
" هل أنت متأكدة أنك لا تريدين أن نأتي معك للداخل ؟ "
" أكره الوداع .... "
ابتسم ببؤس نافيا ترهاتها و هي عادت ملامحها لتظهر الحزن و الأسى
" أخبره أن فيريا "
قالتها لتتوقف ، حاولت ابتلاع ألمها و تصفية صوتها من البكاء مكملة
" أحبته و لن تتوقف عن حبه حتى لو جعل القدر طرقنا تتقاطع و تفترق ..... أخبره أنها ستظل تحبه كما كانت تفعل من قبل "
حينها نفى سيلفانو
" لا تذهبِ فأنت وحدك من عدت و ربطته بالحياة "
إلا أن الدمعة نزلت و هي نفت
" إنه الدون يا سيلفانو .... إنه الرجل الذي اذا قال كلمة نفذها "
رفعت كفها و مسحت دموعها من وجنتيها بظهرها لتلتفت ساحبة حقيبتها خلفها حينها والدتها نفت و بكت بحرقة عليها فاقترب منها سيلفانو و ضمها مهدئا اياها
وقفا هناك لوقت طويل بعد دخولها و عندما فقدا الأمل بعودتها و مرت من فوقهما الطائرة المتوجهة نحو انجلترا والدتها نفت تربت على كف سيلفانو التي تمسك بها
" فيريا لن تعود "
أومأ هو و صعدا للسيارة حتى يعيدها لمنزلها و لكن ما إن شغل المحرك حتى توقف مقابلا له الدون بروفانزانو
نزل بسرعة من سيارته مقتربا من السيارة بطريقة تظهر كم هو غاضب فنزل سيلفانو كذلك و واجهه بنظراته
وقف مقابلا له محدقا بوالدتها في السيارة ثم أعاد نظراته له
" أين فيريا و ابني ؟ "
حينها نفى سيلفانو و ابتسم بسخرية ليجيبه بتهكم و غضب حقا
" أنت لا تصدق يا رجل "
إلا أن الآخر صرخ في وجهه بقلة صبر
" سيلفانو "
حينها ضرب سيلفانو صدره بكفه ، فوق قلبه تماما
" لقد رحلت ، رحلا و طلبت أن أخبرك أنها لا تريدك أن تبحث عنها "
أغمض عينيه و شد على كفه بندم ليطأطأ رأسه بضعف و سيلفانو عاد يستقل سيارته و غادر بينما هو بقي يقف هناك و كأن الزمن عاد به لتلك اللحظة التي وقف بها أمام جيمه ، بل أمام جثتها و شعر بالندم على عدم قوله لكلمة ، كلمة واحدة كانت سوف تزهر في قلب تلك المرأة
و هذه المرة ارتكب ذات الخطأ ، سمح لمن يحبهم بالرحيل بدون حتى وداع
فهل حتى الوداع كثير على قلب رجُلٍ كسير ؟
نهاية الفصل التاسع و الثلاثون من
" الكسير "
إلى أن نلتقي مع تبقى من حكايتنا كونوا بخير أعزائي
سلام
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro