Chào các bạn! Vì nhiều lý do từ nay Truyen2U chính thức đổi tên là Truyen247.Pro. Mong các bạn tiếp tục ủng hộ truy cập tên miền mới này nhé! Mãi yêu... ♥

الرواية كاملة قبل التعديل

كما يقول العنوان، وضعت هنا جميع فصول الرواية كاملة قبل التعديل، ولكن حذاري الأحداث تغيّرت لذا النهاية ليست نفسها.

للتذكير العنوان القديم كان (شريط)

***★****★***
١

تسمّرت إيڤلي في الشرفة تراقب عودة والدها بعد سفر دام لأيام عدة، فتاة غنجة ومدللة كإيڤلي لن تحتمل غيابه لنهار لكنها وعدته أن تتصرف بنضج هذه المرة

شاهدت تلك السيارة السوداء اللامعة تدخل باب القصر و تُركن في مكانها المناسب فاِبرورقت عينيها لتنزل السلالم باِستعجال و تركض متجهة لوالدها الذي خرج من السيارة للتو

فتح ذلك العجوز ذراعيه لترتمي إليه وتحتضنه بقوة قائلة "افتقدتك كثيراً كثيراً!"

تبسم بجانبية ليربت على ظهرها و يصرح "افتقدتكِ أكثر صغيرتي… لهذا جلبت لكِ هدية غريبة هذه المرة لكنها ستعجبكِ بلا شك" فصل العناق لينظر للرجل الطويل الذي خلفه متابعاً "أليس كذلك إيڤار؟"

أومأ ليمرر له العلبة المغلفة التي نسيها بالسيار فتحدث باسماً "شكراً لك لجلبها"

إيڤلي لم تلحظ هذا المدعو إيڤار في البداية، ،لم يكن مألوفاً لها فزمت شفاهها تنظر لهذا الدخيل من رأسه حتى أخمض قدميه وهي تخفي في سرّها بعض الإنزعاج فهي كالعادة تكره جميع معارف والدها لأنهم يرون أنها نقطة ضعفه و الفوز بوِدّها يعني الفوز بوِدّه

امتلك أعين ذهبية و نظرات باردة و شبح ابتسامة

فتحدث والدها مقاطعاً مشاحنات النظرات بينهما "إيڤلي أعرفكِ على ضيفنا إيڤار و هو في الحقيقة يعرفكِ مسبقاً"

تقدم إليها و مد يده قائلاً "سعدت لرؤيتكِ آنسة إيڤلي، في البداية ظننتكِ فتاة صغيرة حسب أقاويل والدك لكني الآن أرى أمامي آنسة يافعة"

أخَذَت نظرة خاطفة على والدها فأشار برأسه نحو إيڤار بتبسم لتتنهد و تتجاهل كلامه الوقح و تبادله المصافحة

بدى لها كمشكلة كبيرة مع ثقته الكبيرة بنفسه و وقاحته ووجهه الحاد الملامح، و يبدو أنه سيمضي وقت طويل باستضافتهم فهي لاحظت أن الخدم ينقلون الكثير من الحقائب للداخل

وضع الوالد يده على كتف إيڤار ليتفوه "تفضل للداخل، إعتبره بيتك و احصل على بعض الراحة الخدم سيوجهونك لجناحك"

أحنى ذو الأعين الذهبية رأسه بأدب ليتجه للداخل تاركاً إياهما لتلتفت إيڤلي لوالدها سريعاً هامسة "من هذا!؟ لمَ سيظل ببيتنا"

نظر لها مطولاً ليجيب "صغيرتي، نحن نعمل معاً الآن، أنا أعرف هذا الرجل جيداً و لو لم يكن كذلك لما كنت استضفته… لن يزعجكِ وجوده أعدك"

نظرت لمدخل المنزل لتراه يتحدث مع الخادم فتأففت قائلة "كم سيبقى؟"

"شهر" ما إن تفوه والدها بالإجابة اتسعت عينيها فضحك بخفوت متابعاً "ألا تريدين رؤية هديتك؟"

نظرت للعلبة التي في يده لتبتسم بعرضة و تتلفظ "يا إلهي! لقد جلبته حقاً!!"

أومأ وهو يضع العلبة بين يديها لتقفز و تقبل وجنته قائلة "أنت الأفضل دائماً!"
سارت معه للداخل حيث غرفة المعيشة لتركض سريعاً نحو الطاولة و تقوم بفتح العلبة ليتضح أنه شريط و مُشغل خاص به و سماعات

شهقت بسعادة لتصرخ "إنه رائع!"، صحيح أنها مدللة ولكنها ليست كجميع مدللي العالم بل هي تحب الأشياء القديمة المتجددة تماماً كهذا الشريط

"يبدو أن الآنسة الصغيرة سعيدة" تحدث إيڤار بإطلالته الجديدة بقميصه الأبيض بينما ينزل السلالم لتنظر له بغيظ

أما هو فاكتفى بابتسامة باردة وجلس على الأريكة المجاورة فتجاهلته مجدداً ووضعت الشريط في المشغل

ليبدأ اللحن الطويل وتلحقه الأغنية "بعيداً بعيداً خذيه… فأنا لست ممن تخافيه… أنا قدركِ السرمدي… الأبدي الأبدي… يا ذات القلب الرقيق ليس كل من ترينه رفيق… اِحذري مَن ستلتقين فقد يكون غُراب بلا جناحين… أو ربما وحش كاسر بلا أنياب… أو مجرد شخص طويل الغياب… لكن ظهوره عذاب… و الأرواح منه تهاب… فأعيني تخونني… و تسقطني و تهلكني فالإجابة بين يديكِ…… وكل ما تريدين سيأتي إليكِ…"

استمرت الأغنية لتعض إيڤلي شفاهها السفلية
و لم تلحظ والدها الذي يراقب ردة فعلها التي تدل على السعادة

نهضت تصرخ مشيرة للشريط "هذا أفضل شيء مخيف مدهش إبداعي سمعته!!"

حملت أغراضها الجديدة بحماس لتركض متجهة لغرفتها على السلالم بعفوية غير آبهة لوجود غريب في المكان

فأشاح إيڤار بوجهه للناحية المعاكسة للوالد فاسودت مقلتيه تماماً فأطبق على جفنيه لسماعه يتحدث "أخبرتك أنها لطيفة"

عاد اللون الطبيعي لعينيه ليجيب وهو ينظر له بثبات "لكني أجدها تتصرف بعدوانية تجاهي… ربما لن تعتاد عليّ سريعاً كما توقعت"

تنهد العجوز ليتفوه "لا تضغط عليها… إنها معتادة على العاطفة و الدلال"

"و من قال أنها ستُحرم منهما؟" تفوه وهو ينظر للطريق الذي صعدت منه إيڤلي لغرفتها…

***★****★***

يوم جديد وتمنت إيڤلي أن يكون به ما يستحق الإستيقاظ، خرجت من غرفتها بشعر مبعثر ومنامة وردية بينما تفرك عينها اليسرى كالعادة

صرح إيڤار متبسماً ليجذب انتباهها "صباح الخير آنسة إيڤلي"

نظرت له بنعاس ولم تكن لديها الطاقة لإجابته لكنها تمالكت نفسها عن دفعه خارج المنزل والتخلص منه لذا تجاهلته ونزلت السلالم ببطء ما جعله يستغرب أمرها فقد لاحظ اِمتعاضها منه منذ الأمس

اِتجهت إيڤلي للمطبخ لتلقي التحيات على الطاهية والخدم وحينها ذكرتها إحداهن أن الليلة ستكون مميزة
فصعدت إلى مكتب والدها ليون الهادئ لتجد ذو الأعين الذهبية جالس أمام طاولته لتدحرج عينيها

لاحظت أن والدها يراقب تصرفاتها فتحدثت "صباح الخير أبي"

أعاد أنظاره على الأوراق التي في يديه ليجيب "صباح الخير"

ازدردت ريقها واِحمرت أذنيها لتتحدث بتردد "أكاديا قادمة اليوم لتأخذني لرؤية الألعاب النارية_ يمكنني الذهاب معها؟"

نظر لها مطولاً ليتفوه "في ذلك الوقت؟ سيكون هناك الكثير من الناس السيئين هناك خصوصاً في الليل، لكنت ذهبت معكِ لولا أني لا أستطيع إفساد وقت نومي"

قوست شفاهها بعفوية لتصرح "أبي أرجوك! إنها نهاية السنة جميع الناس يخرجون في ذلك الوقت!"

"إيڤلي لا تزعجيني، لن تكوني بخير هناك"

نظر إيڤار باِهتمام نحوها، فهذه فرصة جيدة ليصلح العلاقة بينهما لأنه مدرك تماماً أنها تكرهه، ليتلفظ "يمكنني الذهاب معها، ستكون بخير برفقتي"

اِتسعت عينا إيڤلي المحدقتان به فقد أقحم نفسه بشؤون لا تخصه فتمنت أن يرفض والدها ذهابها حقاً هذه المرة

تنهد ليون قائلاً "لا تتعب نفسك"

تبسم الآخر بجانبية ليتلفظ "ستكون فرصة جيدة أن أكتشف بعض شوارع هذه المدينة، والآنسة إيڤلي ستكون دليلي السياحي صحيح؟"

أعطته نظرة حانقة فرفع حاجبه منتظراً إجابة ليون فتنهد قائلاً "إذا كان كذلك… فيمكنكما الذهاب ولكن إحرص على أن تعودا باكراً"

ضمت إيڤلي ذراعيها لصدرها لتتحدث بشيء من الحزن "شكراً" هذا ما قالته قاصدة والدها فهي تجد صعوبة بنطق إسم هذا الرجل المتطفل في شيء يعبر عن الاِمتنان، لتترك الغرفة وتباشر بإخبار صديقتها أكاديا عما حدث

***★****★***

همست آكي بينما تسير برفقة إيڤلي في الطريق "ذكريني من يكون هذا الذي خلفنا"

ألقت نظرة خاطفة على إيڤار الذي يمشي ببطء ويلتفت بأنظاره في كل مكان مرتدياً معطف أسود من الجلد لتجيب "يدعى إيڤار وهو ضيف عندنا لفترة"

رفعت آكي زاوية شفاهها لتستطرد "إنه مخيف"

تنهدت إيڤلي لتصرح "فقط من الجيد أنه لا يرتدي لباسه الرسمي المعتاد، لبدى كحارس شخصي"

وصلوا للشارع الموعود فخرجت تلك الشرارة الحمراء مرتفعة بالسماء حتى اِنفجرت وتطايرت متوسعة بألوان مضيئة عدة تجذب كل الناظرين، شهقت إيڤلي لتشير للسماء صارخة "هذا رائع! قومي بتصويره بسرعة آكي"

رجَّحَت إيڤلي أن نصف هؤلاء الناس المجتمعين في هذا الشارع هم من مرت عليهم هذه السنة بسيئاتها، لكنها كانت جيدة بالنسبة لها

إيڤار كان واقف بحذوها، يراقبها حرفياً بملامح متمللة خصوصاً وجهها السعيد الملامح وعينيها الملتمعتان

قضت ساعة كاملة وهي تصرخ مع آكي بسعادة في كل مرة تنفجر فيها الألعاب النارية غير آبهة لوجوده تماماً، إلى أن اِكتفتا من المشاهدة وابتعدتا عن الضجيج وهو يلحقهما من بعيد بصمت

توقفت إيڤلي عن السير قائلة "نسيت إخبارك! أبي جلب لي شيء رائع! مهلاً إنه في حقيبتي سأريكِ إياه"

أخرجت الشريط من حقيبتها الجانبية طويلة الأذرع لتمده إليها، أمسكته آكي بينما تتفحص به باِبتسامة واسعة فهي تشاركها نفس الاِهتمامات فهمست "الأبديّ" أعادته لها فرفعت صوتها متابعة "إنه فعلاً رائع! ماذا تقول الأغنية!؟"

حركت شفاهها مستعدة للإجابة ليقاطعها أيڤار بقوله "لقد تأخر الوقت، يمكننا العودة للمنزل الآن كما قال والدك صحيح؟"

اِستدارت إليه بنظرات مغتاظة كالعادة لتتلفظ "أبي لا يمانع بقضاء نصف ساعة إضافية… شخص مزعج" قالت كلماتها الأخيرة بصوت خافت بدون تفكير وأعادت أنظارها على صديقتها

فقاطعها مجدداً بإمساكه لمعصمها وإحداث سوار أحمر حوله بسبب العنف لكن دون قصد ليستطرد بشيء من الغضب "إيڤلي! لا تقومي بأشياء كهذه لإغاظتي! سنعود للمنزل الآن بدون أي مشاكل"

لفظ إسمها بدون رسميات هذه المرة، وهذا ما أغضبها فنظرت له لتتحدث بصوت مرتفع "كيف تجرؤ! أبعد يدك عني!"

صرحت آكي "إيڤلي لا بأس عودي للبيت!"

تلفظت بغضب "لا لن أعود! ليس هو من يملي علي الأوامر" اِشتد بإمساكه لمعصمها أكثر بعد الكلام الذي قالته لتتأوه فصرخت أكاديا محاولة سحب يده عنها "دعها ستكسر يدها!"

أفلت معصمها من قبضته لتقوم بدعكه بتألم ودموعها واقفة على حافة عينيها لتنظر له بغضب وشفاهها ترتجف
تقهقرت قليلاً لتسيل أولى دمعاتها رغم أنها حاولت جاهدة ألا تبكي فقامت بمسحها بعنف  لتستدير وتركض بنفور مما يحدث

توقفت إيڤلي عن الركض على الرصيف ونظرت خلفها لتتحقق ما إذا كان يطاردها فاِتسعت عينيها و اِشتدت خفقاتها  لرؤيتها للشريط متكسر على الأرض و السيارات تمر من جانبه

ركضت إليه لتجثو قربه وتقوم بحمله عن الأرض برفق كي لا تبعثره وقطرات دموعها تسقط حوله فسمعت صوت بوق سيارة من خلفها يطالب صاحبها أن تبتعد عن الطريق

اِبتلعت ريقها دون حركة لتشهق متمتمة "كان هذا هدية من أبي…" نهضت لتسير نحو الرصيف وهي تنظر له بأعين باكية

فسمعت من يتحدث من خلفها "كُسِر؟"

اِستدارت نحوه لتجده إيڤار ينظر مباشرة لوجهها، لكنها لم تتمكن من الرد فكل ما تستطيع إخراجه من بين شهقاتها هو الأنفاس

أخذ نظرة خاطفة على ما بين يديها فتابع حديثه البارد "يمكن إصلاحه… رأيت متجر قريب من هنا يختص بهذه الأشياء… إتبعيني"

سار أمامها واضعاً كلتا يديه في جيباه فتبعته بصمت بعدما توقفت عن البكاء، بعض الإمتنان اِنتابها ولكنها مازالت غاضبة منه خصوصاً أن معصمها مازال يؤلمها

وصلا للمتجر المضيء ذاك فقام بفتح بوابته الزجاجية قائلاً "تفضلي"، نظرت للداخل وكان بالفعل مكان يختص بكل الأشياء التي تُصدر أو تسجل الأصوات

ودخلت بخطوات هادئة لترى شاب ذو شعر أحمر يقوم بتنظيف الغبار عن آلات التسجيل في الرفوف العلوية وآخر واقف خلف الطاولة وفورما رآهما تحدث بدون مقدمات "أيمكنكِ أن تضعي الشريط على الطاولة؟"

أومأت سريعاً وأفرغت يدها على طاولته لتمسح الدموع التي وصلت لرقبتها فتابع هو بصوت مرتفع قاصداً ذو الشعر الأحمر "كيڤن، إجلب الماء للآنسة"

جلب لها الماء بكوب قابل لإعادة التدوير لتشرب سريعاً وترميه في سلة المهملات، لعقت شفاهها بتوتر فتحدث كيڤن "لا تقلقي، الشريط سليم، فقط سنستبدل الغلاف البلاستيكي"

إيڤار كان واقفاً بصمت ينتظر لحظة خروجهما ليجذب العامل اِنتباه إيڤلي بكلامه "أنهيت، عاد كما كان"

أخذت الشريط بلهفة لتتفوه "شكراً جزيلاً، كم تريد؟"

وقبل أن تأخذ جوابها وضع إيڤار بعض المال على طاولته ليتلفظ "شكراً مجدداً"، وضع يده خلف كتفيها بخفة ليحثها على السير معه للعودة ففعلت دون معارضة بينما تتفحص الشريط خاصتها مجدداً لتتنهد براحة وتعاود وضعه في الحقيبة بحذر

رفعت رأسها تنظر له محاولة تجميع كلماتها لترطب شفاهها بطرف لسانها وتصرح "… أشكرك سيدي"

نظر نحو معصمها ذو الرضوض الطفيفة فأمسك به مجدداً ورفعه ليقبله بخفة مجيباً بشبح ابتسامة "نادني إيڤار"

سحبت معصمها سريعاً لتقوم بدعكه والاِستعجال بمشيها بأذنين محمرتين…

لم يبديا أي رد فعل خلال السير، إلى أن وصلا للمنزل حيث أن جميع الأنوار كانت خامدة سوى غرفة المعيشة فكان ليون والد إيڤلي جالس يقلب ببعض الأوراق

نظر لهما بخطفة ليتلفظ "أهلاً بكما... هل اِستمعتما بوقتكما؟"

أومأت إيڤلي بأذنين محمرتين مضيفة "أجل"

صعدت غرفتها دون توديعات ثم أخذت حماماً سريعاً لتخرج وترتمي على سريرها وتلتحف جيداً بشعر مبلول
مر بعض الوقت في تلك الغرفة الساكنة المظلمة فسمعت إيڤلي صوت همسات تردد بإسمها رغم أنها نصف نائمة

"إيڤلي..." الأصوات بدت بعيدة، تساءلت بنفسها إن كان هذا حلم أم أنها لم تنم بعد
لكن على ما يبدو أنها مستيقظة فهي مازالت تشعر بالسرير أسفلها واللحاف فوقها لكن لا تستطيع فتح عينيها

فجأة شعرت بلمسة حادة على عنقها لتتسارع أنفاسها وخفقاتها فحاولت الحراك أو الصراخ لكنها فشلت فركزت مسامعها على المكان جيداً وعنقها مازالت تشعر بذلك الشيء الحاد المدبب عليها

ضربت وجهها أنفاس حارة جعلت من دمها يتوقف عن الجريام فسمعت همس مجهول المصدر يقول "أخبري إيڤار... أني سأسلب تلك الروح التي في جسده... وروحكِ تلحقها"

ولكن من يكون هذا الشخص وماذا يريد منها، لمَ يقوم بتهديدها وما علاقته بإيڤار، لم تعلم أي من هذا وأخيراً شعرت أن الغرفة فرغت وتمكنت من التحرك

لتفتح عينيها ولم تجد سوى الظلمة ولم تسمع شيء غير خفقاتها المضطربة فنهضت بسرعة تركض خارج هذه الغرفة المشؤومة وتغلق الباب سريعاً لتسير بالرواق بهدف الوصول نحو الأسفل وهي تنظر خلفها كل لحظة بفكر مشوش

فرأت إيڤار يخرج من غرفته لتتوقف عن السير وتنظر له مراقبة تصرفاته العادية، اِبتلعت ريقها لتخلل أصابعها بشعرها وتستمر بالنزول ودخول المطبخ

جلست على المنضدة الصغيرة المستديرة وهي تحاول تنظيم أنفاسها وأفكارها لتجد إيڤار يدخل ولم يبدِ أي فِعل غريب غير أنه يبدو معتاد على هذا البيت ويتصرف فيه بشكل عادي كأنه من مالكيه
أخرج زجاجة ماء من الثلاجة لينظر نحو إيڤلي التي تراقبه فصرح "أأنتِ بخير؟"

أشاحت بوجهها عنه فطقطق بلسانه ليسكب الماء في كوبين فأخذ أحدهما بكفه ووضع الآخر أمامها لتنظر له مجدداً فتابع بثبات "تبدين شاحبة لذا اِشربي"

تريد أن تخبره عما حدث بشدة ولكن لا تستطيع، ماذا لو سخر منها أو نعتها بالمجنونة، ماذا لو لم يصدقها وماذا لو كان كل الأمر مقلب أو دعابة، لهذا كتمت ما حدث وتجرعت من كوبها مدركة تماماً أن ذو الأعين الذهبية يحدق فيها

تحدث لتنصت جيداً "يبدو أنكِ تعانين من الكوابيس..."

اِزدردت ريقها مُركِّزة أنظارها على الكوب قائلة "لا... كل شيء بخير"

همهم ليجلس أمامها ويستطرد "أهناك شيء تريدين إخباري عنه؟"

نهضت لتجيب بنبرة يتخللها الإرتجاف "لا..." وصعدت غرفتها مجدداً فلا اِختيار آخر تملكه غيرها، أضاءت الغرفة فمن المستحيل أن تتمكن من الصمود فيها بالظلمة واِرتمت على سريرها لتضع السماعات وتبدأ أغنية الأبدي بصوت منخفض

وهكذا تمكنت من النوم دون أن تفكر بشيء غير الأغنية

***★****★***

لم يكن الصباح سيء مثل الليلة الفائتة، لم يكن هناك غير إيڤار وليون على الإفطار وبالطبع إيڤلي التي تعبث بالطعام

ضاقت ذرعاً من الهدوء ونهضت متجهة لإحدى الغرف في الأعلى، لاحظ والدها طبقها الذي لم تأكل منه شيء لكنه يعلم أنها بمزاج سيء لهذا لم يتحدث عن الأمر

تنهدت إيڤلي ودخلت تلك الغرفة التي لم تقم بزيارتها منذ أسبوع، ذلك البيانو الأسود الكبير في وسط الغرفة هو ما تحتاجه حالياً

جلست ورفعت عن المفاتيح لتبتسم بجانبية لتتمتم "الأبدي مرة أخرى"
وأخذت تعزف موسيقى تلك الأغنية التي لن تكف عن حبها

لم تلحظ إيڤار الذي يقف قرب الباب ويستمع، فأنهت العزف لتزفر أنفاسها وهي تحدق بما أمامها وكل ما يدور في رأسها هو الكلام الذي سمعته عن إيڤار في الأمس لتجده يجلس بجانبها بكل ثقة ويعزف اللحن من جديد

نظرت له بحاجبين معقودين فوجدته يبتسم بينما يعزف لتتأفف وتنهض لكنه سحبها من يدها لتجلس مجدداً فصرحت بغضب "ماذا تريد!؟"

"إعزفي" تحدث بنبرة هادئة فنظرت ليديه السريعتين لتدحرج عينيها قائلة "أنت سريع لكنك تعزف بشكل خاطئ"

همهم ليتوقف وينظر نحوها قائلاً "إذاً علِّميني"

لم تسمع السخرية أو الإساءة في نبرته فحولت أنظارها على المفاتيح لتتلفظ "حسناً أنت لست سيء لتلك الدرجة... هناك بعض الأشياء التي فوّتها... ربما بسبب السرعة، حاول مجدداً لكن بهدوء"

تبسم بجانبية لتأخذ أصابعه تنقر المفاتيح فاستطردت إيڤلي "أرأيت هكذا أفضل... قم بزيادة سرعتك قليلاً"

ثم أكمل العزف حتى النهاية لينظر نحو إيڤلي ليجدها تصفق له بخفوت قائلة "أهنئك"

تبسم بجانبية ليأخذ كفها ويقبله ليتفوه "شكراً آنستي الصغيرة"، خرج من الغرفة وبقيت إيڤلي مكانها تفرك يدها فتمتمت " إنه رجل مخيف"

"منذ متى ترينني مخيفاً؟" تحدث من خلفها لتزم شفاهها بإحراج وتدير جذعها لتجده واقف قرب الباب ينتظر إجابتها بملامح باردة

حمحمت لتتحدث بصوت خافت "لا أبداً... أحياناً أقول أشياء ليس لها معنى"

تنفس الصعداء ليسأل "آنسة إيڤلي... أهناك شيء تريدين إخباري عنه؟"

نهضت لتسير نحو الباب قائلة "لا أبداً... لا تستمر بقول هذا السؤال... هذا مزعج" قالت ذلك والشكوك تدور في رأسها فها هو يسألها للمرة الثانية، هل يعلم ما حدث بالأمس؟

ربما لا، وصوت الرجل لم يكن صوته أبداً فإيڤلي تجيد التفريق بين النبرات وهي متأكدة أنه لم يكن هو

ومتأكدة تماماً أن وراء هذا الإيڤار كارثة كبيرة ستظهر قريباً خصوصاً أنه تارة يكون لطيف وطوراً قاسي، طالما أن ما حدث ليلة أمس لم يكن حلم أبداً، سيكون لها شأن بتلك الكارثة...…

***★****★***

دفع ليون ستائر غرفة إيڤلي بعيداً عن النافذة لتفتح عينيها منكمشتا الأجفان قائلة بتذمر "أبي أرجوك!..."

شفنها بحدة متحدثاً "فاتكِ الإفطار ولم أفتح فاهي فقد ظننتكِ متعبة لكن لن أسمح لكِ بتفويت الغداء أيضاً، لا أريد أن تصبح لديكِ عادة"

تأففت لتنهض بأعين ناعسة فتوقف ليون أمامها ليسألها بصوت خافت "إيڤلي، ما الذي يحدث معكِ هذه الأيام؟"

رماها بهذا السؤال فجأة وكان عليها فعل أي شيء حتى لا تظهر تعابير التوتر والخوف في وجهها فأطلقت ضحكة قصيرة لتجيب "ماذا أنا!؟ لا أدري فقد قرأت كتاب ذو نهاية تعيسة وقد تأثرت كثيراً... خصوصاً أن الأشخاص الذين ماتوا فيه كانوا من أفضل الشخصيات"

زفر أنفاسه ليتحدث وهو يخرج "ننتظركِ على المائدة" إيڤلي تعلم أن والدها لم يصدقها لكنها تتهرب من هذا

فاِستحمت واِرتدت ملابس وردية كالعادة وخرجت، لكن عند وصولها للمائدة وجدت دخيل مألوف يجلس معهم وقد كان يبدو مراهق في الحقيقة وذو أعين عسلية وشعر أسود ولباس باهت الألوان، حيث أن إيڤار تخلى عن مكان جلوسه المعتاد له وهذا ما جعل إيڤلي تستغرب، فبات الدخيل يجلس على يسار والدها أي أمامها مباشرة، وإيڤار بجانبه

توقفت في مدخل الغرفة بينما تنظر نحو والدها كأنها تسأله من يكون فلاحظ تحديقها ليحمحم قائلاً "إيڤلي تعالي ورحبي باِبن عمّتكِ كيفن"

رفعت حاجبيها متمتمة بتفاجؤ "كيفن!"، جلست مكانها على يمين والدها لتصرح ببعض الحماس "كيفن... أتصدق أني لم أعرفك في البداية! أنت مختلف تماماً عن الصور... أعتقد أنك مازلت تتذكرني، لقد كنا نلعب سوياً في صغرنا"

كتم ضحكته مجيباً "كيف لي أن أنساكِ!، وفي الحقيقة لم تتغيري كثيراً فمازلت أرى الطفولية في وجهك"

جفلت لسماعها صوت اِرتطام شوكة إيڤار بالطبق بقوة، ويبدو أنه فعل هذا عن غير قصد رغم أنها قرأت الغضب في عينيه الحادتين، فأخذت تأكل وهي تسترق النظر إلى كيفن باِبتسامة طفيفة بسبب تذكرها للحماقات التي كانا يقترفانها في الصغر، لكنها تتساءل في سرها عن سبب مجيئه بعد كل هذا الغياب

تحدث ليون مقتطعاً أفكارها كأنه علم بما تشرد "عمّتكِ عادت من السفر مؤقتاً لأجل إنجاز بعض الأعمال، لهذا دعوتها للمكوث معنا خلال تلك الفترة التي ستعمل فيها وأخبرتني أنها قادمة على العشاء، لكن كيفن أراد رؤيتنا مسبقاً"

عقدت حاجبيها لتهمس "سيكون الأمر غريب نوعاً ما... فأنا لم أرها منذ مدة طويلة"

تفوه كيفن باِبتسامة جانبية "صحيح نسيت إخبارك! مازلت أحتفظ بالسوار الذي صنعتيه لي، هل مازلتِ تصنعين الأساور؟"

اِتسعت عينا إيڤلي لتتلفظ "مازال معك! هذا رائع، في الحقيقة أجل أنا أصنع الأسوار لجميع من أحبهم، أعتقد أني سأصنع لك واحد جديد"

رمقها إيڤار بنظرات لم تعلم ما سببها، فأنزلت رأسها مقابلة لطبقها وأخذت تأكل، لم تعلم لمَ خطر في رأسها فجأة كلام ذلك الشخص المجهول عن إيڤار تلك الليلة لكنها طردته من رأسها لتنعم بيوم جيد مع صديق طفولتها وقريبها كيفن

وبعد الإفطار ثرثرت كثيراً معه في غرفة المعيشة وأطلعته على الصور العائلية القديمة تحت تحديق إيڤار لكنه رحل من موقعهما صاعداً السلالم، فعلَّمَت إيڤلي اِبن عمتها كيف يقوم بصنع الأساور بالحبال الرفيعة وتركته يعمل معتمداً على نفسه وذهبت للشرفة الموجودة في نهاية رواق الطابق الثاني لتنتظر مجيئ عمتها

وقفت قرب الدراب واِستندت بمرفقيها عليه ملقية نظرة على إيڤار الواقف قريباً منها وفي يده كوب ماء زجاجي لم يرتشف منه بعد، لم تلقي له بالاً لكنها بعد دقائق نظرت له بفضول فهي تريد أن تعلم ما الشيء الذي يحدق فيه طوال تلك المدة

فوجدته يراقب شجيرة الورود الحمراء التي لم تتفتح بعد، تلك هي البقعة الوحيدة من حديقة البيت التي لم تستطع لمسها طوال سبع سنوات، ليون كان يعتني بها جيداً بنفسه ولا يسمح لأي أحد غيره من الإقتراب منها نظراً لأنها كانت المفضلة لوالدتها

إرتشف إيڤار من الكوب الذي في يده فقطع حبل أفكارها دخول كيفن الشرفة وصوته المرتفع المبتهج "لقد نجحت!"

وقف بجوارها ومد لها السوار بابتسامة كبيرة فشهقت لتتفوه "إنه رائع أنت تتعلم بسرعة!" ربتت على رأسه رغم أنه أطول منها، لكنه يصغرها بسنتين وهي تجيد التعامل معه فهما صديقا طفولة

"إذاً أيمكنني صنع المزيد؟ ستكون الأساور هدية لطيفة لأصدقائي الأغبياء"

أومأت إيڤلي متابعة "بالطبع يمكنك، إسأل أحد الخدم وسيجلبون لك الحبال من عرفتي"

"شكراً" تحدث وهو يسير خارجاً بعجلة

راقبت كيفن بينما يرحل ثم لاحظت نظرات إيڤار اللئيمة فعقدت حاجبيها باِستغراب لكنه شد بإمساكه على الكوب عن غير قصد فتحطم بيده وسالت المياه حول كفه فأطلق قلبها خفقة قوية وشهقت بذعر لتتقدم إليه بخطوة مترددة قائلة "أأنت بخير"

نظر للكوب مطبقاً على شفاهه ليرمي ما بقي منه من زجاج على الأرض بقوة فجفلت بأعين متسعة ومازالت تشاهده يترك الشرفة ويسير بالرواق المؤدي لغرفته دون أن ينطق بحرف، لم ترَ الدماء تخرج من يده فمن المفترض أن يكون جريح الآن

اِبتلعت إيڤلي ريقها لتتبعه مدعية أنها ستدخل غرفتها لكنها لسبب ما أرادت الإطمئنان على يده إلا أنها لم تلحظ بها أي خدش بينما كان يحركها بعفوية أثناء مشيه فأشاحت بوجهها سريعاً ودخلت غرفتها

ولم تداوم على أفكارها وشكوكها فقد وصلت عمتها ذات الشكل الأنيق وبقيت إيڤلي تعيد اِكتشافها للعمة اللطيفة وتبادلها الذكريات

إلى أن انتصف الليل وخلد كل منهم سريره ما عدى إيڤلي، فهي مازالت تواجه بعض الخوف من حادثة تلك الليلة...

4
الغرفة مظلمة ومخيفة مجدداً رغماً عن أنف إيڤلي، تمنت لنفسها ليلة سعيدة وقررت أن تتجاهل كل مخاوفها فاِلتحفت جيداً منتظرة مجيء الغفوة إلى أن تمكنت من النوم

لم يمر وقت طويل حتى شعرت ببرودة شديدة رغم أن كل ما تراه هو شارع فارغ كحلم، قررت فتح عينيها فلا بد أنها رمت الغطاء عن نفسها فهي لا تريد أن تمرض وتقضي بضعة أيام في سريرها كالعادة

وأخيراً تمكنت من الإستيقاظ لتجد نفسها واقفة على حافة سطح المنزل الشاهق الذي جفف الدم في عروقها
لتبدأ ذراعيها بالتلويح بالهواء لإختلال توازنها وقلبها يرتكض في صدرها، لم تعلم ما الذي وصل بها إلى هنا لكن كل ما تعلمه أن هذا ليس حلم وأنها النهاية، ستسقط وتموت وتنتهي قصتها

فسحبتها يد ما للخلف ومازال وجهها مقابلاً للحافة المخيفة لكن تلك الخطوتان التان اِبتعدت بهما عنها أزالت كل تلك الأفكار من رأسها وأعادت مسير الدم في أوردتها فأخذت أنفاسها بقوة محاولة إدراك ما حدث لتجد ذراعين ملتفتين حول خصرها، أدارت رأسها نحو منقذها لتجده إيڤار الذي يكزّ على أسنانه

فسمعت صوت شخص غريب يتحدث من خلفهما "لا!… إيڤار"

إلتفّ بها نحو المتحدث لتجده رجل يقف قرب باب النزول بوجه شاحب وأعين فارغة اللون وهالة سوداء تنبعث منه كأنه روح شريرة

تصنمت إيڤلي مكانها بأنفاس ونبضات سريعة وإيڤار مازال متمسك بها بقوة فتحدث بصوته الرخيم "روحك ستكون طعامي الليلة"

أفلتها من بين ذراعيه لتتهالك على ركبتيها ومازالت تراقب ما يحدث بجسد مرتجف، تخطاها إيڤار متجهاً ببطء نحو الرجل الذي أخذ يبتعد للخلف بخطوات قليلة ليصرخ فجأة بقوة ويتصلب جسده لتجفل إيڤلي وتزحف للخلف ونبضاتها لم تُبطئ

تبسم إيڤار بجانبية لتسود مقلتيه وتبرز الشرايين الحالكة حول عينيه فأسرع بمسيره نحو الرجل الذي يكتم آلامه ليمسك برأسه هامساً "قُل وداعاً…" صرخ متابعاً دون أن يتحرك عن وضعيته "أغمضي عينيكِ إيڤلي… لن يعجبكِ المنظر"

أطبقت على جفنيها بقوة فهي لا تريد رؤية شيء أفظع من هذا فأخذت الرياح تهب حولها مخترقة ببردها ثيابها، ثم توقفت بعد دقائق لتفتح عينيها بحذر
فوجدت إيڤار واقف مكانه والرجل مرمي على الأرض كأن لا روح فيه

اِستدار إيڤار إليها فرأت وجهه المخيف ليطلق قلبها خفقة قوية لتنهض وتتقهقر بخوف فأخذ هو يسير إليها، ومن قلة اِنتباهها اصطدمت قدمها بالحافة واِلتوى جسدها للخلف وكادت تسقط للهلاك لولا أنه بسرعة مريبة لف ذراعيه حول خصرها واِندفع بها بعيداً عن تلك الهاوية

أوشكت مقلتيها على الخروج من مكانيهما وطغى صوت أنفاسها على الهدوء فحركت جسدها محاولة الإفلات منه لكنه متسمّر فتبسم بشكل مريب قائلاً "خذي خوفكِ بعيداً عن هنا" أمال برأسه متابعاً "كل ما عليكِ معرفته أنكِ بأمان"

أغمضت عينيها محاولة تحريك شفاهها المرتجفة لتصرخ "إيڤلي إستيقظي!"

اِنحنى قليلاً لمستواها لتلامس شفاهه وجنتها فهمس "لا يوجد اِستيقاظ من الواقع"

شدت إيڤلي على إغماض جفنيها لتتلفظ مرتجفة "دعني أرجوك!"

"أنا لا أقيدكِ لأدعكِ"

سرها سماع ذلك فدفعته عنها لتركض سريعاً على السلالم متعثرة وكل ما تريده هو دخول غرفتها وأخذ أغراضها والهروب من هذا المنزل الذي بات مشؤوم

لتندفع للداخل وتأخذ حقيبتها الجانبية و تخرج من المنزل بركض دون أن تنظر خلفها للحظة

اشتدت مخاوفها أكثر فالشارع كان فارغ تماماً وأضواء الطريق تنطفئ كل لحظة والهواء يشتد كأن هذه الليلة تريد المشاركة بكل ما حصل

سمعت صوت إيڤار من خلفها "إيڤلي… إرجعي فما من شيء لتخافيه"

أغلقت أذنيها بكلتا يديها واستمرت بالجري متجهة خارج الحي، توقفت عن الركض بعد دقائق ملتقطة أنفاسها فأخذت نظرة خاطفة للخلف لتجد الطريق فارغ، اِستندت على جدار إحدى المنازل بينما تراقب بحدقتيها المتسعتين المكان ولم تسمع شيء سوى صوت ضربات قلبها وصراصير الليل

ففتحت حقيبتها لتلاحظ يديها المرتجفتين، أخرجت هاتفها سريعاً لتجري اتصالاً مع أكاديا

"أكاديا_ أنا قادمة إلى منزلك" ، تمنت من داخلها لو أن صوتها لم يهتَزّ في كلامها حتى لا تقلقها لكنه فضح خوفها

فأجابتها بنبرة قلقة ناعسة "إيڤلي أأنتِ بخير! ما خطب صوتك!؟ لا يهم تعالي بسرعة يبدو أنكِ متعبة"

"شكر_" بترت جملتها لتغلق الهاتف وتضع يديها على فمها لتحتبس تلك الشهقات فمسحت دموعها سريعاً لتجد إيڤار ذو الأعين الحالكة أمامها فتقدم بخطوتين طويلتين إليها مستطرداً "لمَ البكاء الآن!؟"

صرخت به "دعني وشأني!"

ركضت بسرعة نحو وجهتها وسط الظلمات آملة ألا يظهر بوجهها مجدداً، إلى أن وصلت للمبنى القابع به منزل آكي

أسرعت على السلالم وطرقت الباب بعنف بينما تنظر خلفها كل لحظة ففتحت لها الباب لتشهق قائلة "إيڤلي ما بكِ مصفرّة هكذا! أأنتِ ترتجفين! يا إلهي أدخلي بسرعة!"

أمسكت أكاديا بيديها وسحبتها برفق لتجلسها على الأريكة وتتجه لتغلق الباب، وضعت بطانية على إيڤلي التي تنظر لها وشفاهها ترتجف عاجزة عن الكلام

وضعت أكاديا يدها على جبينها المصفر لتتلفظ "إيڤلي أنتِ لستِ مريضة حسب علمي… ما القصة؟"

أخذت نفس متقطع لتجيب بنبرة مماثلة لمن يوشك على البكاء "أنا خائفة… لا تتركيني آكي"

عقدت حاجبيها بخوف لتعانقها قائلة "لن أترككِ… سأجلب لكِ الماء لن أتأخر"

ذهبت مسرعة وإيڤلي تارة تراقبها وطوراً تنظر حولها لتعود الأخرى إليها وتسقها الماء قائلة "إيڤلي إهدأي… أنا معكِ!"

شدت البطانية على نفسها لتستطرد "مهما سيحدث… لن أعود لمنزل أبي مجدداً… على هذا الشهر أن يمر على خير"

تنهدت أكاديا لتمسك بيدها وتأخذها لغرفة النوم خاصتها قائلة "أحصلي على بعض الراحة وغداً نتحدث"

أبقت أكاديا يدها ممسكة بخاصة إيڤلي لتشعرها بالأمان، ونامت سريعاً لأنها بالقرب منها

لكن الكوابيس لم تفارقها، لا يخيفها شيء غير إيڤار الذي يطاردها من حلم لآخر إلى أن اِستيقظت مجدداً تلهث ولم تجد أكاديا بجانبها

أطبقت جفنيها لبرهة لتهدئ نفسها، فبالنهاية هو لن يؤذيها ولا يمكنه إيذاؤها، كل ما يفعله هو الحوم حولها بوجهه المخيف ذاك وترديده بطلب العودة للمنزل منها فأغمضت عينيها بانهزام وغرقت بالنوم ثانية…

5
ألقت أكاديا نظرة على صديقتها الغارقة بالنوم لتتنهد وتهزها قائلة "إيڤلي اِستيقظي"

فتحت إحدى عينيها وهي تفرك الأخرى هامسة "كم الساعة"

"إنها العاشرة... إنهضي سريعاً فوالدكِ وضيفه هنا"

إتسعت عينيها كأن أكاديا صفعتها بهذا الخبر فاِبتلعت ريقها لتحرك شفاهها "أنا... أنا قادمة"
نهضت وغسلت وجهها ورتبت شعرها لتخطو نحو غرفة المعيشة بتردد ونظرها في الأرض خشية أن تتلاقى عينيها بإيڤار

الأمر الثانوي الذي كانت تخشاه هو الغضب الذي سيصبه عليها والدها لهذه الفعلة
ولم ترَ منه سوى قدميه عندما دخلت الغرفة فوجدته يسير إليها ليعانقها قائلاً "إيڤلي لا أعلم ماذا سأفعل بكِ... أتدركين كم قلقت عليكِ عندما اِستيقظت فجأة ولم أجدك!"

اتسعت عينيها لتهمس "أبي..."، بعض العطف الذي قدمه لها جعلها تردد كلمة أبي في رأسها لشعورها لأول مرة أنها تتلفظ بها وتعنيها تماماً، أنه والدها الذي لا يجيد التعبير عن مشاعره، رغبت بالبكاء في حضنه فهي لم تفعل منذ وقت طويل... وقت لا تتذكره، لم تتمكن من التماسك فتحدثت بصوت متحشرج "أنا آسفة..."

تنهد ليلقي نظرة على إيڤار فوجده ينظر للفراغ فتلفظ بينها يربت على ظهرها "لا بأس إيڤلي إهدأي... في المرة القادمة أخبريني قبل أن تخرجي"

أومأت لتفصل العناق وتمسح دموعها بكلتا يديها فتابع "إذاً أنذهب للبيت الآن؟"

أومأت على مضض لتودع صديقتها وتصعد السيارة وقد جلس والدها بجانب السائق فوضعها تحت واقعِ أنها لن تتمكن من تفادي إيڤار لوقت طويل فها هو يجلس بجانبها لكن ما يطمئنها أنه يراقب ما خلف النافذة ورغم هذا كانت يديها ترتجفان

وصلا للبيت فخرجا من السيارة وبقي والدها في الداخل فنظرت له باستغراب ليتفوه "أنا ذاهب لموعد قصير وسأعود سريعاً... تناولا الإفطار لا تنتظراني وأيضاً عمتكِ وكيفن خرجا في الصباح الباكر"

اِبتلعت ريقها وهي تطلب النجدة بخاطرها فقد تركها مع أسوأ كوابيسها وذهب، اِستدارت محاولة اِدعاء الشجاعة ودخلت المنزل لتحيي جميع العاملين ككل يوم وتجلس على المائدة منتظرة وصول الطعام

حركت نظرها على الأرجاء ببعض الملل فوجدت إيڤار في الكرسي الذي بجانبها لتسرع خفقاتها فتحدث بوجه خال من التعابير "ما قصة كل هذا الخوف؟"

اِزدردت ريقها ولم تستطع الرد فتنهد لينظر مباشرة لوجهها قائلاً "كل ما حدث بالأمس... ليكن سر بيننا"

أمسكت بطرف قميصها بقوة وأوشكت على الكلام لولا أنهم بدأوا يضعون الطعام أمامهما فبدأت تأكل طبقها باِستعجال لتنهيه وتنهض بهدف الصعود لغرفتها

ومن فرط سرعتها اِصطدمت بإحدى التحف الموضوعة بجانبي الدرج وسقطت وتكسرت فابتعدت عنها واضعة كلتا يديها على فمها ليهرع إليها الجميع

شهقت إحدى الخادمات وتقدمت نحوها بينما تتفحصها لتتلفظ "أأنتِ بخير إيڤلي!"

عضت شفاهها وهي على وشك البكاء فتنهد إيڤار قائلاً "إسمحوا لي أن أحل الموضوع... سيكون هذا سر بيننا" حرك رأسه بتساؤل وهو ينظر للخدم المترددين فتحدثت إحداهن "... بما أن هذه التحفة كانت قيمة بالنسبة للسيد ليون فسيكون عقابها وخيماً"

"لا لن يحدث أي من هذا، دعوا الأمر لي وفي حال سُئلتم أجيبوا بلا نعلم ولم نسمع أو نرى شيء، اتفقنا؟"

أومأوا بتردد ليأخذ البعض بتنظيف الفوضى بينما إيڤلي ماتزال واقفة مكانها تمسح دموعها فصعدت غرفتها وأغلقت الباب خلفها لتقضي بعض الوقت مع نفسها لكن رؤيتها لإيڤار جالس على سريرها جعلها تشعر بالسوء أكثر

حرك شفاهه ببرود "يجب أن نتحدث"

عقب كلامه صمت طويل فتحدثت "لا أريد التحدث إليك"

تبسم باِستهزاء لجيب "أنا لم آخذ رأيكِ إيڤلي ... عندما يكون هناك كلام عليه أن يُقال فسيُقال مثل الكلام الذي حدث ليلة أمس"

أغمضت عينيها لبرهة وازدردت ريقها لتتفوه "أخبرني من أنت؟... أأنت شيطان؟"

أطلق ضحكة من أنفاسه ليجيب "لا... أنا إيڤار"

أَخَذَت نفس عميق لتتفوه "أَطلُب منك أن ترحل سريعاً... ما حصل بالأمس لن أنساه مهما حاولت وستداوم الكوابيس على نومي... لا تُسبب لي قلق أكثر من هذا على حياتي أرجوك"

هز رأسه بعدم حيلة ليتفوه "أنتِ لا تفهمين شيء... أنا لست ضدك ولست من سيسبب لكِ الضرر ولا شيطان ولا روح شريرة كما تظنين... كل ما فعلته كان لأجلك، أظهرت ذلك النصف مني لأنقذكِ ليس إلا ولكنكِ لا تفهمين"

سألته بضيق "أقمت بقتل رجل... وطاردتني في أحلامي كالشياطين كي تنقذني؟"

نهض ببعض الغضب قائلاً "لا تستقرئي الأمور! هيا اعترفي بوضوح أني وحش فظيع وقبيح هيا!"

عضت شفاهها بغضب لتصرح متمالكة نفسها "أنا لم أقل شيء من هذا... كل ما أريده هو تفسير لما حصل أمس... ما الذي حدث لذلك الرجل؟... لمَ أنقذتني رغم أن هذا سيكشف وجهك الحقيقي!؟ كان بإمكانك أن تدعني أواجه ما قُدّر لي"

أمسك بذراعه من خلف ظهره ليصرح "مِن الصعب شرح هذا لفتاة تخاف من كل شيء غريب"

تأففت لتتفوه "ما خطبك الآن؟ أنت من عرضت علي تفسير كل شيء أنسيت؟"

"إلا إذا أظهرتِ بعض الشجاعة ورميتِ خوفكِ بعيداً... ما رأيك؟"

تأففت إيڤلي بتملل لتتجه وتجلس على سريرها وتضع مرفقيها على ركبتيها ورأسها بين كفيها قائلة "أنا أسمعك"

جلس بجانبها وضم يديه إلى صدره ليستطرد "إطمئني ذاك الرجل لم يمت… وأعتقد أنكِ لو رأيتني على حافة الموت ستنقذينني أيضاً"

زفرت أنفاسها براحة لتستطرد "يا إلهي! أخبرني الآن ما الذي قلب عينيك؟ أعني… من أنت!؟"

تبسم بجانبية ليجيب محدقاً بالفراغ "ليس وكأني اِخترت من ستكون عائلتي... أو ما سأكون عليه... كل ما حصل لم يكن من اِختياري... أنا واحد من الأساطير التي كانت تُحكى للأطفال السيئين لإخافتهم ولن أخبركِ من أكون حرفياً فهذا سيجعلكِ تنفرين مني أكثر..."

عقدت حاجبيها وصمتت مطولاً محدقة فيه، تحدثت بتردد "لكنك… لكنك تشبه الناس العاديين بشكل كبير! وقدمت لي المساعدة مرتين"

تابع ولم يحرك عينيه "صحيح… لم يكن من المفترض بي أن أكبر مع عواطف إنسانية ولكن هذا ما حدث، رغم أن أبي حاول أن يجرّدني من العواطف الحميدة بكلامه الزائد... لكنه توقف عن ذلك بعدما تذكر أمر هام... أنه ليس من المفترض بي أن أكون نسخة عنه..."

أشاحت إيڤلي بوجهها مغمضة عينيها بقوة فقد أنّبها ضميرها وخجلت من نفسها لأنها ظنت به كل السوء فقاطعته "توقف أرجوك... أنا آسفة"

أطلق ضحكة خافتة ليتفوه "لذا لا تسأليني مجدداً لمَ فعلت ذلك بالرجل وأنقذتك... لأنه ليس اِختياري"

اِبتلعت ريقها لتنظر له بإحراج فتلفظت "أنا... أعني... أعتذر منك... تعلم... ليست لدي ثقة بأحد خصوصاً إن كان من معارف أبي"

تبسم بجانبية ليقترب إليها ويعانقها برفق وهو يمرر يده بخصلات شعرها فاِحمرت أذنيها لتتلفظ آخذة أنفاس مرتجفة "أأنت ودود لهذه الدرجة!؟... أنا لا أفضل أن يعانقني شخص غير صديقتي... وأبي"

أطلق ضحكة قصيرة فأوشكت على اِقتلاع نفسها من بين يديه إلا أنه استخدم بعض القسوة بضمها قائلاً "لا تشُكّي بأمري إذا رَغِبَت يداي باِحتضانك وإذا خفق قلبي باِسمك... فهذا ليس اِختياري"...
***★****★***
اِتسعت عينا إيڤلي والإحمرار يغزو وجهها ليفصل إيڤار العناق وهو يبتسم كأنه لم يفعل شيء على غير العادة أبداً

ما إن اِرتسم الغضب على وجهها لتنهض متحدثة بحدة "هل اِستغللتني لتحصل على أغراضك المريضة! أنا لا أصدق ما تفعل!"

نهض بدوره وهو يعتصر قبضة يده فتفوه "ربما لم تفهمي، أنا أحبكِ، وأنتِ مازلتِ تظنين بي أسوأ الظنون... أنا قلت ما أردت قوله وهذا يكفيني"

نظرت له مطولاً باِشمئزاز لتصرح "كفاك كذباً، أنت لا تعرفني سوى منذ بضعة أيام، أنت الآن كسائر من يعرفهم أبي، إطمئن لن تحصل على ترقيات بسببي"

اِبتسم ببرود ليتلفظ "أولاً لا يمكنكِ الحكم علي وأنتِ لا تعرفينني سوى منذ بضعة أيام، وثانياً أنا لا أعمل تحت يدي والدك حتى أتلقى الترقيات، لكل واحد منا عمله الخاص ولكننا مشتركان"

زفرت أنفاسها بعنف لتتلفظ "دعني وشأني، فليمضي هذا الشهر دون أن نزعج بعضنا وندّعي بأشياء لا داعي لها" أوشكت على الذهاب فأمسك بذراعها وعلى وجهه بعض الصرامة

نظرت له بغضب بينما تحاول سحب ذراعها عنه وأنظاره الحادة كانت مباشرة لعينيها فاستطرد ببعض النبرة المندفعة "إيڤلي تسعة عشر عاماً، الطول 162 الوزن 46 مقاس الحذاء 36"

صمت منتظراً رد فعلها لكنها رغم دهشتها لم تأبه لتلك الحقائق فهي تظنه مُحلل ماهر وقد نجح بمعرفة هذه الأشياء نظرياً، وأخذت تحاول الإفلات منه لكنه أمسك بذراعها الأخرى ليجعلها مقابلة له فتابع "اللون المفضل الورديّ، الهوايات العزف، الرسم والإبتكار، ماذا تريدين أن أقول أيضاً؟"

تحدثت إيڤلي بصوت مرتفع "دعني أنت تؤلمني!"

اِبتسم بمكر ليستطرد "لديكِ هدف واحد أكبر من كل أحلامك وهو أن تجدي دفتر مذكرات والدتكِ الراحلة الذي أخفاه عنكِ والدكِ، وموتها سبب لكِ اِكتئاب حاد، تخافين المرتفعات والأفاعي وأفلام الرعب_" قاطعته بصوت مرتفع "توقف!! هل تتجسس علي أم ماذا!"

اِبتسم بسخرية ليتلفظ "ماذا لقد بدأتِ تخافين مجدداً؟...لم يكن من الصعب الحصول على صداقة والدك لأجل الوصول إليكِ"

أفلت ذراعيها لتزفر أنفاسها بتألم وهي تفركهما برفق وتلقي عليه نظرات اللوم والكراهية فاِستدارت لترحل لكنها توقفت للحظة عندما تحدث "واِعلمي أنه ليس من الصعب اِنتشالك من بين يدي والدكِ الطيب ووضعكِ بين يدي إيڤار"

اِبتلعت ريقها بزوغان لتنطلق للخارج بخطوات سريعة دون أن تلاحظ ما حولها فكل ما تفكر فيه هو إيڤار المخيف.

قضت الكثير من الساعات تنتظر عودة والدها المُتأخر وتحاول تجنب رؤية ذو الأعين الحادة قدر المستطاع، إلى أن عاد وأخذوا يتناولون العشاء، وإيڤار تناول القليل وصعد غرفته وهي كانت تأكل بسرعة لا إرادياً آملة ألا يلاحظ ليون الشيء الناقص في هذه الغرفة الواسعة المنقسمة لجزئين مفتوحين على بعضهما

حيث أن مكان تناول الطعام قريب للمطبخ، والجزء الآخر والأكبر هو غرفة المعيشة

أنهت طبقها وأوشكت صعود الدرج فتحدث ليون بصوت مرتفع "إيڤلي!... تعالي إلى هنا"

أخَذَت نفس عميق لتتقدم إليه مدعية اللا مبالاة لتتلفظ ببعض الدعابة "أهلاً أبي، كيف كان الموعد؟"

نهض عن الطاولة متجهاً للأريكة وهي تتبعه فتحدث بصرامة "جيد" وخيب آمالها فقد تمنت ألا يلاحظ، حرك شفاهه وهو يجلس "أخبريني إيڤلي... أين اختفت التحفة التي كانت بجانب الدرج؟"

تنهدت بينما تنظر للخادمة المتوترة الواقفة قرب طاولة الطعام في الجزء الآخر من الغرفة، وأوشكت على الإعتراف بكل شيء لولا أن إيڤار تحدث بشبح اِبتسامة بينما يهبط السلالم "آسف لأجل هذا ففي الحقيقة أنا السبب"

وقف بجانبها متابعاً "أغضبت إيڤلي هذا الصباح فتركت المائدة بينما تركض واصطدمت بالتحفة، ومن الجيد أنها لم تصب بأذى لأنك لم ترَ كيف كانت قطعها المتكسرة مدببة"

كان من المزعج لإيڤلي أنه تدخل مجدداً محاولاً تخليصها من الجدال مع والدها، هي لا تريد أي مساعدة منه لأنها تستطيع تدبر أمورها بنفسها

صَمَتَ ليون طويلاً ليستطرد "أنت لست مضطر لأن تتحمل مسؤولية أفعالها... بالنهاية أنا والدها ولن أعاقبها ذلك العقاب الصارم فكل ما أريده أن تنتبه جيداً، ستؤذي نفسها بشدة يوماً ما وأنا لا أريد لذلك أن يحصل"

شهقت إيڤلي لتتلفظ "ظننتك ستقتلني! أنا آسفة، لن يتكرر هذا، أعدك"، ربما كل ما حدث لم يكن من اِختيارها

وعادت عمتها برفقة كيفن لكن إيڤلي لم تشاركهم في الأحاديث كثيراً لشدة ضجرها من اِختراق نظرات إيڤار لها لهذا صعدت غرفتها لتضع السماعات وتستمع لأغنية الأبدي المفضلة لديها

لكن لسبب ما لم تقدر على فتح عينيها طويلاً، والنوم كان المسيطر فخلعت السماعات ووضعت الشريط جانباً بخمول لترتمي على سريها وتريح عينيها

ويا له من برد شديد، أكل مرة سيحدث هذا عندما تنام؟
في الحقيقة اِنتابها الذعر هذه المرة، فربما ستستيقظ بينما تسقط وليس قبل أن تسقط
حاولت فتح عينيها لكن لا فائدة بل كل ما تشعره هو الهواء الذي يزيد من اِرتجاف قلبها

لكن تلك الضحكة المألوفة التي اِلتقطتها مسامعها جعلت جسدها يرتجف بأكمله فهي مازالت تتذكر صوته الرجولي المخيف، همس ذلك المجهول "أنتِ تخافين كثيراً... لا تقلقي لن تشعري بشيء" رفعها على ذراعيه وأخذت تسرع خطواته

حاولت تحريك نفسها أو جفنيها لكنها فشلت، لقد كانت تشعر بيديه الباردتين على ظهرها وحاولت الصراخ مراراً لكنها مخدرة

إلى أن وضعها أرضاً مستندة على شيء صلب وقام بربطها جيداً

فتمكنت من فتح عينيها أخيراً لتجد نفسها في وسط شارع فارغ ومقيدة بعمود خشبي يقع في وسط الطريق، لتراه أخيراً يقف أمامها بثبات وقد كان رجل ذو شعر ذهبي طويل وأعين كخاصة إيڤار في حالته المرعبة

حاولت ترتيب أفكارها وكلماتها لتنظر حولها وتصرخ "النجدة!!"

رأت السخرية في ملامحه فتوقفت عن طلب الإنقاذ، هذا الشارع فارغ لسبب ما ربما لأن الجميع نيام ولا يأتون إلى الأماكن المهجورة المخيفة

سالت دموعها والخيبة تعتليها، وضعت كل اللوم على إيڤار فلو لم يظهر في حياتها لما حدث معها أي من هذا

تحدثت من بين شهقاتها "ماذا تريد مني!؟"

تبسم الرجل بخفوت ليجثو أمامها مجيباً "أريد روحك"...

7
تبسم الرجل بخفوت ليجثو أمامها مجيباً "أريد روحك"

اِتسعت عينيها لتهمس بنشيج "لماذا؟… ما هدفك من كل هذا؟"

نهض ليجيب بجفاء "وحده إيڤار من سيجيبك"

للحظة تشكلت أمامها صورته وأخذت تسمع صوته "إيڤلي! … إيڤلي اِستيقظي!"

فتحت عينيها جافلة لتجد إيڤار يجلس على حافة السرير فنهضت متنفسة الصعداء مطمئنة لأن كل ما حصل كان حلم، فتحدث وعلى وجهه اِبتسامة متأسفة "أأنتِ بخير؟… لقد كنتِ تهذين…"

اِبتلعت ريقها بينما تعاود تذكر ذلك الحلم فأمال الآخر برأسه قائلاً "ما الخطب إيڤلي؟… هل هناك ما يزعجك؟"

نظرت له مطولاً بلا تعابير فرفع حاجبه بتساؤل لتتفوه "أخبرني لماذا تتصرف دائماً بشكل عادي بالرغم من أنك تسبب المشاكل؟"

تبسم بسخرية قائلاً "مشاكل؟ أي مشاكل؟"

عقدت حاجبيها بغضب لتجيب "أرأيت! أنت تنكر ما فعلته ليلة أمس"

همهم بسخرية ليتفوه "ماذا فعلت في الأمس؟ عانقتك؟ إعترفت بمشاعري النبيلة؟ وكنت وقح قليلاً؟"

تنهدت لتستطرد بخفوت "صارحني وأعدك أني لن أغضب منك… ماذا تريد مني؟"

حرك يده ليبعد خصلات شعرها عن وجهها مجيباً "ربما كل ما أريده ألا تكوني غاضبة مني… أو خائفة…"

طقطقت بلسانها فصرحت "حسناً… لست غاضبة ولا خائفة… ما هو هدفك بعدها؟"

أجاب سريعاً "الاِستمرار في حبك"

إحمرت أذنيها فأشاحت بوجهها قائلة "أخرج من غرفتي من فضلك"

تبسم بجانبيه ليمسك بوجنتيها ويقبل جبهتها فاحمر وجهها واِنعقد لسانها لتنهض من مكانها وهي تدعك جبينها قائلة بتلعثم "أن_ت و_وقح!"

نهض بدوره ليتفوه بسخرية "من يدري ماهي قمة وقاحتي" وخرج دون إضافات من غرفتها
لتقبض يدها وهاهو نجح بإغضابها، اِستحمت وارتدت ملابس للخروج لأن هذا هدفها بعد الإفطار لترفه عن نفسها من بعد كل هذه الكوابيس والمشاكل

لم تبادلهم الأحاديث على المائدة لشعورها ببعض الإحباط، ولم تنظر لإيڤار كي لا يعطيها تلك الاِبتسامة المُسفِزة، وأنهو إفطارهم لتصعد بدورها ناحية غرفة والدها ليون لكنها وجدته يقف قرب الباب يشير إليها بيده للمجيئ

دخلت معه لمكتبه فجلس على إحدى الكراسي لتجلس أمامه فحدق فيها طويلاً متبسماً ليبادر بقول "إيڤلي… عندما كنتِ صغيرة… كنت أعلم تماماً أنك ستكبرين وتمرين بحالات مزاجية غريبة وأيام أخرى ستخفين عني بعض الأمور… لن أجبركِ على إخباري بأي شيء… كل ما أريد أن أعرفه هو هل أنتِ بخير؟"

رغم أن ما كانت تخشاه حدث، إلا أنها سعيدة في سرها لأن والدها قلق بشأنها، تنهدت لتجيب "لن أكذب عليك… أنا أعاني من بعض الكوابيس لكن لا بأس فهي ليست شنيعة لهذه الدرجة… ربما أحتاج لبعض الراحة وحسب لذا لا تقلق أنا بخير تماماً"

اِكفهر وجهه ولم تجد مبرر لذلك خصوصاً أنها اِبتسمت لتطمئنه، سألها بعدما أمسك بكلتا يديها "كوابيس؟… أي نوع من الكوابيس؟"

ابتلعت ريقها لتجيب "ل_لا أعلم… أنساها سريعاً بعد اِستيقاظي"

تنهد ليتفوه باسماً "حسناً فهمت… أنتِ… بحاجة للراحة لذا خذي السيارة واِذهبي إلى حيثما تشائين… إقضي بعض الوقت مع نفسك فقد يساعدك هذا بإيجاد الخلل"

نهضت وهي تصيح "يا إلهي! كنت سأخبرك أني أرغب بالخروج! شكراً لك أبي"

وأسرعت للخارج بشعور بالحماس جلست في السيارة ووضعت أغنية الأبدي اللطيفة لتأخذ نفس عميق وتبدأ بالقيادة، السيارة هذه ملكها ليوم كامل، غفر لها والدها عما فعلته في سيارتهم القديمة عندما تعلمت القيادة حديثاً وها هو يثق بقدراتها مجدداً

ركنت السيارة في ذلك المكان الذي يبعد عن البيت كثيراً، البستان الأخضر ذو الورود المنتشرة والأشجار المتوسطة الذي تحبه منذ صغرها علماً بأنه ملك لوالدها

جلست على العشب  وهي تمرر يدها عليه وتنظر للسماء بصعوبة فهي ساطعة وتجعلها تشعر بدوار غريب، اِستلقت باِسترخاء لتغمض عينيها لدقائق، كان جو منعش ولطيف ولم تفكر في أي شيء

إلا أنها فتحت عينيها فجأة عندما شعرت بوخز في قدمها ورأت إيڤار جالس أمامها ببصيرة مشوشة وهي بالكاد تستطيع رؤية تعابيره، عقدت حاجبيها لتنهض فمنعها قائلاً "لا تتحركي! الأمر خطر… الآن أغمضي عينيكِ مجدداً"

اِنتشر خمول غريب في جسدها وشعرت باِرتخاء كل نسيج في عضلاتها لتغمض عينيها وتغفو كما لم تفعل من قبل…

وبعدها تحسست رائحة الجلد وسمعت صوت أغنية الأبدي، فتحت عينيها منكمشتا الأجفان لتجد نفسها في السيارة بجانب إيڤار الذي يقودها وعلى الأغلب هو في طريقه نحو المنزل

نظر لها بخطفة باسماً فصرح "أأنتِ بخير؟"

لعقت شفاهها لتدلك رأسها بيد واحدة قائلة "ماذا حدث؟"

تنهد ليجيب وهو يركز على الطريق "أنظري لقدمك عن قرب وستعرفين"

"قدمي…" همست بتساؤل لتدرك أنهما اقتربا من المنزل، فخرجت من السيارة سريعاً بعدما اِهتم إيڤار بركنها ولم يكن هناك أحد في غرفة المعيشة من حسن حظها فأسرعت نحو غرفتها

جلست على سريرها ورفعت بنطالها لتجد ثقبان صغيران في قدمها وحولهما مُزرق، اِبتلعت ريقها لتهمس "ما هذا؟"

دخل إيڤار الغرفة بشكل مفاجئ ليجيب "عضة أفعى"

استعت عينيها لتتلفظ بتفاجؤ "ماذا! أفعى! يا إلهي من الجيد أني مازلت على قيد الحياة" تنفست الصعداء لتنظر له وهو واقف قرب الباب فتابعت "أعتقد أنني حية للآن بسببك… لذا أنا أشكرك إيڤار وآمل أن أرد لك الجميل يوماً"

ابتسم ليقترب نحو سريرها وهو يمعن النظر بأذنيها ووجهها المتورد فتفوه "أريد أن تصنعي لي سواراً"

عقدت حاجبيها متسائلة "سوار؟… فقط؟"

"ليس فقط… بل أريدك أن تصنعيه وأنتِ تستمعين لأغنية الأبدي… كي تنهيه وأنتِ في أشد حالات سعادتك… فقط"

حكت عنقها لتنهض وتتفوه "سيكون جاهزاً الليلة"

خرج من غرفتها وهو يوزع الاِبتسامات، وربما هذه أول مرة ترغب فيها أن لا تجادله، كأنه بدأ يروق لها بالغنى عن حقيقته ومشاعره

دخلت الحمام كي تزيل التعب، ونزعت معطفها الطويل فخفق قلبها بقوة عندما رأت شرايين سوداء على ذراعها، لمستها بأعين متسعة فلم تشعر بشيء، لم يكن لها أي تأثير لكن منظرها مرعب
هي تريد أن تعرف ما سبب ظهورها، إنها تشبه الشرايين التي تظهر حول عيني إيڤار وهذا يجعلها تشك به مجدداً، لكنها قررت سؤاله عن هذا عندما تخرج

وهكذا خرجت وجففت شعرها وباشرت بصنع السوار، بعدها اتجهت نحو غرفة إيڤار، حيث لم تسمع صوت عمتها أو والدها من الغرفة في الطابق السفلي

فتح لها الباب فور وصولها وقد كان يستعد للنوم قبل أن يشعر بخطواتها، رفعت السوار أمامه وقد احمرت أذنيها قائلة "هذا لك…"

وضعه حول معصمه ونظر له مطولاً ليتفوه بتبسم "شكراً… إنه رائع"

تنهدت لتتحدث بصوت خافت "أريد أن… أريك شيء… أعني أسألك عن هذا الشيء" نظر لها باِهتمام فرفعت كُم سترتها ليكفهر وجه إيڤار لرؤيته للشرايين السوداء، سحبها لداخل الغرفة ليغلق الباب ويعيد ناظريه على ذراعها

تحدث بصوت منخف حاد "متى ظهرت؟"

"لاحظتها اليوم… أ_أردت أن أخبرك أيضاً… أن هناك رجل ذو شعر ذهبي يطاردني في أحلامي ويقوم بتهديدي… ويتوعد بقتلك أيضاً"

اِتسعت عيناه ليتمتم "سول…"

بعد رؤيتها لرد فعله بدأت تشعر بالخوف، فأغمض إيڤار عيناه ليفتح لها الباب ويتلفظ "لا تشغلي بالك… أنتِ بأمان" قبل جبهتها طويلاً فشعرت باِنكماش غريب في معدتها لتدعك جبهتها بوجنتين محمرّتين فتبسم إيڤار بجانبية متابعاً "تصبحين على خير إيڤلي… أعدكِ أنكِ لن تري الكوابيس بعد اليوم" …

8
حظت إيڤلي بنوم جيد وقضت نهار أفضل مع عمتها إلى أن حان وقت عودتها مع كيفن

كانت تعلم أنها ستستأذنهم في أي لحظة لهذا كانت تشعر ببعض الحزن وهي جالسة في غرفة المعيشة، نظرت العمة لساعة يدها فابتسمت بحزن وعرفت إيڤلي ما معنى هذا

ودعتهم بعناق كبير مع والدها ليون، واكتفى إيڤار بمصافحتهم، وقضت إيڤلي باقي نهارها مع هذه الملامح الحزينة وهي تشاهد التلفاز

في ذلك الحين جلس إيڤار بجانبها وأخذ يحدق فيها طويلاً إلا أنها لم تأبه لذلك، حرك شفاهه ليحوز على اِنتباهها "اِقترب ذلك اليوم صحيح… ليون لا يبدو بخير"

أعادت ناظريها لتتنهد قائلة "كل سنة في ذكرة وفاة أمي يحتجز نفسه في غرفته ولا يخرج منها حتى اليوم التالي… حاولت جاهدة أن أجعله ينسى لكن لا فائدة…"

تحدث إيڤار وهو ينظر للفراغ "إنه يعاتب نفسه…"

عقدت حاجبيها لتستطرد "لمَ يرفض أبي إخباري عن كيفية موتها ولمَ يخفي عني كتاب مذكراتها؟"

"أنا مثلكِ لا أعلم ولكن عليكِ إيجاده فأنا متأكد أنه يخفيه لأنه يحتوي معلومات لا يريدكِ أن تعرفيها"

"أين سأجده مثلاً… بحث في مكتبه مراراً ولم أجد شيء"

"ليس من الضروري أن يكون في مكتبه، لربما أخفاه في غرفته لأنه يرعلم أن أول مكان ستبحثين به هو المكتب"

تنهدت لتنهض قائلة "من يظري… سأذهب لأخبره أني ذاهبة لصديقتي… لم أتواصل معها منذ مدة طويلة"، اِستدارت فأمسك بذراعها بعنف لتظر له وقد حيّرها أمره
أفلت يدها ليستطرد "آسف…إذهبي… ولا تخافي"

اِبتعدت للخلف ومازالت تبحث عن معنى لمزاجه الغريب لتتحدث بصوت خافت "إيڤار ما بك؟"

"سأخبركِ لاحقاً لكن اِذهبي الآن… ومن الافضل أن تقضي الليلة لدى صديقتك" تحدث لينظر نحو معصمه الذي برزت فيه الشرايين السوداء فسارعت إيڤلي لغرفة والدها وهي قلقة بشأنه، توصلت لبعض النظريات فإما أنه يعاني من الضغوط أو أنه يحاول العبث معها

***★****★***

خرجت إيڤلي في طريقها لمنزل آكي، لم تجلب معها ثياب إضافية بالطبع لأنهما مقربتان

توقفت للحظة عن السير واتصلت بها لتصرخ في الهاتف "أنا قادمة إلى بيتك نسيت إخبارك!"

_"أصرخي هكذا مرة أخرى وسأجعل ليلتكِ مشبعة بالمقالب!"

_"حسناً سنرى!"

أطفأت هاتفها متبسمة وأعادته للحقيبة، بالطبع الشريط معها، فهي تعتبره الجزء الأهم من يومها

"إيڤلي. إيڤلي. إيڤلي"، سمعت الصوت من خلفها لتتوقف في مكانها وهي تحاول جاهدة أن تجعل عقلها يهرب من معرفتها هذا الشخص، لقد كانت نبرته ساخرة، عاد ذو الشعر الأشقر ليزعجها

وضع يده على كتفها متبسماً ليشل حركتها، لم تتمكن من تحريك شفاهها بل كل ما تستطيع فعله هو الرمش

ربت على كتفها قائلاً "إيڤار لن يأتي لإنقاذك… سيكون تحت طاعتي بعدما آكل روحك"

اشتدت خفقات قلبها وشحب وجهها، لا يمكنها تحليل أي شيء فكل ما يحدث غريب
سار بصمت أمامها متخطياً إياها لتجد ساقيها تتحركان خلفه دون إرادتها، لم تنفعها أي من تأملاتها بوصول أي أحد إليها وإنقاذها، مشت طويلاً خلفه في الشوارع حتى توقف هو عن السير

رفعها على ذراعيه قائلاً "لا تُجهدي روحكِ كثيراً… الخوف يجعل طعم الأرواح سيء"

دَب ضوء ساطع في المكان فأغمضت عينيها بقوة لتشعر بنفسها تسقط على أرض صلبة آلمت كل عظام جسدها
وضعت كلتا يديها على ظهرها وجلست وهي تتأوه ودموعها تحرق وجنتيها، نظرت حولها فوجدت نفسها في بستان لا نهاية له من أزهار دوار الشمس والرجل واقف أمامها، فقط البقعة التي تجلس فيها مجرّدة من النباتات بشكل دائري

حالياً لديها فرصة للهروب فهو لا يتحكم بها، فنهضت لكنه حرك يده مشيراً إليها لتجثو بركبتيها أرضاً كأنها قطعة فولاذ سحبها المغناطيس

صرخت بنحيب "ماذا تريد مني!"

قهقه ليجيب "تسألينني عن هذا دائماً وأجيبكِ بأني أريد روحك لأجعل إيڤار تحت طاعتي… لن تفهمي شيء بالطبع لذا لا تجهدي نفسك"

أخذ يدور حولها بسير بطيء، وهي تحاول النهوض لكن ركبتيها ملتصقتين بالأرض، وجلس مجدداً أمامها لتظهر الشرايين السوداء حول عينيه وتصل لعنقه وتكمل مسارها نحو يديه وكل جسده فعلمت تقريباً ما سيحدث الآن وتمنت في سرها الحظ الطيب للجميع

أمسك وجه إيڤلي بكلتا يديه جيداً ليزفر أنفاسه ببطء، أغمضت عينيها بقوة ممسكة بمعصميه وهي تغرز أظافرها بجلده رغم أن لا فائدة من ذلك وهي تتمتم "دعني أرجوك"

فتحت عينيها على مصرعيهما إثر سماعها لصراخ إيڤار من خلفها "سول كيف تجرؤ على لمسها!"

نهض المدعو سول وابتعد عنها ليتحدث بتبسم "ظهر البطل إيڤار… لن أقنعك بشيء لأني بالنهاية مهما فعلت سأحصل على ما أريد"

حاولت إيڤلي النهوض لكنها فشلت ثانية، نظرت خلفها حيث إيڤار يصك على أسنانه ووجهه الآخر الذي لا تحب رؤيته قد عاد

مشى نحو سول بغضب وأخذ الآخر يبتعد للخلف قائلاً والاِبتسامة لم تفارقه"إيڤار فكر جيداً، أنت ستنتهي إن اِقترنت بهذه الطفلة، دعني أنهي حياتها وأجعلك أفضل مثل والدك"

توقف إيڤار مكانه في صمت دام لثوانٍ، ليتفوه "لو أن والدي اِتخذ الخيار الصحيح عندما عرضت عليه هذا العرض… لكان ما يزال حي حتى الآن… لكنك نسيت نقطة مهمة… أنني لا أحتاجك" أنهى جملته ليبتسم بخبث ويرفع يده ويقبضها
فاِتسعت أعين سول وشهق باِختناق بعدما تشنج جسده، همس بصعوبة "مستحيل! لا يمكنك!"

و أخذ يصرخ فيه، فأنزل إيڤار قبضته ببطء ليتلفظ ببرود "لا أريد قتل أحد… لكن إن عدت مجدداً سأتخلى عن هذا المبدأ"

رمقه سول بنظرة غاضبة واضعاً يديه على صدره آخذاً كميات كبيرة من الهواء ليلتفت ويسير ذاهباً بترنح

فاِتجه إيڤار إلى إيڤلي باِستعجال ليجلس أمامها ويحتضنها سريعاً مستطردا "آسف لأني سببت لكِ كل هذه المتاعب…"

فصلت العناق ومسحت دموعها بظهر كفها لتتلفظ "ما الذي يريده مني ذلك الرجل؟… ما الذي تخفيه عني؟"

أمعن النظر بوجهها ليجيب "تريدين أن تعرفي… سأخبركِ…" رفعها على ذراعيه لتتشبث بعنقه وقد تحسست الراحة، كأن لمس هذا الشخص كاِبتلاع كبسولة مسكن آلام

ليسير بها ويتحدث بسلاسة "أنتِ هي الوحيدة… التي تستطيع لمس روحي بشكل ما ولا أعرف كيف… وهذا سيجعلني أتوقف عن أكل أرواح الناس بدون وعي، يحدث هذا كل فترة طويلة ولا أعلم لماذا… لهذا يحاول سول قتلك…"

عقدت إيڤلي حاجبيها "ماذا تقصد بلمس الروح… وما شأن سول بك؟"

"لا أعلم كيف سأشرحه حرفياً… أعتقد أن أغلب الأشخاص الذين يعانون من حالتي لديهم من يستطيع لمس روحهم من الداخل وقتل الوحشية فيها…  وأنتِ أملي الوحيد"

تبسم متابعاً "سول أدرك أني قوي أكثر منه… لهذا يريد اِستعمالي لمصالحه الشخصية… لم أكن أريد إخبارك بأي شيء ولم أرد إخافتك وإحداث الفوضى بحياتك لكن الأمر خرج عن سيطرتي… أنا بالكاد أسيطر على نفسي"

صمتت مطولاً تفكر بكيفية مساعدته، كيف يمكنها لمس روحه، ليست لديها أدنى فكرة عن هذا الموضوع لتحرك شفاهها بخيبة "أنت… تعرف الكثير من الأشياء… هل كنت تعرفني قبلاً؟"

قهقه بخفوت ليجيب "أعرفكِ جيداً قبل أن تتكوّني في بطن أمك… أعرف عنكِ كلّ شيء حرفياً ربما أشياء أنتِ نفسكِ لا تعرفينها، يمكننا أن نتسابق بمن يعرفكِ أكثر…"

اِبتلعت ريقها لتتحدث بتقطع "ك_كيف هذا؟"

تنهد مجيباً "إنها أمور خاصة بعالمي ولن تفهميها…" وهنا وصلا لنهاية هذا البستان وأكمل إيڤار مساره على الطريق الإسفلتي المحشور بين الأشجار الخضراء الكثيفة

نظرت إيڤلي نحو عينيه الذهبيتين فارتاحت في سرها لأنه لم يعد مكفهراً لتتلفظ باِندفاع "أريد رؤية عالمك"…

***★****★***
لتتلفظ باِندفاع "أريد رؤية عالمك"

توقف إيڤار عن السير فجأة ليتفوه "أأنتِ متأكدة؟ عالمي سيكون مخيف لكِ بعض الشيء"

"أجل أجل أريد رؤيته!"

تبسم بخفة قائلاً "لكِ ذلك… لكن في يوم آخر" أضاء المكان من حولهما مجدداً لتغمض إيڤلي عينيها إلى أن اِختفى الضوء
وفتخت عينيها لتجد نفسها على سطح مبنى منزل آكي، أنزلها بخفة ليردف "أراكِ غداً"

"إلى اللقا_" قطع جملتها بتقبيل وجنتها ثم لوح لها باِبتسامة جانبية ليختفي

زفرت أنفاسها لتقوم بإزالة الأتربة والأوساخ عن ركبتيها وتنزل السلالم إلى آكي التي تسكن في الطابق الثالث

وبعدها لم يُسمع سوى صوت الدعابات والضحكات من منزلها بالإضافة للتذمر، لم تستصعب آكي جعل إيڤلي تنسى أن يوم موت والدتها اقترب
حرصت على أن يكون كل شيء ممتع لأجلها إلى أن حان وقت النوم المتأخر
دخلت إيڤلي الحمام بهدف اِرتداء ملابس النوم وخلعت سُترتها لتصدم بتلك الشرايين التي زحفت إلى كافة يدها ونحرها

ازدردت ريقها لتتمتم "بئساً!"، نظرت في المرآة وأخذت تتحسسها بملامح خائفة فزفرت أنفاسها باِرتجاف وتمالكت نفسها كي تكمل هذا اليوم بخير

خرجت من الحمام واِتجهت نحو آكي الجالسة في غرفتها، رفعت الكم عن معصمها لتتلفظ بتردد محاولة اِدعاء اللا مبالاة " أيمكن إخفاء هذا بمستحضرات التجميل"

شهقت آكي لتتحدث بذهول "هل حصلتِ على وشم!"

نظرت إيڤلي ليدها لتجيب "إنه رسم! ليس وشماً حقيقياً لكنه لم يعجبني"

"حسناً لا تقلقي يمكن إخفاؤه"

تنهدت براحة لتعاود دخول الغرفة المجاورة حيث نامت سريعاً، لكنها استيقظت مجدداً بدون سبب وقد كان الليل على وشك الإنتهاء

خرجت من غرفتها وبالكاد تمكنت من رؤية آكي واقفة في وسط غرفة المعيشة وجسدها موجه نحو الشرفة، عقدت حاجبيها باِستغراب لتصرح "آكي… ما بكِ"

سمعت صوت خطوات ونظرت خلفها لتجد إيڤار بين الظلمات بأعين حالكة لكن بدون شرايين سوداء هذه المرة، همست والإستغراب ممزوج بالخوف "ماذا تفعل هنا!… إرحل قبل أن تراك"

لاحظت الإبتسامة المخيفة على وجهه وعندها بدأت آكي تسير نحو الشرفة فركضت نحوها قائلة "آكي أأنتِ بخير! عودي لفراش_" بترت جملتها عندما شاهدت عينيها المغمضتين فرمقت إيڤار بنظرة غاضبة لتستطرد "هل أنت من تفعل هذا! توقف هذا ليس مضحكاً"

حرك رأسه ليستطرد "لا يمكنكِ منعي من أي شيء عزيزتي… الظلام أكثر قوة منكِ"

اتسعت عينيها لتجد آكي تكمل سيرها إلى أن وصلت نحو الحافة وتوقفت هناك فتابع إيڤار "أرى أنكِ خائفة مجدداً… لمَ تفسدين طعم روحك هكذا"

عضت شفاهها وهي تتذكر حاله هذا الصباح وكلامه عن لمس الروح لكنها لم تتوصل لشيء يبرر فعلته هذه فصاحت به "ما خطبك ما الذي يحدث لك! لقد أنقذتني هذا الصباح من سول والآن تقوم بإزعاجي!"

لم يجيبها سوى بضحكة هازئة فشهقت عندما صعدت آكي الحافة وأخذت تترنح للخلف والأمام وقد كان إيڤار يعبث بحركتها عمداً فركضت إيڤلي نحوها وأخذت تسحبها من يدها محاولة إنزالها عن الحافة لكن شيء ما يجعلها ثابتة كالمسمار

نظرت نحو إيڤار واِرتفع صوتها بدون إرادتها "ماذا تريد! لماذا تفعل هذا! هل تريد أكل روحي؟ تفضل قم بسحبها لكن لا تقتل صديقتي ودعها وشأنها!"

تمكنت من رؤيته بوضوح بعدما شقت الشمس طريقها على هذه الأرض فهدئت ملامحه وأغمض عينيه مشيحاً بوجهه ليبتعد ببطء عن الضوء ويختفي فسارعت إيڤلي بسحب آكي عن الحافة فشهقت الأخرى وفتحت عينيها، نظرت حولها محاولة اِستيعاب الموقف الغريب لتتلفظ بذهول "يا إلهي! مالذي جاء بي إلى هنا!؟"

اِزدردت إيڤلي ريقها لتجيب "لا عليكِ… لقد كنتِ تسيرين بنومك"

"يا إلهي هذا خطِر أنا لم أفعل هذا من قبل! أقفلي عليّ باب غرفتي"

إيڤلي لم تكن تفكر سوى بإيڤار، أين ذهب؟ قد يلحق الأذى بوالدها الآن وهذا جعلها تعاني حتى تمكن منها النوم…

ثم اِستفاقت على صوت طرقات صاخبة وصراخ آكي "إيڤلي تعالي وافتحي لي الباب!"

ركضت إليها سريعاً لتفتح الباب فاندفعت آكي للخارج لتزفر أنفاسها براحة

تحدثت إيڤلي بتلعثم "آكي… ع_علي العودة للبيت"

رمقتها صديقتها بنظرة مخيفة لتتحدث "ماذا قلتِ!؟"

"أرجوكِ لقد رأيت كابوساً مريعاً عن أبي وأريد رؤيته"

"يا إلهي، لمَ تؤمنين بالخرافات؟"

عقدت حاجبيها بغضب لتحرك شفاهها "ما بكِ ضعي نفسكِ مكاني!"

"أجل أجل في البداية لنتناول الإفطار وبعدها سأخفي الرسمة التي تشبه البرق أياً كانت التي على يدك"

وهذا ما حدث، وعادت للبيت بحذر تلقائي فمن بعد رؤيتها لسول في الأمس تولد لديها شعور أنه سيظهر لها مجدداً وهذه المرة سينجح بقتلها
وصلت للمنزل ووجدت إيڤار جالس يتناول الإفطار لوحده، ابتسم لها بشكل عادي واستفزتها هذ الفعلة فرمقته بنظرات باردة لتصعد غرفة ليون

ووجدته نائم، لوقت متأخر كهذا وعلى غير عادته فتبسمت بجانبية لتهرع وتفتح الستائر فنظر لها بأعين منكمشة ونهض

تخصرت لتتحدث بنبرة ما بين الدعابة والغضب "أنت تتصرف على غير عادتك، لن أسمح لك بالتكيف مع العادات السيئة"

تنهد بتبسم لينهض قائلاً "أصبحت واثق الآن أنكِ نضجتِ" اتجه للحمام وبقيت إيڤلي تتذكر ما قاله إيڤار عن كتاب المذكرات

بحثت بإهمال في كل زوايا الغرفة دون أن تصدر صوت إلى أن لاحظت المدفأة الحجرية، لطالما كانت غير مستعملة من قِبَل أبيها، ولم يسمح لأحد من قبل بالمكوث في غرفته لوقت طويل، أيعقل أنه يخبئ الكتاب هنا حقاً؟

اِقتربت من المدفأة وانخفضت بعض الشيء لتمد يدها وتتحسس سقفها لكنها لم تجد شيء، جفلت واعتدلت سريعاً عندما سمعت صوت باب الحمام فعقد ليون حاجبيه ليصرح "مازلتِ هنا…"

"ل_لا لقد كنت في الأسفل ولكني عدت لأتفقدك فقد تأخرت"

إيڤار يعلم أنها غاضبة منه، لكنه لا يعلم لماذا، تجاهلته طوال تلك الساعات إلى أن سئم من هذا واتجه لغرفتها وفي يده حجة مُقنِعة

طرق الباب وسمحت له بالدخول دون علمها أنه هو، دخل وأغلق الباب خلفه وقد كانت جالسة تصنع سوار وعندما رأته دحرجت عينيها

جلس أمامها على السرير ليمد لها الشريط قائلاً "نسيتِ هذا عند أكاديا"، لم تجبه وكأنه غير موجود فوضعه جانباً ليتابع " آسف"

نظرت له لتتنهد قائلة "أتعتقد أن هذا يكفي لأسامحك على فعلتك"

"ليست لدي فكرة عما فعلت أو عما تتحدثين"

تبسمت بسخرية ناطقة "ليلة أمس حاولت قتل أكاديا وهي نائمة"

اِتسعت عيناه وقد قرأت الصعقة بملامحه لكنها لا تستطيع تصديقه، أردف بخيبة "أعتقد أنكِ لن تصدقيني أبداً ولكن لم أكن بوعيي ولا أتذكر شيء مما حدث… أخبرتكِ من قبل أني أسلب أرواح الناس كل فترة بدون وعي…"

صمتت مطولاً بذهن مشتت لتتفوه "حسناً حسناً فهمت! كيف يمكنني أن ألمس روحك وأخلصك من كل هذا؟"

تنهد براحة ليتفوه "يبدو أنكِ سامحتني… في كل الأحوال لا أعلم أبداً… أنتِ من عليها إيجاد الإجابة"

زمت شفاهها لتمسك السوار وتكمل إعداده وإيڤار بقي مكانه ثم أخذ يعبث بخصلات شعرها ويراقب وجهها الذي يحمرّ تدريجياً فكتم ضحكته ليحتضنها سريعاً وقد أفلتت منه بعض الضحكات

صاحت به إيڤلي "دعني وتوقف عن الضحك!"

تنفس الصعداء قائلاً "آسف لكني اِفتقدتك… عليكِ أن تعلمي أني سأكون مزاجي كثيراً خلال الفترات القادمة لكن مهما حدث وأياً كان ما سأفعل أو أقول إعلمي أني أحبك" …

10
جلست إيڤلي على السجادة في غرفة المعيشة وأكملت صنع السوار خاصة أمس، أخبرها والدها ليون هذا الصباح أنه سيأخذ عطلة مع نفسه لمدة يومين في مكان بعيد وفارغ وسيفعل قبل ذكرة وفاة والدتها
أي أنها ستقضي بعض الوقت لوحدها مجدداً

هبط ليون السلالم برفقة حقيبته الصغيرة فنهضت إيڤلي واتجهت إليه لتبتسم بجانبية فصرحت "اِنتبه لنفسك"

حمل الخادم الحقيبة عنه وهو يودعه، عانقت إيڤلي والدها طويلاً إلى أن ذهب وقد ودعه إيڤار في الخارج

لم يكن بوسعها فعل شيء سوى الجلوس وإتمام عملها، جلس إيڤار أمامها وهو يراقب عملها ويتأفف كل لحظة

نظرت له باِستغراب فتلفظ "في هذه الحالة… الكعكة ستحلّها"

عقدت حاجبيها متمتمة "كعكة؟…"، سحبها خلفه متجهاً للمطبخ ليرحب بصوت مرتفع بالخدم ما جعلهم يستغربون أمره

" أريد إعداد كعكة بنفسي أيمكن لأحدكم إرشادي؟"

"جميعنا نجيد إعدادها و إيڤلي أيضاً"

رمش بلا تعابير ليتفوه "حسناً يبدو أني الوحيد البلا فائدة هنا… هيا أريد أن أتعلم" اِرتدى مئزر المطبخ الإضافي فكتمت إيڤلي ضحكتها على شكله ليرمقها بحاجب مرفوع فزمت شفاهها ومازال بطنها يهتز

زفر أنفاسه ليحرك شفاهه "ما بكم؟ اِقتربوا أريد التعلّم، إيڤلي اِجلسي على النضد أنتِ ستتذوقينها"

رفعت حاجبيها لتتذمر "لا! أريد تقديم المساعدة أيضاً"

سحبتها إحدى الخادمات لتجلس على الكرسي وتضم يديها إلى صدرها وتنفخ وجنتها، لكن سرعان ما ارتكب إيڤار خطأ أجهشت بالضحك فرمقها مجدداً قائلاً "أنتِ فتاة سيئة! توقفي عن الضحك"

مسحت الدموع أطراف عينيها لتستطرد "آسفة"

لكنها لم تتوقف عن الضحك إلى أن وضع الكعكة أمامها وهو يضم ذراعيه وينتظرها، اِبتلعت ريقها فقد احترقت قليلاً من السطح لتتمتم "لا بأس مجرد كعكة محروقة أعدها رجل مضحك"

تناولت قطعة صغيرة بحذر لتتنهد براحة قائلة "يا إلهي ظننتها ستكون مروعة لكنها جيدة"

رفع حاجبيه ليتفوه "شكراً لجميع من ساعدني، يمكنكم تناول البعض الآن بأمان"

بعد قضاء ذلك الوقت اللطيف رأت إيڤار يشاهد ألبوم صورهم القديم في غرفة المعيشة وهو يضحك بقوة

ركضت بسرعة إليه لتصرخ متخصرة "لماذا تضحك على صور عائلتي!"

رفع لها الألبوم وهو يشير بإصبعه إلى صورتها عندما كانت صغيرة وهي تبتسم ابتسامة كبيرة بعدما اقتلعت سنها، فشهقت لتحاول سحب الكتاب سريعاً لكنه قفز عن الأريكة وهو يستمر بالضحك

ضربت قدمها بالأرض قائلة "إيڤار لديك خياران إما أن تعطيني إياه أو تشاهده دون أن تضحك بهذا الشكل"

قلب الصفحة التالية ليصيح من بين ضحكاته "يا إلهي ما هذه الصور التي لديكِ!"

ركضت باِتجاهه فهرب الآخر ومايزال يجهش بالضحك وأخذا يدوران حول الأريكة فشاهدوهما الخدم ولكنهم لم يتدخلوا فالمنظر المضحك هذا لا يُفوَّت

وأخيراً أمسكت به لتسحب ألبوم الصور سريعاً قبل أن يقوم بحيلة أخرى، لكنع رفعها فجأة على كتفه وأخذ يركض لتبدأ هي بالصراخ وقضيا كل الوقت بالحيل والمطاردة والإزعاج

وفي الليل، وجدت إيڤلي نفسها في غرفة والدها وتبحث عن كتاب المذكرات، كانت ساعة متأخرة من الليل والخدم نيام

لم تترك زاوية لم تبحث بها لكنها لم تجد هدفها فوضعت كلتا يديها على رأسها بخيبة لترتب المكان جيداً وتطفئ الأنوار وتخرج فدب الرعب في قلبها عندما رأت إيڤار واقف أمام الغرفة بأعينه الحالكة

ازدردت ريقها قائلة "إيڤار لقد أخفتني…"

صمت مطولاً ثم تفوه "إيڤلي… أعتقد أني أعرف أين كتاب المذكرات"

رفعت حاجبيها فأمسكها من يدها وسحبها نحو حديقة المنزل ثم توقف أمام شجيرة الورد
نظرت له باِستغراب ليتلفظ "لطالما كانت هذه النبتة هي أول ما ينظر إليها ليون في كل مرة يدنو فيها من الحديقة"

تنهدت لتتلفظ "أمر طبيعي خصوصاً أن أمي كانت تحبها وتهتم بها"

تبسم بخفوت ومازالت أعينه مخيفة ليتفوه "إيڤلي… منذ أن فقدت والدتك كان ليون يمنعكِ عن الاِقتراب من هنا بطريقة غير مباشرة… اِعتصري ذاكرتك قليلاً وستعرفين ما أقصد"

أخذت نفس عميق لتتفوه "أخبرني هل تستطيع نبش الكتاب دون أن تؤذي الشجيرة؟… لأني لا أريد لأبي أن يلاحظ"

أومأ إيڤار وقد اِتسعت ابتسامته إلا أن إيڤلي اِستشعرت خوف دفين في أعماقها لم تعلم سببه…

وبعدها… كانت جالسة في غرفتها مع إيڤار أمام المنضدة التي وُضِع فوقها ذلك الكتاب الذي تلفّه الأكياس البلاستيكية المتسخة بالوحل

حررت الكتاب من كل ذلك وفتحته على مصرعه من المنتصف تلقائياً، نظرت نحو إيڤار وهي لا تجرؤ على القراءة فتفوهت بخفوت "أنا خائفة… أشعر أني أقوم بشيء خاطئ… في هذا الكتاب شيء لا يريدني أبي أن أعرفه لهذا السبب خَبّأه مني…"

مازالت عينيه على الحالة نفسها، لكنها ليست خائفة منه فيدوي في مسامعها ما قال، أنه مهما حدث فلتعلم أنه يحبها،
ربت على كتفها قائلاً "إن كانت هذه رغبتك… يمكنني إعادته لمكانه… رغم أن شعور ما يخبرني أن فيه شيء مهم"

أغمضت عينيها بقوة لتهمس بعزم "حسناً… لا تهمني العواقب… سأقوم بقراءته"

وضعت الكتاب بينها وبينه ليتسنى له القراءة معها، وهذا ما كُتِب حينها:

اليوم راودني كابوس مزعج، نفسه الذي راودني في اليوم الذي اِكتشفت فيه أني أحمل إيڤلي في أحشائي… يخيفني بشدة هذا الشخص المجهول ذو الأعين المخيفة والشعر الذهبي… لا أعلم لمَ رأيت هذا الحلم الفظيع مرتين ولا أعلم لماذا قال مجدداً أنه سيقتل طفلتي قريباً، وعندما اِستيقظت تحققت من صغيرتي النائمة بغرفتها بين الدمى المحشوة وأنا أفكر في مستقبلها أو في الحقيقة أقلق

أقسم أني سأحميها بكل ما أملك من قوة وقدرة، سأفعل أي شيء لأبعد عنها الأذى… إنها إيڤلي طفلتي الجميلة من قد يؤذيها أصلاً_

اِرتجفت شفاه إيڤلي وقد توقفت عن القراءة والضعف شق طريقه إلى قلبها مجدداً، لم تتمكن من التماسك وانهمرت دموعها، فقدان والدتها كان صعب، ومازال صعب، ومازال ذلك الشعور الدفين بالوحدة يلازمها

مسح إيڤار بعض من دموعها ليعانقها برفق ويستطرد "لا بأس… أنا أشعر بذلك"

وبالكاد تمكنت من النطق من بين هذه الدموع "أنا آسفة… لم أتمكن من_" بترت جملتها بشهقة هاربة لتدفن نفسها في صدره

تنهد ليغلق الكتاب قائلاً "يكفي… في كل الحالات ستعرفين ما هو السر يوماً ما… هذا أفضل من أن تصابي بالاِكتئاب ثانية لهذا سأعيده لمكانه"

فصلت العناق سريعاً قائلة "لا!… علي قراءته… لن يحدث لي شيء لقد كانت مجرد لحظة مشاعر فائضة… حقاً أشعر بالإحراج من نفسي…" فتحت الكتاب مبتلعة ريقها
لتأخذ نفس مرتجف وتمسح باقي دموعها وتقرأ صفحة متقدمة

يا إلهي ما أسوأ هذا الشعور، لماذا نفس الحلم مايزال يتكرر منذ سنتين
إن قلبي يرتجف كلما فكرت بالأمر، أنا في حالة سيئة حقاً… في الأمس شاهدني ليون أسير في نومي للمرة الثانية هذا الأسبوع وأعادني لسريري وتأكد من إحكام الأبواب

نظرت إيڤلي فجأة في عيني إيڤار كأنها اِكتشفت جزء من ذلك السر… اِكتشفت شيء خطير للغاية، هو الآخر كان عاقداً حاجبيه وقد عادت عينيه للونهما الطبيعي، لم يعلق أي منهما فلا يمكنهما تحليل أي شيء بدون دليل قاطع لهذا تابعت القراءة متعدية بعض الصفحات

اليوم رأيت نفس الكابوس مجدداً، لكني تشجعت وسألته ماذا يريد مني ولمَ يهددني بإبنتي
أجابني بأن…

11
أجابني بأن إيڤلي ستكون مفتاح لأقفال مُحكمة… وإن فتحت هذه الأقفال ستكون نهايته لأنها ستقطع منه جزء قوي
طلبت منه التوضيح أكثر، وصرخت به كثيراً آنذاك بأني سأقضي عليه قبل أن يمس إيڤلي بسوء لكنه اِستهزأ بي وقال أتمنى ذلك وختم كلامه بغناء غريب

الأغنية كما أتذكر تنتهي بعبارة الضوء في ضلع السماء بارز والصوت على أفكارك حائز… فالإجابة بين يديكِ… وكل ما تريدين سيأتي إليكِ…

اِتسعت أعين إيڤار بعدما شاهد كلمات الأغنية فتلفظ بذهول "هذه أغنيتي..."

أمعنت إيڤلي النظر بالعبارات مجدداً لتضع كلتا يديها على رأسها قائلة "أقسم أني تهت أكثر من ذي قبل... ما الذي وصل بهذه الأغنية إلى سول في أحلام أمي؟"

وضع يده على كتفها ليتلفظ "إيڤلي لم أخبركِ للآن... أني كنت أسمع أغنية الأبدي يومياً كما تفعلين لهذا عندما اشترى والدكِ ذلك الجهاز نصحته بها... تأكدت الآن أن سول كان يعرفني منذ زمن بعيد... وأعتقد أنه يستفيد من بقائي على هذه الحالة المستوحشة لكن لا أعلم كيف..."

حدقت به طويلاً وهي تحاول ترتيب أفكارها، بعدما قرأت الكتاب شعرت كأنها كانت على السطح وغرقت فجأة، عقدت حاجبيها لتتفوه "قال أني مفتاح لأقفال محكمة... وإن فتحتها ستكون نهايته لأني سأقطع منه جزء قوي... أستشعر بكلامه شيء أشبه بأنه يتغذى عليك بطريقة ما وأنه سيموت بعد أن… وما أدراني"

قلب إيڤار الصفحة التالية ليستطرد "فلنأمل أن نجد شيء يحل لنا هذا اللغز"، كتبت الأم هنا عن يومها العادي ثم في ليلتها تقول أن هذا ما حدث

وأنا جالسة أمام التلفاز عاجزة عن النوم سمعت صوته الحي من مكان ما، شلت أوصالي وارتجفت، لقد كان يردد بتلك العبارة ثانية "الضوء في ضلع السماء بارز والصوت على أفكارك حائز… فالإجابة بين يديكِ… وكل ما تريدين سيأتي إليكِ…"

أنا أعلم تماماً أني لست مجنونة أو مصابة بعلة نفسية وأن كل ما يحدث حقيقي، كل شيء حقيقي لكن لا أحد يصدق

ها هو ذا ذو الشعر الأشقر قد جلس بجانبي على الأريكة وسألني إن كانت إيڤلي في غرفة مستقلة أم تخاف النوم لوحدها، حاولت بجهد أن أتماسك، وألا أفعل شيء قد يحدث ضدي لاحقاً

توسلته كثيراً، أخبرته أني سأفعل أي شيء لأن لا يَقتُل إيڤلي، لكنه رفض
وقال أن لا شيء يعوض ما يحتاجه غير موتها

لكنه لم يعلم قط، أني حللت نصف الأحجية، والباقي سيكون التخلص منه وإبعاده عن صغيرتي للأبد
الذنب ذنبه، لأن الضوء في ضلع السماء بارز والصوت على الأفكار حائز.

كان ذلك آخر ما كتبته الأم في هذا الكتاب، لم يتوصلا إلى شيء بعد وهذا ما خيبهما، أعاده إيڤار مكانه بعدما غلفه بالأكياس البلاستيكية،
وإيڤلي خلدت لفراشها لتنعم بالنوم أخيراً بعد صراع طويل مع القلق والتفكير

وهذا ما جعلها تستيقظ في وقت متأخر من النوم، نهضت مجدداً، قامت بروتينها، لكن بكسل هذه المرة، وكالعادة تناولت فطورها لكن إيڤار لم يكن موجوداً

سألت الخدم لكنهم لا يعلمون، بحثت عنه في كل مكان ولم تجده، لكنها لم تأبه كثيراً وأكملت يومها بشكل عادي

وعندما غربت الشمس وأيقنت أنه تأخر بدأت تقلق، لم يكن بوسعها فعل شيء لذا خرجت لحديقة المنزل وأجرت مكالمة مع والدها

"كيف حالك…… نحن… أجل نحن بخير"
أخبرها ليون أنه ربما قادم في الغد، لم تكن لديها الجرأة بعد لتنظر في عينيه وهي قد نبشت شيء لا يريدها أن تراه
لذا تمنت له العودة السالمة وأنهت المكالمة

كانت تراودها بعض المشاعر السلبية، لم تكن لديها الرغبة في العودة للداخل لكنها قررت في نفسها أن تشاهد شيء يملأ فراغها

اِستدارت لتجد إيڤار يقف خلفها بأعينه الحالكة والشرايين السوداء زحفت لكامل وجهه، عقدت حاحبيها لتتلفظ "أهلاً بعودتك… أتساءل ما خطب وجهك…"

تمتم بكلام لم تسمعه فاقتربت منه بعض الشيء وهي تطالبه بإعادة كلامه فتحدث وفي نبرته الغضب "أهربي! بسرعة ولا تلتفتي"

تقهقرت وقلبها يرتكض في صدرها قائلة "إيڤار… أهرب ممن؟"

"منّي" همس ليخطو إليها فاستدارت بدون تفكير وركضت بسرعة بين الظلمات خارجة من محيط منزلها الآمن
لا تعلم إلى أين ستذهب لكنها تذكرت ذلك اليوم الذي هربت فيه منه لأول مرة

هذه المرة هو حقاً سيؤذيها، هي تعلم ذلك، لأنه لم يكن ليحذرها إن كان يمزح، لم تتمكن من الإستمرار لذلك توقفت بعدما تأكدت أنه ليس خلفها، كان المكان بعيد للغاية وهادئ أكثر

حاولت إيجاد حل لهذه المشكلة، لكنها فشلت خصوصاً أن كل ما تعرفه هو أن شيء ما في داخله يدفعه لفعل كل هذا وأنه لم يكن ليفعل هذا في وعيه

استعدت للركض مجدداً لكنها رأت إيڤار أمامها ممسكاً بذراعيها بقوة، تبسم بجانبية ليتلفظ "خائفة ثانية"

ازدردت ريقها وأيقنت أنها النهاية فعلاً مجال للهروب، رفعها على ذراعيه واختفى تاركاً وراءه ضوء منتشر، غرقت في النوم خلال ذلك رغماً عنها
شيء ما كان يثقل عينيها وبالتأكيد هذه حيلة منه، من يدري متى قد تستيقظ أو أين أو إن كانت ستستيقظ فعلاً……

***★****★***
لم تأخذ وقت طويل حتى فتحت عينيها، وربما أيقظها ذلك الألم الفظيع في ظهرها

أدركت أن كل ما حصل لم يكن حلم بسبب كل الأشياء الغريبة والجديدة حولها؛ غرفة مظلمة كبيرة وطرازها عتيق لا مصدر للضوء فيها سوى باب الشرفة الموصد بالقضبان

زفرت أنفاسها بلا حيلة وأغمضت عينيها مطولاً محاولة أن تتماسك ولا تستسلم للبكاء والخوف، لتنهض وتبحث عن أي وسيلة أو مهرب، لكنها بالكاد تمكنت من رؤية طريقها فجلست مكانها على الأرض ووضعت كلتا يديها على رأسها لتتلفظ "لا بأس... سأكون بخير في النهاية وإيڤار سيعود لطبيعته"

تنهدت لتعاود الجلوس على سريرها وقررت أن تنتظر حلول الصباح حتى تبحث، بقيت تحدق في الظلمة لوقت طويل فوجدت نفسها تغني "الأبدي" بصوت خافت

وصلت للمقطع الذي تكرر في كتاب مذكرات والدتها؛... الإجابة بين يديكِ

رددت بتلك العبارة لتزفر أنفاسها قائلة "ما الذي قصدته... هل لتلك الأغنية علاقة بأي شيء هنا؟"

فُتح باب الغرفة ليمرر بعض الضوء وتبصر منه إيڤار القادم إليها، رأت السوار حول معصمه فتبسمت بسخرية لتتمتم "يبدو أنه نسي ذلك"

وقف أمامها وقد لفت الشرايين السوداء كامل وجهه فتلفظ "حاولي قدر ما تستطيعين... لن تنجحي بالهروب وروحكِ في جسدك"

حدقت به مطولاً فتفوهت "لا أعلم ما خطبك لكن... متأكدة تماماً أنك ستعود لرشدك قريباً... لأنك رفضت أن تكون الوحش الذي أراده والدك"

تبسم بسخرية لينخفض لمستواها فأبعدت ناظريها عن عينيه المخيفتين فهمس "ولمَ أنتِ متأكدة لهذه الدرجة؟"

زفرت أنفاسها لتواجهه ثانية لتستطرد بنبرة طبيعية "عد لرشدك... ماذا حدث لك؟ أنا لا أفهم أي مما يحصل"

اِعتدل ليجيب ببرود "ما حدث لي واضح... أني عدت لرشدي بطريقة ما وأفضل ما سأفعله أني سأتخلص منكِ"

لازَمها التفكير لثوانٍ، إذا تجاهلت أمر أنه مخيف قد تستفيد قليلاً ويتسنى لعقلها أن يفكر بلمس الروح، خصوصاً أنه يُستَفَز إن شتمه أحدهم فهي تتذكر ما فعله ليلة رأس السنة

لكن جزء كبير من هذا الإختيار هو الحصول على بعض المتعة قبل أن تموت، اِبتسمت لتصرح "قبل أن تتخلص مني... أيمكنك أن تجلب لي بعض الطعام"

اِنسحب من الغرفة بصمت تاركاً الباب مفتوح فهمست "ربما مازال فيه خيط من الإنسانية"

اِستغلت الوضع سريعاً وخرجت من الحجرة، لم ترَ شيء يختلف عن قصر قديم ومخيف من كل النواحي خلال نزولها تلك السلالم ودخولها تلك الممرات
لكن الشيء الوحيد الذي كانت تبحث عنه هو باب الخروج ولم تجده، كل ما تراه في طريقها غُرف وممرات وسلالم كأن هذا المكان ليس له نهاية

فقررت أن تعود أدراجها لأنها تشك بأنها تاهت وأخذت تصعد السلالم مجدداً لكنها وجدت نفسها في رواق ينتهي بشرفة صغيرة، إنطلقت إليها بركض وأخذت تتخيل نفسها تهرب وتصل لبيتها وتحتجز نفسها في غرفتها
وتمسكت بالدراب بقوة لكن قلبها سقط عندما رأت الإنخفاض السحيق الذي في الأسفل وإرتفاعها الشاهق عن هناك فاِندفعت للخلف ووقعت بينما تلتقط أنفاسها

الآن تأكدت أنه لا يوجد أي مهرب، اِستلقت على الأرض باِنهزام وأغمضت عينيها وسالت تلك الدموع الضعيفة منهما

بقيت مكانها لوقت طويل، لم تكن لديها القدرة على النهوض، هي فقط تمنت أن تفتح عينيها وتجد أن كل ما حصل كان مزحة أوحلم

لكنها حالياً لا تعلم ماذا ستفعل أو ما تريد أن تفعل كأن عقلها توقف

جلس إيڤار على ركبتيه أمامها قائلاً ببرود "خرقت تواقعاتكِ صحيح؟"

نظرت له بلا تعابير فحركت شفاهها "دعني وشأني"

"لا تحاولي الهرب ولا تفكري فيه حتى… حياة صديقتكِ ووالدك بين يدي…"

نهضت بجلوس لتتفوه "لا تقلق… إعتبرني سأضحي من أجلهما"

همهم ليأخذ بيدها وينهض ويسير بها على السلالم قائلاً "إبقي في غرفتك… لا أريد لروحكِ أن تتعب"

***★****★***

لم تأخذ آكي وقت طويل حتى أبلغت الشرطة، بالطبع ستظنه خاطف بعدما جاءتها إيڤلي بتلك الحالة المذعورة وطالبتها بإغلاق النوافذ

لكن في ذاكرتها فراغ صغير لا يمكنها رؤيته، ذلك الفراغ هو عندما قام إيڤار بجعلها تسير في نومها

وقد وصل السيد ليون بعد فوات الأوان وأخذ يبحث عن إيڤلي في كل مكان، إلى أن سأل آكي وهي أخبرته بكل ما تعرف

وهناك وضع كل اللوم على نفسه لأنه لم يتمكن من حمايتها أو حماية أمها من تلك المخلوقات التي تتغذى على الأرواح

مازال يتذكر يومياً كيف رأى جثة زوجته على الأرض أمام المنزل؛ الوالدة كانت تسير بنومها تلك الليلة وسقطت من حافة السطح بسبب سول

نبش ليون كتاب مذكراتها من جديد، وأخذ يبحث فيه عن أي وسيلة لإنقاذ إيڤلي، فزوجته أخبرته في نفس الليلة أنها وجدت الحل لزوال كوابيسها ومشاكل نومها ولكن سول قتلها قبل أن تفعل…

***★****★***
"بالتأكيد هذا حلم"
همست إيڤلي عندما وجدت نفسها في غرفتها تحديداً على سريرها وكتاب المذكرات بين يديها، قلبت صفحاته سريعاً فوجدتها خالية تماماً

نهضت من مكانها ونظرت في المرآة لكنها لم ترَ نفسها وهذا ما جعلها تتأكد من الأمر، تطلعت على الشرفة فوجدت أن الشمس على وشك الشروق وإيڤار واقف في حديقة المنزل بثبات، رأت وجهه وأعينه الذهبية، لقد كان طبيعياً لكن ما يزعجها أنها عالقة بحلم وعليها اِستغلال الأمر

تمتمت "علي أن أبحث! أبحث عن طريقة للمس الروح! يجب أن أستغل هذا حتى لو كان حلم"

ركضت سريعاً للخارج لتصرخ "أبي!… لا مستحيل أن أجده! إنه حلم في النهاية…"

رأت ساعة معلقة على الجدار تشير بعقاربها للرابعة فجراً، تفاصيل هذا الحلم تخيفها فكل شيء يبدو حقيقي إلى حد ما

لم تعلم من أين تبدأ ببحثها لكنها وجدت نفسها فجأة في مكتب ليون، سمعت صوت أغنية الأبدي من هذه الغرفة لكنها لم تجد الشريط

خرجت لتنزل السلالم متجهة إلى إيڤار الذي لم يتحرك بعد، وقفت أمامه لتصرخ "أخبرني كيف سألمس روحك!؟"

نظر لها بلا تعابير، ولم يجبها فصرخت مجدداً "أجبني بسرعة قبل أن أستيقظ!"

أغمض عينيه فتفوه "الإجابة بين يديكِ"

تحسست شيء بارد في كفها، نظرت ليدها لتجدها ممسكة بشيء أبيض ومكسور فرفعته لتتفحصه جيداً لكنها لم تعرف ما هو هذا

نظرت حولها فلم تجد إيڤار لتصرخ "أين أنت!! أخبرني ما هذا أرجوك!"

……غابت رؤيتها بالظلمة وفتحت عينيها لتجد نفسها على ذلك السرير وفي تلك الغرفة القديمة، نهضت تتحسس رأسها بأعين ناعسة وهي تعاود تخيّل أحداث الحلم كي لا تنساه لأن حياتها تتوقف على ذلك الحلم

إتسعت عينيها لتهمس "لا…" خانتها ذاكرتها ونَسَت ما هو الشيء الذي كان بيدها، الإجابة التي كانت بين يديها لم تعد في ذاكرتها بعد الآن

آخر أمل تم نسيانه، صرخت بنحيب "تذكري!!" ضربت رأسها لتصرخ "ماهو ذلك الشيء!!"

شهقت بيأس وسالت دموعها، لم تعد قوية بعد الآن فها هي تستسلم من أول عثرة، لترتمي على سريرها مجدداً متمتمة "أريد رؤية أبي… وآكي وابن عمتي وكل الأشخاص الذين أحبهم… أريد رؤية إيڤار وهو بخير… بئساً لهذه الذاكرة"

بكت لوقت طويل دون فعل أي شيء غير لوم نفسها، تذكرت إيڤار عندما اعترف لها وعانقها، تذكرت كل شيء يتعلق به، فنهضت فجأة لتمسح دموعها هامسة "ربما لمس الروح ينجح من كلمة!"

ركضت للخارج وقد كان الباب مفتوح، مشت بحذر في الرواق وهي تبحث عن إيڤار لكنها لم تجده فصرخت "أين أنت!"

"خلفك"

اِستدارت لتزفر أنفاسها متمتمة "لا أعلم كيف سأبدأ"

تحدث إيڤار ببرود "إن كنتِ تحاولين التوسل فلا داعي… الليلة ستموتين"

نظرت له طويلاً وهي تمنع نفسها عن توبيخه والتمرد عليه لكنها تنفست الصعداء لتتلفظ "ربما سأندم على ما سأقول لاحقاً لكن… أنا أحبك"

حدق بها ببرود طويلاً وهي تعبث بأصابعها بشعور ببعض الندم على ما قالته فاستطرد ببرود "من تحبينه هو إيڤار وليس أنا"، استدار مستعداً للذهاب فأمسكت ذراعه قائلة "أنت إيڤار… أعلم أنك موجود"

"تحلمين كثيراً إيڤلي… لا تتحدثي إن كنتِ لا تفهمين ما يحدث"

"أنت تستفزني" تحدثت بصوت خافت لتعاود دخول غرفتها وتقضي بها الكثير من الوقت بالتفكير ومحاولة تذكر الشيء الذي كان بيدها في الحلم، وأيضاً تشعر باليأس وكانت تكره نفسها أكثر فهي من أوصلت نفسها إلى هنا

تطلعت إلى الشرفة المغلقة فتمكنت من إبصار الليل، هي لا تعلم إن كان منتصف الليل أو ما بعده، كل ما تعلمه أن إيڤار قادم ليأكل روحها

وفتح باب الغرفة وبقيت واقفة مكانها كأنها لم تعد تهتم، تحدث ببرود "لديكِ خمس دقائق لا أكثر حتى أعود وأفعل ما يتوجب فعله"

تبسمت لتتلفظ "يمكنك العودة بعد دقيقة"

لم تسمع إجابته، وتذكرت كم أن فترة الاكتئاب التي مرت بها كانت سيئة وهناك احتمال أنها تعيشها مجدداً لآخر خمس دقائق من حياتها، فكرت بالهروب لكن فات الأوان فحتى لو نجت ستكون عائلتها بخطر

نظرت خلفها للحظة لكن غريزة الهروب تتدفق فيها ولا يمكنها كبحها، ربما ظهرت تلك الغريزة الآن لأنه لم يتبقَ الكثير من الوقت فركضت سريعاً وفتحت الباب لتنزل السلالم اللولبية باحثة عن أي مخرج

لم تكن آبهة لإرتجافها أو خفقات قلبها كل ما يهم هو طريق الخروج، صرخ إيڤار من خلفها "لا تتعبيني وارجعي! لن تتمكني من الهروب مني!"

صعقت لسماع صوته وخطواته خلفها فأسرعت بالنزول متعثرة وهي تتعدى ثلاث درجات في قفزاتها كي لا يمسك بها

لكنها شعرت بيده تنزلق على ذراعها فصرخت بنحيب "دعني وشأني!" قفزت للمرة الأخيرة واندفعت داخل إحدى الغرف لتغلق الباب وتدفع إحدى الخزائن بصعوبة لتسقط أمام الباب

نظرت حولها والدموع تشق طريقها على وجنتيها لتدرك أنها غرفة شاسعة مهجورة يتوسطها بيانو أسود يغطيه الغبار تقابله شرفة مفتوحة الأبواب تتيح لها رؤية الوقت المتأخر هذا

اِقتربت من البيانو بينما تمسح دموعها رغم أنها لم تتوقف لتضغط على أول مفتاح ببطء وبلا تفكير فاتسعت عينيها وأطلق قلبها خفقة قوية لتنظر خلفها نحو الباب حيث إيڤار يوشك على الدخول لتتمتم "الشيء الذي كان بيدي هو مفتاح بيانو!"

مسحت دموعها سريعاً لتجلس على الكرسي هامسة "الأبدي أجل! أنا متأكدة"

وبدأت بالعزف بذعر وبسرعة وها هو إيڤار قد حطم ما يعيق طريقه وصدره يعلو وينخفض ونظرته حادة مخيفة

لم تلتفت له رغم أن تركيزها عنده وعند المسافة التي تفصل بينه وبينها، وأسرعت أكثر بعزفها لكن لم يتغير شيء مازال إيڤار يسير إليها ببطء

صرخ بها "توقفي هذا لن يفيدك!"

صرخت ببكاء "لن أدعك تفعل هذا!"
أوشكت على إنهاء الأغنية وإيڤار أسرع بخطواته وكاد أن يلمس كتفها لكنه اندفع للخلف جاثياً بمجرد أن أضاءت الشمس وجهه من الشرفة

مرّت بذاكرتها تلك العبارة "الضوء في ضلع السماء بارز والصوت على أفكارك حائز…" كانت حقاً الإجابة بين يديها فالضوء هو ضوء الشمس والصوت هو الأغنية
لكن ما تريد لم يأتِ إليها تماماً وكانت تخشى أن تخفق ويحدث شيء يقلب الأحداث

صكت على أسنانها بينما تسمع صراخ إيڤار ونقرت آخر مفتاح لتنهض سريعاً مبتعدة للخلف تنتظر حدوث ولو حتى شيء واحد بصفها

لكن إيڤار توقف عن الصراخ وارتخى جسده وسقط بلا حركة لتهرع إليه بخوف وتجثو قربه، لم يتحرك ولم تسمع صوت أنفاسه والشرايين السوداء انسحبت من وجهه

حركت كتفه هامسة بنشيج "إيڤار…"، رددت ثانية بارتجاف " هيا انهض…" لكنه لم يتحرك فتراجعت للخلف ونهضت لتكتم شهقاتها

بقيت مكانها تراقبه باكية وقد أنارت الشمس المكان بأكمله لكنها لم تكن كافية لتنير الظلام الذي شعرت به إيڤلي

"لمَ البكاء الآن؟" نطق ورفع جفنيه عن أعينه الذهبية بوجه باسم…

النهاية.

12542 كلمة.

Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro