CH-16-THE END.
.....
"Baby,I found You!"
.........
حركت يدهُ البسيطة التي
أشارت نحويّ بعد وقوفه أمامي منادياً
بأسمي كان لها أثر أكثر مما توقعت.
كما لو أن عاصفة هبت..
برقت سماءها ثم رعدت وأمطرت
كما لو أن هواء العالم بأجمعه أحتبس
في جوف صدري الذي أنغمس عميقاً—،
عميقاً بداخليّ،ثم آرتخت باقي آطراف جسدي.
كان هذا أثرهُ الباقي من رحيله،
أثرهُ المُفاجئ والذي بقيتُ أفتش عنه
طوال الأسابيع الماضية،أثر جيمين الذي
وضعهُ سراً بداخليّ كقنبلة موقوته ثم أختفى
وحينما آن وقت ظهورهُ تفجرت كل خلية بيّ
لتتركني عاجزة عن الفهم.. عن الرد.. عن
تقبل حقيقة أنهُ كان هو منذ البداية.
"آيرلا!" نبس يُنادي مرة آخرى وقلبي
فعل فعلتهُ الآخيرة وأنتفض بعنف آلمني
حتى العظم.
"أنتِ بخير؟"
"بخير.." همست بخفوت، بنبرة بالكاد
تُسمع لأرفع من نظري إليه بغاية تكرار
جوابي بصوتي الهزيل ولكن البسمة
الصغيرة التي تعلقت فيّ شفتيه أكدت
ليّ أنهُ سمعني بالفعل.
"سررت لذلك..، ماذا تفعلين هنا بمفردكِ؟"
"..أنا.." فتحت فمي لعدة مرات، بتعثر
حاولت إيجاد جواب لسؤاله ولكني أنحشرت،
أنعقد لساني وما عاد بوسع صوتي مغادرة
حلقي لأنظر إليه بصمت.
"أنتِ.." كرر خلفي بنفس الإبتسامة
قبل أن يلوح بيده في الهواء يُشير إلى
المقعد الخشبي الذي كنت أجلس عليه
قبل وهله.
"أنتِ لستِ بخير!" قال فور أن أتخد
لنفسه مكاناً بالقرب مني "هذا يبدو جلياً
على ملامحكِ..هل تعانين من الحمى؟"
"أنا بخير!" قلت من فوري "فقط..
أعتقد بأنني لم أكن مستعدة لرؤيتك"
"وهل رؤيتكِ ليّ ليست جيدة؟" تابع بعد
صمت طفيف وهو يُميل من وجهه نحويّ
لأنظر إليه ببلاهه وأنا أرمش دون توقف.
"بالطبع ليس كذلك!" قلت بإنفعال فور أن
تموضعت كلماتي برأسي "لست أقصد ذلك..
قطعاً! أنا لم أتوقع رؤيتك بهذه البساطة
بعد غياب طويل.. أعني على الأقل لم أفكر
بأنك قد ترغب في رؤيتي مجدداً بعد آخر
مرة—"
"هونِ عليكِ.. لابأس!" قاطعني بعينان
مندهشة وهو يلوح بكفهُ أمامي "أنا فهمت
جيداً مقصدكِ.. لا داعي—"
"كلا،أنا حقاً لم أعني ذلك" قاطعتهُ هذه
المرة وأنا أسحب جسدي فوق الكرسي
لا إرادياً "جدياً جيمين.. أنا كنت قلقة عليك
حقاً، لم أعرف ماذا أفعل حتى أعثر عليك أو
على الأقل أسمع صوتك، لقد خشيت من فكرة
حدوث أمر ما لك وأنت بمفردك—"
"كنت بخير.. لم يحدث لي شيء والأن
خذي أنتِ نفساً عميقاً قبل أن
يحدث لكِ شيء ما!"
"أنا بخير تماماً!" أعترضت أنهض عن
المقعد ليفعل مثلي مُشيراً "ولكن وجهكِ
لا يقول هذا"
"كما يفعل وجهك أيضا" أردفت بإنفعال.
"ماذا؟.. وكيف يفعل وجهيّ بربك؟"
"جيمين.. أنا رأيتُكَ صباحاً—"
"وما الذي رأيتيه تحديداً إيرلا؟"
"..كُنت تتجه نحو منزلك.." أشرت بعدم
ثقة وأنا أتململ في وقفتي.. لا أدري
ماذا أفعل بنفسي ولماذا حتى أخبره عن
هذا الأن ولكن رأسي مشوش بطريقة
غريبة جداً.
"آيه إيرلا،ماذا بعد.. ألا يذهب الجميع
إلى منازلهم؟"
"يذهبون.." أجبتهُ بصوت صغير
"..لكن ما أقصدهُ هو تلك.. تعلم.. تلك—"
"كلا،لا أعلم" قاطعني وهو يأخد خطوة
أقرب إلي "تلك ماذا إيرلا؟ أخبريني!"
"جيمين.. تلك.. الفتاة" هسهست بأنفاس
ثقيلة وأنا أخفض من رأسي أتجنب
رؤية عيناه.
ضعف شديد أحتل جزء بداخليّ، ضعف
غريب لستُ معتادة عليه يراودني ويهز
قوتي وثقتيّ بنفسي.. لا أعلم ما شأني بتلك
التي كانت برفقته ولكنني لا أشعر بخير أبداً
منذ رؤيتها بجانبه، لا أشعر أنني بخير وفكرة
أنه أمضى الوقت برفقتها طوال الليل ثم
أخذها إلى منزله؟.. كلا، لا أستطيع التحمل.
"أنتِ تدركين بأن ما تفعلينهُ خاطئ؟"
نبس جيمين يقطع سلسلة تعذيبي لنفسي
"تعرفين جيداً بأنهُ لا يُمكنكِ التفوه بأشياء
كهذه.. لا يُمكنكِ في حين أنكِ بعيدة جداً"
"ما الخطأ في هذا؟" تساءلتُ بعدم فهم وأنا
أنظر أخيراً بين عينيه والتي برقت للحظة
بطريقة.. جميلة جداً.
"أنتِ بعيدة عنيّ إيرلا، أنتِ من فرض
عليّ هذا.. بل علينا، أنتِ الوحيدة التي
أردت من هذا أن يحدث.. والأن لا يُمكنكِ..
لا يُمكنكِ فعل هذا بيّ مجدداًً!"
"جيمين حباً بالله لا تصرخ!" غمغمت
بإنفعال وأنا أسحبهُ من مرفقه لنتحرك عندما
ألتقطت بعض الأنظار تُحملق بنا بفضول.
"عن أي خطأ تتحدث؟ ما الذي تهذي
به أنا حقاً لا أفهمك.. حسناً، رُبما لا يحق
ليّ سؤالك عن أي شيء،بالنهاية أنها حياتك
الخاصة.. أعني.. أنظر.. أنا فقط أشعر
بأنني لستُ بخير.. لقد أنتظرت عودتك للمنزل
على مدار أسبوعين، أتصلت بك مراراً ولكنك
لم تجيب ولم تعد مطلقاً.. لذا رؤيتك..
تبدو بخير جداً صباحاً.. بجانبها.. أزعجتني
قليلاً، أعني لا أعلم شعرت بالضيق من أنك
خارجاً تستمتع بوقتك حتى الصباح وأنا
أموت من القلق والندم.." حككت مقدمة رأسي
بتوتر عندما توقفنا بجانب الشارع الرئيسي
بعيداً عن الحديقة وعن الناس ولكنني
لازلت أشعر بعدم ثقة.. لا أزلت أشعر بالفراغ.
"دعيني أوصلكِ!" قال بعد صمت طويل
وهو يكبس زر في يده لتضيء السيارة التي
على مقربة من المكان الذي نقف به.
هل تجاهل كل ما قلته للتو؟
"لا أريد!" أجبت بإنزعاج خفي وأنا أشيح
نظري عنه أنظر إلى سير حركة الطريق
"سأعود بمفردي"
"إيرلا" نبس أسمي مُحذراً ولكنني
تجاهلتهُ كما فعل تماماً وبدأت أسير في
الأتجاه الآخر منه.
"توقفِ عن التصرف بطفولية ولنذهب!"
قطع طريقي بتوقفه أمامي بملامح
منزعجة بوضوح "كلانا نذهب في نفس
الإتجاه ونفس المنطقة—"
"أخبرتكُ بأنني لا أريد!" قلت بعناد.
"هل هو بسبب يونغي؟" قال فجأة
بعينان أحتدت "أن كان كذلك يمُكنني
ترككِ—"
"ما شأن يونغي الأن؟" أردفت وأنا أقلب
عينايّ "أنت لا تعتقد بأنهُ كان يتحكم مع
من أذهب ومن أغ—"
"كان؟" كرر بعينان ضيقة وهو يقترب
"ماذا يعني كان؟"
"كان.. يعني.. كان" أجبت بتلعثم
للطريقة التي أصبح ينظر بها إلي.
"أوضح إيرلا،بشكل أوضح..
هل كان بالطريقة التي أفهمها أم
أنهُ—"
"لا شيء جيمين" قاطعتهُ بعجل
"أن كنت ستُطيل الحديث دعني أذهب!"
.........
طريق العودة كان مليء بالصمت
وخفقان قلبي الذي لم يتوقف لثانية
عن الصفع بداخليّ بقوة غريبة،
جيمين كان هادئ، ساكن تماماً
فوق مقعده ويداهُ وحسب تتحرك حول
المقود، بالكاد تحدث كلمتين.. ولكنهُ
لم يكف عن إستراق النظر إلي بين
كل حين وآخر، لم يتوقف عن فتح
شفاههُ بدرجة بسيطة كما لو أنهُ يُريد
قول شيء ما، يُريد التحدث ولكنهُ لم
يفعل أبداً وبقي على صمته.
عند وصولنا إلى منزلي وقبل أن
أغادر السيارة سمعت صوت تنفسه
الحاد لأشعر بقشعريرة على طول
جسدي لأستدير بدرجة بسيطة
حتى أرى ملامحه ولكنني تجمدت
في مكاني عندما ألتقيت بعيناه
التي كان ينعكس عليها بعضاً من
أشعة غروب الشمس تُحدق بي
بثبات تام أرجف قلبي أكثر.
دفء اللون البرتقالي كان منعكساً
تماماً على جزء من عينه اليمنى
حتى أسفل وجنتهُ بقليل، كان
جميل بشكل مؤلم، تقاطيع وجههُ
باهرة وعيناهُ تلمع كما لو أن نجوم
السماء تسبح بداخلهما.
"إيرلا.." همس لينتشلني من
أرض خيالي البائس لأحدق به
بتشوش.. لا أدري ما بالي ولكنني فجأة
لا أريد الذهاب عنه، لا أريد المغادرة
وتركه خلفي.. لا أعلم أي شعور هذا
الذي أستحود على كل خلية بيّ
ولكنني أعلم بأنهُ شيء جديد كلياً
أحساس لم يطرق باب قلبي مطلقاً
مشاعر لم تغمرني حتى وأنا أتخبط
للحصول على يونغي.. شيء مرّ بقبضته
الشديدة على صدري ولكنهُ في نفس الوقت
حلو لأنني متقبلة الشعور به.. راضية.
"لا أستطيع تجاوز ما قلتيه سابقاً—"
"أنا ويونغي أنفصلنا!" قلت فجأة وأنا أزفر
أنفاس قوية من فمه عندما شعرت بسائر
جسد جيمين يلتف على المقعد.
"أنفصال؟" كرر بنبرة بدت مذعورة
"متى حدث هذا؟ متى كنتما معاً حتى
تنفصلا الأن!"
"هو طلب مني الخروج في موعد معه
قبل تلك الرحلة،وأنا فعلت حينما قبلت
القدوم معهم في صباح اليوم التالي، أستمر
الأمر لعدة أسابيع.. ولكنني بعدها.. لم أقدر!"
تحدث بعجل وأنا أهز أحدى ساقيّ بكثافة..
هناك شيء بداخلي يوشك على الأنفجار.
"إيرلا.." همس جيمين بصوت مبحوح،
ومن طرف عيني أستطيع رؤية أنهُ يقترب،
جسدهُ يُصبح أقرب إلي مع كل ثانية بطيئة
تمرّ حتى شعرت بذلك... تلك اللمسة
الخفيفة من أصابع يدهُ الباردة على طرف
وجنتي.. بنعومة مسح هناك لأشعر بكل جزء
بي يستنفر حتى أن جذور شعري قد تخدرت.
"لست أعرف شيئاً عن هذا أو عن طريقة
جيدة للبدء فيه لكن أنا سعيد جداً.. قد يبدو
قوليّ هذا أنانياً ولكني أشعر براحة عظيمة"
أردف وهو يقترب أكثر حتى بات طرف أنفه
يوشك على ملامستي.
"انا حقاً أود تجربة هذا معكِ، أريد
فعل كل شيء برفقتكِ، أريد أن نصبح
جيدان معاً.. أريد فعل الكثير والكثير
ولكنني أخشى من عدم قبولكِ.."
"كل ما أريده هو أن تعرفِ بأنني
أحبكِ حقاً،لا يهم كم بعدتُ وكم طال غيابي
وكم حاولت الفرار والإختفاء بعيداً عنكِ
ولكنني لا أستطيع.. أنظري إلي حباً بالله،
كل ما أردتهُ هو العودة و وضع مسافة آخرى
بيننا ولكن لم أستطع، لمُجرد رؤيتكِ تقفين
لوحدكِ شعرت كما لو أن كل مخططاتي وحصوني
التي شيدتها بالإبتعاد عنكِ أنهارت.. ما بالكِ الأن
وأنت تخبرينني عن أنفصالكِ؟ لقد أحببتكِ
منذ وقت طويل إيرلا!" قال بنبرة يائسة
بوضوح وهو يغرق جسدهُ على المقعد بعيداً
عني قبل أن يتابع بذات النبرة "لكنني كنت
جبان كفاية حتى أستطيع الوقوف أمامكِ
بعد إعترافي بذلك الشكل المخزي!"
أعتراف بشكل مخزي؟
هل يقصد اللحظة التي قبلني بها
أم.. ذلك اليوم؟
لم أعد أعرف شيء.. التوتر أشعر وكأنهُ
بات مرئياً حولنا وكثافتهُ تكاد تبتلعني
في مكاني.. لا أعلم ماذا أفعل لاسيما وهو
يكرر أعترافهُ للمرة الألف.. لقد قالها بوضوح
قال أحبكِ دون تلعثم، دون تردد.. قالها وهو
ينتظر رداً هذه المرة، ينتظر جواباً يجعلهُ
يحسم أمره.. هذا واضح جداً من الطريقة
التي أنفعل بها وحركة يدهُ على جبينه..
كان ينتظر.
سرعان ما علتّ زفرة طويلة مع صوت
ضرب المقود لعدة مرات عندما وعلى حين
غرة من نفسي أيضاً أنطلقت سريعاً بإرخاء
عتله الباب للهروب من السيارة والركض
بتعثر نحو منزلي.
..............
”في ساعةٍ متأخّرةٍ من الليل،
يُداهمها حبّه، هو رجلُ الوقتِ ليلًا،
يَأتي في ساعةٍ متأخّرةٍ من الذّكرى يُباغتُها
بينَ نسيانٍ وآخر، يُضرمُ الرَّغبة في ليلِها
ويرحل، تمتطي إليهِ جنُونَها، إنَّ للرغبةِ
صهيلًا داخليًّا لا يعترضُه منطقٌ فتشهق،
وخيولُ الشّوق الوحشيّة تأخُذُها إليه، هو
رجلُ الوقتِ سهوًا حبّه حالةٌ ضوئيّةٌ في عتمة
الحواسّ يأتي، يُدخل الكهرباء إلى دهاليزِ
نفسها، يوقظُ رَغباتها المستترة يشعل كلّ
شيء في داخلها ويمضي فتجلس، في المقعد
المواجه لغيابه، هناك حيث جلس يومًا مقابلًا
لدهشتها تستعيد به انبهارها الأوّل.“
"أبنتي؟" تردد صوت والدتي
في أذنيّ لأرفع عينيّ عن الكتاب الذي
أقرأهُ منذ وهله.
"أمي"
"ماذا تفعلين بمفردكِ،لمَ لا تُشاركيني
أنا و والدكِ غرفة المعيشة؟" سألتها
بقلق طفيف وهي تنظر إلى حال وجهها،
لقد كانت باهته بوضوح.. إيرلا لم تكن
بأفضل حال كما السابق ومع ذلك
لم تُحاول أظهاره لوالدتها على الرغم
من إدراكها بأنها تعلم.
"أشتريت كتاباً ما.. لا أعلم
شعرت بالفضول نحوه و وددت
تصفحه!" أجابتهُ بإبتسامة صغيرة
وأنا احرص على وضع أصبعي حيث
الصفحة التي أمضيت آخر عشر دقائق
اتأملها بلهفه.
"على آيه حال.. صديقكِ في الأسفل—"
"أي صديق؟" قفزت من مكاني ليقع
الكتاب بين قدماي لتجذب ردة فعلي
عينيّ والدتي والتي ناظرتني بحاجب
مرفوع.
" قال بأنهُ جونغكوك.."
"جونغكوك هنا؟" قلت بتعجب.
"في الأسفل ينتظركِ، قال بأنكما
على موعد لتناول العشاء معاً!"
"سيأخذني للعشاء؟" قلت ببلاهه
وأنا أتجه نحو النافذة ألقي نظرة
على الشارع الفارغ.
ما تزال السابعة ولكن الحيّ الذي
نقطن به يبقى خالياً دوماً في هذا
الوقت.
"إيرلا!" نده جونغكوك بإبتسامة
عريضة فور أن لمحني ليُشير لي
بالنزول.
"أعني لا يبدو وأن والدكِ مسرور بهذا
ولكن لا أستطيع التفريط بذلك الصغير
يبدو متحمساً للخروج!" أشارت والدتي
ضاحكة وهي تنظر إلي ألا أنها لم تلبث
حتى تقدمت بعجل نحويّ هامسه "هل
هو أحد الفتيان اللذان—"
"كلا،مطلقاً جونغكوك مُجرد صديق!"
نفيت سريعاً وأنا أهز كلتا يديّ في الهواء
قبل أن أزفر أتابع "الأمر.. أنتهى، أعني
هُنالك شخص واحد وحسب..—"
"هل أخترتِ بالفعل؟" سألت والدتي
بعينان برقت بطريقة أرعبتني،
ما خطبُها متحمسة أكثر مني.
"ليس أختيار.." قلت بتوتر وأنا أركض
نحو خزانتي أنتزع معطف ما "أنهُ فقط..
لم يجدي الأمر مع من ظننت بأنهُ
مناسب ليّ—"
"لا تخدعي نفسكِ صغيرتي" قاطعتني
بإبتسامة عريضة "قلبكِ أختار بالفعل،
لا تترددي بعد الأن ولا توهمي الفتى
الآخر بشيء أن كنتِ لستِ متأكدة،
الأمر لم يعد أختيار أو قرار وأنما مشاعر
شخص مُحب.. أستمتعي!" لوحت ليّ
قبل أن تغادر تاركة الباب مفتوح على
وسعه.
أنا لم أعد أفهم أي شيء.
.........
وقفت بقلق أمام تايهيونغ والذي كان
يُحدق بيّ بعينان ضيقة حادة.. لا أدري
ما الذي أصابني حتى طاوعت جونغكوك
الخبيث على القدوم وتناول الطعام معهم
جميعاً.
يا إلهي أين كان عقلي عندما قلت أجل؟
الجميع يعني يونغي وتايهيونغ وجيمين!
مرت نصف ساعة كاملة منذ مجيئنا،
تايهيونغ كان الوحيد يجلس على الطاولة
التي حجزها جونغكوك مسبقاً ومن ردة فعله
الصامتة كان واضحاً بأنهُ يعلم بقدومي..
هو تجاهلني تماماً.. أعني في البداية ولكنهُ
لم يلبث حتى بدأ ينظر إلي خلف كل ثانية
كما لو أنهُ يُريد قول شيء ما ولكن مع
كل حركة لفتح شفتيه كان جونغكوك
يوكزهُ بقوة ليستدير عابساً مكفهر الملامح.
حسناً، لا أنكر أن رؤية تايهيونغ سيئة
ولكن الأسوأ ما يزال ينتظرني عند دخول
جيمين ويونغي.. لاسيما وأنني فررت
مجدداً بعد طلب جيمين، قبل عدة
سويعات من الأن.
"لا أدري كيف سمحت لك بجريّ
كل هذا الطريق إلى هنا!" غمغمت
بإنفعال وأنا أنظر إلى جونغكوك والذي
غمزني بطرف عينه مع إبتسامة حلوة
مدمدماً "حدث ما حدث، لا يُمكنكِ تغيير
شيء الأن!"
"هه.. من قال هذا؟ أنت لا تعلم
كم أنها بارعة بالهروب عندما تشعر
بالضغط!" تدخل تايهيونغ بالحديث وهو
يكتف ذراعية ضد صدره ويحدق بيّ بقسوة
من على الجانب.
الهروب؟ هل أخبرهُ جيمين بالفعل،
هل تحدثا عن ما حدث—
"لا تكن فظ تايهيونغ!" وبخهُ جونغكوك
ينتشلني من قلقي الذي بات واضحاً
من أهتزاز قدماي أسفل الطاولة.
"ماذا؟ هل أكذب! أنها تفعل
هذا دوماً.. لا تمتلك قرار ولا تعرف
ماذا تُريد أو تفعل، مترددة وتنجح
بالفرار!" برر تايهيونغ وهو يشير
بأصبعه نحويّ "لا أعلم أن كان جيمين
يُريد القدوم للإلتقاء بها بعد هذه
اللحظة، لقد حصل على تاريخ طويل
وسيء بسببها لذا—"
"هو سيأتي، جيمين لا يخلف الوعد"
أكد جونغكوك بحزم وهو يصفع
أصبع تايهيونغ من أمامه قبل أن
ينظر إلي "لا تهتمي له، أخبرتكِ
مسبقاً أنهُ شخص غيور سيء الخُلق!"
"لكن.. ماذا أن رفض التحدث معي؟"
سألتُ بقلة حيلة وأنا أتجاهل الزمجرة
التي غادرت فم تايهيونغ، لينظر إلي
جونغكوك ينفي " أفعلِ أنتِ إذن!"
"لمَ أنتِ قلقة بشأنه إلى هذا الحد؟
هل ربما أصبحتِ تُحبينهُ أخيراً؟"
"تايهيونغ!" حذرهُ جونغكوك بتهجم.
"ماذا؟ بحق اللعنة، لمَ كلاكُما يتصرف
بهذه الغرابة؟ تبدين شاحبة ومتوترة بإنتظار
وصوله ولكنكِ تصمتين حين سؤالكِ عن
قلبكِ!" تحدث تايهيونغ بغضب وهو يشير
إلى هاتفه "أن تعترفين بحبكِ أو حتى
إعجابكِ به لن يمس كرامتكِ بسوء
أو يخدش كبريائكِ الأحمق!"
"من هذه؟" تجاهلتُ حديثه والذي
كان للحق واقعياً.. أعني كان مُحقاً
ولكن الصورة التي ومضت بعد ظهور
أشعار سريع جعلتني أغير من دفه
الموضوع بشكل تام.
"ماذا؟"
"الصورة، الفتاة الشقراء" أشرتُ
عندما حاول التملص وأخفاء هاتفه.
"مُجرد فتاة—"
"آوه! أليس هذا جيمين؟" أعقب جونغكوك
بتساؤل وهو يحشر وجههُ تقريباً
في هاتف تايهيونغ والذي دفعهُ من فوره
مع تكشيرة عملاقة هاتفاً "ما شأنك!!"
"كيف ما شأني؟ لقد أدخلت هاتفك
في منتصف عيوننا حتى نرى
الصورة!" أردف يشخر بسخرية ليتجادل
الإثنان من فورهما وفي تلك اللحظة
أستغليت أنشغال تايهيونغ وإرتخاء يدهُ
لأخفض من وجهيّ حتى بقيتُ أبحلق
بشاشة هاتفه.. عقدت حاجبيّ بحنق
حينما تذكرت ذلك الوجه،أنها ذات الفتاة
التي رأيتها معهُ صباح اليوم.. تلك التي
كانت تُضاحكة وتجلس بقربه في سيارته
بالمقعد الذي أعتدت أنا على الجلوس به.
"لا حبيبة لهُ ثم أنه وسيم،لن يبقى
مُخلصاً لمُجرد مشاعر قد تكون عابرة!"
هدر تايهيونغ بإبتسامة ماكرة وهو
يدفع جونغكوك من كتفه، ولكنني
أعلم بأن نظراتهُ وكلماتهُ تلك كانت
مخصصة لي وحدي.
شعرت بكومة ثقيلة تهبط داخل
بطني فيما تخابطت نبضات قلبي
بقوة ضد صدريّ، غضب على خيبة
أمل.. وأنكسار.
لا يحق ليّ أبداً، لا يحق ليّ أن أشعر
بهذه الطريقة.. لا يحق ليّ مطلقاً..
فقد كنت هكذا برفقة يونغي أمامه،
كنت أشرح حبيّ لهُ دون كلل أو إدراك،
كنت كالحمقاء أتوسل الراحة من خلال
مساندته ليّ وهو لم يخذلني لمرة، لقد
بقي معي طوال الطريق، أسند رأسي بكتفه،
مسح دموعيّ وطبطب على جراحي في
حين أنهُ لم يكن بحال أفضل مني..
كان عاشقاً مُحباً فيما كنت ضريرة
وبكماء.
سرعان ما التقط أغراضيّ لأنهض
مُغادرة المطعم أسفل نظرات الإثنان
وربما أيضاً مِن من يحيطون بنا حيث أنني
من شدة أنفعالي صنعتُ ضجة كافية
حتى أجذب أنظار الجميع إلي.
"إيرلا! حباً بالله لا تُبالي به!" لاحقني
صراخ جونغكوك خلفي فيما كنت أسير
إلى المخرج بخطوات غاضبة لا مُبرر لها،
كنت أشعر وكأنني قد أقفز على تايهيونغ
في أي لحظة لاسيما وأن أغلب حديثهُ
كان كحقيقة مُرة بالنسبة لي، لذا
أنا فضلتُ الهرب مجدداًً على البقاء هناك.
ولكن لحظة!
توقفت فجأة عندما أرتطمت
بصورتي في زجاج بوابة الخروج،
كنت شاحبة.. حانقة.. أبدو كمن
تُعاني من الغيرة.. الغيرة؟
"آوه يا إلهي! هل شعرتُ
للتو بالغيرة من فتاة قد تكون بائعة
هوى تقوم بعملها!" هسهست مع نفسي
بسخط وأنا أرفع أصابعي لأمررها بخشونة
على جبيني وبقية أجزاء وجهي.
"لا تفعلي يا حمقاء! لا تفعلي..
أنتِ غاضبة، ولا يحق لكِ من الأساس—"
توقفت مجدداً حينما أدرت جسدي
بغرض مواصلة الخروج، ولكن أصطدمت
عينيّ بجسد جيمين والذي بدأ وكأنهُ
أتى حديثاً.. وحسناً دون أن أدرك وجدتُ
نفسي تندفع من خلال الباب الآلي لتطير
ساقيّ بي إلى حيث سيارة جيمين المتوقفة
جانباً.
"لنذهب من هنا!" قلت بعد أن فتحت
الباب وجلستُ بجانبه لينتفض جيمين
من فوره فوق مقعده ليُحدق بيّ بعينان
متسعه بذهول.
"هيا!" أشرتُ إلى المفتاح الذي
كان قد أخرجهُ بالفعل، وبقليل من التردد
هو حرك بصرهُ بيني وبين المفتاح قبل
أن يعاود تشغيلهُ ويعدل من جلوسه عندها
تماماً بدأتُ قولي مجدداًً "جونغكوك قال
بأن الجميع مشغول.. لن يستطيعوا
المجيء الليلة!"
"كيف! هل كان يكذب ذلك اللعين؟"
زمجر بإنزعاج وهو ينظر إلى بوابة المطعم
مرة آخرى، كما لو أنهُ يُريد التأكد ولكن
لفرط قلقي من أن يخرج أحدهما للبحث
عني أسرعت أضغط على البوق ليقفز
مصدراً صوتاً مندهشاً وهو ينظر إلي،أخيراً.
"لنذهب معاً.. هذا المكان سيء
بالفعل!" لوحت يديّ بضحكة
صغيرة وأنا أنظر بين عينيه، ليسأل
بحذر"نذهب معاً؟"
"..أجل؟" أجبته بقلة ثقة للنظرة
التي ألتمعت بداخل عينيه،أعني لا أدري
لماذا أفعل كل هذا ولكن عقلي كان مشغول
بشيء آخر تماماً.. وهو أنهُ لا توجد رائحة
في المكان هنا عدا عن رائحة جيمين،وهذا
للحق أسرني داخلياً، جعلني أرتاح كلياً.
"أعني لا مانع لدي، من الخسارة
العودة للمنزل!" هدل جيمين والذي بدأ
لوهله مقتنعاً بهذا حيث أنهُ حرك السيارة
من فوره وأبتعد عن المطعم لأفرج عن
أنفاس مهزوزه والتي لم أكن أدرك بأنني
أحبسها بالفعل.
لا علم ليّ ما أصابني حتى أقحم
نفسي في هذا، أعني الأن سأضطر للبقاء
مع جيمين دون أدنى تخطيط مسبق،
لا أدري ماذا أقول أو أفعل أو حتى إلى أين
قد نذهب معاً.. لقد أرتجلت بأفعالي وأتمنى
أن لا أندم على هذا.
............
لم تمرّ ثواني حتى تنهدت إيرلا
بضجر وهي تشعر بالندم التام
لركوبها السيارة وبقاءها بمفردها مع
جيمين والذي هو الآخر بقي صامتاً
متجمداً في مقعده.
زمت شفتيها بحنق وهي تحول نظرها
إلى النافدة المبتله بقطرات المطر والذي
هطل بشكل مفاجئ،رفعت أصابعها تتلمس
الزجاج الرطب وهي تظهر إبتسامة
لا إرادية من الشعور الذي غمرها،
حيث فكرت بأن المطر أتى في وقته.
"آمم،إيرلا" قاطع جيمين أفكارها،
لتنظر إليه بعجله مع قلب خفق بقوة
دون سبب مباشر!
"لا أعتقد بأننا نستطيع الخروج الأن!"
أشار جيمين وهو يوقف السيارة جانباً
قبل أن يلتفت يناظرها.
"آوه،أرى هذا" ردت بأنفاس مسموعة
وهي تعاود تشتيت بصرها إلى الخارج
في حين أضاف جيمين بنبرة هادئة
خافتة "ربما يمكننا الخروج في
يوم آخر!"
"..أعني بالطبع،بعد أن نتأكد من
حالة الطقس!" أؤمات ببلاهه تهز
رأسها فيما راقبها جيمين لبرهه من
طرف عينه بشك.. تصرفاتها هذه
الليلة مريبة بشكل غريب،لم
يتوقع مطلقاً أن تأتي مجدداًً وتقبل
دعوة العشاء والتي بات يظن بأن
جونغكوك أجبر الجميع عليها،
ولكن مع ذلك رؤيتها بقربة توعدهُ
بموعد خروج آخر أصابهُ بالحيره..
لم يعد يعرف ماذا يفعل معها،لم يعد
يفهم تصرفاتها،هل هي ترفضه لكونه
هو،أم لا تريد علاقة من أساسها أم ماذا!
زفر جيمين بخفوت قبل أن يلاحظ
الطريقة التي تنقر بها إيرلا أصبعها
على فخدها والذي لم تتوقف عن
هزه منذ جلوسها!
"إذن سأوصلكِ لمنزلكِ" قال بعد
مُراقبتها بدقة مع تنهيدة صغيرة،ومن رد
فعلها المُباغت في الإيماء شعر كما لو
أنها كانت تنتظرهُ ليبدأ بقول هذا.
عندما أوقف جيمين السيارة مرة
آخرى مشيراً إلى أنهُ وصل بالفعل إلى
منزلها أدهشتهُ جداً عندما لم تهرب
كما فعلت قبل عدة سويعات..
"وصلنا!" تمتم جيمين يطرق
بخفه على جلد المقود لتنظر إليه
إيرلا وهي تؤما ولكن يدها التي كانت
تقبض على عتلة الباب لم تتحرك أبداً
وبقيت ثابتة مكانها تبادلهُ النظرات.
"هل كل شيء على ما يُرام؟"
أستفسر بحذر وهو يمد يدهُ ليلمس
كتفها بخفه.. وحسناً كالعادة أنتفضت
إيرلا من مكانها وقفزت مهرولة إلى الخارج.
"حباً بالله!! ما خطبها" هسهس
جيمين بإنزعاج من تصرفاتها
المتناقضة وهو يشاهدها تجري من
خلال البوابة الحديدية حتى أختفت
في الداخل.
أخرجه من أفكاره صوت هاتفه
الذي يعلن عن وصول رسالة ما،حرك
جسده ببطء ليلتقطه وهو يدعو بأن يكون
جونغكوك حتى يشرح لهُ بالتفصيل
ما يحدثُ،ربما قد يساعده كونهُ بات
قريباً مؤخراً من إيرلا والتي بدورها
باتت تتصرف كغريبة الأطوار بجدارة.
دون أدنى أهتمام للأسم أو هوية
المرسل هو أخد يقرأ بنصف عين
وهمس ضًجر "لنفعل هذا، أنا موافقة!"
تصنم لثانية في مقعده قبل
أن يُعيد قراءة المكتوب دون توقف
أو حتى أن يرمش ومع هذا ما يزال
عاجزاً عن القيام بردة فعل من
شدة صدمته..
في الأخير حرك عدسه عيناه نحو
أسم المرفق أعلى الرسالة ليستوعب
أخيراً بأنهُ تم قبوله من طرف.. إيرلا!
لعدة ثواني لم يُدرك بأنهُ شرع
في الصراخ بحماس وضرب المقود
دون توقف هو حتى لم يشعر بقدميه
حينما جرتهُ إلى الخارج ليرفع بصرهُ
يُحدق في جوانب المنزل كمن
يبحث عن شيء ما..
وبالفعل كما توقع ها هي هناك..
يقف بجمالها الذي سلبهُ حواسه خلف
الستائر تُحدق به بثغر مبتسم،ليبتسم
هو كذلك آلياً.. أبتسم بعرضة وتقوست
عينيه بفرح،بسعادة فائقة كمن عثر
أخيراً على حلمهُ الذي ظن بأنهُ لن
يمسكهُ يوماً..
من فرط سعادته وجنون سرعة
دقات قلبه يود لو أنهُ يبقى طوال الليل
يُحدق بها، يُريد تأملها مع تذوق شعور
أنها أصبحت لهُ وأخيراً، أنها ملكهُ وحده بعد
معاناة طويلة ومريرة، إلا أن إيرلا لوحت
لهُ ببطء تطالبه بالمغادرة،وهو كالطفل
المطيع اؤما قبل أن يشير بيداه إلى الهاتف
ثم أرسل قبلة طائرة و أنطلق يركب
سيارتهُ بحماس مخيف.
أنهُ على قيد الحياة أخيراً.
........
صباح اليوم التالي أستيقظت
إيرلا على صوت رنين هاتفها
والذي أستمر بالإهتزاز منذ وهله
بالفعل.
تذمرت تفرك إحدى عينيها
وهي تمد ذراعها لتأخد هاتفها من
على المنضدة فوق رأسها لتفتح الخط
مهسهسه بحنق "أنها السابعة وحس—"
"لم أستطع الأنتظار أكثر!"
"...جيمين!!" فتحت عيناها
بسرعة وهي ترفع نفسها على
أحد مرفقيها "هل حدث شيء؟"
"هل يمكن أن يحدث شيء
آخر عدا عن كونكِ حبيبتي منذ
البارحة؟" غمغم بنبرة حلوة ومن
حيث تجلس هي تكاد تجزم بأنهُ
يبتسم بعرضة.
"هل.."
"أجل،أتصل صباحاً لأسمع صوتكِ
وأرى وجهكِ! لا تكوني قاسية
وتعالي إلى الأسفل فوراً!" قاطعها
يهمهم وفي نفس اللحظة أرتفع صوت
قرع صغير على النافذة.
ألتفت بحذر إلى مصدر الصوت
قبل أن تهمس بعدم تصديق "أنت
لم تفعل هذا!"
"ومنذ الخامسة،وحتى قبل شروق
الشمس؟ أجل فعلت!" رد ضاحكاً بحماس
لتسرع إيرلا بالخروج عن سريرها لتتعثر
خطواتها قليلاً من عجلتها إلا أنها وصلت
لتنظر سريعاً إلى الأسفل.
"آوه يا إلهي،لقد فقدت صوابك!"
تمتمت بدهشة عندما ألتقت أعينهما
معاً فيما لوح لها إلى النزول.
"لنتناول الأفطار معاً كما الأيام
السابقة!"
"هل تحنّ للماضي الأن؟" سألتهُ
ساخرة وهي تقفل النافذة وتركض
نحو خزانتها لتنتزع معطف طويل.
"كلا،أريد الشعور كيف يكون
تناول أول طعام مع حبيبتك!"
"أنت تعلم بأنهُ ليس أول طعام؟"
سألتهُ بشك وهي تلقي نظرة سريعة
على القطع المعلقة في خزانتها،
ماذا قد ترتدي في مثل هذا الصباح!.
"بالطبع أعلم،ولكنه الأول وأنتِ
ليّ بصفة رسمية،هل أنا مخطأ؟"
"أنت مغرور!"
"شكراً لكِ،والأن توقفي عن محاولة
إيجاد شيء وأنزلي كما أنتِ!" تذمر
لتأخرها "أرتدي معطف ما وحسب"
"قادمة!" قالت ضاحكة لنبرة الصوت
التي أصدرها وهي تنهي المكالمة
لتنظر إلى نفسها في المرآه لآخر
مرة قبل أن تهرول على أصابع
قدميها نحو الأسفل.
"وأخيراً.." هدر جيمين بإبتسامة
عملاقة وهو يقطع المسافة بينهما
حينما فتحت باب المنزل.
"ما خطبُك حباً بالله!"
"لم أستطع النوم طوال الليلة
الماضية،لا يُمكنكِ لومِ!"غمغم
وهو يتوقف أمامها لتنظر إلى نافذة
غرفة والديها لوهله قبل أن تُعيد
بصرها ناحية جيمين والذي بقي
على حالة يتفحص ملامحها بعينان
تبرق بشكل جميل.
"لنذهب!" قالت بتوتر وهي تدفعهُ إلى
الجانب حتى تمرّ من قربه إلا أنهُ
لفها بسرعة من رسغها لترتطم بصدره
بعينان مُتسعه "ماذا هناك؟"
"يجب علينا وضع شروط لهذه
العلاقة!" همس وهو يضع كفهُ
أسفل ظهرها "لا يُمكنكِ المرور هكذا
بسلام دون تأدية واجبكِ!"
"أي واجب في هذا الصباح جيمين؟"
هسهست بحنق وهي تحاول إبعاد
يديه "أساساً أخرجتني في هذا الوقت
كمن لديها أمتحان دولة..يا إلهي أبعد
يديك قد يرأنا أحد!"
"واجبكِ كحبيبة مثلاً!"أجاب وهو
يفلتها أخيراً ولكنهُ أحكم قبضته
على أصابع يدها اليُمنى قبل أن يسير
بها حيث سيارته ليفتح الباب الأمامي
لها،وما أن جلست لتقابله بحاجبين
معقودين حتى أقفل الباب ودنى من
النافذة لوضع قُبله فوق وجنتها.
"جيمين!!" همست بصدمة وهي
تشعر بالوخز في كامل وجهها لتضع
كلتا يديها فوق وجنتيها،في حين
أن المعني ضحك ملىء شدقيه قبل
أن يركض حرفياً حول السيارة حتى
أستقر في مكانه.
"أخبرتكِ.. عليكِ تأدية واجبكِ،
ولكن بما أنهُ أول يوم سأضع شروط
محددة بسيطة!" غمز وهو يشغل المُحرك
ويُدير عجلة القيادة بيده فيما تسللت
الآخرى لتُشابك أصابع إيرلا والتي
غرقت في مكانها بخجل وهي تشعر
بإنتفاض قلبها ضد صدرها.
.............
"كيف يُمكن لوجه بملامح
عادية أن يفعل بي كل هذا!"
سأل جيمين بخفوت وهو يرخي
وجنتهُ اليُمنى على كف يده
ويُبحلق في إيرلا والتي بدورها
رفعت حاجب أعلى جبينها "هل
قلت لتوك بأنني عادية؟"
"بالطبع،ليس بذاك المعنى،
عيناكِ فقط تجعلني أغرق
في عالم لا أدري شيئاً عنه!"
أشار ينفي سريعاً ليحمر وجهها
من صراحته فيما تابع موضحاً
مقصدهُ "أعني أنظري إلي أنهُ كوب
القهوة الثالث الذي أطلبه وأنسى
وجوده تماماً بسببكِ!"
"ما شأني أنا؟" ضحكت بدهشة
وهي تضع كوبها جانباً "جدياً
أن لم تشربهُ حالاً لن أدعك تطلب
مجدداًً "توففت لتُدير رأسها إلى
الخلف لوهله قبل أن تتابع بإستمتاع
"أن رفعت يدك تُشير للنادل مرة
آخرى أعتقد بأنهُ سيركلك خارجاً!"
"لن يفعل!" أجاب بثقة وهو
يمعن التحديق في التوسع الذي
أنفرجت به شفتيها.
"يالهذه الثقة!" أشارت بهزه
من رأسها "على كلاً هُناك شيء
أريد أخبارك به،ولكن لا أريد
ردات فعلك تلك أرجوك!" ترجتهُ
وهي تنظر ملياً بين عينيه والتي
غادرت التحديق بشفتيها ليُبادلها
النظرات هاتفاً "حباً بالله لا يكون
خبراً سيئاً!"
"...حسناً،لا أعلم مقدار تحملك
لهُ لذا—"
"أتركيه حتى ينتهي اليوم!" قاطعها
بحزم وهو يقف سريعاً "لنذهب
لمكان آخر لم أعد أشتهي القهوة!"
"ياه!على الأقل أستمع—"
"لا أريد!" أجاب بعناد وهو يضع
النقود أسفل كوبه قبل أن يذهب
ناحيتها ليرفعها من ذراعها
"أختاري مكاناً آخر هيا سئمت
الجلوس هنا!"
"جيمين.. منذ الصباح ونحن
نتجول في المدينة" قالت بعدم
فهم وهي تسير بقربه "لم يبقى
مكاناً لم نذهب إليه!"
"أنها الثالثة وحسب،لن أعود
للمنزل أبداً" عبس متذمراً
"هُناك مقهى في آخر الشارع
لديه فطائر مذهله!"
"جيمين!"
"لآخر مرة هيا وبعدها
سنعود للمنزل،أعدكِ!"
"لآخر مرة جيمين!"
نبست بتنهيدة وهي تلف
يدها حول عضده "ولكنك لن
تطلب القهوة!"حذرتهُ ليبتسم
يؤما برأسه وهو يجذبها
أقرب إليه.
كوب دافء من القهوة أستقر بين
يداي جيمين والذي كان يرتشف منه
أسفل نظرات إيرلا الحانقة منه فقد
وعدها لتوه بأنهُ لن يشتري القهوة
ولكن ما أن جلس على الكرسي الخشبي
حتى صاح يطلب واحداً!
"حباً بالله،قد يتوقف قلبك
بعد كل هذه القهوة!" وبخته بنظرات
حازمة ليُشير بإحدى يديه لا مُبالياً
وهو يصدر أصوات تلذذ بدت عالية كفاية
حتى تصفعهُ إيرلا بإحراج.
ولكن جيمين أخد يغيضها أكثر
مصدراً ذات الأصوات بنبرة منخفضه
مع صنع ملامح مستمتعة بوجهه،ليستقبل
لكمات لعوبة من إيرلا والتي كانت تراقبه
بوجنتين مُحمره وبسمة واسعة.. إلا
أنها لم تلبث حتى خمدت ملامحها
المشرقة وتجعدت لتُصبح منزعجة
بوضوح.
عقدة كبيرة أستقرت بين حاجبيها
فيما أندفعت شفاهها إلى داخل فمها
حيث أخدت تمتصها بقوة أسفل
نظرات جيمين المتعجبة لتغير حالها.
"هل أنتِ بخير؟" سأل بتردد.
"سأكون حينما يتوقف الجميع
عن التحديق بك! يا إلهي،لا يوجد مكان
ندخله حتى ينظر الجميع إليك.."
زمجرت بضيق، وهي تتحرك بعدم
راحة فوق كرسيها، وجيمين ركز أخيراً
أنها كان تُبحلق بمكان ما بنظرات جادة.
حول بصره إلى الطاولة التي
تبعد عنهما بمسافة ضئيلة حيث
كانت تحويّ عدة فتيات يقهقهن
من خلف أيديهن وهنّ يحدقن به.
حسناً.. ليس أمر جديد عليه ولكن،
ربما على إيرلا أن تتقبلهُ بشكل ما.
"لنطلب فطائرك المُذهلة
ونذهب من هنا!" غمغمت إيرلا
وهي تطرق على الطاولة تجذب
أنتباههُ.
"فوراً،حبيبتي!" أجابها جيمين
مبتسماً بوسع للحد الذي أختفت
به عيناه وهو ينهض،مالّ من رأسه
بزاوية طفيفة يُحدق بها بثبات قبل
أن يميل بجسده فوق الطاولة ويعيد
خصلة صغيرة خلف أذنها ومن ثم مسح
بطرف أصبعه على وجنتها بلطف وقال
شيء لم تستطع إيرلا سماعهُ من صخب
نبضات قلبها الذي أرتفع يضخ الدماء
بقوة أصمتّ أذنيها عن العالم من حولها
بعد نطقه لكلمة التحبب،حبيبتي!
...............
"ينتابني شعور سيء!" قال
جيمين فور أن أوقف سيارتهُ
في الحي لتلتفت إيرلا نحوه
حينما تابع "لا أعلم،أشعر بشيء
غريب.. ما رأيكِ لو تأتين هذه الليلة
لمنزلي!"
"بريء جداً!" تمتمت إيرلا
بضحكة صغيرة وهي تسحب
عتلة الباب للخروج إلا أنها توقفت
تنظر إليه لوهله قبل أن تسأل
بنبرة خافتة "ماذا قلت مسبقاً..
أعني في المقهى!"
"آه،هل كان صوتيّ منخفضاً؟"
"..كلا،أنا..فقط لم أسمعك جيداً!"
أشارت بتوتر وهي تعتصر قبضتها
دون شعور.
"قلت.." بدأ مبتسماً "ما حاجتي
بكل نساء العالم وأجملهن قالت ليّ
نعم وتجلس قربيّ!" تابع يُدير
جسدهُ كاملاً ليُقابل وجه إيرلا
والتي الإله وحدهُ يعلم ما فعلت
بها كلماتهُ.
"..أنت خطير!" نبست
بتلعثم وضحكة غريبة وهي
تغادر بعجل السيارة فيما لاحقها
جيمين مبتسماً بعرضة لإدراكه
التام بأن الأمر لم يعد مُجرد تجربة
كلا.. إيرلا تُبادله ذات المشاعر.
"تصبحين على خير!"
صاح يخرج رأسه من النافذة،
وإيرلا توقفت للنظر إليه لبرهه
قبل أن تبتسم بلطف وهي تميل
من رأسها قائلة "مم،بشأن ما أردت
أخبارك عنه مسبقاً—"
"أنسيه وحسب،لا أريد أي
شيء قد يعكر صفونا،دعيّ
هذه الليلة تنتهي بسلام..أنا
أرجوكِ!" تذمر هاتفاً وهو يدخل
رأسهُ من النافذة وأسرع يدير عجلة
القيادة إلا أن إيرلا أوقفتهُ بنبرة
عالية "إذن،ماذا عن الذهاب لمنزلك؟"
"ماذا عن منزليّ!" جيمين تقريباً
قفز من النافذة-مجازياً- حتى أستطاع
الوقوف مقابلاً لإيرلا والتي لم يسعها
إلا أن تفرج عن سلسلة من القهقات
المستمتعة لحماسه المُفرط.
"..حسناً،أعتقد بأن والدايّ غادرا
بالفعل!" أشارت نحو منزلها المظلم
"تعرض عمل والدي لبعض الخلل..
وطبعاً كونهُ مدمن عمل لم يستطع إدارة
المشكلة عن بعد لذا—"
"لا تقوليها!" نبس جيمين بأنفاس
مكتومة وهو يأخد خطوة أقرب
"ذهبا؟ غادرا المدينة!يا إلهي!"
"يُمكنك أن تهدأ قليلاً!" همست ضاحكة
"لعدة أسابيع أجل،غادرا إلى إيطاليا..
أعني من المُفترض أن ألحق بهما
خلال،" رفعت رسغها لتُحدق بساعتها
الذهبية الرقيقة "ربع ساعة تقريباً!"
"هل وجدتكِ أخيراً كيّ تذهبِ
مجدداً؟" صاح بإنفعال وهو ينفي
بهز رأسه بعنف "لن أسمح بذلك،
يُمكنكِ جيداً أن تتدبري أمر نفسكِ
هنا،أنتِ لستِ طفلة،كما أنني أتقبل
وجود الضيوف في منزلي برحابة
صدر—"
"كما فعلت لتلك الشقراء؟" غادرت
الكلمات فم إيرلا والتي أسرعت بإطباق
شفتيها معاً حينما تردد صدى صوتها
في هدوء هذه الليلة الشتوية..
سحقاً!!
"أي شقراء؟" سأل بعد صمت خانق
وهو يُبحلق ملياً بين عينيها "لا أتذكر
أنني أستضفت أي شخص في منزليّ
عدا عنكِ!"
"لا تكذب!" هسهست تقلب عيناها
"لقد حاول تايهيونغ جهدهُ حتى يدخل
صورتكما معاً في عينيّ ذلك الوغد،أنهُ
لا يرحم!كما أنني رأيتكما معاً صباح
الأمس..لقد كانت تجلس بجانبك تماماً
فيما كنت تبتسم ببلاهة لا داعي لها!"
أنهت حديثها بملامح جادة وهي
تضغط بأصبعها ضد صدر جيمين
والذي حدق بها بصمت قبل أن
يضغط بأسنانه العلوية على شفتهُ
السفلى لمدة يكبح إبتسامته إلا أنهُ
سُرعان ما قفز في مكانه صارخاً بحماس
لتضطرب نظرات إيرلا وهي تلاحقهُ
بعيناها هنا وهُناك حيث كان يتحرك.
"حباً بالله،ماذا تفعل؟لا تصرخ
في منتصف الشارع!" صاحت إيرلا بنبرة
منخفضة وهي تمد ذراعها لتجذبه من
طرف قميصه، وجيمين تحرك بسلاسة
يعود إليها قبل أن يقبض على كف يدها
عالياً ليديرها نحوهُ معانقاً خصرها.
تحرك بخطوات راقصة من
اليمين إلى الشمال وهي لا تزال
بين ذراعيه مشدوهه من تصرفاته
والتي بدأت تنحذر إلى اللاعقلانية،
كادت أن تنهره مجدداً وتسحب نفسها
بعيداً عنه لكنهُ أوقف حركتها هامساً
"لم أكن أعلم بأن شعور الغيرة أمر
مُحبب إلى هذا الحد!"
"غيرة؟"
"غيرة حلوتيّ!غيرة يا جملتيّ" نبس
مقهقهاً بحلاوة"لا أعتقد بأنني أريد
أن تنتهي هذه الليلة أبداً،لا أصدق
بأنني أعيش كل هذا..لستُ أحلم
صحيح؟"
"صحيح.."همست تجيبهُ بإبتسامة.
"لن أنهض وحيداً أبكي غيابكِ،
أو ذهابكِ مع شخص آخر،صحيح؟"
"صحيح؟"
"كُل شيء بيننا حقيقي،صحيح؟"
"صحيح جيمين!"
"وأنتِ شعرتِ بالغيرة منها،صحيح؟"
"صحيح—، بالطبع كلا!"هدرت
بإنفعال لينفجر جيمين ضاحكاً وهو
يغمرها بين ذراعيه بقوة أستجابت
لها على الفور وهي تبتسم بخجل.
"لن تذهبِ إيرلا!" قال بصوت
جاد بعد وهله من السير،أو بالأصح
هو من كان يقودها خلال عناقهما والذي
لم يرد جعلهُ ينتهي.
"بالأمس كنت أعتزم فعل هذا،
ولكن.. لا أدري،فقط أعتقد بأنني
هنا أفضل!"
"هذه هي فتاتي!"أعقب مبتسماً
"وصلنا إلى المنزل،بالمناسبة لازلت
أحتفظ بالملابس التي تركتِها خلفكِ
ولكن غرفتكِ لم تعد متاحة!" شرحّ
وهو يُدير القفل بالمفتاح "أعني،لابأس
بذلك غرفتيّ متوفرة وأنا كليّ لهفة
للنوم معكِ كوننا أحباء—"
"أنت لن تجرؤ على فعل هذا!"
قاطعتهُ إيرلا بلكمه قوية على
كتفه قبل أن تدفع الباب وتركض
نحو الأعلى حيث غرفتها السابقة.
"من يدري ماذا قد أفعل!"
همس جيمين مع نفسه وهو يغلق
الباب بكعب حذاءه ثم ألقى المفتاح
جانباً قبل أن يتسلق السلمّ يلحق
بإيرلا والتي أخذت أحتياطها بالفعل
وأوصدت الباب لتتركهُ يتذمر من خلفه.
..........
مر شهر ونصف منذ تلك الليلة
التي أصبح كلاً من إيرلا وجيمين على
علاقة،كل شيء كان لصالحهما.. كلاً منهما
كان يحاول أن يعرف الكثير عن الآخر
دون كللّ أو ملل.
مرت الساعات و الأيام وكل شيء
جيد جداً،علاقتهما تتحسن مع مرور الوقت
والكيمياء بينهما رائعة،جيمين لطالما أحبها
بشدة وتعلق بها والأن كونهما معاً في نفس
المنزل،وتواجدها المستمر حوله
جعلهُ أسعد بكثير من أي وقت مضىّ.
الأمر ذاته بالنسبة إلى إيرلا والتي
مع الوقت أصبحت كمن وقع في بئر
عميق جداً،مهما حاولت الخروج منه
تجد نفسها تقع أعمق وأعمق..حيث أن
جيمين عرف جيداً كيف يستغل وقته
في جذب جل أهتمامها،عرف كيف يجعلها
متعلقة به،سواء كان بصوته أو بعيناه الهلالية، بلطافته أم بإبتسامته، هذا عدا عن غيّرته
التي ظهرت بشكل مفاجئ لها.
جيمين والذي خلف كل يوم كان
يزداد عناية بها وأهتمامٍ بالغ في كل شيء
يخصها،هو حتى جعل من جميع الأوقات
التي كان يذهب بها برفقته في موعد
الأجمل على الأطلاق،وحسناً..كل شيء به
بات يفقدها صوابها.
هي بالفعل أدركت بأن مشاعرها الفائضة
تعدت الحب،وقوعها العميق وأستسلامها
لهُ بهذه السرعة جعلها تؤقن بأن ما يخالج
جوفها ليس سوى عشق كبير.
لكن.. لا شيء يستمر على حاله..
إذ أن جيمين والذي ظن بأن بإعترافه
لإيرلا وأعلان علاقتهما للجميع سوف
تجعلها تبتعد عن يونغي وربما تنسى
وجوده كلياً بحكم أن نبضات قلبها تخصهُ
وحده، بحكم أنهما مرتبطان،عاشقان..
حتى أنهُ حرص على أظهار غيرته
وإنزعاجه من أي شخص يحاول التقرب
منها،هو جدياً ظن بأن هذه الطريقة
هي الأفضل لكسب قلبها لهُ وحسب..
لكنهُ لم يكن يُدرك مطلقاً أن
العلاقة التي بين إيرلا ويونغي تحولت
إلى صداقة بالفعل، وحسناً الأله وحدهُ
يعرف كيف يستشيط غضباً كلما
وجدها تتحدث معهُ لساعات دون أن تشعر
بالضجر أو بمرور الوقت.
مر شهر أخر على علاقتهما ولكنهُ
مختلف جداً عن سابقة، كل شيء تغير
بهما وجيمين داخلياً لم يتوقف عن إلقاء
الوم على يونغي والذي بات يرأه كثيراً
حولهما،
حيث أن يونغي أصبح ثالثهم، في أي
حديث لهما جيمين سوف يسمع أسمه،
في وقت فراغهم وتناولهم للطعام لابد
من وجود أسم يونغي ومرات وجوده
شخصياً.
وعلى الرغم من أن جيمين يُدرك
جيداً بأن صديقة مستشعرٍ إنزعاجه
الواضح من وجوده المكثف حولهما
لكنهُ مع هذا يتجاهل ببساطه وكأن
لا شيء من هذا يهمه على الأطلاق،
وكأنهُ لا يُبالي لأنهما بالفعل أحباء
بمعنى لم يعد يشكل تهديد على
جيمين والذي تقريباً يوشك على الأنفجار،
يُريد أن يفعل شيء ما حتى يتخلص من
طيف يونغي،يودّ لو يفصل العلاقة التي
تُطلق عليها إيرلا بالصداقة دون أن تفهم
المغزى الحقيقي، يُريد الأقدام على خطوة
والتحرك بشكل أسرع لكن حينما يُفكر
في الأمر ملياً يجد بأنهُ من الحماقة
طرده من حياتهم لسببين—،
أولاً لأنهُ صديقه منذ وقت طويل،
وثانياً كيف قد تكون ردة فعل إيرلا
على هذا!
هي حتماً ستفضب منه وتوبخه لفعل شيء
دون سبب وقد تتهمهُ بالغيرة السخيفة
وجيمين بكل تأكيد لن يُخبرها بشأن
قلقه من أن يكون يونغي يُحبها حقاً
وما أن قد تكون الصداقة الوهمية التي
أقترحها سوى تمهيد طريق لإقترابة
منها أكثر.
لكن جيمين سئم حقاً من كل
ما يحدث معه،بات يخاف من أهمال
إيرلا وأهتمامهت المفرط في يونغي،
لقد تعب من الملاحقة هنا وهناك،
تعب من الركض خلف أي دليل يظهر أمامه،
فرغ صبره وأصبح يشعر بعجز شديد..
بات يخشى من الطريقة التي تنسجم
إيرلا كلياً حينما تُحادث يونغي،لا يزال
ذكرى ذلك اليوم في نصب عينيه
عندما كان يُجاهد لجذب أنتباهها ولكنها
لم تُعلق،لم تهتم،لم تغضب،لم تفعل
أي مما كانت تفعلهُ مسبقاً.
"إيرلي، أنا جائع"
"يوجد الكثير من الطعام في الثلاجة"
"أنا لم أتناول الأفطار.."
"ما يزال الوقت مبكراً أذهب وتناوله الأن!"
"الن تشاركيني؟"
"فطرت مسبقاً"
"ياه، أنا لم أحضر الأغراض التي أردتها!"
"لابأس أحضرها في المرة القادمة"
"أنا أشعر بالنعاس.."
"إذن أخلد الى النوم"
"الطقس حار"
"أحظى بحمام منعش"
"سأخلع قميصي، سأنام بدونه"
"همم، أفعل ما تشاء"
في العادة إيرلا سوف يصرخ به
أن لم يتناول وجباته بشكل منتظم،
سوف تُعاتبه أن لم يحضر ما طلبتهُ منه،
سوف توبخه أن نام عاري الصدر..
وجيمين يُحب كل ذلك..
ولكن شيء تغير وبدأ بالتلاشي.
حتى أن جونغكوك لاحظ هذا وحاول
مراراً التوصل إلى خيط صغير علهُ
يستوعب ما يدور حوله من أحجيات
أو حتى يفهم سبب غضب جيمين
وعصبيته الشديدة.. وتباعد إيرلا.
.............
في التاسع والعشرون من تموز،
كانت إيرلا تدور بقلق في غرفة
المعيشة تُبحلق بساعة معصمها.
جيمين تأخر عن المعتاد،
هو دوماً ما يصل إلى المنزل في السابعة
ومرات التاسعة إن طرأ شيء ما معه،
لكن اليوم توشك على أن تُصبح الثانية
عشر بعد منتصف الليل وهو لم يعد بعد.
لم يهاتفهت بشأن عودته المتأخرة،
لم يخبرها سبب مغادرته باكراً وعلى عجلة،
لم يطلب منها مشاركته أو حتى أخدها
برفقته كما أعتاد على فعل ذلك في كل
مرة يذهب بها خارج المنزل سواء لأصدقائه
أو إلى التسوق.. وهذا جعلها تُصاب بالذعر
ما إن كان جيمين يخفي عنها شيء ما.
صرير خافت سلبها من قطار أفكارها
السلبية وجذب أنتباهها نحو الباب والذي
فُتح ببطء مظهراً خلفه جسد جيمين.
"حمداً لله" تنفست براحة
ما أن مررت بصرها على سائر جسده
ولكأنها تبحث عن أي خدش أو أصابة،
وعندما لم تجد شيء وحبيبها عاد قطعة
سليمة كما غادر أنطلقت مسرعة من غرفة
المعيشة إلى ممر العبور لمخرج المنزل
حيث يقف جيمين يخلع حذاءه بملامح
كسله ونعسه.
"لماذا مازلتِ مستيقظة؟" سألها بنبرة
هادئة وهو يعدل من أستقامة جسده
لخلع معطفه الثقيل،ولكن إيرلا سبقته
بالفعل عندما ذهبت خلفه وسحبت عنه
تجيبهُ "كنت أنتظرك!!"
"لماذا؟ لا تُخبرني بأنكِ ترغبين
بشراء شيء مم—"
"كلا!" قاطعتهُ بخجل طفيف
إذ أنها دوماً ما تفعل هذا ما أن يعود
جيمين للمنزل حتى تطلب منه بعبوس
لطيف شراء شيء من الخارج على الرغم
من أنها جيدة في الطهو ولكنها كسولة.
"أنا متعب،إيرلا!" أردف جيمين وهو
يدلك جبينه "سنتحدث غداً بأي
شيء تُريدينه!"بعد ذلك تسلق السلم
نحو الأعلى.
راقبتهُ إيرلا بملامح عابسه
قبل أن تضع معطفه جانباً ثم صعدت
إلى الأعلى حيث غرفتهما.
حينما وصلت كان جيمين يخلع
قميصه وهو يتنهد بصوت عال
ويسحب قدميه ببطء..
وإيرلا ركزت كيف أنهُ توجه من فوره
نحو السرير ليُعانق وسادة ضد صدره
دون أن يستحم كما يفعل دوماً.
وحسناً،خموله المفاجئ وكلماته
السابقة عن أنهُ متعب سبب في تفاقم
قلقها لتُسرع إلى السرير وتستلقي بجسدها
خلفه هامسة "أنت بخير؟"
همهم جيمين بخفوت وهو يفتح
من عينيه المغلقة مع وضعه لإبتسامة
صغيرة ولكأنه يؤكد على تساؤلها، ولكن
إيرلا لم تُصدق قوله وشرع تُمسد على
محيط كتفيه لبرهه حتى أستقبلت
تأوه مخنوق منه.
"جدياً جيمين، هل كل شيء
على ما يُرام!"
"هل ستُقبلينني.. أن أخبرتكِ
بأنهُ ليس كذلك؟" سألها بهمس وهو
يقلب جسده ليرقد على ظهره،وإيرلا
وسعت من عينيها بطريقة لطيفة فيما
أصطبغت وجنتيها بإحمرار طفيف.
"هل ستفعلين؟" كرر طلبهُ وهو يرفع
من أصبعه ليتحسس جوانب فكها
حتى عقدة حاجبيها الرقيقين.
"جيمين..ما شأن هذا بالقبـ—"
"شأنه.. شأنه" قاطعها بإصرار يرفع
جسدهُ عن السرير ليتكئ إلى الخلف
"هل لاحظتِ بأنهُ منذ أن بدأنا المواعدة
أنتِ لم تُقبلينني ولو لمرة؟"
أشار بأصبعه في الهواء ثم شاهد
كيف أستقامت عن جانبه وأخدت تفرك
يديها بتوتر ملحوظ وفمّ يُفتح و يُغلق
لعدة مرات.
"جيمين.. أنا.. أنا فقط مازلتُ أريد
بعض الوقت" همست بأنفاس سريعة
وهي تحرك بصرها في الأرجاء بعيداً
عن عينان حبيبها والذي أفرج عن تنهيده
طويلة قبل أن يعاود رمي جسدهُ على
السرير مع وضع ذراع حول وجهه.
تلكأت إيرلا وهي تهز ساقيها،لا تدري
ماذا تفعل.. دوماً ما يحدث هذا،دوماً
ما يُصعب عليها الخوض في نقاش معهُ،
دوماً ما تتلعثم وتغير دفة الحديث بأكملها
ولكن.. هذه الليلة تبدو مختلفة..
جيمين لا يبدو بخير أبداً.
عضت على سُفليتها بقوة فيما جلست
أخيراً على طرف السرير خلف جيمين
بغرض إضافة شيء أخر،ربما الشرح
أكثر عن رغبتها،عن قلقها الذي تُعاني
منه منذ بدء هذه العلاقة..
إلا أن جيمين هز رأسهُ ببطء ولكأنهُ
يرفض الإستماع إلى أي شيء منها
وهو يلوح بيدهُ مردفاً "فقط أنسِ الأمر!"
"لكن.. أنا—،"
"أنهُ ذات الشيء إيرلا!" قاطعها بصوت
عال "أنتِ خجولة،وما تزالين تشعرين
بالتردد، تُريدين التأكد من مشاعركِ
دون أي مُلامسات.. ماذا بعد، هل لديكِ عذر
جديد الأن؟"
"لماذا تتحدث بهذه الطريقة؟" سألت
بإنزعاج وهي تدفع ذراعهُ عن وجهه
"لا تصب غضبك عليّ أن كُنت
تمر بوقت سيء!!"
"وقت سيء؟" شخر جيمين بسخرية
محدثاً نفسهُ قبل أن يسحب نفساً
عميقاً ليقول بشكل مباشر "أتعلمين
ماذا! أنا سئمت منكِ،ولم أعد أريد
أي شيء!" رفع كلتا يديه في الهواء
يؤكد على قوله وهو ينهض عن السرير
"والأن هل يُمكنني البقاء بمفردي—"
"لا يِعقل بأن كل هذا بسبب قُبلة" أنفعلت
تقاطعهُ وهي تنهض كذلك "ما الذي
فعلتهُ حتى تشعر بذلك جدياً؟ لقد
تحدثنا طويلاً بهذا الشأن،أنا ما أزال
أشعر بقليل من القلق حول الملامسات
الجسدية وأنت بالفعل وعدتني أنهُ
لن يقف شيء سخيف كهذا عقبة
في علاقتنا"
"أنتِ لا تعلمين ماهو السخيف
في علاقتنا إيرلا، لن تفهمين أبداً"
صاح بغضب وهو يُشير إليها"لن تفهمين
شعور الخوف من أن أبتعد عنكِ لأنكِ
تعرفين جيداً مدى حبي لكِ،لن تفهمين
شعور القلق الحقيقي من وجود يونغي
حولكِ وأهتمامكِ المفرط وأنسجامكِ
معهُ أكثر مني أنا والذي من المُفترض
أن أكون حبيبكِ اللعين، الأقرب إليكِ!"
"لذلك أنسي وحسب" أضاف بعد وقت
طفيف من الصمت وهو يمسح وجهه
بعشوائيه ثم أستدار بعنف للمغادرة،
ولكن إيرلا كانت أسرع بخطواتها لتقف
أمامهُ تمنعهُ عن الخروج من الغرفة.
"أنظر.." بدأت بتلعثم وهي ترتجف
فعلياً "أنا.. قد لا أدرك كل هذا،قد
لا أفهمك كما تقول.. ولكنني.. أحبك
حقاً،أنا حقاً أفعل!" همست بنبرة
مهزوزة مؤكدة قولها قبل أن تأخد نفساً
مسموعاً تمنع نفسها به من أن تبكي.
لقد جرحتهُ للمرة الثانية،لقد
اخطأت بحقه للمرة الثانية.
"أنا..فقط قليلة المعرفة
بما يتوجب عليّ فعلهُ لأجلك..
في حين أنك تفعل الكثير جيمين،
أشعر كما لو أن حبك الكبير الذي تستمر
في إظهاره يجعلني ضعيفة جداً..كوني
أعجز عن التعبير،أنا سيئة في مشاعري
لا أستطيع مجاراتك في الطريقة التي
تُحبني بها" زفرت بضيق من الألم الذي
أحتل صدرها فيما تسللت ذراعيها لتُحيط
بهما جيمين لإحتضانه أقرب،وحينما لم
يرفض وقبل لمسها لهُ أنحنت لوضع رأسها
على كتفه مع شدها من إغلاق عينيها.
"أنا أيضاً لدي ذلك القلق من
أن لا أكون كافيةٌ لك،من أنك قد تفضل
شخص أخر أكثر قدرة على العطاء، من
أن يجعلك تشعر بحبهُ أكثر مما أحاول فعلهُ
... أنا أيضاً أخشى من—"
"أنتِ تعلمين بأنني لن أفعل!" همس
جيمين بعد صمت مرير وهو يحتضنها
بقوة أكبر"تعلمين بأنني لن أفعل مهما
حدث، مهما كُنتِ حمقاء ولا تدركين ما
تفعلينهُ بيّ خلال كل تلك الساعات التي
تمضينها برفقه يونغي، مهما كان الأمر
مزعجاً لي، ومؤلماً.. قلبي لم يعد أمرهُ بيدي،
لقد خضع لكِ منذ أن رمقتني بهذه العينان
الفاتنة بغضب شديد والذي من المُفترض
أن يجعلني أتجنبكِ،ولكن.. كما لو أن لعبة
القدر بدأت منذ تلك اللحظة، كما لو أن
مجرتيك اللامعه تمتلك أسهمٍ ومن خلالها
قامت بثقب الغلاف المُحيط لقلبي،
كما لو أنكِ كنتِ تصرخين بصمت بأن
أجعلكِ تُحبينني—!"
"لا تفعل..!" همست إيرلا شاهقة
ببكاء حاد وهي تتشبت به بقوة
أكبر، قلبها كسائر جسدها يرتجف
بعنف دفع جيمين لأن يُعانقها أكثر،
يضمها بين ذراعية بقوة لم تزدها سوى
بؤساً وقهراً، لطالما كانت مفتعلة مشاكل
معدومة البصيرة لا ترى حبهُ الكبير،
لم تشعر به،لم تُقدر كل أفعاله..
كانت بين القبول والخوف،تُريد حبه
تُريد شغفهُ،مستمتعة بالحياة بقربه
ولكنها.. تخاف التعمق،تخاف التعلق
ومُذ ظهور يونغي وعودة المياة من جديد
في علاقتهما كأصدقاء بدء وكأنها وجدت
مهرب حتى تبعد قليلاً عن جيمين،
شعرت بالراحة الفراغ الشاسع الذي
بقي بينهما،شعرت بالطمأنينة من
عدم تعمقهما أكثر لاسيما وأنها
لا زالت في منزله،في الغرفة المجاورة
لهُ تماماً..
"حسناً.. فقط توقفي عن البكاء!"
غمغم جيمين بخفوت وهو يأخذها
إلى السرير قبل أن يخرج عدة مناديل
لوضعهم بين كفيها المرتجفين.
"جيمين—"
"كلا،لا تقولي شيء" نفى
برأسه وهو يجلس قربها يحمل
كأس ماء ليرفعهُ نحوها "أشربي!"
وإيرلات فعلت،بإرتجاف شربت القليل
لا تزال تشهق بخفوت، أحمرار تجمع
في بياض حدقتيها مع شفاه أخدت ترتعش
بوضوح لتجعل من غضب جيمين وأستياءه
يتبخر فوراً..
"نامي الأن.. ولنتحدث غداً!"
همس يمرر أصابعهُ بخفه على
بللّ وجنتيها المُحمرة قبل أن ينهض
ليُغادر المكان تاركاً إيرلا تبكي بعنف..
مشاعر جيمين جعلتها تشعر
بالحقد تجاه نفسها، تجاه قلبها
الأحمق..
جعلها تدرك مُعاناته، كيف أنها لم
ترى تلك اللمعه الحزينة حتى على
الرغم من جميع الأوقات التي أبتسم
بها لأجلها.
جعلها تؤمن بأنها لا تعود عليه
بالمنفعه مطلقاً،ومع ذلك هو
بجانبها،يتحملها.. مُتمسكاً بها.
.............
كانت التاسعة والنصف صباحاً
وإيرلا ما تزال في سريرها تتصنع
النوم، على الرغم من أنها لم تستطع
إغلاق جفن طيلة الليلة الماضية.
لا تجرؤ على الخروج ومواجهة جيمين،
لا تقوى على الوقوف أمامهُ وهي تشعر
بكل هذا الإحراج والعار من نفسها ومن
قلبها والذي من المُفترض بأنهُ واقع في
حبه حتى الموت.
ما عاشتهُ بسبب صراحة جيمين معها
لا يُقارن مطلقاً ما عاشهُ هو طيلة تلك
الأيام الماضية،لا تستطيع التصديق بأنها
كانت تُعامله بهذه الطريقة،لا تُصدق بأنها
جرحتهُ مجدداًً ومجدداً دون أن تُدرك،
لا تُصدق بأنها غبية وعديمة الفائدة إلى
هذا الحد،لا تُصدق بأنهُ رغم كل هذا لا يزال
يتحمل وجودها معهُ.
"ماذا ستفعلين مثلاً!تبقين في سريركِ
كالجبانة!" هسهست بسخط مع نفسها
وهي تستجمع شجاعتها لتبعد الأغطية
من فوقها وتخرج من الفراش.
"أنتِ يجب عليكِ الإعتذار،يجب أن تتحليّ
ببعض الأخلاق وتعترفي بخطأكِ!" أشارت
لنفسها من خلال المرآة بملامح غاضبة
قبل أن تفتح مقبض الباب وتُغادر المكان.
رائحة الطعام أرتدت في زوايا المنزل
فيما كانت تنزل الدرجات ببطء وخفه حتى
لا تجذب أنتباه جيمين إليها.. وبالحديث
عنه.. ها هو ذا يقف خلف الطاولة يضع
الأطباق بهدوء قبل أن ينزع المئزر عنه
ويعلقهُ على طرف الكرسي.
راقبتهُ إيرلا بقلب صاخب وعينان
ذرفت دموعها مجدداً، ألم شديد أعتصر
صدرها عندما ألتفت إليها لتعتلي الدهشة
ملامح وجههُ لرؤيتها تقف بصمت أعلى الدرج.
"صباح الخير" قال بهدوء وهو يقطع المسافة
بينهما "ظننت بأنكِ لن تستيقظين!"
"أعتذر.." همست بخفوت وهي تنزل
باقي الدرجات فيما لوح جيمين بإبتسامة
صغيرة قائلاً "أعددتُ الطعام لذا تناوليه
قبل أن يبرد—"
"ماذا عنك؟" سألتهُ من فورها عندما
أكشتفت أخيراً بأنهُ وضع طعام لشخص واحد
وحسب.
"..لديّ بعض الأعمال يجب أن—"
"أنهُ الأحد" قاطعتهُ "عطلة،لا يوجد عمل!"
"كلا.. يجب أن أكون في مكان ما قبل
العاشرة.. وقد.. اتأخر مساء—"
"أنت تهرب مني صحيح؟" همست بثقل
وهي تقترب إليه "أنت تضع مسافة بيننا
جيمين.. ألا تفعل!"
"إيرلا،أنا فقط سأذهب—"
"أنت ترمش كثيراً" تمتمت بخفوت
"إذن فأنت تكذب عليّ!"
"ماذا؟" همس بالمُقابل بعدم فهم
وهو يُراقب أقترابها البطيء منه.
"حينما تكذب.. أنت ترمش كثيراً" أعقبت
بعينان دمعتّ مجدداً "لا تفعل،أنا من يجب
عليها الذهاب ليس أنت،هذا منزلك!"
"لن أذهب!" أعترف أخيراً "أنا فقط فكرت
بأنني قد أكون اخطأت عندما أجبرتكِ
تلك الليلة على القدوم معي،ربما تسرعت
ولم أقدر كونكِ غادرتِ علاقة آخرى..
لذا أنا أعتقد بأنكِ تحتاجين لبعض
الوقت بمفردكِ إي—"
"ولكنني أحتاجك أنت!"
أحتجت بضعف وهي تقترب أكثر
"لا أعلم لماذا واللعنة تتقبل كل
ما أفعلهُ بك،لا أدري أي حب هذا الذي
تكنهُ لي حتى تحتمل رغم أنني لا
أُحتمل،لا أفهم كيف يُمكنك الأستمرار
معي وأنا لا أجلب لك سوى الألم،أهرب
حين شعوري بالخوف والقلق،تضطرب
أفكاري وأتصرف بأنانية تماماً كهذه
اللحظة،مع هذا أن كان هُنالك شخص
من المُفترض أن يُغادر المنزل فهو
أنا لا أنت!"
"إيرلا هذا لا يعن—"
"أنا لا أريدك أن تُعاملني بهذه
الطريقة!" قاطعتهُ بحزم تدفع
أصبعها ضد صدره "لا أستحق ما
تفعلهُ لأجلي جيمين،لماذا لا تفهم
هذا؟حباً بالله، لماذا تصرّ على
الخوض في هذا—"
"لأنني أحبكِ!" رد بعنف
وهو يرميّ ذراعيه في الهواء
قبل أن يدير ظهره إليها يحاول
التنفس بعمق حتى لا ينفجر بها.
"لأنني أحبكِ،إيرلا.. ولأنني
أحببتُكِ لا أستطيع المضي
قدماً وحسب،لا أقدر على
التصرف وكأنكِ لا تعنين لي
شيء—"
"توقف..فقط لا تُكمل"
قاطعتهُ هامسه وهي تقترب إليه
حيث أنهُ كان لا يزال يعطيها
ظهره.
مسحت بيديها على مُنحنى
كتفيه برفق حتى لفتهما حول
خصره لتضغط برأسها ضد
ظهره هامسه "أنا..حمقاء.. جداً
لا أتخيل بأنك مضطر للتتحمل كل
ما أفعلهُ من تصرفات رعناء،لا
أستطيع تصديق بأنك رغم كل هذا
لم تترك يدي قط،أعطيتني الوقت
والفرصة،سمحت لي أن أدخل حياتك
مجدداً..وأحببتني مجدداًً،فعلت الكثير
لأجلي جيمين.. فعلت ما لم أستطع
تقديمهُ لك خلال كل هذا الوقت الفائت،
وضعت نفسك خلال كل هذا الألم والإحباط
ومع ذلك أنا لازلت أتصرف كمراهقة سخيفة
لا فائدة منها—"
"ألا أعلم هذا!" تمتم جيمين بخفوت
وهو يدير نفسهُ بين ذراعيها حتى
أصبح مُقابلاً لها يدقق في ملامح
وجهها الغارق بدموعه"أنتِ
تبكين منذ الأمس،حباً بالله أنا
من يفترض عليه البكاء،ولكنني
أحاول ألا أفعل!"
"لهذا أنا أفعل عوضاً عنك!" أنفجرت
تبكي مجدداًً بطريقة لم يستطع
جيمين إلا أن يضحك ملىء شدقيه
وهو يضغط بجسدها ضدهُ بإحكام.
إلا أن إيرلا أوقفته حينما رفعت
يديها نحو وجهه لتضغط على
وجنتيه بقوة طفيفة قبل أن
تُباغته بحركتها المُفاجئة وهي
تدمج شفتيهما معاً في قبلة صغيرة.
لم تفعل شيء سوى ألصاق
شفتيهما معاً،وجيمين المشدوه
بفعلتها والذي أنتظرها طويلاً،قوس من
جسدهُ نحوها كرد فعل طبيعي قبل
أن يحتضن خصرها بقوة ويُقربها
منه بشكل ضيق وهو يُقبلها كما
يتوجب عليه أن يفعل.
تخابطت أجسادهما معاً
ودون شعور تدافعا إلى الخلف،
جيمين ما يزال غارقاً في تقبيلها
وإيرلا في البداية بقيت متجمدة من
حركتها المُفاجئة لها وأيضاً من
خفقات قلبها والتي قرعت كالطبول
قبل أن تجد نفسها تغرق كلياً بين
ذراعيه وتُغلق من عينيها وهي ترفع
أصابعها لتُمشط خصلاته الخلفية.
بعد ذلك ما حدث كان ضبابياً للإثنان،
جيمين وجد نفسه مدفوع ضد الأريكة
يُبحلق بشرود في إيرلا والتي ترقد فوقه،
كان يُحدق كما وكأنهُ غادر الكون ونسي
كل ما حوله عدا عن وجودها بهذا القرب
منه بوجنتين مشبعه بحمره حلوة تصف
ما حدث بينهما منذ قليل.
فيما أغمضت إيرلا عيناها بقوة
وبصدر يعلو ويهبط بسرعة مخيفة
حينما أرتد نفس جيمين على وجهها
وهو يرخي بجبينهُ ضد جبينها ثم أخد
يستنشق رائحتها دون توقف قبل أن
يغمغم "جئت بقلب من نار لأضع هذه
المسافة اللعينة بيننا.. ولكن،أنتِ
فقط..يا إلهي، إيرلا.. أنتِ لا تعلمين
ماذا فعلتِ بقبلتكِ هذه.. أنا..حقاً..
عاجز عن التحدث!"
"لنجعلها البداية إذن" همست بثقل
من أنفاسه الحارة وحركات أصابعهُ
الخفيفة على طول ظهرها "لندع
هذه اللحظة تُنير القادم،لننسى
ما حدث كلياً.. لا تفكر حتى بمغادرة
المنزل.. لا تفكر بهذا أبداً طالما أنا
من يُخطئ.. أنت لا تضع مسافة بيننا
بل تُعذبني حرفياً جيمين،أكره رؤية
كل هذا الحبّ في عينيك وأفعالك في
حين أنني أخاف من كل شيء،أخاف من
الأعتياد والتعود ثم البقاء دون شيء..
أخشى من أن تأتي لحظة كهذه مجدداًً
وتذهب من حياتيّ كلياً.. أنا..أنا..
لا أستطيع دونك جيمين،حرفياً.."
"لننسى وحسب لأنني أنا أيضاً
لا أستطيع من دونكِ إيرلي" أجابها
بإبتسامة عريضة وعينان متقوسه
قبل أن يربت على كتفها بلطف متابعاً
"لنتناول الأفطار أولاً وبعدها—"
"بعدها لنخرج في موعد حقيقي!"
قاطعتهُ من فورها وهي تنهض عن
جسده "أنت أجلس وأنا سأحضر طبقك"
أشارت وهي تمسح خيوط دموعها
الباقية على وجنتيها قبل أن تهرول
إلى المطبخ.
راقبها جيمين وهو يعض طرف
شفاههُ يكبح إبتسامة تكاد تبتلع
وجههُ عندما تخبطت يميناً ويساراً
وتعثراً بخطواتها وهي تحرك أصابعها
تتحس شفتيها..
أعني هو أيضاً يشعر بقليل من
الإحراج بعد كل هذه الدراما ولكن
الشعور الأكبر الذي يطغي عليه هو
أن إيرلا لم تعد تضع أي حواجز بينهما
لا شيء يقف بينهما ولن يقف مجدداً
طالما وأنها أعترفت بحبها المتبادل لهُ.
..........
-بعد ستة أشهر-
كان جيمين يقلب التلفاز بملامح
عابسه وشفاه مزمومه بعد أن أنهى
مُكالمته مع إيرلا والتي أخبرته بحزن
أنها لن تستطيع مغادرة إيطاليا بسبب
سوء الأوضاع الجوية وهو لم يترك كلمة
بذيئة إلا وقالها بإنفعال قبل أن تهدهده
إيرلا بلطف في محاولة فاشلة لإخماد
غضبة.
"أخبرتك مراراً أن لا تذهبِ من
دوني ولكنكِ لا تستمعين!" صاح غاضباً
يحدث شاشة هاتفة المنطفأة قبل أن
يلقي بجهاز التحكم جانباً حينما ثبت
على قناة ما ليشاهدها بعبوس وضيق.
"على الأقل غيري من مزاجي
أنتِ.." همس مع نفسه عندما ظهرت
أغنيتهُ المفضلة على التلفاز ليرفع
من مستوى الصوت حتى النهاية.
ترددت صدى الموسيقى في المكان
فيما نهض عن سريره لتقوده ساقيه
حتى الشرفة المغلقة، توقف ضد الزجاج
العريض يُحدق في الأفق الغائمة، يتلمس
بأطراف أصابعه القطرات الملتصقة به
قبل أن يأخد نفساً عميقاً وهو يقبض
على المفتاح يُديره ليضرب وجهه الهواء
البارد..
أستنشق من أنفه بقوة مغلق العينان
بإستمتاع للشعور الذي غمره،
جيمين يُحب هذه اللحظات حينما يحيط
به الصمت ويداعبه النسيم، أوقات كهذه
تشعره كما لو هناك أشياء كثيرة تثير
أعماقه، ذكريات مخفية تتسرب أمام
عيناه، ذكريات تنبعث من رائحة العشب،
أحاسيس منسيه مع أنتشار أول كلمات
لأغنيتهُ التي يُحبها هو وإيرلا.
على ذكرها تردد في مسامعهُ صوتها
ليشعره بالحنين إليها، صوتها الذي يبدو
ناعماً أحيانا وأخرى أجش، عيناها التي تتقوس، طريقتها اللطيفة حينما تضحك، عبوسها
حينما تغضب او تكره شيء، تجويف وجنتيها،
الشامة أعلى شفاهها—،
وجيمين وجد نفسه يبتسم مع دقات
قلبه التي أخدت تنبض في منتصف حلقه،
هو مجدداً يغرق في تفاصيلها، يُفكر في
كم أنهُ محظوظ للحصول على شخص كامل
مثلها، شخص يُحال أن يجد منه أثنان،
شخصٍ يحبهُ ويحاول جاهداً أِسعاده،
شخصٍ كاد أن يفقده إن لم يعترف ذلك
اليوم، شخصٍ لم يتوقف عن العبث
بأحاسيسهُ بحبه الكبير..
♪
ليس لقلبي أبواب.. ادخل
لا داعي للطرق لأنهُ لا يوجد سوى جدار..
فبتدخل..
حطمهُ دون خوف أنه أنت فقط أنت فقط..
وأخرجني من هنا..
♪
أستل نفساً عميقاً وهو يتجه إلى
الجهة الآخرى من الشرفة بغرض
رؤية أزهاره التي يهتم بها ولكن تقرفص
إيرلا بإبتسامتها الكبيرة ويدها التي أخدت
تلوح لهُ بإستمرار جعل من فمه ينشق بأعرض إبتسامة قد أفرج عنها في حياته كلها
ونبضات قلبه كما لو أنها دبت الحياة بجسده.
"لقد خدعتني،تباً لكِ" صاح بها دون أن
ينتظر رد منها إذ أنهُ أسرع بالركض خارج
الشرفة ثم أحكم أغلاقها قبل أن يهرع
إلى باب..
ومع اللحظة التي فتحهُ بها كانت إيرلا
تُحاصره بلف ذراعيها بقوة حول خصره
تجذبهُ نحو أقرب إليها وجيمين بشوق
غرس أصابع يديه في مؤخرة رأسها يسحبها
من خصلات شعرها ليُقبلها بلهفه،
لتُبادلة من فورها، بعمق وأعين مغلقة
أخدت تحاول مُجاراتهُ باللذة التي يدفعها
بشفتيه الطرية عبر ضغطه الشديد على
جانبي خصرها ليسحبها أقرب و أقرب
حتى أبتلعت المسافة بينهما حرفياً.
"أنتظرت كثيراً،أنتظرتكِ طويلاً" همس
جيمين بأنفاس ضحلة وهو يميل برأسه
نحوها ليطوق جبينها بقبله صامتة..
لا شيء يتحرك بهما، مشاعرهما
من تتلاحم بعنف وتنتشر في الهواء
مخلفه شيء من العاطفة العميقة..
عاطفة أحرقت حلق إيرلا والتي شعرت
بسائر جسدها يهتز لتلك الوعود الساكنة
بأعين حبيبها، رعشة طويلة أندلعت بين
ثنايا قلبها حينما أبتسم جيمين بشوق
ألتمعت لهُ عيناه..
وفجأة ضاقت تلك العاطفة بينهما
وأنفجرت شراراتها في الهواء الثقيل،
وصدر إيرلا أصبح يحتوي على نبضاته
العنيفة، عاطفة حبست أنفاسها في جوفه
من شدة عمق هذه اللحظة المنتظرة.
ثلاثة أشهر كاملة دون حبيبها،
ثلاثة في أنقطاع تام عن رؤيته
ولمسه والشعور بجسده وسماع
كلماته التي تُحب حتى وإن كانت في
بعض الأوقات هزلية لا معنى لها..
ولكنها أشتاقت إليه، كل خلية بها
تفتقده.. تتوق للبقاء قربه، للعيش
هكذا بين ذراعيه طوال حياتها.
♪
العالم يهتز الأن والضوء ينبثق من خلاله..
حبيبي لقد وجدتك..
بعد الأنهيار بين الأنقاض..
حبيبي لقد وجدتك..
جسدي يتنفس..
يستنشق حبك بعمق..
أنا مستيقظة و وجدتك..
ضمني وأهمس في أذني..
لقد وجدتك..
♪
"هل أخبرتكِ مسبقاً بأنني
أشعر بكِ تسرين بين عروقي!"
جيمين أبتسم مؤكداً على كلامه بهزة
من رأسه، وإيرلا أصدرت ضحكة عالية حيث
أنهُ بدأ يردد كلماتهُ الهزلية دون توقف قبل
أن يغمر وجهها بُقبلات صغيرة متفرقة
ليحصل على عدة قهقهات منها.
"توقف" دفعتهُ بإحمرار وهي تشيح
بوجهها بعيداً عنه إلا أن جيمين أفرج
عن همهمات غير راضية وهو يعيدها
بين ذراعيه يغمرها بقوة أكبر.
"حتى الأبد" همس جيمين بصوت
أجش وهو يضمها بضيق يُماثل قوة
وعدهُ لها،وإيرلا تنهدت وهي تُغلق من
عيناها مع وضع رأسها على كتفه.
♪
أرني ما لا تُريد أن تظهره لأي أحد..
أدخل.. فلتدخل..
وكأنني مغطاة بالغبار
أنا أنتهيت..
الأن الرياح اللطيفة تهب..
حبيبي لقد وجدتك..
عبر الحطام المفتتة..
حبيبي لقد وجدتك..
أنه ما كان جسدي يبحث عنه
وحبك قد تخللني..
لقد تركت أثرك ولقد وجدتك..
شعرت بالحزن والفراغ وأستسلمت
ولكني وجدتك..
لم أكن أنوي أن ابني جدار
ولكنني أدركت انه لا يمُكنني التنفس
لا يُمكنني الهروب..
العالم يهتز الأن والضوء ينبثق من خلاله..
حبيبي لقد وجدتك..
بعد الأنهيار بين الأنقاض..
حبيبي لقد وجدتك..
♪
حتى الأبدية أو ما بعد الأبدية
سيظل الحب يجمع بينهما.
................
▶❤❤◀
◀الخاتمة▶
◀- النهايات هي كل ما تجعد أصابع
الكاتب وترفع من مستوى قلقه لذا ضعوا
القليل من الحب-▶
▶أنتظروا أعمالي القادمة
مع كل حبي❤◀
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro