اليوم التاسع
11/04/2016
«لا شيء يمر في حياتنا عبثًا، تعثرات صغيرة كانت أو كبيرة، وجدت لأجل أن نعرف شيئًا ما ونعيه وأن نتعظ، فهل سأفعل ذلك؟»
«أميرة أرجوك عودي، لقد ماتت أمينة»
لحظة، ماذا قالت؟ وكأنني سمعت اسمها، ربما لفظت الاسم الخطأ أو أن هناك خطبًا ما، شعرت برجفة سرت في كل أنحاء جسمي واختناق داهم رئتي وكأنه نقص في الأكسجين، ضاقت بي الدنيا، ما الذي تفوهت به؟ أمينة أختي، ماتت؟ هل هذا حقيقي؟ هل يعقل هذا؟
لماذا يحدث معي كل هذا؟ لم أفقد أعز الناس؟ لمَ الناس الجيدون هم من يذهبون أوَّلًا؟ كان من المفترض أن أموت أنا، من المفترض أن أتعذب أنا وليس أمينة، ماتت وتركت خلفها أمي، أبي، صغيرها وزوجها، لمن تركتهم يا ترى؟ سيضيع والدي من دونها، من سيقف مع أمي في مرضها؟ ومن سيربي طفلها؟
أفكار كثيرة هجمت على عقلي المسكين فنهشته دون رحمة، وأما قلبي فكان يدق بشكل جنوني وكأنه في سباق جري وهو يطمح للحصول على المركز الأول، شعرت وكأنني أحتضر أو ما شابه، امتلأت مقلتاي بعبرات تستعد للنزول كي تقوم بواجب العزاء، في ظرف ثمانية وأربعين ساعة فقدت شخصين لهما أثر لا أستطيع وصفه، فارقتهما الحياة، الأولى بعدما عانت كثيرًا ولم تُنصفها مرةً والأخرى لا أعلم إلى الآن كيف ماتت، وليس لدي رغبة في المعرفة، أريد مفارقة الحياة أنا الأخرى، مللت وسئمت منها.
«أميرة، هل تسمعين؟»
صرخت تين هنان بتلك الكلمات بعدما تأففت من الترجي للإجابة عن أسئلتها، لقد سمعتها لكني لم أنبس ببنت شفة، صببت جل اهتمامي في ما يجب أن أفعل الآن، كيف أتصرف؟ لست بالابنة البارة التي ستقف مع والديها في هذه المحنة، بل ربما رؤيتهم لي ستزيد فوق حزنهم حزنًا فقط.
وبالفعل هأنا ذا أجلس على كرسي في ساحة منزلنا وسط كثير من الناس، منهم من عرفتهم ومنهم لن لم أعرفهم، لم أتجرأ على الذهاب لرؤية أمي، رد فعل أبي الجامد عندما رآني داخلة كان إشارة نحس تشي بالقادم، وكفيل بإيصال رسالة واضحة بأنني غير مرغوبة، أجلس وسطهم وكأنني غريبة عن هذا البيت، وكأنني لم أنشأ وأترعرع فيه، أنا الغريبة هنا حقًّا.
دموعي لم تتوقف عن النزول لحظة، كلما جف خدي ترويه عيني من دمعها أكثر، أبكي وأبكي على كل ما مرت به أختي، لم أتخيل أنها عانت قبل موتها إلى هذه الدرجة، لم يخطر على بالي ولا حتى في الأحلام أن يحصل هذا لفرد من عائلتي، توقعت أن يكون مصيري مشابهًا، لكن أن تكون أمينة فهذا غير وارد.
أختي الغالية توفيت بعد معاناة دامت قرابة السنة في معركة مع المرض الخبيث، جلست بجانبي تين هنان فحكت لي كل ما قاسته، كان قلبي يصيح ألمًا على ما عانته ولم أستطع احتمال سماع الحكاية، لكن عقابًل لي أرغمت نفسي على ذلك.
حكت لي كيف صارعت وقاومت إلى أن لفظت أنفاسها الأخيرة، أخبرتني أنها كانت تذكرني في كل دعاء لها ولم تنسَني يومًا، بل كانت ترجو أن أعود إلى البيت في يوم ما، كانت ستستقبلني بكل رحابة صدر إن تبت وندمت على ما فعلت، كانت تتمسك بأمل مزيف، كذبت على نفسها وصدقت كذبتها بأنني سأرجع قبل وفاتها كي نعود أسرة سعيدة مثلما كنا، أو أفضل مما كنا عليه.
كانت تقوم الليل كل يوم وتصلي وتدعو لي، لم تكن تهتم لمرضها بل كانت راضية كل الرضا، جل اهتمامها صُبَّ علي، قاومت مرضها وتشبثت بهذه الحياة حتى تراني فتاة أخرى، أقصى أحلامها التي من المفترض أن تكون بسيطة، لكن حيث إنني أنا من يجب عليها تنفيذها فهي أصعب من الخيال، بكيت بدل الدمع دمًا، تذكرت ليلة زفافها وهي توصيني بالاعتناء بنفسي وبوالدينا، أخبرتني أنها ما زالت معي وإن احتجت إليها فسأجدها.
«أخلفت بوعدك يا أمينة، وهذا ليس من شيمك»
أنا أحتاج إليك الآن يا أمينة، أريدك بجانبي، أريد مساعدتك، أريد التغير، أريد العون في تخطي محنتي والعودة إلى خالقي، أحتاج إلى من يقف معي ويرشدني، لكن من بقي لي الآن؟ لا أحد، أصبحت وحيدة أكثر من ذي قبل، أنا يتيمة بوالدين، لا أستحقهما حقًّا، لا يحتاجان إلى ابنة مثلي.
ماذا عن أمي وأبي؟ إنهما بحاجة إليك أكثر مني، أنا من كان عليها أن تموت، لو كان بيدي تغيير الأقدار، لمت بدلًا منك. بلا فائدة أسبب المشاكل ووجع الرأس فقط، الآن قد فقدتك حقًّا، تركت صغيرك فأصبح منذ اليوم يتيم الأم، ألم تفكري لمن تركته؟ من سيربيه؟ لا أجد ما أستطيع قوله أكثر من: ارقدي في قبرك بسلام، وأرجو أن يكون مأواك الجنة.
تقطع قلبي إلى فتات، لم أستطع تحمل إبصار حال أمي، وخاصة والدي الذي كانت حالته يرثى لها، يبدو كاليتيم الذي فقد أمه، يبكي ويقول: لمن تركتني يا بنيتي؟ أصبحت وحيدًا من غير رفيق، كنت أنت أنيستي ومن أستند إليها حتى في مرضك، لمن تركت والدتك ومن سيعتني بها؟ أصبحنا وحيدين بفقدانك يا كنزي الثمين ويا قرة عيني.
أما أمي فلم تتكلم مع أحد، بل بقيت تضم جسدها مسندة بخدها إلى ذراعها وتنظر إلى الفراغ وكأنها وحيدة في تلك الغرفة، ودموعها الوحيدة التي تنهمر كشلال دون توقف، منظرهما يقطع القلب، وينبشه بأظافر حادة مرارًا وتكرارًا.
لم أقدر على التحمل أكثر بل خرجت من البيت بشبه وعي، ما مر بي في تلك الساعات لم يكن هينًا، يا الله، اهدني وساعدني على العودة إلى الصواب، يا الله املأ قلبي بحبك، يا ربي إني أريد الصلاح والتوبة، ساعدني وهب لي أشخاصًا يدلونني على الطريق.
كنت أمشي دون سبيل، ولا وجهة محددة، تائهة، ضائعة، هكذا وصف حالي.
¶-------------------¶
807 كلمة
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro